كان لهيمنة الشعر على الحياة والأدب العربيين تأثير سلبي في الأجناس والفنون الأدبيـة الأخرى، قراءة وتلقيا؛ لهذا بهت حضورها، وضعف تأثيرها لمدة زمنية ليست بالقصيرة إلى درجة «أننا لا نكاد نجد اهتماما حقيقيا بجماليات النثر الفني على نحو ما تحقق بالنسبة إلى الشعر... إذ يظل سؤال النثر الفني غير القصصي متواريا».[1]
ومن أجل إلقاء بعض الأضواء على النثر في الأدب العربي، سنعمد إلى معالجة القضايا التالية:
أ ـ مصطلحات النثر و مفهومه وتطوره.
ب ـ النثر وإشكال الأجناس الأدبية.
ج ـ النثر و مسألة الأسبقية والأفضلية.
د ـ موضوعات النثر وخصائصه.
1 ــ مصطلحات النثر و مفهومه وتطوره:
مما تنبغي الإشارة إليه أن القدامى أطلقوا على النثر مصطلحات كثيرة أبرزها: المنثور والكلام و الكتابة. وهي مصطلحات قد تبدو متباينة من حيث دلالاتها.
إن المنثور يباين المنظوم ويخالفه لأن كل واحد منهما يشكل جنسا أو فنا مستقلا بذاته؛ يقول ابن خلدون: «وإنما المقصود منه [أي من علم الأدب] عند أهل اللسان ثمرته وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب و مناحيهم».[2]
إن المنظوم و المنثور فنان تسمو قيمتهما، ويعلو شأنهما حسب ابن خلدون بشرط الإجادة. وهذه الإجادة هي ثمرة علم سماه ابن خلدون ب(علم الأدب)؛ وتبعا لذلك فالشاعر والكاتب لا يجيدان إلا إذا كانا ملمين بذلك العلم.
وفي كتاب (البرهان) نجد تفريعا للمنثور الذي يضم أربعة أنواع نثرية، يقول صاحبه: «فأما المنثور فليس يخلو من أن يكون خطابة، أو ترسلا، أو احتجاجا، أو حديثا، ولكل واحد من هذه الوجوه موضع يستعمل فيه».[3]
إن المنثور يتخذ، إذن، أربعة أوجه أو أشكال يتحكم في استعمالها عاملان هما: المواضع والمقامات؛ علما بأن هناك تفاوتا واضحا بين هذه الأشكال الأربعة من حيث الانتشار والتداول، إذ لم يشتهر منها إلا الخطابة والرسالة.
كما أن ابن وهب يقارن بين المنثور و المنظوم فيقول: «اعلم أن سائر العبارة في لسان العرب إما أن يكون منظوما أو منثورا، والمنظوم هو الشعر، والمنثور هو الكلام».[4] ومعنى هذا أن العبارة عند العرب إذا نظمت كانت شعرا، وإذا نثرت سميت كلاما.
بيد أن الكلام، في الحقيقة، تتسع دلالته لتشمل عند بعض القدامى الشعر والنثر معا؛ ففي (المثل السائر) نجد التنبيه التالي: «اعلم أن صناعة تأليف الكلام من المنظوم والمنثور تفتقر إلى آلات كثيرة».[5] فإذا كان الكلام ينقسم إلى منظوم ومنثور، فإن الجامع بينهما هو كونهما صناعة تتطلب الإلمام بعلوم و معارف كثيرة يسميها القدامى ب(الآلات). هذا دون أن ننسى أن «الكلام على الكلام صعب».[6] كمـا قال أبو حيـان التوحيـدي؛ و مرد ذلك أن «الكلام على الكلام فإنه يدور على نفسه،و يلتبس بعضه ببعضه».[7]
ومن المعلوم أن كثيرا من القدامى أولوا الكلام عناية خاصة، تعريفا وتقييما؛ يقول أبو هلال العسكري: «الكلام أيدك الله، يحسن بسلاسته، وسهولته، ونصاعته، وتخير لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه...».[8]
إن الكلام، بهذا المفهوم، يمكن أن ينطبق على الشعر، كما يمكن أن ينسحب على النثر؛ غير أن جودته لا تكتمل إلا إذا جمعت بين جمال اللفظ والمعنى والأسلوب والإيقاع والبناء.
وفي موضع آخر، يعتبر أبو هلال الكلام جنسا عاما تندرج تحته مجموعة من الأجناس الفرعية؛ يقول في هذا الإطار: «أجناس الكلام المنظوم (ثلاثة) الرسائل، والخطب، والشعر. وجميعها تحتاج إلى حسن التأليف وجودة التركيب».[9] والملاحظ أن كلمة (المنظوم)، الواردة في هذه القولة، تثير بعض الارتباك والغموض إذا ما تم قصر دلالتها على الشعر وحده؛ غير أن المقصود بخلاف ذلك، إذ تدل على التأليف والتركيب الجيدين بين أجزاء القول، سواء أتعلق الأمر بالنثر أم بالشعر.
وممن يؤكد أن الكلام يشمل فني الشعر والنثر ابن خلدون الذي يقول: «اعلم أن لسان العرب وكلامهم على فنيين في الشعر المنظوم وهو الكلام الموزون المقفى... وفي النثر وهو الكلام غير الموزون وكل واحد من الفنين يشتمل على فنون ومذاهب في الكلام».[10]
إن ابن خلدون، في هذا النص، يقوم بعملية تصنيفية لكلام العرب مستندا إلى معيار واحد هو الوزن، مع وعيه بأن كل جنس أدبي، شعرا كان أو نثرا، يضم أجناسا فرعية أوأنواعا واتجاهات؛ غير أنه في تصنيفه لم يسلم من تأثير المعايير الشعرية. ويؤيد ابن خلدون في مذهبه هذا ما ورد في كتاب (المثل السائر) من «أن جماعة من مدعي علم البيان ذهبوا إلى أن الكلام ينقسم قسمين فمنه ما يحسن فيه الإيجاز كالأشعار و المكاتبات و منه ما يحسن فيه التطويل كالخطب و التقليدات».[11] و معنى هذا أن الكلام قد يكون شعرا أو نثرا؛ كما أن القسمين يشتركان في بعض الخصائص دون أخرى.
وتنبغي الإشارة، أخيرا، إلى أن لابن عربي نكتة لطيفة انتبه إليها و هو يتحدث عن الكلام إذ قال مبرزا وظيفته: «والكلام صفة نفسية رحمانية مشتقة من الكلـم وهو الجـرح فلهـذا قلـنا مؤثـرة كما أثـر الكلم في جسم المجروح».[12]
أما الكتابة، فتتميز عن الكلام، إذ غالبا ما تشير إلى النثر، وخاصة ما تعلق منه بكتابة الرسائل. وهذا ما يدل عليه السياق في أقوال بعض القدامى، يقول أبو هلال العسكري: «فأول ما ينبغي أن تستعمله في كتابتك... مكاتبة كل فريق منهم على مقدار طبقتهم و قوتهم في المنطق».[13] فالكاتب مطالب، في رسائله، بمراعاة الأحوال الاجتماعية والقدرات العقلية. و المقصود ب(الطبقة) أصناف الناس وفئاتهم الاجتماعية؛ وقد حصرها ابن عبد ربه في الملوك والوزراء والعلماء والكتاب والخطباء والأدباء و الشعراء وأوساط الناس وسُوقَتِهم.[14]
ويقارن أبو القاسم الإشبيلي بين الرسالة و الخطبة فيقول: «الكتابة ــ أعزك الله ــ موطن ترحيب وتأهيل، والخطابة مقام ترفيع وتبجيل».[15] بل إن دلالة الكتابة على الرسائل ظلت حاضرة في الدراسات الحديثة؛ يقول شوقي ضيف ــ رحمه الله ــ : «وعلى هذا النحو كانت الكتابة في هذا العصر الجسر الذي يصل الشخص إلى أرفع المناصب».[16] ويقصد بذلك كتابة الرسائل، وخاصة الديوانية منها.
2 ــ النثر و إشكال الأجناس الأدبية:
سبقت الإشارة إلى أن أجناس الكلام، حسب أبي هلال العسكري، ثلاثة هي:الرسائل والخطب والشعر(الصناعتين، ص:153). والحقيقة أن الرسائل والخطب جنسان أدبيان يندرجان ضمن فن أو جنس عام هو النثر؛ يقول البشير المجدوب: «أما النثر فما ورد في حقه من تعريف لا يتعدى التقسيم والتصنيف، فهو باعتبار الشكل الأدبي (أو الفنون الأدبية) ينقسم إلى خطب ورسائل».[17]
والظاهر أن تصنيف النثر إلى خطب ورسائل ناتج عن اعتماد معيار واحد هو الشكل. والحقيقة غير ذلك؛ وذلك لأن أنواعا نثرية أخرى يتم إغفالها فلا تذكر، ومنها المقامة التي تختلف شكلا ومضمونا عن الخطب والرسائل. ومعنى ذلك أن عمليات التصنيف والتجنيس التي يخضع لها النثر تتحكم فيها معايير أخرى غير الشكل والوزن بصفة عامة.
إن تحديد النثر في الخطب والرسائل راجع، في نظرنا، إلى ثلاثة عوامل هي:
الأول عامل إداري وسياسي إذ اتخذت السلطة السياسية من الخطب و الرسائل وسيلة لتمرير خطاباتها، ولتدبير شؤون العباد والبلاد.
