ويعود طيف من خلف الضباب، هرب من صورة علقتها على جدران قلبي، ضاق الإطار بوجهينا معاً.. فقفز منه في عرض الحب تتقاذفه أمواج الرغبات.. كمهاجرٍ غير شرعي لوجهةٍ غير شرعية على قاربٍ لا قائد له وسط تزاحم الأنفاس والأجساد والأفكار والألسنة، متقمصاً دور جملةٍ مفيدة في لغةٍ بلا حروفٍ أو قواعد، يلعب دور انسانٍ من هذا الزمان، من وسطٍ لا ينتمي إليه، بمفرداتٍ لا تشبهه ولا تشبهنا، اقتلعني من قلبه.. كمن يقطع شجرةً حضنه ظلها في قيض الصيف ليبني برجاً شاهقاً يتباهى به..
لم تقف الحياة لتواسيني بل ظلت تركض لاهثةً خلف عقارب الساعة التي توقفت في طفولتي لأجد روحي تشيخ دون أن أعرف في غفلةٍ من الزمن، لم أملك حينها سوى اجترار ذكرياتي ولياليَّ وأغنياتي، ومواعدة الحمام سراً تحت جنح الظلام، أحدثه عن كل شيء إلا الحب لأنه يتقنه وكأنه لم يخلق لسواه، فهديله يختزل كلمات البشر وموسيقى الأكوان، يعانق صمت الساعات بنغمه الذي يوغل في الروح فيبث فيها السكينة، لتسافر معه في جوف الليل عندما يجتاحك الأرق وتملؤك الأسئلة وتطرق الدموع بابك دمعةً تلو الدمعة كلما مرت أمامك صورةٌ من صور الأمس البعيد، وتعود لجمعها من حبل الأحلام بعدما بللها الحنين، خوفاً من هطول الحزن في مدينةٍ لم تعرف المطر منذ رحل الحب عنها.. يظنونني مجنوناً فيسألونني هل لا زلت تعتقد بأنها ستمطر؟ فلا أجيبهم.. بل كانت الغيوم الرمادية تومأ لي لأفهم.. وكان ذلك يكفيني..
عشت مرتحلاً بين الأطياف، أبحث عن ليلٍ يكفيني بعدما نفذت من جعبتي الليالي، كما نفذت البراءة ولمسات الأحباب وضحكات الطفولة ووجوه السهرات الحميمة ورائحة الخبز والبن المطحون في وطنٍ سكن مخيلتي، وهمساتٍ أدفئتني مع أنها لم تكن يوماً لي، فأصابني بعضٌ من رذاذها ومنحني القدرة على أن أحلم، وأرى الدنيا بعيني عابر سبيل وقلب طفلٍ بلا مأوى وصبر عامل نظافة ٍ يجوب الشوارع الخالية في ساعات الصباح الأولى من خلف نافذةٍ لا يعلم بوجودها أحد، ظهرت بعدما غيرت عنواني كجزيرةٍ نائيةٍ نسيتها خرائط العالم، بينما اهتدت إليها أفئدة الطيور دون أن أخبرها..
يسألني الطيف العائد مدججاً بزينته عن شحوبي وانطفائي، ولماذا لا أشبه الصورة التي قفز ذات يومٍ من إطارها؟ لماذا لا أتوهج كالسابق؟ لماذا لا أنظر إليه ولماذا لا أشع كالقمر في حضن الظلمات؟ لم أجبه بأنني أهديته النور الذي قضيت العمر في جمعه من أقاصي الكون نجمةً بعد أخرى وفضلت سطوعه حتى إن كان ذلك يعني أفولي.. لكنني أخبرته أن للقمر أيضاً وجهٌ مظلم وعندما سأل عنه بإصرار أدرت له خدي قائلاً.. هذا هو الوجه الذي لم تره وهذه هي الندبة التي تركتها كتذكارٍ بعد رحيلك.. القمر.. ذلك الوهم الجميل هو مجرد صخورٍ وحفر صنع جماله من انعكاس الضوء عليه وزاد سحره بعده عنا.. وانت أيها الطيف أحرقتني بقربك وأخذت مني النور ساعة مغادرتك ولم تترك سوى بعض ٍمن وجعك.. فلا تسألني عن ضياءٍ وأنت من ترك الندبة كمن يريدني أن أخطو إليه بعد أن فرش الدرب بيننا بالأشواك..
