١
تسعى هذه الدراسة التي اتخذت من قصيدة «لامية العرب» للشنفرى موضوعا لها، إلى رصد الحقول المعجمية داخل هذه القصيدة، متسائلة عن الدلالات التي تولدها تلك الحقول للتعبير عما يريد الشاعر إيصاله إلى متلقيه، ودورها في نسج الدلالة المحورية للقصيدة، وإلى أي حد ساهمت الألفاظ المشكلة لتلك الحقول داخل القصيدة في التعبير عن حياة صاحبها، خصوصا أن الشنفرى ينتمي إلى حركة شكلت نتوءً في نظام القبيلة الجاهلية وهي حركة الصعاليك.
إن دراسة الحقول المعجمية في القصيدة هي دراسة تنصب بالأساس على الكلمة، وإذا كانت الكلمة تجليات متمظهرة على مستوى النص، وهي الواجهة الأولى التي يحتك بها القارئ قبل سبر أغواره، فإنها تمثل منبع الدلالة و أساس بنائها، وهي التي تمكننا من الوصول إلى الدلالة العميقة للخطاب. ولنتمكن من فهم وحدة معجمية ما لابد من الإحاطة بمجموع الكلمات المتصلة بها على اعتبار أن الكلمة هي مجموع استعمالاتها، ولهذا يعرف ليونس(lyons) معنى الكلمة بقوله: "هي محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي"، وحتى نتمكن من الإحاطة بالبنية المعجمية للقصيدة، لابد من جمع كل الوحدات و تصنيفها ضمن حقول دلالية للكشف عن علاقتها بالمحور الدلالي للقصيدة، و الحقل الدلالي أو الحقل المعجمي’’هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها".
و لعل أبرز الحقول المعجمية التي نجدها في هذه القصيدة هي :
حقل الطيور والحيوانات : و ينضوي تحت هذا الحقل مجموعة من الأسماء وهي التي سنجردها على الشكل التالي:
[سيد- السّمع- أرقط- بُهًّل- هَيقٌ- المكاءُ- زُهلول- عرفاء- المطي- الأزل- الخشرم- الاصاريم - ابنة الرمل - فرعل- الاراوي- العصم- الادفى]
حقل الانسان: [بني أمي – قوم – أهل- أهلون – أصحاب- ]
حقل الاماكن: [يهماء- علياء- الهوجل- تنائف – البراح- العقر- الأمعز- الصوان- الغميصاء - خرق - قفر- قنة].
حقل الأدوات : [أبيض - رصائع – السهم – قداح – كعاب - صفراء – الاقطع]
الحقل الدال على الجوع: [ الخمص – القوت الزهيد – طاويا – هافيا – نحّل – مهللة- نكظ...]
من خلال هذا الجرد الأولي للحقول المعجمية يلاحظ وجود حقول مختلفة و متنوعة تتكون منها القصيدة، مما يدفعنا إلى التساؤل عن الرابط بين هذه الحقول؟.
وبالرغم من تعدد الحقول المعجمية فإن الضمير الدال على ذات الشاعر هو العنصر الوحيد الذي يحقق تراكما قسريا منذ بداية القصيدة إلى نهايتها، إذ يتردد بشكل مكثف ويمكن ملاحظة ذلك من خلال رصد ضمير الأنا في القصيدة:
أغدو ----------------------- أنا
يستفزني -------------------- أنا
أميت ---------------------- أنا
أضرب ------------------- أنا
أذهل----------------------- أنا
ألف ----------------------- أنا
أيًّمت---------------------- أنا
أيتمت -------------------- أنا
لست بعل----------------- أنا
لست بمحيار-------------- أنا
إذن فمن خلال هذه الأفعال المسندة إلى ضمير المتكلم، يلاحظ أنًّ (أنا) الشاعر التي تتكرر على طول القصيدة، هي الخيط الرفيع الذي أحكم نسج كل الموضوعات الأخرى، وقد استفاد الشاعر من كل ما من شأنه أن يفيد في إبرازها، وبروز (الأنا)على مستوى القصيدة مقابل غياب الآخر، دليل على أن الشاعر يخصص لذاته فضاء نصٍّيا أوسع للحديث عنها و عن مغامراته و صفاته ....، ومادام أن الشاعر في مقام الفخر فإنه استثمر هذه الحقول كلها لنسج دلالات تتمحور في معظمها حول ذاته في علاقتها بما يحيط بها.
ويلاحظ من خلال الحقول الدلالية التي قمنا بجردها، طغيان الحقل الدال على الحيوانات و الطيور في الوقت الذي همش فيه الحقل الإنساني و لعل ما يفسر لنا هذا، هو تلك الصفات التي ألبسها الشاعر للحيوانات عن طريق المجاز، إذ جعل تلك الحيوانات التي تتحكم فيها الغريزة ترقى إلى مستوى الإنسان من خلال وصفها بمجموعة من المواصفات الإنسانية، فهي في عين الشاعر باسلة قوية لا تذيع الأسرار ولا يخذل بعضها بعضا، لذلك أضفى عليها السمات الإنسانية التالية:[+ أهل ، + عقلاء ، + رحمة، + التآزر...] و اتخذ منها أهلا له. وفي الوقت الذي ألحق فيه الشاعر سمات إيجابية لعالم الحيوان نجده سلبها من عالم الإنسان (بني أمه) الذين خاطبهم في مطلع القصيدة و أسند إليهم مجموعة من السمات السلبية: [+ كره ، +بغض، +عدم الاستئناس...]،وعلى هذا الأساس فإن التقابل هنا هو تقابل بين قيم عالم الإنسان السلبية وقيم عالم الحيوان الايجابية، هذا على الرغم مما يتميز به العالم الأول من سهولة في العيش مقابل العالم الثاني.
