1/3
عادل الأسطة أديب وناقد وأكاديمي فلسطيني، حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة بامبرغ /ألمانيا عام 1991. وهو مهتم بالأدب العربي وبخاصة الأدب الفلسطيني. من مؤلفاته في هذا الحقل: "أحمد دحبور ...مجنون حيفا2018 "، و"أسئلة الرواية العربية: رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو، اسمي آدم" نموذجًا " 2017، و"أدب العائدين، تساؤلات وقراءات""2016 ، و" أوراق مقارنة في الأدب الفلسطيني" 2015.
في عام 2016 انطلقت ذاكرته في استدعاء فترة مؤثرة في حياته؛ فكتب حلقات أدبية، نشرها على صفحات الفيسبوك، لتظهر في كتاب رقمي عام 2016 بعنوان " حزيران الذي لا ينتهي: شظايا سيرة 1967- 1982". إنه مدار حديثنا في هذه القراءة المتأنية.
لا شك أن الكتاب يقدم انثيالات أو ذكريات قريبة من السيرة الذاتية، تتناول تجربة الأسطة بين حربين خاضهما العرب، تبدأ في 5 حزيران 1967 وتنتهي في 4 حزيران 1982: الحرب الأولى1967 بين الجيوش العربية وإسرائيل، واستمرت 6 أيام، والحرب الثانية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي1982، واستمرت 88 يومًا.
يختار الدكتور عادل تلك الفترة لتكون الزمن الداخلي لعمله الشبه سيرذاتي الذي بين أيدينا، لكنه لا يهمل أن يتنقل بين الأزمنة السابقة أو اللاحقة، ويتوقف أحيانًا عند الزمن الكتابي، أي الزمن الذي جلس فيه للكتابة على مدى سبعين يومًا من العام 2016. وهو يعلمنا بذلك في مقالة له نشرت في جريدة" الأيام" (10/6/2018) بعنوان "دفاتر الأيام: حزيران الذي لا ينتهي" يقول:" كنت كل صباح أنهض من نومي وأكتب.
في البداية كنت أحاول أن تكون الكتابة صافية تمامًا - أي أن أكتب دون أن أترك الزمن الكتابي يؤثر على الحدث المعيش المسترجع"
من هنا فإننا نواجه ما تكتنزه ذاكرة كاتبنا عن تلك الفترة بين الحربين، فضلًا عما تفيض به الذاكرة من ذكريات وأفكار مما يتصل بطفولته وأسرته والحياة التي عايشها حتى زمن الكتابة، فنعلم بأنه ولد في مخيم عسكر بالقرب من نابلس، من أسرة فلسطينية طردت من مدينتها يافا عام 1948، وكان عندما حلت نكسة حزيران 67 قد دخل عامه الرابع عشر. كان وقتها يعمل نادلًا في مقهى بنابلس يملكه جار لهم من المخيم. ويذكر أنهم التجأوا مع بداية الحرب إلى بيت خالته أم عارف في مدينة نابلس، خرج في ذلك اليوم ليجلب دواء مسكنًا لأمه التي كانت تعاني من وجع الأسنان، وصادف امرأة من قلقيلية سألها عن سبب وجودها في نابلس. أجابت بأن اليهود احتلوا قلقيلية. عندما عاد إلى بيت خالته وجد رجالًا متجمعين أمام دكان الحلاق "أبو محمود صبرة" ومعهم بنادقهم القديمة، ولما أعلمهم بما سمعه من المرأة لطمه الحلاق على وجهه، واتهمه بأنه طابور خامس، في حين كانت الطائرات الإسرائيلية تلقي منشورات تطلب من السكان رفع الأعلام البيضاء. سيظل يذكر كفّ الحلاق وعبارته التي لم يكن يفهم معناها، خاصة بعد أن استشهد الرجل في انتفاضة الأقصى، وهو جالس في بيته.
ثم يمضي بنا عادل الأسطة ليحدثنا عما جرى في مخيم عسكر بعد أن وقع تحت الاحتلال، وانفتح أبناء الضفة على أبناء فلسطين في الداخل المحتل. وصار كثيرون من عمال المخيم يعملون في إسرائيل حتى إن والده عمل سائق حافلة في شركة إيجد الإسرائيلية، ثم فصل منها.
