منذ لم يعد مسلسل معين، وبالذات في شهر رمضان المبارك، كما كان في الماضي، في سنوات الثمانينات والتسعينات وما قبلها من القرن الماضي يجمعنا جميعًا في المساء، ونتمسْمَر أمام قنال تلفزيوني واحد لنشاهد ذات المسلسل ولتكون أحداثه في اليوم التالي محور أحاديثنا في المدرسة أو في الشارع أو في أماكن العمل؛ وأنا لا أتابع المسلسلات إلا ما ندَر منها، بل وبتوصية من الآخرين. فقد اختلف المشهد في أيامنا هذه، وتبدّل بمشهد أقل جمالًا، وأكثر تعقيدًا بسبب كثرة القنوات الفضائية، وظهور الحواسيب اللوحية، والهواتف الذكية، وكثرة تطبيقات الأنترنيت المختلفة، وغزارة الإنتاج الدرامي. وعليه، بتُّ أشاهد في كثير من الأحيان، مسلسلًا يرشّحه لي البعض، يكون قد نال استحسانهم هُم، من قائمة المسلسلات الرمضانية التي أصبحت أكثر من الهمِّ على القلب، كما قالت لي ذات مرة إحدى زميلاتي في العمل، فأتابعه من خلال شبكة الإنترنيت عندما يسمح لي وقتي بذلك، وإن لم يحظَ بأعجابي، أتوقف عن متابعته حتى لو حظي بإعجاب الآخرين.
وفي رمضان هذه السنة، سنة 2022 ميلادية، اقترحت عليّ إحدى الصديقات بأن أشاهد مسلسل" جزيرة غمام"، لاستحسانها له كما أخبرتني، لكن ضيق وقتي حال دون ذلك فأجّلت مشاهدته الى ما بعد انتهاء شهر الصوم. وها أنا الآن أكتب انطباعاتي عنه، بعد أن انتهيت من مشاهدة حلقاته الثلاثين.
لقد قررت أن أدوّن انطباعاتي عن "جزيرة غمام" لاستحساني فكرته؛ فأنا لست بناقدة فنية أو درامية، ولا شأن لي بحبكته الدرامية أو بأمور فنية وتقنية أخرى. لقد قررت الكتابة عنه لاستحساني فكرته كما أسلفت، ولكي أثني على تلك المسحة الروحانية والصوفية التي تجلّت بشخصية "عرفات" في زمنٍ تسيّدت فيه القيم الاستهلاكية والقيم المادية على ناسه حتى أنهكتهم، وباتوا متعطّشين للروحانية، ولقيَم الحبّ والمحبة، والعدل والجمال. ولعل مؤلف العمل، عبد الرحيم كمال، أراد أن يُظهر هذه القيم بوضوح أكثر، وسطوعٍ أكبر، فطرح أيضا نقيضها متمثلة بشخصية "خلدون" وأتباعه، على اعتبار أن كوكبنا الأزرق الذي نعيش عليه كريم بكل شيء، وفيه متسع للخير والشر، وللمحبة والكراهية، وللجمال والقبح، وللحكمة والغباء، وللعدل والظلم. في عالمنا موجودة كل القيم، وكل المعاني، وما على المرء الا أن يختار ما يكونه.
مسلسل " جزيرة غمام" ليس فقط موجّهًا برأيي للمجتمع المصري كونه عملًا مصريًا، وإنما لكل المجتمعات، بل ويصلح لكل زمان. هو مسلسل تدور أحداثه في الماضي، وعلى بقعة أرضٍ تقع على شاطئ البحر، لم تتحدد حقبته الزمنية بالضبط، ولم تتحدد جغرافية مكانه بالضبط. هو كما كُتب في مقدمة كل حلقة من حلقاته: "واقع يصنعه الخيال"، وما خيال الإنسان الا وكان مستمد من واقعه وبيئته المكانية والزمانية والنفسية. مسلسل "جزيرة غمام" يؤدي بالمُشاهد الناقد لأن يسأل ذاته: ما هي المسببات التي تؤدي بالفرد لأن يكون حاقدًا؟ أو ناقمًا؟ أو طمّاعًا؟ أو ظالمًا؟ أو عادلًا؟ أو حكيمًا؟ أو مضحيًا؟ أو قنوعًا؟ أو غير ذلك؟ وتؤدي به أيضًا لأن يتساءل: هل هذه الصفات هي موروثات جينية؟ أم أنها مكتسبة شكّلتها الظروف والتنشئة والتربية؟
لقد أعجبت جدًا بشخصية عرفات المعلم والمربي لأطفال الجزيرة، عرفات الذي يربي الأطفال ويكسبهم قيم الخير والحق والجمال، يكسبهم قيمة؛ الثقة بالنفس، التسامح، حب الذات وحب الآخرين. لقد أعجبت بمفهوم عرفات للدين، الدين الذي يدعو الى الحياة، والى العيش بسعادة، والى الخير والعطاء. الدين الذي يدعو الى محبة الانسان وينبذ الظلم والعنف، وينأى عن أذى الآخرين، هذا الدين الذ يباركه الله سبحانه وتعالى لأنه رحمن رحيم بخلقه وعباده.
مسلسل " جزيرة غمام" مادته الخام من النوع الجيد، لكنها لم تستغل على أحسن وجه، فبداية المسلسل أوحت للمشاهد بأن الصراع سيكون بين الإسلام السياسي والصوفي والشعبويّ وذلك من خلال شخصيات مريدي الشيخ مدين الثلاث، غير أنه اتضح بعد ذلك، أن المسلسل قد اتخذ منحىً آخر وارتكز على قضية تعكير صفو الجزيرة الهادئة من قبل الأغراب، وعلى شخصيات استغلت الدين بهدف السيطرة والهيمنة، وأخرى استغلته في أمور لها علاقة بالسحر والشعوذة.