و بالإضافة إلى حقل الحيوان احتل حقل الأماكن المرتبة الثانية في القصيدة، ورسم لنا الشاعر من خلاله العالم الذي يعيش فيه، وهو أرض واسعة جرداء لا نبت فيها ولا ماء، ليرسم لنا قساوة عيشه في ذلك المكان، أما حقل الأدوات فما يتكرر فيه هي الوحدات الدالة على السلاح، باعتباره الأداة الوحيدة التي يدافع بها الشاعر عن نفسه إذا اعترضه خطر و بها يسلب قومه حوائجهم ويجلب قوته. أما الحقل الدال على الجوع، فهو يأتي كنتيجة حتمية لهيمنة حقل الأماكن الجرداء و القاحلة ومن ثم فهو يدل على مدى معاناة الشاعر في تلك الصحراء و يؤكد صعوبة عيشه. وقد أطرت هذه الحقول بحقلين زمنيين يمكن أن نلاحظهما من خلال الأفعال المتواترة على طول القصيدة.
فمن جهة هناك الأفعال الدالة على الزمن الحاضر وهذا ما يبرر توظيف أفعال المضارع التي تتكرر ثلاثاً وستين مرة، منها:
(يعقل/يخذل/ترن/تعول/يطالع/أتحول/أطوي/أضرب/يعلو/يسفل/أذهل/أغدو...).
ومن جهة أخرى، هناك الأفعال الدالة على الماضي و التي ناهزت الثمانية والخمسين فعلا أغلبها مبني للمعلوم ومنها ما هو مبني للمجهول:( حُمّتْ/ شُدت /خاف/سرى/لاقى/تطاير/غدا/أجاب/وردت/دعست/نام/حُمّ/سرت/فاء...).
ويلاحظ من خلال هذين الحقلين،أن زمن المضارع هو المهيمن نوعاً ما على القصيدة وهو يتوزع ما بين الدلالة على الحال أحيانا والاستقبال حيناً؛ فالشاعر يركز على إنجازاته التي حققها في الحاضر ليثبت من خلالها ذاته و يعرض صفاته التي اتخذها زاداً له طول حياته.
و يسجل الزمن الماضي هو الآخر حضوره بقوة، وغالبا ما يلجأ إليه الشاعر لاسترجاع بعض الأحداث و المواقف ليتغنى بها في زمنه الحاضر،كما هو الحال في المقطع الذي يحكي فيه مسابقته للقطا،فكل الأفعال الواردة في هذا المقطع أفعال ماضية (هممت/همّت/أسدلت/شمّر...).
خلاصة لما سبق يمكن القول إن ضمير (الأنا) الدال على ذات الشاعر، الذي ورد ضميرا مستتراً، هو الذي قام بدور الرّبط بين الحقول المعجمية و صهرها في بوثقة واحدة وهي الفخر بالذات، فالشاعر ما دخل عالم الصحراء إلا ليبرز بطولته وشجاعته، متخذاً من الحيوانات أهلا له ليبرز تفوقه عليها، أما السلاح فكان أداته الأساسية للدفاع عن نفسه، وقد ظل الشاعر في هذا العالم الجديد متأرجحا بين استرجاع ذكريات زمن مضى، و أفعال حاضرة حديثة الوقوع، وصفات ملازمة للشاعر لأنها عنوان كرامته وسر وجوده.
وقد امتازت هذه القصيدة باحتوائها على مفردات لغوية فخمة متراوحة بين ألفاظ سهلة مأنوسة وألفاظ وحشية غريبة؛ وليست هذه الألفاظ إلا تمثيلا بسيطا للغة الجاهلية في أصدق صورها، وهي ألفاظ مجهورة جعلت أسلوب الشاعر قويا رصينا محكما لا رخاوة فيه يتناسب مع موضوع القصيدة (الفخر).
