تشهد مدينة المكلا عاصمة حضرموت هذه الأيام أجواء لطيفة مع اقتراب موسم ما يعرف محلياً باسم نجم البلدة، والذي يصادف شهر تموز من كل عام، حيث تهب خلاله رياح شديدة في فترة الظهيرة تعرف بالشمال أو الكوس، تعمل على تلطيف حرارة الصيف وكسر حدة رطوبة الجو.
وللبحر وساحله حضور واسع في كتابات الحضارم الأدبية شعراً ونثراً، ولعل من السباقين في ذلك من الشعراء المعاصرين، الشاعر حسن عبد الرحمن السقاف (ت 1985)، وذلك في ديوانه (ولائد الساحل) الذي نشره مبكراً في العاصمة المصرية القاهرة في العام 1943، وتحديداً في قصيدته الموسومة بـ«سِيف البحر»، ومنها قوله في ذكر البحر وشاطئه:
أهو البحر المحيط
أم هو البر المحيط
والهواء الطلق كالوجه البشوش
أو كأنفاس الحبيب
أيها الغادون في هذا السبيل
ها هنا الظل الظليل
وهنا قيثارة الحب تغني
بأناشيد السلام
والوئام
يا رفاقي أسعفوني بالوفاق
قدسوا هذا الجمال
والجلال
أين أنتم ذاهبون
أنظروني أتملى
من جمال وفتون
ويقول الشاعر خالد محمد عبد العزيز الذي أكثر في شعره من وصف المكلا، في ذكر مظاهر الطبيعة في صباحها:
تطل الشمس صبحاً ليس إلا = لتقبيل السـواحل في المكلا
فتحضنها الشوارع بابتهاج = فتكسو دُورها ضوءاً وظلا
ويصحو البحر مبتلاً رذاذاً = ويحبو الموج نحو الشط مهلا
وعن المكلا، يقول سالم عبد العزيز (ت 2005)، مشيراً إلى الأكوات أو الحصون الصغيرة التي تعلو الجبل المشرف عليها:
مهدُ المكلا البحر والجبـــل = فمُها الهوى وعيونها الأمل
تيجـــــانها الأكوات شامخة = وبســــــاطها الأمواج تبتهل
ويصف الشاعر صالح بن علي الحامد (ت 1967) جمال قصر السلطان القعيطي التاريخي الواقع على شاطئ البحر بمدينة المكلا، يقول:
القصر مختال بمجدك شامخ = فيكاد من عجب يطير صعــودا
وتراه منتصباً، على أقدامه = تجثو أواذي الخضـــــــــــم سجودا
ويلحق به الشاعر عبد القادر بن محمد الصبان (ت 1999) في وصف المكلا وبحرها وقصرها ومنتدياتها الأدبية، فيقول:
قيل لي ما لك تبكي = أنت في ظرف المكلا
ها هنا البحر يناغيـ = ـــــــك فبالحسـن تملى
تارة في القصر والأنـ = ـس على القصر تجلى
أنت في الغرفة طوراً = تنثر الآداب مهـــــلا
وإذا الشــاعر في رو = ض من الآداب ضــلا
يتناسى ربقـــــــة الدهـ = ـر عن الدنيا تســــلى
وللبحر أصداؤه التاريخية في الذاكرة الحضرمية، كان منها غزو جموع البرتغاليين الآثم لمدن الساحل الحضرمي في القرن السادس عشر الميلادي، وما لقيه من مقاومة باسلة، نجد أكثر من عمل أدبي يتناولها، شعرًا ونثرًا، وفي النثر كان كتاب (الشهداء السبعة) لمحمد عبد القادر بامطرف (ت 1988)، وقد عرض الحدث عرضًا تاريخيًا بتقنيات أدبية من فن القص والرواية، وممن تناولها من الشعراء الشاعر محمد حسين الجحوشي، ومما قاله:
ثم في يوم مدمى
ضج موتاً وأزيز
لفظ البحر سفيناً
لمسوخ البردجيز
برهة
وانصب فوق الشحر بارود المدافع
همجي القصف