أما نهاية المسلسل فقد أعجبتني لأنها أظهرت حقيقة وجود الشر الى جانب الخير في كل زمان، ولو أن هذه النهاية فاجأت المشاهد وجاءت مغايرة لما توقعه من انتصار للخير واندحار للشر. وكأن كاتب المسلسل ومخرجه أردا أن يقولا: إن مثل هذه الحكاية، حكاية الخير والشر، لا تنتهي، ولكن وجب معرفتها، ووجب التمييز بين عناصرها، ووجب على الإنسان معرفة اختيار ما الصالح له منها.
وفي رمضان هذه السنة، سنة 2022 ميلادية، اقترحت عليّ إحدى الصديقات بأن أشاهد مسلسل" جزيرة غمام"، لاستحسانها له كما أخبرتني، لكن ضيق وقتي حال دون ذلك فأجّلت مشاهدته الى ما بعد انتهاء شهر الصوم. وها أنا الآن أكتب انطباعاتي عنه، بعد أن انتهيت من مشاهدة حلقاته الثلاثين.
لقد قررت أن أدوّن انطباعاتي عن "جزيرة غمام" لاستحساني فكرته؛ فأنا لست بناقدة فنية أو درامية، ولا شأن لي بحبكته الدرامية أو بأمور فنية وتقنية أخرى. لقد قررت الكتابة عنه لاستحساني فكرته كما أسلفت، ولكي أثني على تلك المسحة الروحانية والصوفية التي تجلّت بشخصية "عرفات" في زمنٍ تسيّدت فيه القيم الاستهلاكية والقيم المادية على ناسه حتى أنهكتهم، وباتوا متعطّشين للروحانية، ولقيَم الحبّ والمحبة، والعدل والجمال. ولعل مؤلف العمل، عبد الرحيم كمال، أراد أن يُظهر هذه القيم بوضوح أكثر، وسطوعٍ أكبر، فطرح أيضا نقيضها متمثلة بشخصية "خلدون" وأتباعه، على اعتبار أن كوكبنا الأزرق الذي نعيش عليه كريم بكل شيء، وفيه متسع للخير والشر، وللمحبة والكراهية، وللجمال والقبح، وللحكمة والغباء، وللعدل والظلم. في عالمنا موجودة كل القيم، وكل المعاني، وما على المرء الا أن يختار ما يكونه.
مسلسل " جزيرة غمام" ليس فقط موجّهًا برأيي للمجتمع المصري كونه عملًا مصريًا، وإنما لكل المجتمعات، بل ويصلح لكل زمان. هو مسلسل تدور أحداثه في الماضي، وعلى بقعة أرضٍ تقع على شاطئ البحر، لم تتحدد حقبته الزمنية بالضبط، ولم تتحدد جغرافية مكانه بالضبط. هو كما كُتب في مقدمة كل حلقة من حلقاته: "واقع يصنعه الخيال"، وما خيال الإنسان الا وكان مستمد من واقعه وبيئته المكانية والزمانية والنفسية. مسلسل "جزيرة غمام" يؤدي بالمُشاهد الناقد لأن يسأل ذاته: ما هي المسببات التي تؤدي بالفرد لأن يكون حاقدًا؟ أو ناقمًا؟ أو طمّاعًا؟ أو ظالمًا؟ أو عادلًا؟ أو حكيمًا؟ أو مضحيًا؟ أو قنوعًا؟ أو غير ذلك؟ وتؤدي به أيضًا لأن يتساءل: هل هذه الصفات هي موروثات جينية؟ أم أنها مكتسبة شكّلتها الظروف والتنشئة والتربية؟
لقد أعجبت جدًا بشخصية عرفات المعلم والمربي لأطفال الجزيرة، عرفات الذي يربي الأطفال ويكسبهم قيم الخير والحق والجمال، يكسبهم قيمة؛ الثقة بالنفس، التسامح، حب الذات وحب الآخرين. لقد أعجبت بمفهوم عرفات للدين، الدين الذي يدعو الى الحياة، والى العيش بسعادة، والى الخير والعطاء. الدين الذي يدعو الى محبة الانسان وينبذ الظلم والعنف، وينأى عن أذى الآخرين، هذا الدين الذ يباركه الله سبحانه وتعالى لأنه رحمن رحيم بخلقه وعباده.
مسلسل " جزيرة غمام" مادته الخام من النوع الجيد، لكنها لم تستغل على أحسن وجه، فبداية المسلسل أوحت للمشاهد بأن الصراع سيكون بين الإسلام السياسي والصوفي والشعبويّ وذلك من خلال شخصيات مريدي الشيخ مدين الثلاث، غير أنه اتضح بعد ذلك، أن المسلسل قد اتخذ منحىً آخر وارتكز على قضية تعكير صفو الجزيرة الهادئة من قبل الأغراب، وعلى شخصيات استغلت الدين بهدف السيطرة والهيمنة، وأخرى استغلته في أمور لها علاقة بالسحر والشعوذة.
أما نهاية المسلسل فقد أعجبتني لأنها أظهرت حقيقة وجود الشر الى جانب الخير في كل زمان، ولو أن هذه النهاية فاجأت المشاهد وجاءت مغايرة لما توقعه من انتصار للخير واندحار للشر. وكأن كاتب المسلسل ومخرجه أردا أن يقولا: إن مثل هذه الحكاية، حكاية الخير والشر، لا تنتهي، ولكن وجب معرفتها، ووجب التمييز بين عناصرها، ووجب على الإنسان معرفة اختيار ما الصالح له منها.