أما العامل الثاني فذو طابع تداولي، ويتمثل في شيوع وانتشار هذين الجنسين من أجناس النثر وهيمنتهما على باقي الأجناس.
ويرجع العامل الثالث إلى الجوانب الوظيفية في الخطب والرسائل إذ تتميزان بفعاليتهما في تبليغ الخطابات، وكفاءتهما وقدرتهما على تحقيق الأهداف المتوخاة منهما.
لكن، وكيفما كان الحال، فإن جميع العوامل المذكورة سابقا، وإن فسرت جانبا من هذه الظاهرة، فإنها لا تبرر إغفال الدارسين ــ قديما وحديثا ــ للأجناس النثرية الأخرى، كالمقامة والوصية والحكمة والمثل والخبر. والظاهر أن الإغفال لم يقتصر على مرحلة ما قبل التدوين، بل استمر ــ بأشكال مختلفة ــ في مرحلة التدوين وما بعدها علما بأن هناك من الدارسين من يركز على مرحلة ما قبل التدوين حيث يمكن القول إن «هناك ثلاثة أسباب واضحة غيبت أنواعا أدبية نثرية،في مرحلة ما قبل التدوين:أسباب دينية (سجع الكهان)، إدمـاج الأمثـال في الشعـر، ثم حالة المـد والجـزر بين الشعـر والخطـابة».[18] وكيفما كان الحال، فمن اللازم الإشارة إلى أن الشعـر بسلطته وبأشكال تلقيه، كان من الأسباب التي نفرت من الأنواع النثرية الأخرى، أو ساهمت في تهميشها ل«أسباب أدبية تتلخص في "سلطة الشعر"...».[19] ويمكن أن نضيف إلى ذلك كله سببا آخر ذا بعد منهجي يتمثل في «عدم النظر إلى النثر العربي القديم نظرة شمولية باعتباره نظاما من الأجناس المتداخلة».[20]
إضافة إلى ذلك، تتخذ عملية تصنيف النثر في النقد العربي أبعادا أخرى تبعا لزوايا النظر، وللمعايير المعتمدة من قبل الدارسين؛ فاعتماد معيار الإيقاع أفضى إلى تصنيف النثر إلى نوعين؛ وفي هذا الإطار يقول ابن خلدون: «وأما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعا، ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة يسمى سجعا؛ ومنه المرسل، وهو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقا... بل يرسل إرسالا من غير تقييد بقافية ولا غيرها».[21]
إن النثر، بناء على هذا، مسجوع ومرسل، وذلك تبعا لمدى التزام الكاتب ببعض الضوابط ذات الطابع الإيقاعي، و من أبرزها السجع الذي«يعتبر من المقومات الأساسية للنثر العربي القديم».[22]
وعموما يمكن القول إن النثر فن أدبي يتفاعل، بطريقة أو بأخرى، مع عوامل الزمان ومعطيات الواقع. لهذا يظل دائما قابلا للتطور والتغير؛ فعلى سبيل المثال «كان العصر العباسي الأول عصرا خطيرا حقا في تطور النثر، إذ تحولت إليه الثقافات اليونانية والفارسية والهندية وكل معارف الشعوب التي أظلتها الدولة العباسية».[23] ولقد سمح هذا العامل بظهور أنماط أخرى من النثر؛ يقول شوقي ضيف: «وكان ذلك إيذانا بتعدد شعب النثرالعربي وفروعه، فقد أصبح فيه النثر العلمي والنثر الفلسفي، وأصبح فيه أيضا النثر التاريخي، على شاكلة ما كان عند الأمم القديمة، وحتى النثر الأدبي الخالص أخذ يتأثر بملكات اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الفارسية ».[24] وبهذا تحرر النثر العربي، من خلال تفاعلاته الحضارية، من بعض القيود الأدبية، وانعطف نحو ألوان من الفكر والعلم والثقافة بصفته الجنس الأدبي الأقدرعلى استيعاب تلك المعارف والتعبيرعنها؛ يقول شوقي ضيف: «وكل ذلك معناه أن النثر تهيأت له أسباب كثيرة في هذا العصر لكي ينمو ويزدهر، فقد أخذ يمتد ليستوعب العلوم والفلسفة، كما يستوعب مادة عقلية عميقة حتى في المجال الأدبي».[25]
إن هذا النمو والازدهار يمثل نقطة تحول رئيسة في تاريخ النثر العربي لم تتيسر له من قبل، وذلك لكونه انفتح على مجالات أخرى أسهمت في إغنائه وتضميخه بسمات جديدة. ومرد ذلك أن المضامين و القضايا الجديدة فرضت اعتماد أساليب و أشكال تعبيرية مبتكرة تنزاح عما كان سائدا في مجال النثر الأدبي؛ وإلى هذا يشير شوقي ضيف فيقول: «وما من ريب في أن ما انتشر في هذا العصر من غناء وشراب ولهو كان له أثره في هذا الذوق المترف الذي يميل إلى أن يسري التصنيع والزخرف في جميع جوانب الحياة... وطبيعي أن يسري هذا الذوق من حياة العباسيين الاجتماعية إلى حياتهم الأدبية لأنه تعبير عصرهم الذي عاشوا فيه...».[26]
هذا فضلا عما أنيط بهذه الأشكال و الأساليب من وظائف لأن «نمو الجنس لا يضر بخصائصه المحايثة فقط و لكن أيضا بالوظائف التي ينهض بها(أو يمكنه النهوض بها) في الحياة الاجتماعية».[27]
3 ــ النثر و مسألة الأسبقية و الأفضلية:
إن الحديث عن النثر في الأدب العربي يرد عند كثير من الدارسين في إطار مقارنته بصنوه المتمثل في الشعر. وهي مقارنة تجعل منه، غالبا، جنسا أدبيا أدنى مرتبة من الشعر، أو أضعف تأثيرا، أو أقل حضورا. وهذا ما تفصح عنه أقوال بعض القدامى: «قال السلامي: من فضائل النظم أن صار [لنا] صناعة برأسها، وتكلم الناس في قوافيها، و توسعوا في تصاريفها وأعاريضها، وتصرفوا في بحورها... وما هكذا النثر، فإنه قصر عن هذه الذروة الشامخة، والقلة العالية... وقال ابن نباتة: من فضل النظم أن الشواهد لا توجد إلا فيه، والحجج لا تؤخذ إلا منه، أعني [أن] العلماء والحكماء واللغويين يقولون: "قال الشاعر"؛ و"هذا كثير في الشعر"، و"الشعر قد أتى به"، فعلى هذا الشاعر هو صاحب الحجة، والشعر هو الحجة».[28]
إن الشعر يفضل النثر لكونه أصبح صناعة لها قواعدها المتعارف عليها. كما أنه مصدر للاستشهاد والاحتجاج، فمنه يستقي العلماء والحكماء واللغويون حججهم وشواهدهم.
وفي المقابل نجد مواقف أخرى تنتصر للنثر لكونه الأصل الذي يشرف على فرعه وهو الشعر،على الرغم من أن أصحابها يعترفون بأن لكل منهما محاسن ومساوئ؛ يقول أبو حيان التوحيدي: «وسمعت أبا عابد الكرخي صالح بن علي يقول: النثر أصل الكلام، والنظم فرعه؛ والأصل أشرف من الفرع، والفرع أنقص من الأصل؛ لكن لكل واحد منها زائنات وشائنات».[29] بيد أن مثل هذه المواقف والتصورات استحالت، في مراحل معينة من تاريخ الأدب العربي، إلى قناعات أدبية و فكرية يتعذر تغييرها أو تعديلها لما أصبح لها من مصداقية يشهد بها التاريخ و الأدب نفسه؛ علما بأن التاريخ إذا منح السبق لظاهرة ما، فإن ذلك لا يعني أنه يسمو بها فنيا أو يؤثرها جماليا.
يمكن القول، إذن، إن التنازع بين الشعر والنثر مر بمرحلتين هما: «المرحلة الأولى، اكتسبت طابع صراع وجودي بين الشعر والنثر، حيث دارت أهم المناقشات حول الأسبقية في الوجود (الأصل،الفرع) أو أهمية المصدر(العقل، القلب)».[30] و«المرحلة الثانية، تميزت ببروز الوعي النقدي للجمع بين الشعر و النثر، في ظل مفهوم جديد هو ما اصطلح عليه لدى العسكري بالكتابة».[31]
لهذا فإن النظر إلى الشعر والنثر باعتبارهما ثنائية يحكمها التضاد أو التنازع مسألة ما تزال تطرح بشكل مغلوط؛ إذ من المعلوم أن «قضية الشعر والنثر طرحت من زوايا متعددة؛ كالنظر للنثر باعتباره منافسا للشعر».[32]
من هنا كان الموقف السليم، في نظرنا، يتمثل في معالجة قضية تنازع الشعر والنثر في إطارها الطبيعي وهو مسألة الأجناس الأدبية من حيث ظهور الأجناس وتطورها وتداخلها وتفاعلها واندثارها؛ خاصة و«ان الأنواع تعيش وتنمو...[و] في بعض الأحيان،يتفكك النوع الأدبي».[33]
إن الأجناس والفنون الأدبية تنبثق، في سياق تاريخي محدد، من تراكم التجارب الإنسانية والفنية وتفاعل الأشخاص مع محيطهم لتستجيب لحاجات نفسية واجتماعية وفنية. ولهذا كانــــت «مصداقية النوع تستمد من وظيفته، التي تتجاوز في بعض الأحيان حدود الأدبي إلى ما هو تاريخي أو اجتماعي».[34]
وبناء على هذا، فإن الحديث عن النثر في الأدب العربي يستوجب الالتزام بمجموعة من التحديدات حتى لا يظل حديثا ملتبسا؛ علما بأن هذه التحديدات تتعلق بالأجناس النثرية وما ارتبط بها من مفهومات، وما تمخض عنها من أشكال وخصائص فنية، ومضامين متنوعة، وما طرأ عليها من تغييرات فرضتها سياقات التاريخ، أو ضرورات الفن، أو حاجات الإنسان.
ولهذا فإن الموقف السليم يتمثل في النظر إلى النثر باعتباره إضافة فنية نوعية لم تتبلور لتنافس الشعر، وإنما لتغني الأدب العربي، ولتفتح آفاقا أخرى للتعبير، واتخاذ المواقف، والنظر إلى الأمور من زوايا أخرى.
ولكن رغم ما عرفه النثر من تطور وتحول شملا أنواعه و موضوعاته، فإنه ظل الجنس الأدبي الأقل حضورا وتأثيرا في الإنسان والحياة العربيين. ولقد عالج القدامى هذه الظاهرة، وذهبوا في تفسيرها مذاهب، تحكمت فيه الميولات والأهواء والمصالح أو القناعات والحقائق؛ يقول أبو القاسم الإشبيلي: «وإنما خصصت المنثور لأنه الأصل الذي أمن العلماء ــ لامتزاجه بطبائعهم ــ ذهاب اسمه فأغفلوه؛ وضمن الفصحاء ــ لغلبته على أذهانهم ــ بقاء رسمه فأهملوه، ولم يحكموا قوانينه، ولا حصروا أفانينه».[35]
لهذا النص/ الشهادة قيمتان: قيمة تاريخية ـ فكرية، وأخرى علمية. فالأولى تعكس وعي القدامى المبكر بإشكال النثر في الأدب العربي. أما القيمة العلمية أو النقدية فتتجلى في سعيها إلى تـفسير ما لحقه من إهمال لأسباب متعددة.
وعموما، يمكن أن نستنتج من النص السابق ما يلي:
أ ـــ إن أبا القاسم الإشبيلي يجعل النثر هو الأصل، لهذا كان الأحق بالاهتمام والدراسة.
ب ــ إن العلماء أغفلوا النثر لأنهم اطمأنوا إلى عدم اندثاره لكونه يشكل جزءا من طبائعهم إذ هو لسانهم وترجمان أحوالهم.
ج ـــ أما الفصحاء فأهملوه لكونهم ضمنوا بقاءه و دوامه لارتباطه وغلبته على ملكاتهم الذهنية.
د ــ من هنا كانت أسباب الإغفال والإهمال تنحصر في اقتناع العلماء والفصحاء، واطمئنانهم إلى قدرة النثر على البقاء والاستمرار.
هـ ــ بيد أن موقف أولئك العلماء والفصحاء قد ترتبت عليه انعكاسات ونتائج سلبية إذ ظل النثر دون تقعيد، فلم تضبط قوانينه، كما لم تحصر فنونه. يقول أبو القاسم:«ولم يحكموا قوانينه، ولا حصروا أفانينه».
ولا يخفى ما يتضمنه كلام أبي القاسم من إشارات في غاية الأهمية لكونها تندرج ضمن الوظائف التصنيفية و التجنيسية التي يجب أن يضطلع بها مبدعو الأدب ومؤرخوه ودارسوه. ولعل هذا ما حاول أن يقوم به أبو القاسم من خلال تأليفه لكتاب (إحكام صنعة الكلام) إذ يشي عنوان الكتاب بذلك، ويصدقه مضمونه إلى حد كبير.
4 ــ موضوعات النثر وخصائصه:
يتردد كثيرا أن كل فن أدبي يختص بموضوع أو غرض معين دون الموضوعات أو الأغراض الأخرى، وذلك اعتمادا على مجموعة من المعطيات الشكلية والأسلوبية والدلالية؛ علما بأن مثل هذه المعطيات أصبحت من المعايير التي يمكن توظيفها في تصنيف النصوص الأدبية وتجنيسها. وهكذا، نجد في (المقدمة) التنبيه التالي: «واعلم أن لكل واحد من هذه الفنون أساليب تختص به عـند أهله ولا تصح للفن الآخر، ولا تستعمل فيه، مثل النسيب المختص بالشعر، والحمد والدعاء المختص بالخطب، والدعاء المختص بالمخاطبات وأمثال ذلك».[36]
من هذا النص يمكن أن نستخلص ما يلي:
أ ــ إن الفنون التي كانت سائدة ومعترفا بها لشيوعها وتداولها هي: الشعر، والخطب، والمخاطبات (أي الرسائل). وهذه الفنون في اصطلاح القدامى، هي التي نسميها حديثا أجناسا أدبية.
ب ــ يعترف ابن خلدون أن لكل فن أساليبه الخاصة به، والتي لا تلائم الفنون الأخرى. ومن هذه الأساليب: النسيب والحمد والدعاء التي يمكن اعتبارها أغراضا وعناصر بنائية تتقوم بها الفنون أو الأجناس المذكورة في قولته.
ج ــ يؤكد ابن خلدون أن لكل فن أهلا هم أدرى به وأحفظ له، شعراء كانوا أو خطباء أو مترسلين، يعون الفوارق الكائنة بين الفنون، ويحترمون قواعدها وتقاليدها.
د ــ إن ما خلص إليه ابن خلدون ــ وغيره من القدامى ــ استنتاجات أفضى إليها استقراؤهم لفنون الأدب السائدة في عصورهم؛ إنها بمثابة العناصر المهيمنة على تلك الفنون في مراحل معينة، والتي كانت وستبقى قابلة للتغيير، بالإضافة أو الحذف أو التوسيع أو التضييق بفعل المؤثرات الكثيرة كالتفاعل و التلاقح والتداخل التي تكون فنون الأدب، عادة، مسرحا لها عبر العصور «ولا غرابة في ذلك بعد أن أشرنا إلى أن الفوارق والحواجز بين الفنون الأدبية ليست حاسمة قاطعة، فهناك تداخل بنسب مختلفة بين الفنون الأدبية، أو بين بعضها والبعض الآخر».[37]
أما فيما يتعلق بالخصائص، فتنبغي الإشارة إلى أن النثر العربي القديم يشكل فنا أو جنسا أدبيا عاما تندرج تحته مجموعة من الأنواع والأصناف الأدبية، أو ما يسمى بالأجناس الفرعية كالمقامة والخطبة والرسالة والوصية والحكمة والمثل والخبر. ورغم مابين هذه الأجناس من اختلافات وتمايزات، فإنها تتقاسم مجموعة من الخصائص التي تتعلق ببنائها وبمكوناتها اللغوية والشكلية والموضوعاتية.
ولعل أبرز خاصية هيمنت على النثر العربي القديم تتمثل في ظاهرة أسلوبية هي المحسنات البديعية. لكن يحق لنا أن نتساءل: هل من الإنصاف أن نختزل تراثا نثريا ضخما في ظاهرة المحسنات؟ ألم تسئ مثل هذه الاستنتاجات إلى عظمة هذا التراث وغناه؟
لهذا يصبح من اللازم أن نوسع من آفاق البحث في التراث النثري العربي للكشف عن خصائص وظواهر أخرى؛ ولن يتسنى ذلك إلا من خلال وضع ظاهرة المحسنات في إطارها الصحيح، ومنحها حجمها الحقيقي.
وتنبغي الإشارة إلى أن تضخيم ظاهرة المحسنات يرجع إلى أسباب كثيرة منها:
أنها ظاهرة لافتة للنظر، و مهيمنة على باقي الظواهر.
أن ضبطها،بالتالي،لا يحتاج إلى كبير عناء.
أن لها ما يبررها، سواء أتعلق الأمر بقواعد الكتابة التي تم التوافق عليها قديما، أم بالاستجابة لمتطلبات العصر، أم بالنزول عند رغبة بعض الحكام و الزعماء؛ يقول شوقي ضيف معلقا على بعض الرسائل: «والرسالة مبنية على السجع، وكان جعفر يؤثره في كتاباته، مبالغة منه في التأنق والتنميق».[38] هذا فضلا عن الدور الهام الذي اضطلع به السجع فيما يخص الحفاظ على النصوص النثرية إذ «يشير الجاحظ إلى أن السجع يثبت ويحفظ الخطاب الذي، بتحرره من الوزن والقافية، يكون النسيان إليه أسرع».[39]
ولقد ترتبت على هذه الظاهرة نتائج سلبية، ذلك أنه «ما من شك في أن طغيان المحسنات اللفظية على الأدب العربي شعرا ونثرا قد كان من الأساليب الأساسية في تضييق نطاقه»[40]
وفي هذا الإطار ينبغي أن نوضح ما يلي:
أ ــ إن الإشكال المطروح لا ينحصر في الاعتراف بطغيان المحسنات على الأدب العربي أو إنكار ذلك، وإنما هو في معالجة الدارسين لهذه الظاهرة؛ ذلك أن نوع هذه المعالجة و حجمها وأهدافها هي العوامل التي تسهم في إبراز ظاهرة المحسنات، وتضخيمها على حساب ظواهر فنية وجمالية أخرى.
ب ــ إن المحسنات ظاهرة لغوية وأسلوبية تضمر ظواهر ودلالات نفسية وسلوكية واجتماعية وحضارية، تظل ــ هي الأخرى ــ في حاجة إلى دراسة وتمحيص؛ وتندرج تلك المحسنات، كما أشار إلى ذلك شوقي ضيف سابقا، ضمن ظاهرة التأنق والتنميق «و هو تنميق كان يطلبه [أي جعفر] في كل ما يتصل به حتى في ثيابه».[41]
ج ـ إن للمحسنات وظائف عديدة، ومنها الوظيفة التزيينية؛ غير أن النصوص المضمخة بهذه المحسنات قادرة على الاضطلاع بوظائف أخرى.
د ــ ومن ذلك أن النصوص الموشاة بالأسجاع، على سبيل المثال، لم يكن الغرض منها التزيين فحسب، وإنما إمتاع المتلقي بتلك الموسيقى أو الإيقاعات المتولدة عن الأسجاع، مما يعد حنينا إلى أجواء الشعر وطقوسه، وتعبيرا عن مدى التعلق به؛ لهذا «فإن السجع في الكلام كمثل القافية في الشعر، وإن كانت القافية غير مستغنى عنها و السجع مستغنى عنه؛ فأما أن يلزمه الإنسان في جميع قوله و[رسائله] وخطبه و مناقلاته فذلك جهل من فاعله، وعي من قائله».[42]
يمكن القول، إذن، إن الناثر العربي القديم حاول أن يوفق بين الجانبين العقلي والفني « وقد بين [التوحيدي] ـ خاصةـ أهمية كل من عنصري العقل والموسيقى في النثر الفني».[43]ومن تم أولى بعض القدامى للنزعة العقلية في النثر أهمية كبرى لكونها من الخصائص التي تميزه عن الشعر؛ ولهذا «قال عيسى الوزير: النثر من قبل العقل، والنظم من قبل الحس».[44] وأضاف آخرون خصائص تسهم، في نظرهم، في تشريف النثر وتفضيله على الشعر؛ قال أبو عابد الكرخي: «ومن شرف النثر أيضا أنه مبرأ من التكلف، منزه عن الضرورة، غني عن الاعتذار والافتقار، و التقديم و التأخير والحذف والتكرير...».[45]
من هنا كان النثر في الأدب العربي القديم موسوما بخصائص وعلامات تتمثل في:
أ ـــ توشية النصوص بالمحسنات،ومنها السجع، لاسيما إذا كان النص مقامة أو خطبة أو رسالة.
ب ـــ تدعيمها بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.
ج ـــ تضمينها مختارات من الأشعار والأمثال والحكم.
دـ انفتاحها على موضوعات وأغراض كانت حكرا على الشعر كالغزل والمديح والهجاء والفخر وغير ذلك.[46]
كما أن النثر تميز، من حيث وظائفه، بسمتين قد تبدوان غير منسجمتين هما: الإقناع والترميز؛ يقول عبد الفتاح كليطو: «ماذا ستكون عليه خصائص النثر الفني؟... إن نثر ابن المقفع والجاحظ، سواء كان استدلاليا أو سرديا، يسير في انطلاقة مستقيمة، هادفا على الخصوص إلى استمالة القارئ والتأثير عليه لإقناعه بصحة رأي من الآراء... أما النثر الذي يدعو إليه الهمذاني فصادر عن روح مخالفة ويجعل في المقدمة، بدل بلاغة الإقناع، شعرية الكتابة المرموزة ».[47]
ولقد ذهب بعض القدامى إلى أن بلاغة النثر تستوجب مجموعة من الشروط والمواصفات؛ يقول أبو حيان التوحيدي: «وأما بلاغة النثر فأن يكون اللفظ متناولا، والمعنى مشهورا، والتهذيب مستعملا، والمراد سليما، والرونق عاليا، والحواشي رقيقة، والصفائح مصقولة، والأمثلة خفيفة المأخذ، والهوادي متصلة، والأعجاز مفصلة».[48]
إن النثر العربي القديم، بهذه المعايير و الخصائص، يشيد كيانه الخاص، ويبني معماره المتميز عن الفنون والأجناس الأخرى، سواء تعلق الأمر بالشكل أو المضمون. كما أن تلك المعايير والخصائص من شأنها أن تصبح أدوات صالحة لتصنيفه وتجنيسه.
الهوامش:
[1] بلاغة النادرة: محمد مشبال، منشورات نادي الكتاب لكلية الآداب بتطوان، الطبعة الأولى، شتنبر 1998، ص:7ـ8.
[2] مقدمة ابن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي، المكتبة العصرية صيدا ـ بيروت، 1425 هـ ـ 2005 م، ص:553.
[3] البرهان في وجوه البيان: أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب،
تقديم وتحقيق: حفني محمد شرف، مكتبة الشباب القاهرة، الطبعة الأولى 1969، ص:150.
[4] البرهان في وجوه البيان: ابن وهب الكاتب، ص:127.
[5] المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ضياء الدين أبو الفتح نصر الله الموصلي، المطبعة البهيه بمصر، د.ت، ص:3.
[6] كتاب الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، صححه وضبطه وشرح غريبه: أحمد أمين وأحمد الزين،منشورات دار مكتبة الحياة، د.ط، د.ت، ص:131.
[7] نفس المصدر والصفحة.
[8] كتاب الصناعتين (الكتابة والشعر): أبو هلال الحسن العسكري، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1401 هـ ـ 1981 م، ص:69.
[9] نفسه، ص:179.
[10] مقدمة ابن خلدون، ص:565.
[11] المثل السائر: ضياء الدين بن الأثير، ص:192.
[12] الفتوحات المكية للشيخ الإمام محيي الدين المعروف بابن عربي، ضبطه وصححه ووضع فهارسه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت، ط. 1، 1420 هـ ـ 1999 م،3 /281.
[13] كتاب الصناعتين: أبو هلال العسكري، تحقيق: مفيد قميحة، ص:172.
[14] العقد الفريد لعبد ربه الأندلسي، شرحه وضبطه: أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الديباري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،1375 هـ ـ 1956 م، د.ط، الجزء الرابع، ص:180.
[15] إحكام صنعة الكلام لذي الوزارتين أبي القاسم محمد بن عبد الغفور الإشبيلي الأندلسي، تحقيق: رضوان الداية، دار الثقافة بيروت 1966، د.ط، ص:250.
[16] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية، د.ت، ص:465.
[17] حول مفهوم النثر الفني عند العرب القدامى: البشير المجدوب، الدار العربية للكتاب، د.ط، د.ت، ص:11.
[18] شعرية النص النثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري): أبلاغ محمد عبد الجليل، شركة النشر والتوزيع المدارس الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، ص:28.
[19] نفسه، ص:27.
[20] الرسائل الأدبية من القرن الثالث إلى القرن الخامس للهجرة (مشروع قراءة إنشائية): صالح بن رمضان، منشورات كلية الآداب بمنوبة،2001، ص:92.
[21] مقدمة ابن خلدون، ص:565 ــ 566.
[22] شعرية النص النثري: أبلاغ محمد عبد الجليل، ص:32.
[23] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، ص:441.
[24] نفسه، ص:442.
[25] نفسه، ص:448.
[26] الفن ومذاهبه في النثر العربي: شوقي ضيف، مكتبة الأندلس بيروت، الطبعة الثانية ،1956، ص:127.
[27] الأجناس الأدبية: م.غلوينسكي، ترجمة: محمد مشبال، مجلة الصورة، السنة الرابعة، العدد الرابع، شتاء 2002، ص:13.
[28] الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، ص:135 ـ 136.
[29] نفسه، ص:132.
[30] شعرية النص النثري: أبلاغ محمد عبد الجليل، ص:57.
[31] نفس المرجع والصفحة.
[32] نفسه، ص:10.
[33] نظرية المنهج الشكلي (نصوص الشكلانيين الروس)، ترجمة: إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية بيروت، الشركة المغربية للناشرين المتحدين الرباط، الطبعة العربية الأولى، 1982، ص:214.
[34] شعرية النص النثري: أبلاغ محمد عبد الجليل، ص:28.
[35] إحكام صنعة الكلام: أبو القاسم الإشبيلي، ص:31.
[36] مقدمة ابن خلدون، ص:566.
[37] الأدب وفنونه: محمد مندور، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، د.ط، د.ت، ص:28.
[38] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، ص:476.
[39] المقامات (السرد والأنساق الثقافية): عبد الفتاح كليطو، ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال للنشر، الطبعة الثانية 2001، ص:75.
[40] الأدب وفنونه: محمد مندور، ص:9.
[41] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، ص:476.
[42] البرهان في وجوه البيان: ابن وهب الكاتب، ص:165.
[43] حول مفهوم النثر عند العرب القدامى: البشير المجدوب، ص:19.
[44] الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، ص:134.
[45] نفس المرجع والصفحة.
[46] النثر الفني في القرن الرابع: زكي مبارك، دار الكتب المصرية القاهرة، 1352 هـ ـ 1934 م، الجزء الأول، ص:106ـ 107، بتصرف.
[47] المقامات: عبد الفتاح كليطو، ص:74.
[48] الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، ص:41.
ومن أجل إلقاء بعض الأضواء على النثر في الأدب العربي، سنعمد إلى معالجة القضايا التالية:
أ ـ مصطلحات النثر و مفهومه وتطوره.