مسكوناً بحقد البربرية
واستمر يصف الآثار المفجعة لذلك الهجوم البربري، ثم ردة الفعل المقاومة له، يقول:
وكالسيل العظيم
ماجت الطرقات أرواحاً أبية
حملت حب البلاد الضخم
إيثاراً وبذلاً
لم تهن للروع
لما استعظم الأمر وجلا
ومن ثم كانت العبرة التاريخية في تسجيله لذلك المجد البطولي في الدفاع عن الأوطان، يقول:
مهرك الباهظ ما راح سدى
إنها الأيدي الأمينة
صنعت تاريخك الأروع
فانثال المدى
حممًا من تضحيات وبطولة
إنه الإعجاز
صارته يد الفعل
وصاغته الرجولة
وفي تلك الحادثة التاريخية أيضاً يقول الشاعر خالد عبد العزيز:
فنحن أبناء من ســـد الثغور ومن = صد النحور بضرب الصارم الذكر
سل عنهم برتغال الأمس إذ نزلوا = أي القلــــــوب غـداة الروع لم تطر
أضحوا طعاماً لأسماك المحيط وأشـ = ـلاء لوحش الفلا في كل منحدر
كذاك مهد البحر لبروز ظاهرة الهجرة الحضرمية، والتي صار لها أثرها وحضورها في الأدب الحضرمي بعامة، شعراً ونثراً، وبأكثر من صورة، فالعناصر الأجنبية في المهجر من الجاوي والهندي والإفريقي لهم بعض الحضور في الشعر الحضرمي، ولاسيما الجنس اللطيف منهم، وأوفر منه وصف الطبيعة في تلك البلدان، وذكر لبعض مدنها ومجتمعاتها الحضرية، ووصف حال الحضارمة هناك، إضافة لمنقبة نشر الإسلام في تلك الربوع، وما نشأ على إثره من دول إسلامية، وفي هذا يقول الشاعر أحمد عبد الله السقاف:
ســـل عن بنيه من الدعاة وعن موا = قفهم وكيف على الزمان تغلبوا
حتى تشــــــــرف أرخبيل الهنـد بالـ = ـإسلام وانتظمت ممالـك ترهب
ويقول:
يا أرخبيل الشرق شدنا علاً = يحفظه تاريخه العاطر
فجانب الدنيــــــــا به عامـر = ومظهر الدين به ظاهر
ويقول الشاعر سالم عبد العزيز عن تلك الهجرة وأثر المهاجرين الديني:
لا يبرح التاريخ فرضــتها = منها الحضارم للدنى رحلوا
ملأوا سماء العالمين هدى = ما هدهم وصــــب ولا وجل
الصدق والإيمان شيمتهم = والوصل بالأحــــباب متصل
وهذا السيف أو الساحل بالمكلا تعرض في الثمانينيات لعمليات ردم لأغراض تتعلق بالبنية التحتية للمدينة، لكن ذلك لم يرق لبعض أدبائها، ومنهم القاص والروائي صالح سعيد باعامر فنعاه في بعض قصصه، وهو الأديب المفتون بالبحر في عامة أعماله التي كان آخر ما برز منه روايته (إنه البحر).
و لحق به الشاعر خالد عبد العزيز الذي بكى سِيف المكلا (بكسر السين) أي ساحلها في بعض شعره، كقوله:
هالوا عليها تراب الكبس وانتهشوا = سيف المكلا انتهاش الذئب للحمل
إني لأبكي عليها عالـِــــــــــمًا سلفًا = أني على فائت أبــــــــكي بلا أمل
وفي هذا الموسم يزداد عدد المصطافين القادمين إلى مدينة المكلا للاستمتاع ببرودة البحر غير المعتادة إلا في شهر تموز، ويتداولون مرويات شعبية عن فوائد الاغتسال فيه، والحقيقة أن الناس في هذه المدينة الواقعة على البحر العربي لم يعد لهم ما يمكن أن يتناولوه بالقول الحسن سوى عطاء الطبيعة حيث امتنع عطاء الإنسان.
