أبوالعلاء المعري - نَبِيٌّ مِن الغِرْبانِ ليس على شَرْعِ

نَبِيٌّ مِن الغِرْبانِ ليس على شَرْعِ
يُخًبّرُنا أنّ الشُّعوبَ إلى الصَّدْعِ
أُصَدّقُهُ في مِرْيَةٍ وقد امْتَرَتْ
صَحابةُ موسى بعْدَ آياتِه التّسْعِ
كأنّ بفِيهِ كاهِناً أو مُنجِّماً
يُحَدّثُنا عمّا لَقِينا مِن الفَجْع
وما كان أفْعَى أهْلِ نَجْرَان مثْلَه
ولكنّ للإنْسِ الفضِيلةَ في السمْع
وما قامَ في عُلْيا زُغاوَة مُنْذِرٌ
فما بالُ سُحْمٍ يَنْتَجينَ إلى بُقْع
تَلاقٍ تَفَرّى عن فِراقٍ تَذَمّهُ
مَآق وتكسيرُ الصّحائحِ في الجَمْع
وشَكْلَيْن ما بَيْنَ الأثافيّ واحِدٌ
وآخَرُ مُوفٍ مِن أراكٍ على فَرْع
أتى وهْوَ طَيّاُر الجناحِ وإنْ مشى
أشاحَ بما أعْيا سَطيحاً من السّجْع
يُجيبُ سَماوِيّاتِ لَوْنٍ كأنّما
شَكِرْنَ بشَوْقٍ أو سَكِرْنَ من البِتْع
تَرَى كلَّ خَطْباءِ القَميصِ كأنّها
خَطيبٌ تنمّى في الغَضِيضِ من اليَنْع
إذا وَطِئَتْ عوداً برِجْلٍ حسِبْتَها
ثقيلةَ حِجْلٍ تَلمِسُ العودَ ذا الشِّرْع
متى ذَنّ أنْفُ البَرْدِ سِرْتُمْ فلَيْتَهُ
عَقِيبَ التّنائي كان عوقِبَ بالجَدْع
وما أوْرَقَتْ أوْتادُ دارِكَ باللِّوَى
ودارَةَ حتى أُسْقِيَتْ سَبَلَ الدمْع
ذكَرْتُ بها قِطْعاً مِن الليلِ وافياً
مَضَى كمُضِيّ السّهمِ أقصَرَ من قِطْع
وما شَبّ ناراً في تِهامةَ سامِرٌ
يدَ الدهرِ إلاّ أبَّ قلبُكَ في سَلْع
حكَتْ وهْي تُجْلى ناظرَ السبُعِ اجْتلى
مع الليلِ أكْلى والرّكابُ على سَبْع
حَمَلْتُ لها قلْبَ الجَبانِ ولم أزَلْ
شُجاعَ الهَوَى لولا رَحيلُ بَني شَجْع
وفي الحَيّ أعْرابِيّةُ الأصْلِ مَحْضَةٌ
من القوْمِ أعرابيّةُ القوْلِ بالطّبْع
وقد دَرَسَتْ نحوَ السُّرَى فهْي لَبّةٌ
بما كان من جَرّ البَعيرِ أوِ الرَّفْع
ألِفْتِ المَلا حتى تعلّمْتِ بالفَلا
رُنُوَّ الطَّلا أو صَنْعَةَ الآلِ في الخَدْع
ومَن يَتَرَقّبْ صَوْلَةَ الدهرِ يَلْقَها
وَشيكاً وهل تُرْضي الأساوِدُ بالوَكْع
إذا الضّبُعُ الشّهْباءُ حَلّتْ بساحتي
نَضَوْتُ عليها كلّ مَوّارَةِ الضّبْع
وقالَ الوليد النّبْعُ ليس بمُثْمِرٍ
وأخْطأ سِرْبُ الوَحْشِ مِن ثمَرِ النّبْع
أُوَدّعُكُمْ يا أهلَ بَغدادَ والحَشَا
على زَفَراتٍ ما يَنِينَ مِن اللّذْع
وَدَاعَ ضَنًى لم يَستَقِلَّ وإنّما
تحامَلَ من بَعْدِ العِثارِ على ظَلْع
إذا أطّ نِسْعٌ قلتُ والدّوْمُ كارِبي
أجِدّكمُ لم تفْهَموا طَرَبَ النِّسْع
فبِئْسَ البَديلُ الشأمُ مِنكمْ وأهلُه
على أنّهمْ قوْمي وبَيْنَهُمُ رَبْعي
ألا زَوِّدُوني شَرْبَةً ولو أنّني
قَدَرْتُ إذا أفنَيْتُ دِجلةَ بالجَرْع
وأنّى لنا مِن ماء دِجْلَةَ نُغْبَةٌ