القصيدة موصوع التحليل:
1- أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ
فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ
2- فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ
وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ
3- وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ
4- لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ
5- وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأََلُ
6- هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ
7- وَكُـلٌّ أَبِـيٌّ بَاسِـلٌ غَيْـرَ أنَّنِـي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِـدِ أبْسَـلُ
8- وَإنْ مُـدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُـنْ
بَأَعْجَلِهِـمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
9- وَمَـا ذَاكَ إلّا بَسْطَـةٌ عَـنْ تَفَضُّـلٍ
عَلَيْهِـمْ وَكَانَ الأَفْضَـلَ المُتَفَضِّـلُ
10- وَإنّـي كَفَانِـي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً
بِحُسْنَـى ولا في قُرْبِـهِ مُتَعَلَّـلُ
11- ثَـلاَثَـةُ أصْحَـابٍ : فُـؤَادٌ مُشَيَّـعٌ
وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْـرَاءُ عَيْطَـلُ
12- هَتُـوفٌ مِنَ المُلْـسَِ المُتُـونِ تَزِينُـها
رَصَائِعُ قد نِيطَـتْ إليها وَمِحْمَـلُ
13- إذا زَلََّ عنها السَّهْـمُ حَنَّـتْ كأنَّـها
مُـرَزَّأةٌ عَجْلَـى تُـرنُّ وَتُعْـوِلُ
14- وَأغْدو خَمِيـصَ البَطْن لا يَسْتَفِـزُّنيِ
إلى الزَادِ حِـرْصٌ أو فُـؤادٌ مُوَكَّـلُ
15- وَلَسْـتُ بِمِهْيَـافٍ يُعَشِّـي سَوَامَـه
مُجَدَّعَـةً سُقْبَانُهـا وَهْيَ بُهَّـلُ
16- ولا جُبَّـأٍِ أكْهَـى مُـرِبٍّ بعِرْسِـهِ
يُطَالِعُهـا في شَأْنِـهِ كَيْفَ يَفْعَـلُ
17- وَلاَ خَـرِقٍ هَيْـقٍ كَـأَنَّ فــؤادَهُ
يَظَـلُّ به المُكَّـاءُ يَعْلُـو وَيَسْفُـلُ
18- ولا خَالِــفٍ دارِيَّــةٍ مُتَغَــزِّلٍ
يَـرُوحُ وَيغْـدُو داهنـاً يَتَكَحَّـلُ
19- وَلَسْـتُ بِعَـلٍّ شَـرُّهُ دُونَ خَيْـرِهِ
ألَفَّ إذا ما رُعْتَـهُ اهْتَـاجَ أعْـزَلُ
20- وَلَسْـتُ بِمِحْيَارِ الظَّـلاَمِ إذا انْتَحَتْ
هُدَى الهَوْجَلِ العِسّيفِ يَهْمَاءُ هؤجَلُ
21- إذا الأمْعَـزُ الصَّـوّانُ لاقَـى مَنَاسِمِي
تَطَايَـرَ منـه قَـادِحٌ وَمُفَلَّـلُ
22- أُديـمُ مِطَـالَ الجُـوعِ حتّـى أُمِيتَـهُ
وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحاً فأُذْهَـلُ
23- وَأَسْتَـفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَـهُ
عَلَـيَّ مِنَ الطَّـوْلِ امْـرُؤٌ مُتَطَـوِّلُ
24- ولولا اجْتِنَابُ الذَأْمِ لم يُلْـفَ مَشْـرَبٌ
يُعَـاشُ بـه إلاّ لَـدَيَّ وَمَأْكَـلُ
25- وَلكِنّ نَفْسَـاً مُـرَّةً لا تُقِيـمُ بـي
علـى الـذامِ إلاَّ رَيْثَمـا أَتَحَـوَّلُ
26- وَأَطْوِي على الخَمْصِ الحَوَايا كَما انْطَوَتْ
خُيُوطَـةُ مـارِيٍّ تُغَـارُ وتُفْتَـلُ
27- وأَغْدُو على القُوتِ الزَهِيـدِ كما غَـدَا
أَزَلُّ تَهَـادَاهُ التنَائِـفَ أطْحَـلُ
28- غَدَا طَاوِيـاً يُعَـارِضُ الرِّيـحَ هَافِيـاً
يَخُـوتُ بأَذْنَابِ الشِّعَابِ ويُعْسِـلُ
29- فَلَما لَوَاهُ القُـوتُ مِنْ حَيْـثُ أَمَّـهُ
دَعَـا فَأجَابَتْـهُ نَظَائِـرُ نُحَّـلُ
30- مُهَلَّلَـةٌ شِيـبُ الوُجُـوهِ كأنَّـها
قِـدَاحٌ بأيـدي ياسِـرٍ تَتَقَلْقَـلُ
31- أوِ الخَشْـرَمُ المَبْعُـوثُ حَثْحَثَ دَبْـرَهُ
مَحَابِيـضُ أرْدَاهُـنَّ سَـامٍ مُعَسِّـلُ
32- مُهَرَّتَـةٌ فُـوهٌ كَـأَنَّ شُدُوقَـها
شُقُوقُ العِصِـيِّ كَالِحَـاتٌ وَبُسَّـلُ
33- فَضَـجَّ وَضَجَّـتْ بالبَـرَاحِ كأنَّـها
وإيّـاهُ نُوحٌ فَوْقَ عَلْيَـاءَ ثُكَّـلُ
34- وأغْضَى وأغْضَتْ وَاتَّسَى واتَّسَتْ بـه
مَرَامِيـلُ عَـزَّاها وعَزَّتْـهُ مُرْمِـلُ
35- شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ
وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِ الشَّكْوُ أجْمَلُ
36- وَفَـاءَ وَفَـاءَتْ بَـادِراتٍ وَكُلُّـها
على نَكَـظٍ مِمَّا يُكَاتِـمُ مُجْمِـلُ
37- وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُـدْرُ بَعْدَما
سَرَتْ قَرَبَـاً أحْنَاؤهـا تَتَصَلْصَـلُ
38- هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَـا وأسْدَلَـتْ
وشَمَّـرَ مِنِّي فَـارِطٌ مُتَمَهِّـلُ
39- فَوَلَّيْـتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُـو لِعُقْـرِهِ
يُبَاشِـرُهُ منها ذُقُـونٌ وَحَوْصَـلُ
40- كـأنَّ وَغَـاها حَجْرَتَيـْهِ وَحَوْلَـهُ
أضَامِيـمُ مِنْ سَفْـرِ القَبَائِـلِ نُـزَّلُ
41- تَوَافَيْـنَ مِنْ شَتَّـى إِلَيـْهِ فَضَمَّـهَا
كما ضَـمَّ أذْوَادَ الأصَارِيـمِ مَنْهَـلُ
42- فَغَـبَّ غِشَاشَـاً ثُمَّ مَـرَّتْ كأنّـها
مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ
43- وآلَفُ وَجْـهَ الأرْضِ عِنْدَ افْتَراشِـها
بأَهْـدَأَ تُنْبِيـهِ سَنَاسِـنُ قُحَّـلُ
44- وَأعْدِلُ مَنْحُوضـاً كـأنَّ فُصُوصَـهُ
كعَابٌ دَحَاهَا لاعِـبٌ فَهْيَ مُثَّـلُ
45- فإنْ تَبْتَئِـسْ بالشَّنْفَـرَى أمُّ قَسْطَـلٍ
لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْـوَلُ
46- طَرِيـدُ جِنَايَـاتٍ تَيَاسَـرْنَ لَحْمَـهُ
عَقِيرَتُــهُ لأِيِّـها حُـمَّ أَوَّلُ
47- تَنَـامُ إذا مَا نَـامَ يَقْظَـى عُيُونُـها
حِثَاثَـاً إلى مَكْرُوهِـهِ تَتَغَلْغَـلُ
48- وإلْـفُ هُمُـومٍ مـا تَـزَالُ تَعُـودُهُ
عِيَاداً كَحُمَّـى الرِّبْـعِ أو هِيَ أثْقَلُ
49- إذا وَرَدَتْ أصْدَرْتُـها ثـمّ إنّـها
تَثُـوبُ فَتَأتي مِنْ تُحَيْتُ ومِنْ عَـلُ
50- فإمّا تَرَيْنِي كابْنَـةِ الرَّمْـلِ ضَاحِيَـاً
على رِقَّـةٍ أحْفَـى ولا أَتَنَعَّـلُ
51- فإنّي لَمَولَى الصَّبْـرِ أجتـابُ بَـزَّهُ
على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أفْعَلُ
52- وأُعْـدِمُ أَحْيَانـاً وأَغْنَـى وإنَّمـا
يَنَـالُ الغِنَى ذو البُعْـدَةِ المُتَبَـذِّلُ
53- فلا جَـزِعٌ مِنْ خَلَّـةٍ مُتَكَشِّـفٌ
ولا مَـرِحٌ تَحْتَ الغِنَى أتَخَيَّـلُ
54- ولا تَزْدَهِي الأجْهـالُ حِلْمِي ولا أُرَى
سَؤُولاًَ بأعْقَـاب الأقَاويلِ أُنْمِـلُ
55- وَلَيْلَةِ نَحْـسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّـها
وَأقْطُعَـهُ اللَّاتـي بِـهَا يَتَنَبَّـلُ
56- دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتـي
سُعَـارٌ وإرْزِيـزٌ وَوَجْـرٌ وَأفَكَلُ
57- فأيَّمْـتُ نِسْوَانَـاً وأيْتَمْـتُ إلْـدَةً
وَعُـدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَـلُ
58- وأصْبَـحَ عَنّـي بالغُمَيْصَـاءِ جَالسـاً
فَرِيقَـانِ: مَسْـؤُولٌ وَآخَرُ يَسْـألُ
59- فَقَالُـوا: لَقَدْ هَـرَّتْ بِلَيْـلٍ كِلَابُنَـا
فَقُلْنَـا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُـلُ
60- فَلَمْ يَـكُ إلاَّ نَبْـأةٌ ثُـمَّ هَوَّمَـتْ
فَقُلْنَا: قَطَـاةٌ رِيـعَ أمْ رِيعَ أجْـدَلُ
61- فَإِنْ يَـكُ مِنْ جِـنٍّ لأبْـرَحُ طارِقـاً
وإنْ يَكُ إنْسَـاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ
62- وَيومٍ مِنَ الشِّعْـرَى يَـذُوبُ لُعَابُـهُ
أفاعِيـهِ فـي رَمْضائِـهِ تَتَمَلْمَـلُ
63- نَصَبْـتُ له وَجْهي ولا كِـنَّ دُونَـهُ
ولا سِتْـرَ إلاَّ الأتْحَمِـيُّ المُرَعْبَـل
64- وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّـرَتْ
لبائِـدَ عن أعْطَافِـهِ ما تُرَجَّـلُ
65- بَعِيـدٌ بِمَسِّ الدُّهْـنِ والفَلْيِ عَهْـدُهُ
لـه عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسْل مُحْـوِلُ
66- وَخَرْقٍ كظَهْرِ التُّـرْسِ قَفْـرٍ قَطَعْتُـهُ
بِعَامِلَتَيْـنِ ، ظَهْـرُهُ لَيْسَ يُعْمَـلُ
67- فألْحَقْـتُ أُوْلاَهُ بأُخْـرَاهُ مُوفِيَـاً
عَلَى قُنَّـةٍ أُقْعِـي مِرَارَاً وَأمْثُـلُ
68- تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْـمُ حَوْلي كأنّـها
عَـذَارَى عَلَيْهِـنَّ المُلاَءُ المُذَيَّـلُ
69- ويَرْكُـدْنَ بالآصَـالِ حَوْلِي كأنّنـي
مِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ
تسعى هذه الدراسة التي اتخذت من قصيدة «لامية العرب» للشنفرى موضوعا لها، إلى رصد الحقول المعجمية داخل هذه القصيدة، متسائلة عن الدلالات التي تولدها تلك الحقول للتعبير عما يريد الشاعر إيصاله إلى متلقيه، ودورها في نسج الدلالة المحورية للقصيدة، وإلى أي حد ساهمت الألفاظ المشكلة لتلك الحقول داخل القصيدة في التعبير عن حياة صاحبها، خصوصا أن الشنفرى ينتمي إلى حركة شكلت نتوءً في نظام القبيلة الجاهلية وهي حركة الصعاليك.