خالد جهاد..
لم تقف الحياة لتواسيني بل ظلت تركض لاهثةً خلف عقارب الساعة التي توقفت في طفولتي لأجد روحي تشيخ دون أن أعرف في غفلةٍ من الزمن، لم أملك حينها سوى اجترار ذكرياتي ولياليَّ وأغنياتي، ومواعدة الحمام سراً تحت جنح الظلام، أحدثه عن كل شيء إلا الحب لأنه يتقنه وكأنه لم يخلق لسواه، فهديله يختزل كلمات البشر وموسيقى الأكوان، يعانق صمت الساعات بنغمه الذي يوغل في الروح فيبث فيها السكينة، لتسافر معه في جوف الليل عندما يجتاحك الأرق وتملؤك الأسئلة وتطرق الدموع بابك دمعةً تلو الدمعة كلما مرت أمامك صورةٌ من صور الأمس البعيد، وتعود لجمعها من حبل الأحلام بعدما بللها الحنين، خوفاً من هطول الحزن في مدينةٍ لم تعرف المطر منذ رحل الحب عنها.. يظنونني مجنوناً فيسألونني هل لا زلت تعتقد بأنها ستمطر؟ فلا أجيبهم.. بل كانت الغيوم الرمادية تومأ لي لأفهم.. وكان ذلك يكفيني..
عشت مرتحلاً بين الأطياف، أبحث عن ليلٍ يكفيني بعدما نفذت من جعبتي الليالي، كما نفذت البراءة ولمسات الأحباب وضحكات الطفولة ووجوه السهرات الحميمة ورائحة الخبز والبن المطحون في وطنٍ سكن مخيلتي، وهمساتٍ أدفئتني مع أنها لم تكن يوماً لي، فأصابني بعضٌ من رذاذها ومنحني القدرة على أن أحلم، وأرى الدنيا بعيني عابر سبيل وقلب طفلٍ بلا مأوى وصبر عامل نظافة ٍ يجوب الشوارع الخالية في ساعات الصباح الأولى من خلف نافذةٍ لا يعلم بوجودها أحد، ظهرت بعدما غيرت عنواني كجزيرةٍ نائيةٍ نسيتها خرائط العالم، بينما اهتدت إليها أفئدة الطيور دون أن أخبرها..
يسألني الطيف العائد مدججاً بزينته عن شحوبي وانطفائي، ولماذا لا أشبه الصورة التي قفز ذات يومٍ من إطارها؟ لماذا لا أتوهج كالسابق؟ لماذا لا أنظر إليه ولماذا لا أشع كالقمر في حضن الظلمات؟ لم أجبه بأنني أهديته النور الذي قضيت العمر في جمعه من أقاصي الكون نجمةً بعد أخرى وفضلت سطوعه حتى إن كان ذلك يعني أفولي.. لكنني أخبرته أن للقمر أيضاً وجهٌ مظلم وعندما سأل عنه بإصرار أدرت له خدي قائلاً.. هذا هو الوجه الذي لم تره وهذه هي الندبة التي تركتها كتذكارٍ بعد رحيلك.. القمر.. ذلك الوهم الجميل هو مجرد صخورٍ وحفر صنع جماله من انعكاس الضوء عليه وزاد سحره بعده عنا.. وانت أيها الطيف أحرقتني بقربك وأخذت مني النور ساعة مغادرتك ولم تترك سوى بعض ٍمن وجعك.. فلا تسألني عن ضياءٍ وأنت من ترك الندبة كمن يريدني أن أخطو إليه بعد أن فرش الدرب بيننا بالأشواك..
خالد جهاد..