ونختم بأبيات للشاعر المهاجر سعيد دحي يتغنى فيها بالمكلا مسقط رأسه الذي أمضه الحنين إليها، فصار يكثر من تكرارها في قوله:
كلما أقبل ليل نامت مكلا
كلما أقبل فجر قامت مكلا
وفي كل يوم تغني المكلا
وفي كل يوم تصلي المكلا
ويذهب كل المصلينَ
كل المغنينَ
مقبرةً تستضيف الجميع
ففي كل يوم تموت المكلا
وتحيا مكلا
وللبحر وساحله حضور واسع في كتابات الحضارم الأدبية شعراً ونثراً، ولعل من السباقين في ذلك من الشعراء المعاصرين، الشاعر حسن عبد الرحمن السقاف (ت 1985)، وذلك في ديوانه (ولائد الساحل) الذي نشره مبكراً في العاصمة المصرية القاهرة في العام 1943، وتحديداً في قصيدته الموسومة بـ«سِيف البحر»، ومنها قوله في ذكر البحر وشاطئه:
أهو البحر المحيط
أم هو البر المحيط
والهواء الطلق كالوجه البشوش
أو كأنفاس الحبيب
أيها الغادون في هذا السبيل
ها هنا الظل الظليل
وهنا قيثارة الحب تغني
بأناشيد السلام
والوئام
يا رفاقي أسعفوني بالوفاق
قدسوا هذا الجمال
والجلال
أين أنتم ذاهبون
أنظروني أتملى
من جمال وفتون
ويقول الشاعر خالد محمد عبد العزيز الذي أكثر في شعره من وصف المكلا، في ذكر مظاهر الطبيعة في صباحها:
تطل الشمس صبحاً ليس إلا = لتقبيل السـواحل في المكلا
فتحضنها الشوارع بابتهاج = فتكسو دُورها ضوءاً وظلا
ويصحو البحر مبتلاً رذاذاً = ويحبو الموج نحو الشط مهلا
وعن المكلا، يقول سالم عبد العزيز (ت 2005)، مشيراً إلى الأكوات أو الحصون الصغيرة التي تعلو الجبل المشرف عليها:
مهدُ المكلا البحر والجبـــل = فمُها الهوى وعيونها الأمل
تيجـــــانها الأكوات شامخة = وبســــــاطها الأمواج تبتهل
ويصف الشاعر صالح بن علي الحامد (ت 1967) جمال قصر السلطان القعيطي التاريخي الواقع على شاطئ البحر بمدينة المكلا، يقول:
القصر مختال بمجدك شامخ = فيكاد من عجب يطير صعــودا
وتراه منتصباً، على أقدامه = تجثو أواذي الخضـــــــــــم سجودا
ويلحق به الشاعر عبد القادر بن محمد الصبان (ت 1999) في وصف المكلا وبحرها وقصرها ومنتدياتها الأدبية، فيقول:
قيل لي ما لك تبكي = أنت في ظرف المكلا
ها هنا البحر يناغيـ = ـــــــك فبالحسـن تملى
تارة في القصر والأنـ = ـس على القصر تجلى
أنت في الغرفة طوراً = تنثر الآداب مهـــــلا
وإذا الشــاعر في رو = ض من الآداب ضــلا
يتناسى ربقـــــــة الدهـ = ـر عن الدنيا تســــلى
وللبحر أصداؤه التاريخية في الذاكرة الحضرمية، كان منها غزو جموع البرتغاليين الآثم لمدن الساحل الحضرمي في القرن السادس عشر الميلادي، وما لقيه من مقاومة باسلة، نجد أكثر من عمل أدبي يتناولها، شعرًا ونثرًا، وفي النثر كان كتاب (الشهداء السبعة) لمحمد عبد القادر بامطرف (ت 1988)، وقد عرض الحدث عرضًا تاريخيًا بتقنيات أدبية من فن القص والرواية، وممن تناولها من الشعراء الشاعر محمد حسين الجحوشي، ومما قاله:
ثم في يوم مدمى
ضج موتاً وأزيز
لفظ البحر سفيناً
لمسوخ البردجيز
برهة
وانصب فوق الشحر بارود المدافع
همجي القصف
مسكوناً بحقد البربرية
واستمر يصف الآثار المفجعة لذلك الهجوم البربري، ثم ردة الفعل المقاومة له، يقول:
وكالسيل العظيم
ماجت الطرقات أرواحاً أبية
حملت حب البلاد الضخم
إيثاراً وبذلاً
لم تهن للروع
لما استعظم الأمر وجلا
ومن ثم كانت العبرة التاريخية في تسجيله لذلك المجد البطولي في الدفاع عن الأوطان، يقول:
مهرك الباهظ ما راح سدى
إنها الأيدي الأمينة
صنعت تاريخك الأروع
فانثال المدى
حممًا من تضحيات وبطولة
إنه الإعجاز
صارته يد الفعل
وصاغته الرجولة
وفي تلك الحادثة التاريخية أيضاً يقول الشاعر خالد عبد العزيز:
فنحن أبناء من ســـد الثغور ومن = صد النحور بضرب الصارم الذكر
سل عنهم برتغال الأمس إذ نزلوا = أي القلــــــوب غـداة الروع لم تطر
أضحوا طعاماً لأسماك المحيط وأشـ = ـلاء لوحش الفلا في كل منحدر
كذاك مهد البحر لبروز ظاهرة الهجرة الحضرمية، والتي صار لها أثرها وحضورها في الأدب الحضرمي بعامة، شعراً ونثراً، وبأكثر من صورة، فالعناصر الأجنبية في المهجر من الجاوي والهندي والإفريقي لهم بعض الحضور في الشعر الحضرمي، ولاسيما الجنس اللطيف منهم، وأوفر منه وصف الطبيعة في تلك البلدان، وذكر لبعض مدنها ومجتمعاتها الحضرية، ووصف حال الحضارمة هناك، إضافة لمنقبة نشر الإسلام في تلك الربوع، وما نشأ على إثره من دول إسلامية، وفي هذا يقول الشاعر أحمد عبد الله السقاف:
ســـل عن بنيه من الدعاة وعن موا = قفهم وكيف على الزمان تغلبوا
حتى تشــــــــرف أرخبيل الهنـد بالـ = ـإسلام وانتظمت ممالـك ترهب
ويقول:
يا أرخبيل الشرق شدنا علاً = يحفظه تاريخه العاطر
فجانب الدنيــــــــا به عامـر = ومظهر الدين به ظاهر
ويقول الشاعر سالم عبد العزيز عن تلك الهجرة وأثر المهاجرين الديني:
لا يبرح التاريخ فرضــتها = منها الحضارم للدنى رحلوا
ملأوا سماء العالمين هدى = ما هدهم وصــــب ولا وجل
الصدق والإيمان شيمتهم = والوصل بالأحــــباب متصل
وهذا السيف أو الساحل بالمكلا تعرض في الثمانينيات لعمليات ردم لأغراض تتعلق بالبنية التحتية للمدينة، لكن ذلك لم يرق لبعض أدبائها، ومنهم القاص والروائي صالح سعيد باعامر فنعاه في بعض قصصه، وهو الأديب المفتون بالبحر في عامة أعماله التي كان آخر ما برز منه روايته (إنه البحر).
و لحق به الشاعر خالد عبد العزيز الذي بكى سِيف المكلا (بكسر السين) أي ساحلها في بعض شعره، كقوله:
هالوا عليها تراب الكبس وانتهشوا = سيف المكلا انتهاش الذئب للحمل
إني لأبكي عليها عالـِــــــــــمًا سلفًا = أني على فائت أبــــــــكي بلا أمل
وفي هذا الموسم يزداد عدد المصطافين القادمين إلى مدينة المكلا للاستمتاع ببرودة البحر غير المعتادة إلا في شهر تموز، ويتداولون مرويات شعبية عن فوائد الاغتسال فيه، والحقيقة أن الناس في هذه المدينة الواقعة على البحر العربي لم يعد لهم ما يمكن أن يتناولوه بالقول الحسن سوى عطاء الطبيعة حيث امتنع عطاء الإنسان.
ونختم بأبيات للشاعر المهاجر سعيد دحي يتغنى فيها بالمكلا مسقط رأسه الذي أمضه الحنين إليها، فصار يكثر من تكرارها في قوله:
كلما أقبل ليل نامت مكلا
كلما أقبل فجر قامت مكلا
وفي كل يوم تغني المكلا
وفي كل يوم تصلي المكلا
ويذهب كل المصلينَ
كل المغنينَ
مقبرةً تستضيف الجميع
ففي كل يوم تموت المكلا
وتحيا مكلا