إن دراسة الحقول المعجمية في القصيدة هي دراسة تنصب بالأساس على الكلمة، وإذا كانت الكلمة تجليات متمظهرة على مستوى النص، وهي الواجهة الأولى التي يحتك بها القارئ قبل سبر أغواره، فإنها تمثل منبع الدلالة و أساس بنائها، وهي التي تمكننا من الوصول إلى الدلالة العميقة للخطاب. ولنتمكن من فهم وحدة معجمية ما لابد من الإحاطة بمجموع الكلمات المتصلة بها على اعتبار أن الكلمة هي مجموع استعمالاتها، ولهذا يعرف ليونس(lyons) معنى الكلمة بقوله: "هي محصلة علاقاتها بالكلمات الأخرى داخل الحقل المعجمي"، وحتى نتمكن من الإحاطة بالبنية المعجمية للقصيدة، لابد من جمع كل الوحدات و تصنيفها ضمن حقول دلالية للكشف عن علاقتها بالمحور الدلالي للقصيدة، و الحقل الدلالي أو الحقل المعجمي’’هو مجموعة من الكلمات ترتبط دلالاتها وتوضع عادة تحت لفظ عام يجمعها".
و لعل أبرز الحقول المعجمية التي نجدها في هذه القصيدة هي :
حقل الطيور والحيوانات : و ينضوي تحت هذا الحقل مجموعة من الأسماء وهي التي سنجردها على الشكل التالي:
[سيد- السّمع- أرقط- بُهًّل- هَيقٌ- المكاءُ- زُهلول- عرفاء- المطي- الأزل- الخشرم- الاصاريم - ابنة الرمل - فرعل- الاراوي- العصم- الادفى]
حقل الانسان: [بني أمي – قوم – أهل- أهلون – أصحاب- ]
حقل الاماكن: [يهماء- علياء- الهوجل- تنائف – البراح- العقر- الأمعز- الصوان- الغميصاء - خرق - قفر- قنة].
حقل الأدوات : [أبيض - رصائع – السهم – قداح – كعاب - صفراء – الاقطع]
الحقل الدال على الجوع: [ الخمص – القوت الزهيد – طاويا – هافيا – نحّل – مهللة- نكظ...]
من خلال هذا الجرد الأولي للحقول المعجمية يلاحظ وجود حقول مختلفة و متنوعة تتكون منها القصيدة، مما يدفعنا إلى التساؤل عن الرابط بين هذه الحقول؟.
وبالرغم من تعدد الحقول المعجمية فإن الضمير الدال على ذات الشاعر هو العنصر الوحيد الذي يحقق تراكما قسريا منذ بداية القصيدة إلى نهايتها، إذ يتردد بشكل مكثف ويمكن ملاحظة ذلك من خلال رصد ضمير الأنا في القصيدة:
أغدو ----------------------- أنا
يستفزني -------------------- أنا
أميت ---------------------- أنا
أضرب ------------------- أنا
أذهل----------------------- أنا
ألف ----------------------- أنا
أيًّمت---------------------- أنا
أيتمت -------------------- أنا
لست بعل----------------- أنا
لست بمحيار-------------- أنا
إذن فمن خلال هذه الأفعال المسندة إلى ضمير المتكلم، يلاحظ أنًّ (أنا) الشاعر التي تتكرر على طول القصيدة، هي الخيط الرفيع الذي أحكم نسج كل الموضوعات الأخرى، وقد استفاد الشاعر من كل ما من شأنه أن يفيد في إبرازها، وبروز (الأنا)على مستوى القصيدة مقابل غياب الآخر، دليل على أن الشاعر يخصص لذاته فضاء نصٍّيا أوسع للحديث عنها و عن مغامراته و صفاته ....، ومادام أن الشاعر في مقام الفخر فإنه استثمر هذه الحقول كلها لنسج دلالات تتمحور في معظمها حول ذاته في علاقتها بما يحيط بها.
ويلاحظ من خلال الحقول الدلالية التي قمنا بجردها، طغيان الحقل الدال على الحيوانات و الطيور في الوقت الذي همش فيه الحقل الإنساني و لعل ما يفسر لنا هذا، هو تلك الصفات التي ألبسها الشاعر للحيوانات عن طريق المجاز، إذ جعل تلك الحيوانات التي تتحكم فيها الغريزة ترقى إلى مستوى الإنسان من خلال وصفها بمجموعة من المواصفات الإنسانية، فهي في عين الشاعر باسلة قوية لا تذيع الأسرار ولا يخذل بعضها بعضا، لذلك أضفى عليها السمات الإنسانية التالية:[+ أهل ، + عقلاء ، + رحمة، + التآزر...] و اتخذ منها أهلا له. وفي الوقت الذي ألحق فيه الشاعر سمات إيجابية لعالم الحيوان نجده سلبها من عالم الإنسان (بني أمه) الذين خاطبهم في مطلع القصيدة و أسند إليهم مجموعة من السمات السلبية: [+ كره ، +بغض، +عدم الاستئناس...]،وعلى هذا الأساس فإن التقابل هنا هو تقابل بين قيم عالم الإنسان السلبية وقيم عالم الحيوان الايجابية، هذا على الرغم مما يتميز به العالم الأول من سهولة في العيش مقابل العالم الثاني.
