سعيد كنيش - الحرب الاعلامية ضد روسيا

الحرب الاعلامية التي يشنها اليوم حلف الاطلنطي بزعامة أمريكا وذيولها ضد روسيا، أعتقد لا نظير لها في الحروب العدوانية التي شنتها أمريكا منذ حرب كوريا في بداية الخمسينات من القرن الماضي إلى اليوم، مع استثناء وحيد هو العدوان الامريكي على الفيتنام، حيث تمكن الفيتناميون من نقل جرائم الجيش الامريكي الحقيقية مصورة إلى داخل البيت الامريكي، مما دفع البنتاغون إلى مراجعة خططه والاستفادة من أخطائه فيما يتعلق بالحرب الاعلامية الموازية لحروبه التوسعية.
لقد حطمت هذه الحرب الاعلامية الجارية اليوم جميع الحدود واصبح كل شيء مباح لكراهية كل ماهو روسي، وتحولت إلى نهش منظم في اللحم الروسي شعبا وثقافة ودولة وقيادة ومؤسسات وتاريخ. الماكينة الاعلامية الغربية التي لا نظير لها تشتغل بلا توقف، تجمع الدعاية والعمليات النفسية والحقد ونشر الكراهية في حرب شاملة تهدف إلى تحطيم روسيا وشعبها. فهي أكبر بكثير من مجرد نشر الاكاذيب وتلفيق التهم الباطلة وتزييف الوقائع على الارض لخوض حرب المعلومات ضد روسيا.
هذه الحرب الاعلامية تستهدف أولا شعوب الغرب وهو أمر ضروري لكسب التأييد و تبرير الحرب التي يشنها الناتو وشرعنتها وتحمل تكاليفها. و قد حققت نجاحات أولية وسط الجمهور الذي بدأت تطحنه الازمة الاقتصادية والاجتماعية، ولبلوغ أهدافها تعتمد التعتيم والتلاعب بوسائل الإعلام التي تمتلكها كُلِّيًّا أو جُزْئِيًّا، وإخفاء البيانات عن الجمهور، ولا تخبر المواطنين عن الجانب الاقتصادي للحرب، ولا عن أسباب ارتفاع أسعار المحروقات أو المنتجات الغذائية، وتكتفي بقول “إن روسيا هي المسؤولة”، وتتجنب السّلُطات الحاكمة تحميل المسؤولية للشركات متعددة الجنسيات الاحتكارية، الأوروبية والأمريكية، التي تتحكم في الأسواق العالمية وتضارب بكل ما يباع ويشترى. مما يفسر العداء والحقد لكل ما هو روسي/ الروسوفوبيا، الذي يتوسع انتشاره حاليا في مجتمعات الغرب .
كان التمهيد لهذه الحرب الاعلامية بمنع أي منبر اعلامي معارض أو رأي مستقل أو محايد، وتم إخضاع كل الصحافة والصحافيين لخدمة مجهود هذه الحرب الاعلامية بسلاح المال والحصار والتشويه والمنع فاصبح جل الاعلاميين الموظفين لنقل ومتابعة وقائع الحرب في خدمة أهداف حلف الناتو.
كما يمكن القول بلا مواربة بأن الجزء الكبير من اليسار الغربي ومثقفيه هم جزء من هذه الدعاية الغربية، بما فيهم التنظيمات التي تسمي نفسها شيوعية بعد أن أصبح تفكيرها وممارستها ملوثين، تخلط بين الطبيعة التاريخية للمراكز الامبريالية، وهي الغرب الاوربي وأمريكا وكندا واليابان، التي قامت على نهب شعوب الجنوب والاحتكار والاستعمار والعدوان؛ وبين الصين وروسيا كقوتين وطنيتين منافستين تدركان كغيرهم من الحكومات الوطنية، أنه لم يعد ممكنا في عالم اليوم الدفاع عن أمنهم القومي واستقرار بلدانهم وشعوبهم وحقهم في التنمية المستقلة، من دون كسر احتكار وهيمنة الغرب الامبريالي بقيادة الولايات المتحدة على العالم. لذلك فإن هذه التنظيمات الشيوعية أصبحت لا تميز بين حروب الدفاع والحروب العدوانية تحث مسمى رفض الحرب، وتقفز على دور حلف الناتو في التوسع و إشعال الحروب ودعم الارهاب الديني والصهيونية والنازيين الجدد، لضرب الحق في الدفاع عن استقرار الشعوب للإبقاء على هيمنتها واحتكار شركاتها. أما تنظيمات التروتسكية فقد شكلت منبعا وتلقيحا لهذا التلويت، والملفت جيدا أن جل الاحزاب الشيوعية العربية لم تفلت من هذا التلوث الخطير.
أما داخل روسيا فإن هذه الحرب الاعلامية تحولت إلى فشل ذريع وأعطت نقيض مفعولها، وهو أمر مهم في تحصين الجبهة الداخلية لروسيا. و لا أدل من ارتفاع نسبة الدعم وسط الشعب للعملية العسكرية المسماة Z /الحقيقة، وللقيادة السياسية، واستعداد الشعب لتحمل أعباء هذه الحرب الشاملة مهما طالت و ازدادت جسامتها، الامر الذي يقلق المبرمجين للحرب العدوانية في وزارة الدفاع الامريكية.
فكيف حصل هذا الامر؟ لنعلم جيدا أن الشعب الروسي في عمومه حاصل على تعليم جيد ومرتفع وليس من السهل التلاعب بوعيه عن طريق البروباغندا، وهو مستوعب جيد لتاريخه الحافل بالوقائع الكبيرة ويعرف من هم أعداءه التاريخيين، وهو مشبع بوطنيته وثقافته بدون شوفينية، ويحب العيش بسلام كبقية شعوب الارض، ولا يستسيغ من يفرض عليه قيما لا يؤمن بها، خاصة وهو يكتشف نفاق الغرب وزيف قيمه ويرى كيف أن امريكا تقود الحروب وتكذب على العالم في أكبر محفل دولي دون عقاب، وتقيم على مقربة من حدود بلده مختبرات لأمراض فتاكة سرية تستهدف وجوده، دون أن تكلف هذا المحفل الدولي تشكيل لجنة تحقيق مستقلة. فهل تعرضت لأي عقوبة دولة من دول الاتحاد الأوربي التي سمحت بإقامة مراكز للاعتقال السري تمارس فيها أفظع جرائم التعذيب فوق بلادها لمصلحة أمريكا. فكيف سيصدق دعاية الغرب وهو يتابع جرائم عصابات النازيين الجدد على مدى ثمانية سنوات ترتكب ضد مواطني الدونباس دون اهتمام من منظمات حقوق الانسان الغربي ودون عقاب دولي. بل كيف يستسيغ دعم الغرب للنازيين من جديد و هو الشعب الذي قدم أكبر تضحية في التاريخ الحديث لدحر النازية والفاشية أثناء الحرب العالمية الثانية، فكيف سيقبل تشويه الجيش الروسي من خلال جرائم ملفقة ودون دليل.
سعيد كنيش/ في 2022/04/14

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى