دونالد بارثيلمي Donald Barthelme- لعبة.. قصة قصيرة - ترجمة: أسامة إسبر

شتويل يضع كرات لعبة الجاكس والطابة المطاطية في حقيبته ولا يسمح لي أن ألعب بها. إنه يلعب بها وحده وهو جالسٌ على الأرض قرب الجهاز ساعةً تلوَ أخرى مترنماً: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، بصوت مضبوط منغّم ليس مرتفعاً كي يصبح مزعجاً ولا منخفضاً كي يتم تجاهله. أفهمتُ شتويل أن شخصين يمكن أن يستمتعا بلعبة الكرات أكثر من شخص واحد غير أنه لم يكترث. طلبتُ منه عدة مرات أن يسمح لي باللعب لوحدي إلا أنه كان يهز رأسه متسائلاً: لماذا؟ إنها لي. وبعد أن ينتهي ويكون قد أشبع نفسه يعود ويضع هذه الأشياء في حقيبته.

هذا ليس عدلاً. غير أني لا أقدر أن أفعل شيئاً. إنني أجهد نفسي لأحصل عليها.

أنا وشتويل نراقب الجهاز. شتويل وأنا نعيش تحت الأرض ونراقب الجهاز، إذا حدث شيءٌ في الجهاز علينا أن نضع مفاتيحنا في الأقفال المناسبة وندير (مفاتيحنا). شتويل يملك مفتاحاً وأنا أملك مفتاحاً. إذا أدرنا مفاتيحنا سوية ينطلق الطائر، تطرأ بعض التغييرات ويطير الطائر. إلا أن الطائر لا يطير أبداً.

خلال مائة وثلاثة وثلاثين يوماً لم يطر الطائر. أثناء ذلك أنا وشتويل نراقب بعضنا. كلانا يحمل مسدساً من عيار ٤٥ من المفترض أن أطلق عليه النار. وإذا تصرفتُ بغرابة من المفترض أن يطلق شتويل عليّ النار. نراقب الجهاز ونفكر بإطلاق النار على بعضنا البعض، ونفكر بالطائر. إن تصرف شتويل بالكرات غريبٌ عجيب. هل هذا غريب؟ لا أعرف. ربما لأنه مجرد ابن زنا أناني، ربما هناك خلل في شخصيته. ربما لأن طفولته مشوهة. لا أدري.

كلانا يحمل مسدساً من عيار ٤٥ ومن المفترض على كلينا أن يطلق النار على الآخر إذا تصرف بغرابة. لكن ما الذي يحدد كون الغرابة غرابة؟ لا أدري. بالإضافة إلى المسدس عيار ٤٥ لديَّ آخر لا يعرف به شتويل مخبأ في حقيبتي ولدى شتويل مسدس بريتا عيار ٢٥ لا أعرف أين يخبئه. أحياناً بدل أن أراقب الجهاز أراقب مسدس شتويل عيار ٤٥ بشكل محدد. غير أن الأمر مجرد خدعة، مجرد مناورة. في الحقيقة أنا أراقب يده عندما تتدلى. إذا قرر أنني أتصرف بشكل مريب سيطلق عليَّ النار ليس بمسدسه عيار ٤٥ بل بالبريتا. شتويل يتظاهر أيضاً أنه يراقب مسدس عيار ٤٥ إلا أنه في الحقيقة يراقب يدي المسترخية بكسل فوق الحقيبة، يدي المسترخية بكسل فوق حقيبتي، يدي وهي تستريح بكسل فوق حقيبتي.

حرصتُ في البداية أن أتصرف بشكل طبيعي. وهذا ما فعله شتويل. كان تصرفنا طبيعياً على نحو مؤلم. وكانت تقاليد الاحترام والتقدير والكلام والعادات الشخصية واضحة بدقة. بعد ذلك تبين أن خطأ قد حصل وهو أننا لا نحظى بالراحة.أمضينا هنا مائة وثلاثة وثلاثين يوماً بسبب المراقبة. وعندما توضح أن خطأ كان قد ارتُكب وأننا لن نرتاح خفّت قواعد السلوك. وأعيد تحديد قواعد التصرف السوي في اتفاقية 1 كانون الثاني، وكنا نحن من أطلق عليها اسم اتفاقية. انتهى أيضاً التقيد باللباس الرسمي ولم تعد أوقات الطعام منتظمة. كنا نأكل عندما نجوع وننام عندما نتعب. أُغفلت اعتبارات الرتبة والقدم بشكل مؤقت وفق تنازل ظريف من قبل شتويل الذي يحمل رتبة نقيب بينما أحمل أنا رتبة ملازم أول. أحدنا يراقب الجهاز طوال الوقت، بالأحرى نحن الاثنان نراقب الجهاز طوال الوقت، إلا عندما نتوقف عن ذلك. أحدنا يراقب الجهاز طوال الوقت وعندما يطير الطائر يوقظ أحدنا الآخر وندير مفاتيحنا في الأقفال سويةً ويطير الطائر. ويتضمن نظامنا تأخيراً ربما لمدة اثنتي عشرة ثانية غير أنني لا أكترث لأنني لست على ما يرام. وشتويل لا يكترث لأنه ليس على ما يرام. بعد أن وُقعت الاتفاقية أخرج شتويل الكرات والطابة المطاطية من حقيبته، وبدأت أكتب سلسلة من النصوص الوصفية للأشكال الموجودة في الطبيعة كالصدفة والورقة والحجر والحيوان على الجدران.