و بالإضافة إلى حقل الحيوان احتل حقل الأماكن المرتبة الثانية في القصيدة، ورسم لنا الشاعر من خلاله العالم الذي يعيش فيه، وهو أرض واسعة جرداء لا نبت فيها ولا ماء، ليرسم لنا قساوة عيشه في ذلك المكان، أما حقل الأدوات فما يتكرر فيه هي الوحدات الدالة على السلاح، باعتباره الأداة الوحيدة التي يدافع بها الشاعر عن نفسه إذا اعترضه خطر و بها يسلب قومه حوائجهم ويجلب قوته. أما الحقل الدال على الجوع، فهو يأتي كنتيجة حتمية لهيمنة حقل الأماكن الجرداء و القاحلة ومن ثم فهو يدل على مدى معاناة الشاعر في تلك الصحراء و يؤكد صعوبة عيشه. وقد أطرت هذه الحقول بحقلين زمنيين يمكن أن نلاحظهما من خلال الأفعال المتواترة على طول القصيدة.
فمن جهة هناك الأفعال الدالة على الزمن الحاضر وهذا ما يبرر توظيف أفعال المضارع التي تتكرر ثلاثاً وستين مرة، منها:
(يعقل/يخذل/ترن/تعول/يطالع/أتحول/أطوي/أضرب/يعلو/يسفل/أذهل/أغدو...).
ومن جهة أخرى، هناك الأفعال الدالة على الماضي و التي ناهزت الثمانية والخمسين فعلا أغلبها مبني للمعلوم ومنها ما هو مبني للمجهول:( حُمّتْ/ شُدت /خاف/سرى/لاقى/تطاير/غدا/أجاب/وردت/دعست/نام/حُمّ/سرت/فاء...).
ويلاحظ من خلال هذين الحقلين،أن زمن المضارع هو المهيمن نوعاً ما على القصيدة وهو يتوزع ما بين الدلالة على الحال أحيانا والاستقبال حيناً؛ فالشاعر يركز على إنجازاته التي حققها في الحاضر ليثبت من خلالها ذاته و يعرض صفاته التي اتخذها زاداً له طول حياته.
و يسجل الزمن الماضي هو الآخر حضوره بقوة، وغالبا ما يلجأ إليه الشاعر لاسترجاع بعض الأحداث و المواقف ليتغنى بها في زمنه الحاضر،كما هو الحال في المقطع الذي يحكي فيه مسابقته للقطا،فكل الأفعال الواردة في هذا المقطع أفعال ماضية (هممت/همّت/أسدلت/شمّر...).
خلاصة لما سبق يمكن القول إن ضمير (الأنا) الدال على ذات الشاعر، الذي ورد ضميرا مستتراً، هو الذي قام بدور الرّبط بين الحقول المعجمية و صهرها في بوثقة واحدة وهي الفخر بالذات، فالشاعر ما دخل عالم الصحراء إلا ليبرز بطولته وشجاعته، متخذاً من الحيوانات أهلا له ليبرز تفوقه عليها، أما السلاح فكان أداته الأساسية للدفاع عن نفسه، وقد ظل الشاعر في هذا العالم الجديد متأرجحا بين استرجاع ذكريات زمن مضى، و أفعال حاضرة حديثة الوقوع، وصفات ملازمة للشاعر لأنها عنوان كرامته وسر وجوده.
وقد امتازت هذه القصيدة باحتوائها على مفردات لغوية فخمة متراوحة بين ألفاظ سهلة مأنوسة وألفاظ وحشية غريبة؛ وليست هذه الألفاظ إلا تمثيلا بسيطا للغة الجاهلية في أصدق صورها، وهي ألفاظ مجهورة جعلت أسلوب الشاعر قويا رصينا محكما لا رخاوة فيه يتناسب مع موضوع القصيدة (الفخر).
القصيدة موصوع التحليل:
1- أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ
فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ
2- فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ
وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ
3- وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ
4- لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ
5- وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأََلُ
6- هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ
7- وَكُـلٌّ أَبِـيٌّ بَاسِـلٌ غَيْـرَ أنَّنِـي
إذا عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِـدِ أبْسَـلُ
8- وَإنْ مُـدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُـنْ
بَأَعْجَلِهِـمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ
9- وَمَـا ذَاكَ إلّا بَسْطَـةٌ عَـنْ تَفَضُّـلٍ
عَلَيْهِـمْ وَكَانَ الأَفْضَـلَ المُتَفَضِّـلُ
10- وَإنّـي كَفَانِـي فَقْدَ مَنْ لَيْسَ جَازِيَاً
بِحُسْنَـى ولا في قُرْبِـهِ مُتَعَلَّـلُ
11- ثَـلاَثَـةُ أصْحَـابٍ : فُـؤَادٌ مُشَيَّـعٌ
وأبْيَضُ إصْلِيتٌ وَصَفْـرَاءُ عَيْطَـلُ
12- هَتُـوفٌ مِنَ المُلْـسَِ المُتُـونِ تَزِينُـها
رَصَائِعُ قد نِيطَـتْ إليها وَمِحْمَـلُ
13- إذا زَلََّ عنها السَّهْـمُ حَنَّـتْ كأنَّـها
مُـرَزَّأةٌ عَجْلَـى تُـرنُّ وَتُعْـوِلُ
14- وَأغْدو خَمِيـصَ البَطْن لا يَسْتَفِـزُّنيِ
إلى الزَادِ حِـرْصٌ أو فُـؤادٌ مُوَكَّـلُ
15- وَلَسْـتُ بِمِهْيَـافٍ يُعَشِّـي سَوَامَـه
مُجَدَّعَـةً سُقْبَانُهـا وَهْيَ بُهَّـلُ
16- ولا جُبَّـأٍِ أكْهَـى مُـرِبٍّ بعِرْسِـهِ
يُطَالِعُهـا في شَأْنِـهِ كَيْفَ يَفْعَـلُ
17- وَلاَ خَـرِقٍ هَيْـقٍ كَـأَنَّ فــؤادَهُ
يَظَـلُّ به المُكَّـاءُ يَعْلُـو وَيَسْفُـلُ
18- ولا خَالِــفٍ دارِيَّــةٍ مُتَغَــزِّلٍ
يَـرُوحُ وَيغْـدُو داهنـاً يَتَكَحَّـلُ
19- وَلَسْـتُ بِعَـلٍّ شَـرُّهُ دُونَ خَيْـرِهِ
ألَفَّ إذا ما رُعْتَـهُ اهْتَـاجَ أعْـزَلُ
20- وَلَسْـتُ بِمِحْيَارِ الظَّـلاَمِ إذا انْتَحَتْ
هُدَى الهَوْجَلِ العِسّيفِ يَهْمَاءُ هؤجَلُ
21- إذا الأمْعَـزُ الصَّـوّانُ لاقَـى مَنَاسِمِي
تَطَايَـرَ منـه قَـادِحٌ وَمُفَلَّـلُ
22- أُديـمُ مِطَـالَ الجُـوعِ حتّـى أُمِيتَـهُ
وأضْرِبُ عَنْهُ الذِّكْرَ صَفْحاً فأُذْهَـلُ
23- وَأَسْتَـفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَـهُ
عَلَـيَّ مِنَ الطَّـوْلِ امْـرُؤٌ مُتَطَـوِّلُ
24- ولولا اجْتِنَابُ الذَأْمِ لم يُلْـفَ مَشْـرَبٌ
يُعَـاشُ بـه إلاّ لَـدَيَّ وَمَأْكَـلُ
25- وَلكِنّ نَفْسَـاً مُـرَّةً لا تُقِيـمُ بـي
علـى الـذامِ إلاَّ رَيْثَمـا أَتَحَـوَّلُ
26- وَأَطْوِي على الخَمْصِ الحَوَايا كَما انْطَوَتْ
خُيُوطَـةُ مـارِيٍّ تُغَـارُ وتُفْتَـلُ
27- وأَغْدُو على القُوتِ الزَهِيـدِ كما غَـدَا
أَزَلُّ تَهَـادَاهُ التنَائِـفَ أطْحَـلُ
28- غَدَا طَاوِيـاً يُعَـارِضُ الرِّيـحَ هَافِيـاً
يَخُـوتُ بأَذْنَابِ الشِّعَابِ ويُعْسِـلُ
29- فَلَما لَوَاهُ القُـوتُ مِنْ حَيْـثُ أَمَّـهُ
دَعَـا فَأجَابَتْـهُ نَظَائِـرُ نُحَّـلُ
30- مُهَلَّلَـةٌ شِيـبُ الوُجُـوهِ كأنَّـها
قِـدَاحٌ بأيـدي ياسِـرٍ تَتَقَلْقَـلُ
31- أوِ الخَشْـرَمُ المَبْعُـوثُ حَثْحَثَ دَبْـرَهُ
مَحَابِيـضُ أرْدَاهُـنَّ سَـامٍ مُعَسِّـلُ
32- مُهَرَّتَـةٌ فُـوهٌ كَـأَنَّ شُدُوقَـها
شُقُوقُ العِصِـيِّ كَالِحَـاتٌ وَبُسَّـلُ
33- فَضَـجَّ وَضَجَّـتْ بالبَـرَاحِ كأنَّـها
وإيّـاهُ نُوحٌ فَوْقَ عَلْيَـاءَ ثُكَّـلُ
34- وأغْضَى وأغْضَتْ وَاتَّسَى واتَّسَتْ بـه
مَرَامِيـلُ عَـزَّاها وعَزَّتْـهُ مُرْمِـلُ
35- شَكَا وَشَكَتْ ثُمَّ ارْعَوَى بَعْدُ وَارْعَوَتْ
وَلَلْصَبْرُ إنْ لَمْ يَنْفَعِ الشَّكْوُ أجْمَلُ
36- وَفَـاءَ وَفَـاءَتْ بَـادِراتٍ وَكُلُّـها
على نَكَـظٍ مِمَّا يُكَاتِـمُ مُجْمِـلُ
37- وَتَشْرَبُ أسْآرِي القَطَا الكُـدْرُ بَعْدَما
سَرَتْ قَرَبَـاً أحْنَاؤهـا تَتَصَلْصَـلُ
38- هَمَمْتُ وَهَمَّتْ وَابْتَدَرْنَـا وأسْدَلَـتْ
وشَمَّـرَ مِنِّي فَـارِطٌ مُتَمَهِّـلُ
39- فَوَلَّيْـتُ عَنْها وَهْيَ تَكْبُـو لِعُقْـرِهِ
