في سنة 1975، قررتُ أن ألتحقَ بالتعليم العالي على أساس أن أحضِّر دكتوراة الدولة بإحدي الجامعات الأجنبية. فكانت أول خطوة في هذا الاتجاه أن اجتزتُ مباراةً للالتحاق بالمركز التربوي الحهوي بالرباط لتدريس العلوم الطبيعية. و كنتُ في نفس الوقت أحضِّر شهادة الدراسات المعمقة في البيولوجيا بكلية العلوم.
كان أساتذة العلوم الطبيعية العاملين بالمركز كلهم فرنسيين. كنتُ أعرف عددا كبيرا منهم كزملاء في التعليم الثانوي أو كمتعاونين مع جمعية الأساتذة المغاربة للعلوم الطبيعية. كان يسود بيني و بينهم احترام متبادل و كنا نتعاون و نتبادل الآراء فيما يخص تدريس المادة بيداغوجيا و ديداكتكيا.
كان مدير المركز مغربيا تجمعنا صداقة مند سنين. كما كان ناظر المركز هو الآخر مغربيا و أعرفه تمام المعرفة. بصفة عامة، كان يسود جو من الانسجام بين الأساتذة و بينهم و بين الإدارة.
في آخر السنة الدراسية وقع ما لم يكن في الحسبان. كان على الأساتذة أن يوقِّعوا محضر الخروج استعدادا للعطلة الصيفية. توجهتُ إلى سكريتارية الناظر و طلبتُ لائحة التوقيعات. فإذا بي أُفَاجَأُ بما يلي : "كل أسماء الأساتذة الفرنسيين تُقْرَأُ الأستاذ كذا، الأستاذ كذا، الأستاذ كذا...إلا اسم الحطاب أحمد مسبوق فقط بالسيد كذا".
فحصتُ القائمةَ من جديد و تأكد الأمرُ. حينها، أصابني غضبٌ شديدٌ و لم أتمالك أعصابي و أشعرتُ الكاتبةَ بما وقع و قالت لي : أنا لا علاقة لي بالموضوع لأن القائمة تم تحضيرها في مكتب آخر. حينها، دخلتُ مكتبَ الناظر و أنا في حالة غضب لاحظها بمجرد ما فتحتُ الباب.
قلتُ له : ما هذه المهزلة؟ و ما هذا التمييز العنصري؟ قال لي : ماذا حدث؟ قلتُ له : انظر لائحةَ التوقيعات التي تم تحضيرها بالمصالح التابعة لك. اطلع عليها و قال: إنه مجرد خطإ سيتم إصلاحه. قلتُ له : سبحان الله. لماذا لم يَطَلْ هذا الخطأ أسماء الأساتذة الفرنسيين؟ و بالصدفة، وحده إسمُ الحطاب أحمد، المغربي الوحيد بين الفرنسيين، الذي شاءت الأقدار أن يكون ضحية هذا الغلط.
و لنفرض أنه وقع خطأ، كان عليك أنت كمسئول أن تُراجع هذه اللائحةَ قبل طرحها للتوقيعات. أو ربما في لاَوَعْيِكَ، الأستاذ الفرنسي من طينة و الأستاذ المغربي من طينة دونها. ألم تتخلصوا بعد من نمطيتكم و أفكاركم المسبقة؟ و مَن أعطاك الحق بأن تتصرف في كرامة الناس؟ و لماذا لم تقل لك نفسُك : كيف استطاع هذا الشخص أن يصل إلى هذه المرتبة؟
أغلقتُ الباب بشدّة و ذهبتُ لمكتب المدير. أطلعتُه على ما وقع و قال هو الآخر إنه مجرد غلط و سيتم تصحيحُه. قفلتُ له : لا يا سيدي ليس هناك غلط. لأ أريد أن أكرر ما قلتُه للناظر لكني جئت لأقول لك أنك أنت كذلك تتحمل المسئولية لأن الناظرَ يعمل تحت إمرتك.
تم تصحيح الخطأ و عدتُ في اليوم الموالي لتوقيع المحضر.
أريد فقط أن أُضيف إن عقدة الأجنبي لا تزال مُترسِّخة في عقول بعض المسئولين المغاربة و خصوصا عندما يتعلق الأمر بإجراء الخِبرات أو القيام بالدراسات حيث يلجئون لمكاتب أجنبية على حساب المكاتب المغربية. و الغريب في الأمر أن هذه المكاتب الأجنبية تلجأ للخبراء المغاربة لإنجاز هذه الدراسات. إنه و الله لأمر غريب. هل هذا يعني أن المكاتب و الخبراء المغاربة يلزمهم تزكيات من طرف الأجنبي ليتم الاعتراف بكفاءاتهم من طرف مَن هم مغاربة مثلهم؟
لا تستغربوا! إن الاعتراف بالكفاءة و الاستحقاق أمر لا يزال بعيدَ المنال في مجتمعنا و بالأخص في الإدارة المغربية ما دام الشخصُ الذي عليه أو الجهة التي عليها أن تعترفَ بكفاءتك و استحقاقك ليس له هو أو لها هي الكفاءة لتقوم بذلك العمل. لأنه بكل بساطة، يرى فيك ذلك الشخصُ أو تلك الجهةُ، أولا و قبل كل شيء، منافساً قوياً له أو لها قبل أن يرى/ترى فيك قيمة مُضاقة.