ب ـ النثر وإشكال الأجناس الأدبية.
ج ـ النثر و مسألة الأسبقية والأفضلية.
د ـ موضوعات النثر وخصائصه.
1 ــ مصطلحات النثر و مفهومه وتطوره:
مما تنبغي الإشارة إليه أن القدامى أطلقوا على النثر مصطلحات كثيرة أبرزها: المنثور والكلام و الكتابة. وهي مصطلحات قد تبدو متباينة من حيث دلالاتها.
إن المنثور يباين المنظوم ويخالفه لأن كل واحد منهما يشكل جنسا أو فنا مستقلا بذاته؛ يقول ابن خلدون: «وإنما المقصود منه [أي من علم الأدب] عند أهل اللسان ثمرته وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب و مناحيهم».[2]
إن المنظوم و المنثور فنان تسمو قيمتهما، ويعلو شأنهما حسب ابن خلدون بشرط الإجادة. وهذه الإجادة هي ثمرة علم سماه ابن خلدون ب(علم الأدب)؛ وتبعا لذلك فالشاعر والكاتب لا يجيدان إلا إذا كانا ملمين بذلك العلم.
وفي كتاب (البرهان) نجد تفريعا للمنثور الذي يضم أربعة أنواع نثرية، يقول صاحبه: «فأما المنثور فليس يخلو من أن يكون خطابة، أو ترسلا، أو احتجاجا، أو حديثا، ولكل واحد من هذه الوجوه موضع يستعمل فيه».[3]
إن المنثور يتخذ، إذن، أربعة أوجه أو أشكال يتحكم في استعمالها عاملان هما: المواضع والمقامات؛ علما بأن هناك تفاوتا واضحا بين هذه الأشكال الأربعة من حيث الانتشار والتداول، إذ لم يشتهر منها إلا الخطابة والرسالة.
كما أن ابن وهب يقارن بين المنثور و المنظوم فيقول: «اعلم أن سائر العبارة في لسان العرب إما أن يكون منظوما أو منثورا، والمنظوم هو الشعر، والمنثور هو الكلام».[4] ومعنى هذا أن العبارة عند العرب إذا نظمت كانت شعرا، وإذا نثرت سميت كلاما.
بيد أن الكلام، في الحقيقة، تتسع دلالته لتشمل عند بعض القدامى الشعر والنثر معا؛ ففي (المثل السائر) نجد التنبيه التالي: «اعلم أن صناعة تأليف الكلام من المنظوم والمنثور تفتقر إلى آلات كثيرة».[5] فإذا كان الكلام ينقسم إلى منظوم ومنثور، فإن الجامع بينهما هو كونهما صناعة تتطلب الإلمام بعلوم و معارف كثيرة يسميها القدامى ب(الآلات). هذا دون أن ننسى أن «الكلام على الكلام صعب».[6] كمـا قال أبو حيـان التوحيـدي؛ و مرد ذلك أن «الكلام على الكلام فإنه يدور على نفسه،و يلتبس بعضه ببعضه».[7]
ومن المعلوم أن كثيرا من القدامى أولوا الكلام عناية خاصة، تعريفا وتقييما؛ يقول أبو هلال العسكري: «الكلام أيدك الله، يحسن بسلاسته، وسهولته، ونصاعته، وتخير لفظه، وإصابة معناه، وجودة مطالعه، ولين مقاطعه، واستواء تقاسيمه، وتعادل أطرافه...».[8]
إن الكلام، بهذا المفهوم، يمكن أن ينطبق على الشعر، كما يمكن أن ينسحب على النثر؛ غير أن جودته لا تكتمل إلا إذا جمعت بين جمال اللفظ والمعنى والأسلوب والإيقاع والبناء.
وفي موضع آخر، يعتبر أبو هلال الكلام جنسا عاما تندرج تحته مجموعة من الأجناس الفرعية؛ يقول في هذا الإطار: «أجناس الكلام المنظوم (ثلاثة) الرسائل، والخطب، والشعر. وجميعها تحتاج إلى حسن التأليف وجودة التركيب».[9] والملاحظ أن كلمة (المنظوم)، الواردة في هذه القولة، تثير بعض الارتباك والغموض إذا ما تم قصر دلالتها على الشعر وحده؛ غير أن المقصود بخلاف ذلك، إذ تدل على التأليف والتركيب الجيدين بين أجزاء القول، سواء أتعلق الأمر بالنثر أم بالشعر.
وممن يؤكد أن الكلام يشمل فني الشعر والنثر ابن خلدون الذي يقول: «اعلم أن لسان العرب وكلامهم على فنيين في الشعر المنظوم وهو الكلام الموزون المقفى... وفي النثر وهو الكلام غير الموزون وكل واحد من الفنين يشتمل على فنون ومذاهب في الكلام».[10]
إن ابن خلدون، في هذا النص، يقوم بعملية تصنيفية لكلام العرب مستندا إلى معيار واحد هو الوزن، مع وعيه بأن كل جنس أدبي، شعرا كان أو نثرا، يضم أجناسا فرعية أوأنواعا واتجاهات؛ غير أنه في تصنيفه لم يسلم من تأثير المعايير الشعرية. ويؤيد ابن خلدون في مذهبه هذا ما ورد في كتاب (المثل السائر) من «أن جماعة من مدعي علم البيان ذهبوا إلى أن الكلام ينقسم قسمين فمنه ما يحسن فيه الإيجاز كالأشعار و المكاتبات و منه ما يحسن فيه التطويل كالخطب و التقليدات».[11] و معنى هذا أن الكلام قد يكون شعرا أو نثرا؛ كما أن القسمين يشتركان في بعض الخصائص دون أخرى.
وتنبغي الإشارة، أخيرا، إلى أن لابن عربي نكتة لطيفة انتبه إليها و هو يتحدث عن الكلام إذ قال مبرزا وظيفته: «والكلام صفة نفسية رحمانية مشتقة من الكلـم وهو الجـرح فلهـذا قلـنا مؤثـرة كما أثـر الكلم في جسم المجروح».[12]
أما الكتابة، فتتميز عن الكلام، إذ غالبا ما تشير إلى النثر، وخاصة ما تعلق منه بكتابة الرسائل. وهذا ما يدل عليه السياق في أقوال بعض القدامى، يقول أبو هلال العسكري: «فأول ما ينبغي أن تستعمله في كتابتك... مكاتبة كل فريق منهم على مقدار طبقتهم و قوتهم في المنطق».[13] فالكاتب مطالب، في رسائله، بمراعاة الأحوال الاجتماعية والقدرات العقلية. و المقصود ب(الطبقة) أصناف الناس وفئاتهم الاجتماعية؛ وقد حصرها ابن عبد ربه في الملوك والوزراء والعلماء والكتاب والخطباء والأدباء و الشعراء وأوساط الناس وسُوقَتِهم.[14]
ويقارن أبو القاسم الإشبيلي بين الرسالة و الخطبة فيقول: «الكتابة ــ أعزك الله ــ موطن ترحيب وتأهيل، والخطابة مقام ترفيع وتبجيل».[15] بل إن دلالة الكتابة على الرسائل ظلت حاضرة في الدراسات الحديثة؛ يقول شوقي ضيف ــ رحمه الله ــ : «وعلى هذا النحو كانت الكتابة في هذا العصر الجسر الذي يصل الشخص إلى أرفع المناصب».[16] ويقصد بذلك كتابة الرسائل، وخاصة الديوانية منها.
2 ــ النثر و إشكال الأجناس الأدبية:
سبقت الإشارة إلى أن أجناس الكلام، حسب أبي هلال العسكري، ثلاثة هي:الرسائل والخطب والشعر(الصناعتين، ص:153). والحقيقة أن الرسائل والخطب جنسان أدبيان يندرجان ضمن فن أو جنس عام هو النثر؛ يقول البشير المجدوب: «أما النثر فما ورد في حقه من تعريف لا يتعدى التقسيم والتصنيف، فهو باعتبار الشكل الأدبي (أو الفنون الأدبية) ينقسم إلى خطب ورسائل».[17]
والظاهر أن تصنيف النثر إلى خطب ورسائل ناتج عن اعتماد معيار واحد هو الشكل. والحقيقة غير ذلك؛ وذلك لأن أنواعا نثرية أخرى يتم إغفالها فلا تذكر، ومنها المقامة التي تختلف شكلا ومضمونا عن الخطب والرسائل. ومعنى ذلك أن عمليات التصنيف والتجنيس التي يخضع لها النثر تتحكم فيها معايير أخرى غير الشكل والوزن بصفة عامة.
إن تحديد النثر في الخطب والرسائل راجع، في نظرنا، إلى ثلاثة عوامل هي:
الأول عامل إداري وسياسي إذ اتخذت السلطة السياسية من الخطب و الرسائل وسيلة لتمرير خطاباتها، ولتدبير شؤون العباد والبلاد.
أما العامل الثاني فذو طابع تداولي، ويتمثل في شيوع وانتشار هذين الجنسين من أجناس النثر وهيمنتهما على باقي الأجناس.
ويرجع العامل الثالث إلى الجوانب الوظيفية في الخطب والرسائل إذ تتميزان بفعاليتهما في تبليغ الخطابات، وكفاءتهما وقدرتهما على تحقيق الأهداف المتوخاة منهما.