يلاحظ أن الكاتب في تناوله موقفًا من مواقف الحياة، أو حدثًا من أحداث المخيم، أو حديثًا استمع إليه من سائق تاكسي أو باص فإنه يسترجع ما قرأه، أو عرفه، أو ذكره في كتاباته عن هذا الحدث أو الموقف. فعند تناوله هروب بعض الشباب من المخيم خوفًا على حياتهم؛ فكان في أذهانهم ما فعله اليهود من مجازر في دار ياسين وغيرها من القرى عام 1948م، كان يستذكر حدث الهروب هذا، ويورد ما قرأه للقاص محمود شقير في قصته" الخروج" من مجموعته "الولد الفلسطيني"1977، ويحكم عليها بأنها قصة تقليدية كتبت من منظور الفكر اليساري، وتقوم على ثنائية الأرض والعرض. ويذكر أنه قرأ في رواية" الطريق إلى بئر السبع" 1963 للكاتبة الإيرلندية (ايثيل مانين) عن اغتصاب عصابات الصهاينة امرأة وخادمتها من اللد، مع أن الروايات التي تحدثت عن النكبة لم تتحدث عن هذا الموضوع.
ومثل هذا يتناول قصة تأثير استشهاد الأبناء في آبائهم؛ فهذا أبو راضي، الذي استشهد ابنه في إحدى العمليات الفدائية يقول عنه الأسطة: إنه لم ير رجلًا حزن على ابنه مثله، وأن هذه الفكرة، فكرة فقد الأبناء جاءت في رواية سحر خليفة "باب الساحة"؛ إذ صورت فلسطين غولة تأكل أبناءها. كما يذكر أن درويش في العام 2002 كتب في ديوانه "حالة حصار" عن أثر الشهادة على الآباء والأمهات.
الشهيد يحذرني: لا تصدق زغاريدهن
وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيًا:
كيف بدلت أدوارنا، يا بني،
وسرت أمامي؟
أنا أولا
وأنا أولا.
عادل الأسطة أديب وناقد وأكاديمي فلسطيني، حصل على الدكتوراه في الأدب والنقد من جامعة بامبرغ /ألمانيا عام 1991. وهو مهتم بالأدب العربي وبخاصة الأدب الفلسطيني. من مؤلفاته في هذا الحقل: "أحمد دحبور ...مجنون حيفا2018 "، و"أسئلة الرواية العربية: رواية إلياس خوري "أولاد الغيتو، اسمي آدم" نموذجًا " 2017، و"أدب العائدين، تساؤلات وقراءات""2016 ، و" أوراق مقارنة في الأدب الفلسطيني" 2015.
في عام 2016 انطلقت ذاكرته في استدعاء فترة مؤثرة في حياته؛ فكتب حلقات أدبية، نشرها على صفحات الفيسبوك، لتظهر في كتاب رقمي عام 2016 بعنوان " حزيران الذي لا ينتهي: شظايا سيرة 1967- 1982". إنه مدار حديثنا في هذه القراءة المتأنية.
لا شك أن الكتاب يقدم انثيالات أو ذكريات قريبة من السيرة الذاتية، تتناول تجربة الأسطة بين حربين خاضهما العرب، تبدأ في 5 حزيران 1967 وتنتهي في 4 حزيران 1982: الحرب الأولى1967 بين الجيوش العربية وإسرائيل، واستمرت 6 أيام، والحرب الثانية بين المقاومة الفلسطينية والجيش الإسرائيلي1982، واستمرت 88 يومًا.
يختار الدكتور عادل تلك الفترة لتكون الزمن الداخلي لعمله الشبه سيرذاتي الذي بين أيدينا، لكنه لا يهمل أن يتنقل بين الأزمنة السابقة أو اللاحقة، ويتوقف أحيانًا عند الزمن الكتابي، أي الزمن الذي جلس فيه للكتابة على مدى سبعين يومًا من العام 2016. وهو يعلمنا بذلك في مقالة له نشرت في جريدة" الأيام" (10/6/2018) بعنوان "دفاتر الأيام: حزيران الذي لا ينتهي" يقول:" كنت كل صباح أنهض من نومي وأكتب.