على الخِمْسِ من بُعْدِ المَفاوِزِ والرِّبع
وساحِرَةِ الأطرافِ يَجْني سَرَابُها
فَتَصْلُبُ حِرْباءً بَرِيّاً على جِذْع
وما الفُصَحاءُ الصِّيدُ والبَدْوُ دارُها
بأفْصَحَ قوْلاً مِن إمائِكُمُ الوُكْع
أدَرْتُمْ مَقالاً في الجِدالِ بألسُنٍ
خُلِقْنَ فجانَبْنَ المَضَرّةَ للنّفْع
سأُعْرِضُ إنْ ناجَيْتُ من غيرِكم فتىً
وأجعَلُ زوًّ ا مِن بَنانيَ في سَمْعي
غُذيتُ النّعامَ الرّوحَ دونَ مَزارِكُمْ
وأسهَرَني زأرُ الضّراغِمَةِ الفُدْع
وما ذاد عنّي النّومَ خوفُ وُثوبِها
ولكنّ جَرْساً حالَ في أُذُنَيْ سِمْع
وكم جُبْتُ أرضاً ما انْتَعَلْتُ بمَرْوِها
وجاوَزْتُ أُخرَى ما شَددتُ لها شِسْعي
وبِتُّ بمُسْتَنّ اليَرابيعِ راقِداً
يُطَوِّفْنَ حوْلي مِن فُرادى ومن شَفْع
أبَيْتُ فلم أَطْعَمْ نَقيعَ فراقِكمْ
مُطاوَعَةً حتى غُلِبْتُ على النَّشْع
فنادَيْتُ عَنْسي من ديارِكُم هَلا
وقلتُ لسَقْبي عن حِياضِكُمُ هِدْع
صَحِبْتُ إليكمْ كلَّ أطلَسَ شاحبٍ
ينوطُ إلى هادِيهِ أبْيضَ كالرَّجْع
علَيْه لِباسُ الخُلْدِ حُسْناً ونَضْرَةً
ولم يُرْبَ إلاّ في الجَحيمِ من الصُّنْع
وأبْرَزَهُ مِن نارِهِ القيْنُ أخْضَراً
كأنْ غِيثَ فيها بالتّلَهّبِ والسَّفع
ولولا الوَغَى في الحرْبِ أسمَعَ رَبَّهُ
ألِيلَ المَنايا في المُثارِ من النَّقْع
ويأبَى ذُبابٌ أنْ يَطُورَ ذُبابَهُ
ولو ذابَ مِن أرْجائِهِ عَمَلُ الرُّصْع
تَلَوَّنَ للأقْرانِ في هَبَواتِه
تلَوُّنَ غولِ القَفْرِ للعاجِزِ المِجْع
تقول بَدا في سُنْدُسٍ أو مُوَرَّدٍ
من اللِّبْسِ أو عَصْبٍ يَرُوقُكَ أو نصْع
يدِرّ به خِلْفُ المَنونِ دمَ الطُّلى
ويَكْبُرُ عن فَطْرِ الوَلائِدِ والرَّضْع
فيا لكَ مِنْ أمْنٍ تَقَلّدَهُ الفتى
وباتَ به الأعداءُ في خِطّةٍ بِدْع
ولمّا ضَرَبْنا قَوْنَسَ الليلِ من عَلٍ
تَسَرّى بنَضْخِ الزّعْفَرانِ أوِ الرَّدْع
كأنّ الدّجى نُوقٌ عَرِقْنَ مِن الوَنَى
وأنْجُمُها فيها قلائِدُ مِن وَدْع
لبِسْتُ حِداداً بعْدكمْ كلَّ ليلةٍ
من الدُّهْمِ لا الغُرّ الحِسانِ ولا الدُّرْع
أظُنّ الليالي وهْيَ خُونٌ غَوَادِرٌ
بِرَدّي إلى بَغدادَ ضَيّقَةَ الذَّرْع
وكان اختِياري أنْ أموتَ لَدَيْكُمُ
حَميداً فما ألْفَيْتُ ذلكَ في الوُسْع
فليْتَ حِمامي حُمّ لي في بلادِكُمْ
وجالَتْ رِمامي في رِياحِكمُ المِسْع
ولَيْتَ قِلاصاً مِلْعِراقِ خَلَعْنَني
جُعِلْنَ ولم يَفْعَلْنَ ذاكَ من الخَلْع
فدُونكُمُ خَفْضَ الحياةِ فإنّنا
نصَبْنا المَطايا بالفَلاةِ على القَطْع
تعَجّلْتُ إنْ لم أثْنِ جُهْدي عليكُمُ
سَحابَ الرّزايا وهي صائِبَةُ الوَقْع
أعلى