لكن، وكيفما كان الحال، فإن جميع العوامل المذكورة سابقا، وإن فسرت جانبا من هذه الظاهرة، فإنها لا تبرر إغفال الدارسين ــ قديما وحديثا ــ للأجناس النثرية الأخرى، كالمقامة والوصية والحكمة والمثل والخبر. والظاهر أن الإغفال لم يقتصر على مرحلة ما قبل التدوين، بل استمر ــ بأشكال مختلفة ــ في مرحلة التدوين وما بعدها علما بأن هناك من الدارسين من يركز على مرحلة ما قبل التدوين حيث يمكن القول إن «هناك ثلاثة أسباب واضحة غيبت أنواعا أدبية نثرية،في مرحلة ما قبل التدوين:أسباب دينية (سجع الكهان)، إدمـاج الأمثـال في الشعـر، ثم حالة المـد والجـزر بين الشعـر والخطـابة».[18] وكيفما كان الحال، فمن اللازم الإشارة إلى أن الشعـر بسلطته وبأشكال تلقيه، كان من الأسباب التي نفرت من الأنواع النثرية الأخرى، أو ساهمت في تهميشها ل«أسباب أدبية تتلخص في "سلطة الشعر"...».[19] ويمكن أن نضيف إلى ذلك كله سببا آخر ذا بعد منهجي يتمثل في «عدم النظر إلى النثر العربي القديم نظرة شمولية باعتباره نظاما من الأجناس المتداخلة».[20]
إضافة إلى ذلك، تتخذ عملية تصنيف النثر في النقد العربي أبعادا أخرى تبعا لزوايا النظر، وللمعايير المعتمدة من قبل الدارسين؛ فاعتماد معيار الإيقاع أفضى إلى تصنيف النثر إلى نوعين؛ وفي هذا الإطار يقول ابن خلدون: «وأما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعا، ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة يسمى سجعا؛ ومنه المرسل، وهو الذي يطلق فيه الكلام إطلاقا... بل يرسل إرسالا من غير تقييد بقافية ولا غيرها».[21]
إن النثر، بناء على هذا، مسجوع ومرسل، وذلك تبعا لمدى التزام الكاتب ببعض الضوابط ذات الطابع الإيقاعي، و من أبرزها السجع الذي«يعتبر من المقومات الأساسية للنثر العربي القديم».[22]
وعموما يمكن القول إن النثر فن أدبي يتفاعل، بطريقة أو بأخرى، مع عوامل الزمان ومعطيات الواقع. لهذا يظل دائما قابلا للتطور والتغير؛ فعلى سبيل المثال «كان العصر العباسي الأول عصرا خطيرا حقا في تطور النثر، إذ تحولت إليه الثقافات اليونانية والفارسية والهندية وكل معارف الشعوب التي أظلتها الدولة العباسية».[23] ولقد سمح هذا العامل بظهور أنماط أخرى من النثر؛ يقول شوقي ضيف: «وكان ذلك إيذانا بتعدد شعب النثرالعربي وفروعه، فقد أصبح فيه النثر العلمي والنثر الفلسفي، وأصبح فيه أيضا النثر التاريخي، على شاكلة ما كان عند الأمم القديمة، وحتى النثر الأدبي الخالص أخذ يتأثر بملكات اللغات الأجنبية وخاصة اللغة الفارسية ».[24] وبهذا تحرر النثر العربي، من خلال تفاعلاته الحضارية، من بعض القيود الأدبية، وانعطف نحو ألوان من الفكر والعلم والثقافة بصفته الجنس الأدبي الأقدرعلى استيعاب تلك المعارف والتعبيرعنها؛ يقول شوقي ضيف: «وكل ذلك معناه أن النثر تهيأت له أسباب كثيرة في هذا العصر لكي ينمو ويزدهر، فقد أخذ يمتد ليستوعب العلوم والفلسفة، كما يستوعب مادة عقلية عميقة حتى في المجال الأدبي».[25]
إن هذا النمو والازدهار يمثل نقطة تحول رئيسة في تاريخ النثر العربي لم تتيسر له من قبل، وذلك لكونه انفتح على مجالات أخرى أسهمت في إغنائه وتضميخه بسمات جديدة. ومرد ذلك أن المضامين و القضايا الجديدة فرضت اعتماد أساليب و أشكال تعبيرية مبتكرة تنزاح عما كان سائدا في مجال النثر الأدبي؛ وإلى هذا يشير شوقي ضيف فيقول: «وما من ريب في أن ما انتشر في هذا العصر من غناء وشراب ولهو كان له أثره في هذا الذوق المترف الذي يميل إلى أن يسري التصنيع والزخرف في جميع جوانب الحياة... وطبيعي أن يسري هذا الذوق من حياة العباسيين الاجتماعية إلى حياتهم الأدبية لأنه تعبير عصرهم الذي عاشوا فيه...».[26]
هذا فضلا عما أنيط بهذه الأشكال و الأساليب من وظائف لأن «نمو الجنس لا يضر بخصائصه المحايثة فقط و لكن أيضا بالوظائف التي ينهض بها(أو يمكنه النهوض بها) في الحياة الاجتماعية».[27]
3 ــ النثر و مسألة الأسبقية و الأفضلية:
إن الحديث عن النثر في الأدب العربي يرد عند كثير من الدارسين في إطار مقارنته بصنوه المتمثل في الشعر. وهي مقارنة تجعل منه، غالبا، جنسا أدبيا أدنى مرتبة من الشعر، أو أضعف تأثيرا، أو أقل حضورا. وهذا ما تفصح عنه أقوال بعض القدامى: «قال السلامي: من فضائل النظم أن صار [لنا] صناعة برأسها، وتكلم الناس في قوافيها، و توسعوا في تصاريفها وأعاريضها، وتصرفوا في بحورها... وما هكذا النثر، فإنه قصر عن هذه الذروة الشامخة، والقلة العالية... وقال ابن نباتة: من فضل النظم أن الشواهد لا توجد إلا فيه، والحجج لا تؤخذ إلا منه، أعني [أن] العلماء والحكماء واللغويين يقولون: "قال الشاعر"؛ و"هذا كثير في الشعر"، و"الشعر قد أتى به"، فعلى هذا الشاعر هو صاحب الحجة، والشعر هو الحجة».[28]
إن الشعر يفضل النثر لكونه أصبح صناعة لها قواعدها المتعارف عليها. كما أنه مصدر للاستشهاد والاحتجاج، فمنه يستقي العلماء والحكماء واللغويون حججهم وشواهدهم.
وفي المقابل نجد مواقف أخرى تنتصر للنثر لكونه الأصل الذي يشرف على فرعه وهو الشعر،على الرغم من أن أصحابها يعترفون بأن لكل منهما محاسن ومساوئ؛ يقول أبو حيان التوحيدي: «وسمعت أبا عابد الكرخي صالح بن علي يقول: النثر أصل الكلام، والنظم فرعه؛ والأصل أشرف من الفرع، والفرع أنقص من الأصل؛ لكن لكل واحد منها زائنات وشائنات».[29] بيد أن مثل هذه المواقف والتصورات استحالت، في مراحل معينة من تاريخ الأدب العربي، إلى قناعات أدبية و فكرية يتعذر تغييرها أو تعديلها لما أصبح لها من مصداقية يشهد بها التاريخ و الأدب نفسه؛ علما بأن التاريخ إذا منح السبق لظاهرة ما، فإن ذلك لا يعني أنه يسمو بها فنيا أو يؤثرها جماليا.
يمكن القول، إذن، إن التنازع بين الشعر والنثر مر بمرحلتين هما: «المرحلة الأولى، اكتسبت طابع صراع وجودي بين الشعر والنثر، حيث دارت أهم المناقشات حول الأسبقية في الوجود (الأصل،الفرع) أو أهمية المصدر(العقل، القلب)».[30] و«المرحلة الثانية، تميزت ببروز الوعي النقدي للجمع بين الشعر و النثر، في ظل مفهوم جديد هو ما اصطلح عليه لدى العسكري بالكتابة».[31]
لهذا فإن النظر إلى الشعر والنثر باعتبارهما ثنائية يحكمها التضاد أو التنازع مسألة ما تزال تطرح بشكل مغلوط؛ إذ من المعلوم أن «قضية الشعر والنثر طرحت من زوايا متعددة؛ كالنظر للنثر باعتباره منافسا للشعر».[32]
من هنا كان الموقف السليم، في نظرنا، يتمثل في معالجة قضية تنازع الشعر والنثر في إطارها الطبيعي وهو مسألة الأجناس الأدبية من حيث ظهور الأجناس وتطورها وتداخلها وتفاعلها واندثارها؛ خاصة و«ان الأنواع تعيش وتنمو...[و] في بعض الأحيان،يتفكك النوع الأدبي».[33]
إن الأجناس والفنون الأدبية تنبثق، في سياق تاريخي محدد، من تراكم التجارب الإنسانية والفنية وتفاعل الأشخاص مع محيطهم لتستجيب لحاجات نفسية واجتماعية وفنية. ولهذا كانــــت «مصداقية النوع تستمد من وظيفته، التي تتجاوز في بعض الأحيان حدود الأدبي إلى ما هو تاريخي أو اجتماعي».[34]
وبناء على هذا، فإن الحديث عن النثر في الأدب العربي يستوجب الالتزام بمجموعة من التحديدات حتى لا يظل حديثا ملتبسا؛ علما بأن هذه التحديدات تتعلق بالأجناس النثرية وما ارتبط بها من مفهومات، وما تمخض عنها من أشكال وخصائص فنية، ومضامين متنوعة، وما طرأ عليها من تغييرات فرضتها سياقات التاريخ، أو ضرورات الفن، أو حاجات الإنسان.