يُبَاشِـرُهُ منها ذُقُـونٌ وَحَوْصَـلُ
40- كـأنَّ وَغَـاها حَجْرَتَيـْهِ وَحَوْلَـهُ
أضَامِيـمُ مِنْ سَفْـرِ القَبَائِـلِ نُـزَّلُ
41- تَوَافَيْـنَ مِنْ شَتَّـى إِلَيـْهِ فَضَمَّـهَا
كما ضَـمَّ أذْوَادَ الأصَارِيـمِ مَنْهَـلُ
42- فَغَـبَّ غِشَاشَـاً ثُمَّ مَـرَّتْ كأنّـها
مَعَ الصُّبْحِ رَكْبٌ مِنْ أُحَاظَةَ مُجْفِلُ
43- وآلَفُ وَجْـهَ الأرْضِ عِنْدَ افْتَراشِـها
بأَهْـدَأَ تُنْبِيـهِ سَنَاسِـنُ قُحَّـلُ
44- وَأعْدِلُ مَنْحُوضـاً كـأنَّ فُصُوصَـهُ
كعَابٌ دَحَاهَا لاعِـبٌ فَهْيَ مُثَّـلُ
45- فإنْ تَبْتَئِـسْ بالشَّنْفَـرَى أمُّ قَسْطَـلٍ
لَمَا اغْتَبَطَتْ بالشَّنْفَرَى قَبْلُ أطْـوَلُ
46- طَرِيـدُ جِنَايَـاتٍ تَيَاسَـرْنَ لَحْمَـهُ
عَقِيرَتُــهُ لأِيِّـها حُـمَّ أَوَّلُ
47- تَنَـامُ إذا مَا نَـامَ يَقْظَـى عُيُونُـها
حِثَاثَـاً إلى مَكْرُوهِـهِ تَتَغَلْغَـلُ
48- وإلْـفُ هُمُـومٍ مـا تَـزَالُ تَعُـودُهُ
عِيَاداً كَحُمَّـى الرِّبْـعِ أو هِيَ أثْقَلُ
49- إذا وَرَدَتْ أصْدَرْتُـها ثـمّ إنّـها
تَثُـوبُ فَتَأتي مِنْ تُحَيْتُ ومِنْ عَـلُ
50- فإمّا تَرَيْنِي كابْنَـةِ الرَّمْـلِ ضَاحِيَـاً
على رِقَّـةٍ أحْفَـى ولا أَتَنَعَّـلُ
51- فإنّي لَمَولَى الصَّبْـرِ أجتـابُ بَـزَّهُ
على مِثْلِ قَلْبِ السِّمْعِ والحَزْمَ أفْعَلُ
52- وأُعْـدِمُ أَحْيَانـاً وأَغْنَـى وإنَّمـا
يَنَـالُ الغِنَى ذو البُعْـدَةِ المُتَبَـذِّلُ
53- فلا جَـزِعٌ مِنْ خَلَّـةٍ مُتَكَشِّـفٌ
ولا مَـرِحٌ تَحْتَ الغِنَى أتَخَيَّـلُ
54- ولا تَزْدَهِي الأجْهـالُ حِلْمِي ولا أُرَى
سَؤُولاًَ بأعْقَـاب الأقَاويلِ أُنْمِـلُ
55- وَلَيْلَةِ نَحْـسٍ يَصْطَلي القَوْسَ رَبُّـها
وَأقْطُعَـهُ اللَّاتـي بِـهَا يَتَنَبَّـلُ
56- دَعَسْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وَصُحْبَتـي
سُعَـارٌ وإرْزِيـزٌ وَوَجْـرٌ وَأفَكَلُ
57- فأيَّمْـتُ نِسْوَانَـاً وأيْتَمْـتُ إلْـدَةً
وَعُـدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ ألْيَـلُ
58- وأصْبَـحَ عَنّـي بالغُمَيْصَـاءِ جَالسـاً
فَرِيقَـانِ: مَسْـؤُولٌ وَآخَرُ يَسْـألُ
59- فَقَالُـوا: لَقَدْ هَـرَّتْ بِلَيْـلٍ كِلَابُنَـا
فَقُلْنَـا: أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُـلُ
60- فَلَمْ يَـكُ إلاَّ نَبْـأةٌ ثُـمَّ هَوَّمَـتْ
فَقُلْنَا: قَطَـاةٌ رِيـعَ أمْ رِيعَ أجْـدَلُ
61- فَإِنْ يَـكُ مِنْ جِـنٍّ لأبْـرَحُ طارِقـاً
وإنْ يَكُ إنْسَـاً ما كَها الإنسُ تَفْعَلُ
62- وَيومٍ مِنَ الشِّعْـرَى يَـذُوبُ لُعَابُـهُ
أفاعِيـهِ فـي رَمْضائِـهِ تَتَمَلْمَـلُ
63- نَصَبْـتُ له وَجْهي ولا كِـنَّ دُونَـهُ
ولا سِتْـرَ إلاَّ الأتْحَمِـيُّ المُرَعْبَـل
64- وَضَافٍ إذا طَارَتْ له الرِّيحُ طَيَّـرَتْ
لبائِـدَ عن أعْطَافِـهِ ما تُرَجَّـلُ
65- بَعِيـدٌ بِمَسِّ الدُّهْـنِ والفَلْيِ عَهْـدُهُ
لـه عَبَسٌ عافٍ مِنَ الغِسْل مُحْـوِلُ
66- وَخَرْقٍ كظَهْرِ التُّـرْسِ قَفْـرٍ قَطَعْتُـهُ
بِعَامِلَتَيْـنِ ، ظَهْـرُهُ لَيْسَ يُعْمَـلُ
67- فألْحَقْـتُ أُوْلاَهُ بأُخْـرَاهُ مُوفِيَـاً
عَلَى قُنَّـةٍ أُقْعِـي مِرَارَاً وَأمْثُـلُ
68- تَرُودُ الأرَاوِي الصُّحْـمُ حَوْلي كأنّـها
عَـذَارَى عَلَيْهِـنَّ المُلاَءُ المُذَيَّـلُ
69- ويَرْكُـدْنَ بالآصَـالِ حَوْلِي كأنّنـي
مِنَ العُصْمِ أدْفى يَنْتَحي الكِيحَ أعْقَلُ