في البداية كنت أحاول أن تكون الكتابة صافية تمامًا - أي أن أكتب دون أن أترك الزمن الكتابي يؤثر على الحدث المعيش المسترجع"
من هنا فإننا نواجه ما تكتنزه ذاكرة كاتبنا عن تلك الفترة بين الحربين، فضلًا عما تفيض به الذاكرة من ذكريات وأفكار مما يتصل بطفولته وأسرته والحياة التي عايشها حتى زمن الكتابة، فنعلم بأنه ولد في مخيم عسكر بالقرب من نابلس، من أسرة فلسطينية طردت من مدينتها يافا عام 1948، وكان عندما حلت نكسة حزيران 67 قد دخل عامه الرابع عشر. كان وقتها يعمل نادلًا في مقهى بنابلس يملكه جار لهم من المخيم. ويذكر أنهم التجأوا مع بداية الحرب إلى بيت خالته أم عارف في مدينة نابلس، خرج في ذلك اليوم ليجلب دواء مسكنًا لأمه التي كانت تعاني من وجع الأسنان، وصادف امرأة من قلقيلية سألها عن سبب وجودها في نابلس. أجابت بأن اليهود احتلوا قلقيلية. عندما عاد إلى بيت خالته وجد رجالًا متجمعين أمام دكان الحلاق "أبو محمود صبرة" ومعهم بنادقهم القديمة، ولما أعلمهم بما سمعه من المرأة لطمه الحلاق على وجهه، واتهمه بأنه طابور خامس، في حين كانت الطائرات الإسرائيلية تلقي منشورات تطلب من السكان رفع الأعلام البيضاء. سيظل يذكر كفّ الحلاق وعبارته التي لم يكن يفهم معناها، خاصة بعد أن استشهد الرجل في انتفاضة الأقصى، وهو جالس في بيته.
ثم يمضي بنا عادل الأسطة ليحدثنا عما جرى في مخيم عسكر بعد أن وقع تحت الاحتلال، وانفتح أبناء الضفة على أبناء فلسطين في الداخل المحتل. وصار كثيرون من عمال المخيم يعملون في إسرائيل حتى إن والده عمل سائق حافلة في شركة إيجد الإسرائيلية، ثم فصل منها.
يلاحظ أن الكاتب في تناوله موقفًا من مواقف الحياة، أو حدثًا من أحداث المخيم، أو حديثًا استمع إليه من سائق تاكسي أو باص فإنه يسترجع ما قرأه، أو عرفه، أو ذكره في كتاباته عن هذا الحدث أو الموقف. فعند تناوله هروب بعض الشباب من المخيم خوفًا على حياتهم؛ فكان في أذهانهم ما فعله اليهود من مجازر في دار ياسين وغيرها من القرى عام 1948م، كان يستذكر حدث الهروب هذا، ويورد ما قرأه للقاص محمود شقير في قصته" الخروج" من مجموعته "الولد الفلسطيني"1977، ويحكم عليها بأنها قصة تقليدية كتبت من منظور الفكر اليساري، وتقوم على ثنائية الأرض والعرض. ويذكر أنه قرأ في رواية" الطريق إلى بئر السبع" 1963 للكاتبة الإيرلندية (ايثيل مانين) عن اغتصاب عصابات الصهاينة امرأة وخادمتها من اللد، مع أن الروايات التي تحدثت عن النكبة لم تتحدث عن هذا الموضوع.
ومثل هذا يتناول قصة تأثير استشهاد الأبناء في آبائهم؛ فهذا أبو راضي، الذي استشهد ابنه في إحدى العمليات الفدائية يقول عنه الأسطة: إنه لم ير رجلًا حزن على ابنه مثله، وأن هذه الفكرة، فكرة فقد الأبناء جاءت في رواية سحر خليفة "باب الساحة"؛ إذ صورت فلسطين غولة تأكل أبناءها. كما يذكر أن درويش في العام 2002 كتب في ديوانه "حالة حصار" عن أثر الشهادة على الآباء والأمهات.
الشهيد يحذرني: لا تصدق زغاريدهن
وصدق أبي حين ينظر في صورتي باكيًا:
كيف بدلت أدوارنا، يا بني،
وسرت أمامي؟
أنا أولا
وأنا أولا.