ولهذا فإن الموقف السليم يتمثل في النظر إلى النثر باعتباره إضافة فنية نوعية لم تتبلور لتنافس الشعر، وإنما لتغني الأدب العربي، ولتفتح آفاقا أخرى للتعبير، واتخاذ المواقف، والنظر إلى الأمور من زوايا أخرى.
ولكن رغم ما عرفه النثر من تطور وتحول شملا أنواعه و موضوعاته، فإنه ظل الجنس الأدبي الأقل حضورا وتأثيرا في الإنسان والحياة العربيين. ولقد عالج القدامى هذه الظاهرة، وذهبوا في تفسيرها مذاهب، تحكمت فيه الميولات والأهواء والمصالح أو القناعات والحقائق؛ يقول أبو القاسم الإشبيلي: «وإنما خصصت المنثور لأنه الأصل الذي أمن العلماء ــ لامتزاجه بطبائعهم ــ ذهاب اسمه فأغفلوه؛ وضمن الفصحاء ــ لغلبته على أذهانهم ــ بقاء رسمه فأهملوه، ولم يحكموا قوانينه، ولا حصروا أفانينه».[35]
لهذا النص/ الشهادة قيمتان: قيمة تاريخية ـ فكرية، وأخرى علمية. فالأولى تعكس وعي القدامى المبكر بإشكال النثر في الأدب العربي. أما القيمة العلمية أو النقدية فتتجلى في سعيها إلى تـفسير ما لحقه من إهمال لأسباب متعددة.
وعموما، يمكن أن نستنتج من النص السابق ما يلي:
أ ـــ إن أبا القاسم الإشبيلي يجعل النثر هو الأصل، لهذا كان الأحق بالاهتمام والدراسة.
ب ــ إن العلماء أغفلوا النثر لأنهم اطمأنوا إلى عدم اندثاره لكونه يشكل جزءا من طبائعهم إذ هو لسانهم وترجمان أحوالهم.
ج ـــ أما الفصحاء فأهملوه لكونهم ضمنوا بقاءه و دوامه لارتباطه وغلبته على ملكاتهم الذهنية.
د ــ من هنا كانت أسباب الإغفال والإهمال تنحصر في اقتناع العلماء والفصحاء، واطمئنانهم إلى قدرة النثر على البقاء والاستمرار.
هـ ــ بيد أن موقف أولئك العلماء والفصحاء قد ترتبت عليه انعكاسات ونتائج سلبية إذ ظل النثر دون تقعيد، فلم تضبط قوانينه، كما لم تحصر فنونه. يقول أبو القاسم:«ولم يحكموا قوانينه، ولا حصروا أفانينه».
ولا يخفى ما يتضمنه كلام أبي القاسم من إشارات في غاية الأهمية لكونها تندرج ضمن الوظائف التصنيفية و التجنيسية التي يجب أن يضطلع بها مبدعو الأدب ومؤرخوه ودارسوه. ولعل هذا ما حاول أن يقوم به أبو القاسم من خلال تأليفه لكتاب (إحكام صنعة الكلام) إذ يشي عنوان الكتاب بذلك، ويصدقه مضمونه إلى حد كبير.
4 ــ موضوعات النثر وخصائصه:
يتردد كثيرا أن كل فن أدبي يختص بموضوع أو غرض معين دون الموضوعات أو الأغراض الأخرى، وذلك اعتمادا على مجموعة من المعطيات الشكلية والأسلوبية والدلالية؛ علما بأن مثل هذه المعطيات أصبحت من المعايير التي يمكن توظيفها في تصنيف النصوص الأدبية وتجنيسها. وهكذا، نجد في (المقدمة) التنبيه التالي: «واعلم أن لكل واحد من هذه الفنون أساليب تختص به عـند أهله ولا تصح للفن الآخر، ولا تستعمل فيه، مثل النسيب المختص بالشعر، والحمد والدعاء المختص بالخطب، والدعاء المختص بالمخاطبات وأمثال ذلك».[36]
من هذا النص يمكن أن نستخلص ما يلي:
أ ــ إن الفنون التي كانت سائدة ومعترفا بها لشيوعها وتداولها هي: الشعر، والخطب، والمخاطبات (أي الرسائل). وهذه الفنون في اصطلاح القدامى، هي التي نسميها حديثا أجناسا أدبية.
ب ــ يعترف ابن خلدون أن لكل فن أساليبه الخاصة به، والتي لا تلائم الفنون الأخرى. ومن هذه الأساليب: النسيب والحمد والدعاء التي يمكن اعتبارها أغراضا وعناصر بنائية تتقوم بها الفنون أو الأجناس المذكورة في قولته.
ج ــ يؤكد ابن خلدون أن لكل فن أهلا هم أدرى به وأحفظ له، شعراء كانوا أو خطباء أو مترسلين، يعون الفوارق الكائنة بين الفنون، ويحترمون قواعدها وتقاليدها.
د ــ إن ما خلص إليه ابن خلدون ــ وغيره من القدامى ــ استنتاجات أفضى إليها استقراؤهم لفنون الأدب السائدة في عصورهم؛ إنها بمثابة العناصر المهيمنة على تلك الفنون في مراحل معينة، والتي كانت وستبقى قابلة للتغيير، بالإضافة أو الحذف أو التوسيع أو التضييق بفعل المؤثرات الكثيرة كالتفاعل و التلاقح والتداخل التي تكون فنون الأدب، عادة، مسرحا لها عبر العصور «ولا غرابة في ذلك بعد أن أشرنا إلى أن الفوارق والحواجز بين الفنون الأدبية ليست حاسمة قاطعة، فهناك تداخل بنسب مختلفة بين الفنون الأدبية، أو بين بعضها والبعض الآخر».[37]
أما فيما يتعلق بالخصائص، فتنبغي الإشارة إلى أن النثر العربي القديم يشكل فنا أو جنسا أدبيا عاما تندرج تحته مجموعة من الأنواع والأصناف الأدبية، أو ما يسمى بالأجناس الفرعية كالمقامة والخطبة والرسالة والوصية والحكمة والمثل والخبر. ورغم مابين هذه الأجناس من اختلافات وتمايزات، فإنها تتقاسم مجموعة من الخصائص التي تتعلق ببنائها وبمكوناتها اللغوية والشكلية والموضوعاتية.
ولعل أبرز خاصية هيمنت على النثر العربي القديم تتمثل في ظاهرة أسلوبية هي المحسنات البديعية. لكن يحق لنا أن نتساءل: هل من الإنصاف أن نختزل تراثا نثريا ضخما في ظاهرة المحسنات؟ ألم تسئ مثل هذه الاستنتاجات إلى عظمة هذا التراث وغناه؟
لهذا يصبح من اللازم أن نوسع من آفاق البحث في التراث النثري العربي للكشف عن خصائص وظواهر أخرى؛ ولن يتسنى ذلك إلا من خلال وضع ظاهرة المحسنات في إطارها الصحيح، ومنحها حجمها الحقيقي.
وتنبغي الإشارة إلى أن تضخيم ظاهرة المحسنات يرجع إلى أسباب كثيرة منها:
أنها ظاهرة لافتة للنظر، و مهيمنة على باقي الظواهر.
أن ضبطها،بالتالي،لا يحتاج إلى كبير عناء.
أن لها ما يبررها، سواء أتعلق الأمر بقواعد الكتابة التي تم التوافق عليها قديما، أم بالاستجابة لمتطلبات العصر، أم بالنزول عند رغبة بعض الحكام و الزعماء؛ يقول شوقي ضيف معلقا على بعض الرسائل: «والرسالة مبنية على السجع، وكان جعفر يؤثره في كتاباته، مبالغة منه في التأنق والتنميق».[38] هذا فضلا عن الدور الهام الذي اضطلع به السجع فيما يخص الحفاظ على النصوص النثرية إذ «يشير الجاحظ إلى أن السجع يثبت ويحفظ الخطاب الذي، بتحرره من الوزن والقافية، يكون النسيان إليه أسرع».[39]
ولقد ترتبت على هذه الظاهرة نتائج سلبية، ذلك أنه «ما من شك في أن طغيان المحسنات اللفظية على الأدب العربي شعرا ونثرا قد كان من الأساليب الأساسية في تضييق نطاقه»[40]
وفي هذا الإطار ينبغي أن نوضح ما يلي:
أ ــ إن الإشكال المطروح لا ينحصر في الاعتراف بطغيان المحسنات على الأدب العربي أو إنكار ذلك، وإنما هو في معالجة الدارسين لهذه الظاهرة؛ ذلك أن نوع هذه المعالجة و حجمها وأهدافها هي العوامل التي تسهم في إبراز ظاهرة المحسنات، وتضخيمها على حساب ظواهر فنية وجمالية أخرى.
ب ــ إن المحسنات ظاهرة لغوية وأسلوبية تضمر ظواهر ودلالات نفسية وسلوكية واجتماعية وحضارية، تظل ــ هي الأخرى ــ في حاجة إلى دراسة وتمحيص؛ وتندرج تلك المحسنات، كما أشار إلى ذلك شوقي ضيف سابقا، ضمن ظاهرة التأنق والتنميق «و هو تنميق كان يطلبه [أي جعفر] في كل ما يتصل به حتى في ثيابه».[41]
ج ـ إن للمحسنات وظائف عديدة، ومنها الوظيفة التزيينية؛ غير أن النصوص المضمخة بهذه المحسنات قادرة على الاضطلاع بوظائف أخرى.
