د. سعدالدين فوزي - ناسك الليل

نـام السنـا فـوق الجـداول مــــــرّةً = وأذاب فـي أمـواجهـا أحـــــــــــــلامَهُ
والشـاعـرُ العـربـيـد سـار بلا خُطًى = يُمـلـي عـــــلى سمع الظلام غرامه
واللـيل كـاهـن صـبـوةٍ مـجنـــــــونةٍ = يغري بنـا مــــــــــلء الكؤوس مُدامه
وكأن قـلـبـي حـيـن رقّ غمــــــامةٌ = شـردتْ وطـيفٌ لا يحـبّ مقـــــــــامه
يـهفـو إذا مـا اللـيلُ جنّ إلى هـــوًى = دامٍ يُذيب عـلى الربـا إلهــــــــــــامه
كأسٌ مـن الخمـر الـمقـدّسة الـتـي = ضنَّ الزمـانُ بـهـا فضلَّ مــــــــــرامه
مـا ضمّهـا قـدحٌ ولا طـافت بـهـــــــا = حسنـاءُ تُشعـل فـي النديـم هـيــامه
وكأننـي روحٌ مــــــــــــجنّحة الرؤى = أغرى بـهـا الـوادي الطروب يَمـــامه
فإذا هفت للعـشّ مـال بـهـا الأسى = عـن دفئه ورمـى لهـا أوهـــــــــامه
فـمضت بـهـا زادًا كحسـوة طـــائرٍ = مـن مـنهلٍ خَبَأ الظلامُ حَمـــــــــامه
يـا ويحَ نُسّاك الـدجى لـمـا سرى = قـلقَ الخطى واللـيلُ يسكب جــــامه
والظلـمةُ الهـوجـاء تـنسج فـي الثرى = شـتّى شُخـوصٍ لا تبـيـن أمـــامه
أفكـاره جُسِّمـنَ بـيـن حـزيـــــنةٍ = ثكلى وأخرى فَزّعت أقــــــدامه
وكأنه فـي معبـدٍ عصـفتْ بــــــه = ريحُ الـمـنـون وهدَّمت أصنـــامه
تتعذّب الأشبـاحُ فـي جنـبـــاته = لهفى وقـد بسط الهــــوانُ ظلامه
دنـيـا مـن الشجن الـمبرِّح والجوى = هدمتْ قـواه وشـرَّدت أنغامه
أو لـم يكـن بـالأمس سـاجعَ دوحةٍ = يـهدي إلى قـلـب الـوجـود بَغامه
وألـيفَ مـرجٍ كـم يصـافح فـــــوقه = بَهَجَ الصـبـاحِ وزهـره وغمــامه
جـوّابَ آفـاقٍ وروح خمـــــــــــيلةٍ = تهديـه فـي غرس الـحـيـــاة كلامه
فإذا بـه والريحُ تعصـف والــدجى = عـاتٍ يسدِّد فـي القـلـوب سهــــامه
شبحٌ مـن المـاضي البعـيـد مولّهٌ = مـلأتْ تبـاريحُ النـوى أيـــــــــــــامه
فسـرى وقـد تَخِذَ الـحنـيـنَ مطيّةً = ورمـى إلى اللـيل الـبـهـيـم ظلامه
فحـبتْه أمـواجُ الظلام قصـيــدةً = ضمـنـتْ له فـي الخـالـديـن مقـــامه
فلعـل أنـوار الصـبــــــــاح تزفّه = فـي مـوكبٍ غمـر السنـا أعـــلامه
أعلى