هل يقرأ شتويل ما أكتبه؟ لا أدري. أنا أعي أن شتويل ينظر إلى كتابتي على أنها شيء غريب إلى حدٍ ما. مع ذلك ليست أكثر غرابة من لعبه بالكرات أو في اليوم الذي ظهر فيه بثياب الاستحمام السوداء ومسدس البريتا معلق على خصره اليميني.

شتويل يلعب بالكرات وأنا أكتب وصفاً للأشكال الطبيعية على الجدران. سجل شتويل في إحدى الكليات للحصول على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة ويسكنسون رغم أننا لم نكن في ويسكنسون بل في ولاية يوتا، أو ولاية مونتانا أو في إيداهو. عندما غادرنا كان ذلك إلى آتا أو مونتانا أو إيداهو، لا أذكر. نحن هنا منذ مائة وثلاثة وثلاثين يوماً بسبب المراقبة. الجدران الإسمنتية الخضراء المدعمة ترشح والمكيف الهوائي يئز بين الفينة والأخرى بشكلٍ غريب وشتويل يقرأ "مدخل إلى التسويق" من تأليف لاسيتر ومنك ويدون الملاحظات بقلم حبر. شتويل ليس على ما يرام لكنني لا أعرف السبب. يوحي بأنه هادئ ويقرأ "مدخل إلى التسويق" ويدون الملاحظات بقلم أزرق. أثناء ذلك يركز ثلث انتباهه على المسدس عيار ٣٨ ملم الموجود في حقيبتي. أنا لست على ما يرام.

مضى على وجودنا هنا مائة وثلاثة وثلاثون يوماً بسبب المراقبة. ونحن الآن متأكدان ما هي المراقبة وما الخطة. ربما كانت الخطة أن نبقى هنا دائماً. وإن لم يكن دائماً على الأقل لمدة سنة. ثلاث مائة وخمسة وستون يوماً. وإذا لم يكن لمدة سنة ربما لمدة بضعة أيام معروفة لهم وغير معروفة لنا، مثل مائتي يوم. أو ربما يراقبون سلوكنا بطريقة ما عن طريق أجهزة تجسس من نوع ما، ربما سلوكنا يحدد عدد الأيام. ومن الممكن أنهم مسرورون منا، ومن سلوكنا، ليس في كل شيء بل بشكل إجمالي. ربما الشيء كله ناجحٌ جداً. ربما الشيء كله تجريب والتجريب ناجح جداً. لا أدري غير أنني أشك أن الطريقة الوحيدة التي يقنعون بها عشاق الشمس أن يدخلوا غرفهم الإسمنتية الخضراء المدعمة والراشحة والشاحبة تحت الأرض هي أن يقولوا إن النظام يشتغل اثنتي عشرة ساعة ويتوقف اثنتي عشرة ساعة. بعد ذلك يقفلون علينا في الأسفل بضعة أيام هم يعرفونها ونحن نجهلها. نحن نأكل جيداً رغم أن الطعام يبقى رطباً بعد فك تجلده. والطعام المثلج حاد وليس له طعم. ونحن ننام بقلق ووسوسة. أسمع شتويل يصرخ في نومه. يعارض، يشجب، يلعن أحياناً. يبكي أحياناً في نومه. عندما ينام شتويل أحاول أن أفتح قفل حقيبته لأخرج الكرات إلا أنني أفشل. ولم ينجح شتويل في فتح قفل حقيبتي ليأخذ المسدس عيار ٣٨. لقد رأيت علامات على السطح اللامع. ضحكت في المرحاض، جدران خضراء شاحبة ترشح ومكيف الهواء يهمس، في المرحاض.

كتبت أوصافاً لأشكال من الطبيعة على الجدران، خدشتها على السطح الآجري بألماسة. ألماسة تبلغ قيراطين ونصف. كنت أضعها في حقيبتي لما هبطنا إلى الأسفل. كانت (للوسي).