د ــ ومن ذلك أن النصوص الموشاة بالأسجاع، على سبيل المثال، لم يكن الغرض منها التزيين فحسب، وإنما إمتاع المتلقي بتلك الموسيقى أو الإيقاعات المتولدة عن الأسجاع، مما يعد حنينا إلى أجواء الشعر وطقوسه، وتعبيرا عن مدى التعلق به؛ لهذا «فإن السجع في الكلام كمثل القافية في الشعر، وإن كانت القافية غير مستغنى عنها و السجع مستغنى عنه؛ فأما أن يلزمه الإنسان في جميع قوله و[رسائله] وخطبه و مناقلاته فذلك جهل من فاعله، وعي من قائله».[42]
يمكن القول، إذن، إن الناثر العربي القديم حاول أن يوفق بين الجانبين العقلي والفني « وقد بين [التوحيدي] ـ خاصةـ أهمية كل من عنصري العقل والموسيقى في النثر الفني».[43]ومن تم أولى بعض القدامى للنزعة العقلية في النثر أهمية كبرى لكونها من الخصائص التي تميزه عن الشعر؛ ولهذا «قال عيسى الوزير: النثر من قبل العقل، والنظم من قبل الحس».[44] وأضاف آخرون خصائص تسهم، في نظرهم، في تشريف النثر وتفضيله على الشعر؛ قال أبو عابد الكرخي: «ومن شرف النثر أيضا أنه مبرأ من التكلف، منزه عن الضرورة، غني عن الاعتذار والافتقار، و التقديم و التأخير والحذف والتكرير...».[45]
من هنا كان النثر في الأدب العربي القديم موسوما بخصائص وعلامات تتمثل في:
أ ـــ توشية النصوص بالمحسنات،ومنها السجع، لاسيما إذا كان النص مقامة أو خطبة أو رسالة.
ب ـــ تدعيمها بآيات قرآنية وأحاديث نبوية.
ج ـــ تضمينها مختارات من الأشعار والأمثال والحكم.
دـ انفتاحها على موضوعات وأغراض كانت حكرا على الشعر كالغزل والمديح والهجاء والفخر وغير ذلك.[46]
كما أن النثر تميز، من حيث وظائفه، بسمتين قد تبدوان غير منسجمتين هما: الإقناع والترميز؛ يقول عبد الفتاح كليطو: «ماذا ستكون عليه خصائص النثر الفني؟... إن نثر ابن المقفع والجاحظ، سواء كان استدلاليا أو سرديا، يسير في انطلاقة مستقيمة، هادفا على الخصوص إلى استمالة القارئ والتأثير عليه لإقناعه بصحة رأي من الآراء... أما النثر الذي يدعو إليه الهمذاني فصادر عن روح مخالفة ويجعل في المقدمة، بدل بلاغة الإقناع، شعرية الكتابة المرموزة ».[47]
ولقد ذهب بعض القدامى إلى أن بلاغة النثر تستوجب مجموعة من الشروط والمواصفات؛ يقول أبو حيان التوحيدي: «وأما بلاغة النثر فأن يكون اللفظ متناولا، والمعنى مشهورا، والتهذيب مستعملا، والمراد سليما، والرونق عاليا، والحواشي رقيقة، والصفائح مصقولة، والأمثلة خفيفة المأخذ، والهوادي متصلة، والأعجاز مفصلة».[48]
إن النثر العربي القديم، بهذه المعايير و الخصائص، يشيد كيانه الخاص، ويبني معماره المتميز عن الفنون والأجناس الأخرى، سواء تعلق الأمر بالشكل أو المضمون. كما أن تلك المعايير والخصائص من شأنها أن تصبح أدوات صالحة لتصنيفه وتجنيسه.
الهوامش:
[1] بلاغة النادرة: محمد مشبال، منشورات نادي الكتاب لكلية الآداب بتطوان، الطبعة الأولى، شتنبر 1998، ص:7ـ8.
[2] مقدمة ابن خلدون، تحقيق: درويش الجويدي، المكتبة العصرية صيدا ـ بيروت، 1425 هـ ـ 2005 م، ص:553.
[3] البرهان في وجوه البيان: أبو الحسين إسحاق بن إبراهيم بن سليمان بن وهب الكاتب،
تقديم وتحقيق: حفني محمد شرف، مكتبة الشباب القاهرة، الطبعة الأولى 1969، ص:150.
[4] البرهان في وجوه البيان: ابن وهب الكاتب، ص:127.
[5] المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر: ضياء الدين أبو الفتح نصر الله الموصلي، المطبعة البهيه بمصر، د.ت، ص:3.
[6] كتاب الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، صححه وضبطه وشرح غريبه: أحمد أمين وأحمد الزين،منشورات دار مكتبة الحياة، د.ط، د.ت، ص:131.
[7] نفس المصدر والصفحة.
[8] كتاب الصناعتين (الكتابة والشعر): أبو هلال الحسن العسكري، تحقيق: مفيد قميحة، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى 1401 هـ ـ 1981 م، ص:69.
[9] نفسه، ص:179.
[10] مقدمة ابن خلدون، ص:565.
[11] المثل السائر: ضياء الدين بن الأثير، ص:192.
[12] الفتوحات المكية للشيخ الإمام محيي الدين المعروف بابن عربي، ضبطه وصححه ووضع فهارسه: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية بيروت، ط. 1، 1420 هـ ـ 1999 م،3 /281.
[13] كتاب الصناعتين: أبو هلال العسكري، تحقيق: مفيد قميحة، ص:172.
[14] العقد الفريد لعبد ربه الأندلسي، شرحه وضبطه: أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الديباري، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر،1375 هـ ـ 1956 م، د.ط، الجزء الرابع، ص:180.
[15] إحكام صنعة الكلام لذي الوزارتين أبي القاسم محمد بن عبد الغفور الإشبيلي الأندلسي، تحقيق: رضوان الداية، دار الثقافة بيروت 1966، د.ط، ص:250.
[16] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، دار المعارف بمصر، الطبعة الثانية، د.ت، ص:465.
[17] حول مفهوم النثر الفني عند العرب القدامى: البشير المجدوب، الدار العربية للكتاب، د.ط، د.ت، ص:11.
[18] شعرية النص النثري (مقاربة نقدية تحليلية لمقامات الحريري): أبلاغ محمد عبد الجليل، شركة النشر والتوزيع المدارس الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1423 ـ 2002، ص:28.
[19] نفسه، ص:27.
[20] الرسائل الأدبية من القرن الثالث إلى القرن الخامس للهجرة (مشروع قراءة إنشائية): صالح بن رمضان، منشورات كلية الآداب بمنوبة،2001، ص:92.
[21] مقدمة ابن خلدون، ص:565 ــ 566.
[22] شعرية النص النثري: أبلاغ محمد عبد الجليل، ص:32.
[23] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، ص:441.
[24] نفسه، ص:442.
[25] نفسه، ص:448.
[26] الفن ومذاهبه في النثر العربي: شوقي ضيف، مكتبة الأندلس بيروت، الطبعة الثانية ،1956، ص:127.
[27] الأجناس الأدبية: م.غلوينسكي، ترجمة: محمد مشبال، مجلة الصورة، السنة الرابعة، العدد الرابع، شتاء 2002، ص:13.
[28] الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، ص:135 ـ 136.
[29] نفسه، ص:132.
[30] شعرية النص النثري: أبلاغ محمد عبد الجليل، ص:57.
[31] نفس المرجع والصفحة.
[32] نفسه، ص:10.
[33] نظرية المنهج الشكلي (نصوص الشكلانيين الروس)، ترجمة: إبراهيم الخطيب، مؤسسة الأبحاث العربية بيروت، الشركة المغربية للناشرين المتحدين الرباط، الطبعة العربية الأولى، 1982، ص:214.
[34] شعرية النص النثري: أبلاغ محمد عبد الجليل، ص:28.
[35] إحكام صنعة الكلام: أبو القاسم الإشبيلي، ص:31.
[36] مقدمة ابن خلدون، ص:566.
[37] الأدب وفنونه: محمد مندور، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، د.ط، د.ت، ص:28.
[38] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، ص:476.
[39] المقامات (السرد والأنساق الثقافية): عبد الفتاح كليطو، ترجمة: عبد الكبير الشرقاوي، دار توبقال للنشر، الطبعة الثانية 2001، ص:75.
[40] الأدب وفنونه: محمد مندور، ص:9.
[41] العصر العباسي الأول: شوقي ضيف، ص:476.
[42] البرهان في وجوه البيان: ابن وهب الكاتب، ص:165.
[43] حول مفهوم النثر عند العرب القدامى: البشير المجدوب، ص:19.
[44] الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، ص:134.
[45] نفس المرجع والصفحة.
[46] النثر الفني في القرن الرابع: زكي مبارك، دار الكتب المصرية القاهرة، 1352 هـ ـ 1934 م، الجزء الأول، ص:106ـ 107، بتصرف.
[47] المقامات: عبد الفتاح كليطو، ص:74.
[48] الإمتاع والمؤانسة: أبو حيان التوحيدي، ص:41.