والحائط الجنوبي للغرفة الذي يحتوي على جهاز طُيِّن سابقاً. وصفتُ محارة، ورقة، حجراً، حيوانات، مضرب كرة بايسبول. أنا أعي أن مضرب كرة البايسبول ليس شيئاً طبيعياً مع ذلك وصفته. قلت إن مضرب البايسبول مصنوع من الخشب، يبلغ طوله متراً أو أكثر، عريض في أحد طرفيه وله مقبض مريح في الطرف الآخر وفي نهاية المقبض نتوء لمنع الانزلاق.

بلغ وصفي لكرة البايسبول ٤٥٠٠ كلمة كتبتها كلها خدشاً بالألماسة على الجدار الجنوبي. هل يقرأ شتويل ما أكتبه؟ لا أدري. أنا أعي أن شتويل ينظر إلى كتابتي على أنها شيء غريب إلى حدٍ ما. مع ذلك ليست أكثر غرابة من لعبه بالكرات أو في اليوم الذي ظهر فيه بثياب الاستحمام السوداء ومسدس البريتا معلق على خصره اليميني. ووقف فوق الجهاز محاولاً أن يقيس بذراعيه الممدودتين المسافة بين الأقفال. لم يقدر أن يفعل ذلك. كنت قد حاولت سابقاً وأنا فوق الجهاز وذراعاي ممدودتان. المسافة كبيرة جداً. امتعضتُ وشعرتُ بأنني مثير للسخرية وعرضة للنقد.

غير أنني لم أُنقد، فالنقد يمكن أن يولّد نقداً مضاداً وسيؤدي النقد إلى حيث لا يعلم إلا الله. كانوا قد تخيلوا سابقاً بفهمهم العميق وبصيرتهم الثاقبة وحكمتهم رجلاً يقف على الجهاز بذراعيه الممدودتين يقيس المسافة بين الأقفال.

شتويل ليس على ما يرام. قدم بعض العروض. إلا أن الفكرة الرئيسة لرسالته لم تكن مفهومة. لها علاقة بالمفاتيح، بالأقفال. شتويل غريب الأطوار. يبدو أقل تأثراً بوضعنا حين يباشر عمله ببلادة مراقباً الجهاز وهو يدرس كتاب "مدخل إلى التسويق". يقذف كرته المطاطية إلى الأرض فترتد إليه بحركة ثابتة، إيقاعية مريحة. يبدو أقل تأثراً بوضعنا مني أنا. إنه بليد لا يقول شيئاً. إلا أنه قدّم بعض العروض. لست متأكداً من أنني فهمت بعض العروض التي قُدِّمَت. لها علاقة بالمفاتيح والأقفال. شتويل يخطط لشيء. نزع الغلاف الفضي ببلادة. غير أنه يخطط لشيء. غير أنه يحب أن يكون هناك تبادل. أصر على التبادل. إنني أخطط لشيء ما.

أنا لست على ما يرام. لا أعرف ما هدفنا. لا يقولون لنا باتجاه أي مدينة الطائر موجه. لا أعرف. هذا تخطيط. هذه ليست مسؤوليتي. مسؤوليتي أن أراقب الجهاز وعندما تحصل أحداث معينة على الجهاز أدير مفتاحي في القفل. شتويل يضرب الكرة المطاطية بطريقة إيقاعية بليدة ثانيةً.

أتألم لأنني لا أحصل على الكرات. أمضينا هنا مائة وثلاثة وثلاثين يوماً بسبب المراقبة. أنا أكتب على الجدران. شتويل يترنم: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، بصوتٍ مضبوط ومنغّم. إنه الآن يجمع الكرات مع الكرة المطاطية في يديه ويلعب بهما بشكل إيحائي. لا أدري إلى أي مدينة تم توجيه الطائر. شتويل ليس على ما يرام. أحياناً لا أقدر أن أنام. أحياناً شتويل لا يقدر أن ينام.

عندما يهدهدني شتويل أحياناً بين ذراعيه لأنام وهو يغني: صباح الخير، مساء الخير، أو أهدهد شتويل بين ذراعي لينام مغنياً، أفهم ماذا يريدني شتويل أن أفعل. في لحظات كهذه نكون قريبين جداً. لكن فقط إن كان سيعطيني الكرات. هذا عدل. هناك شيء ما يريدني أن أفعله بمفتاحي، بينما يفعل هو شيئاً آخر بمفتاحه. لكن فقط إن كان سيمنحني دوري. هذا عدل. أنا لست على ما يرام.



[ترجمة أسامة إسبر، المصدر Donald Barthelme, Collected Short Stories].
أعلى