إنها تجربة مررتُ منها عدة مرات حيث كنتُ محلَّ تقدير و احترام من طرف جهات أجنبية، الشيء الذي لم يحصل في بلادي و في الإدارة التي كنت أشتغل بها. و الدليل على ذلك لما حصلت على جائزة أحسن أطروحة في مجال التربية البيئية من طرف جامعة لافال بكندا، نظمتْ الجامعة حفلا تكريميا على شرفي بينما الوزارة التي أنتمي إليها لم تحرك ساكنا رغم أني في نفس الوقت حصلت على جائزة أخرى في نفس المجال.
بسبب غياب ثقافة التقدير و الاعتراف بالكفاءة و الاستحقاق، تعجُّ الإدارة المغربية بأشخاص أسنِدَتْ لهم مهام لا يستحقونها. مَن لم يستحق منصباً أو رتبةً أو درجةً، سيُمضي وقتَه للحفاظ على ما اكتسبه بطريقة غير مشروعة و في نفس الوقت، سيكون لقمةً سائغةً في يد مَن مكَّنه من هذا المكسب. حينها، يُفتح الباب لكل الانحرافات و الدسائس و زرع الفساد في دواليب الإدارة. و ليذهب الصالح العام إلى الجحيم.
كان أساتذة العلوم الطبيعية العاملين بالمركز كلهم فرنسيين. كنتُ أعرف عددا كبيرا منهم كزملاء في التعليم الثانوي أو كمتعاونين مع جمعية الأساتذة المغاربة للعلوم الطبيعية. كان يسود بيني و بينهم احترام متبادل و كنا نتعاون و نتبادل الآراء فيما يخص تدريس المادة بيداغوجيا و ديداكتكيا.
كان مدير المركز مغربيا تجمعنا صداقة مند سنين. كما كان ناظر المركز هو الآخر مغربيا و أعرفه تمام المعرفة. بصفة عامة، كان يسود جو من الانسجام بين الأساتذة و بينهم و بين الإدارة.
في آخر السنة الدراسية وقع ما لم يكن في الحسبان. كان على الأساتذة أن يوقِّعوا محضر الخروج استعدادا للعطلة الصيفية. توجهتُ إلى سكريتارية الناظر و طلبتُ لائحة التوقيعات. فإذا بي أُفَاجَأُ بما يلي : "كل أسماء الأساتذة الفرنسيين تُقْرَأُ الأستاذ كذا، الأستاذ كذا، الأستاذ كذا...إلا اسم الحطاب أحمد مسبوق فقط بالسيد كذا".
فحصتُ القائمةَ من جديد و تأكد الأمرُ. حينها، أصابني غضبٌ شديدٌ و لم أتمالك أعصابي و أشعرتُ الكاتبةَ بما وقع و قالت لي : أنا لا علاقة لي بالموضوع لأن القائمة تم تحضيرها في مكتب آخر. حينها، دخلتُ مكتبَ الناظر و أنا في حالة غضب لاحظها بمجرد ما فتحتُ الباب.
قلتُ له : ما هذه المهزلة؟ و ما هذا التمييز العنصري؟ قال لي : ماذا حدث؟ قلتُ له : انظر لائحةَ التوقيعات التي تم تحضيرها بالمصالح التابعة لك. اطلع عليها و قال: إنه مجرد خطإ سيتم إصلاحه. قلتُ له : سبحان الله. لماذا لم يَطَلْ هذا الخطأ أسماء الأساتذة الفرنسيين؟ و بالصدفة، وحده إسمُ الحطاب أحمد، المغربي الوحيد بين الفرنسيين، الذي شاءت الأقدار أن يكون ضحية هذا الغلط.
و لنفرض أنه وقع خطأ، كان عليك أنت كمسئول أن تُراجع هذه اللائحةَ قبل طرحها للتوقيعات. أو ربما في لاَوَعْيِكَ، الأستاذ الفرنسي من طينة و الأستاذ المغربي من طينة دونها. ألم تتخلصوا بعد من نمطيتكم و أفكاركم المسبقة؟ و مَن أعطاك الحق بأن تتصرف في كرامة الناس؟ و لماذا لم تقل لك نفسُك : كيف استطاع هذا الشخص أن يصل إلى هذه المرتبة؟
أغلقتُ الباب بشدّة و ذهبتُ لمكتب المدير. أطلعتُه على ما وقع و قال هو الآخر إنه مجرد غلط و سيتم تصحيحُه. قفلتُ له : لا يا سيدي ليس هناك غلط. لأ أريد أن أكرر ما قلتُه للناظر لكني جئت لأقول لك أنك أنت كذلك تتحمل المسئولية لأن الناظرَ يعمل تحت إمرتك.
تم تصحيح الخطأ و عدتُ في اليوم الموالي لتوقيع المحضر.
أريد فقط أن أُضيف إن عقدة الأجنبي لا تزال مُترسِّخة في عقول بعض المسئولين المغاربة و خصوصا عندما يتعلق الأمر بإجراء الخِبرات أو القيام بالدراسات حيث يلجئون لمكاتب أجنبية على حساب المكاتب المغربية. و الغريب في الأمر أن هذه المكاتب الأجنبية تلجأ للخبراء المغاربة لإنجاز هذه الدراسات. إنه و الله لأمر غريب. هل هذا يعني أن المكاتب و الخبراء المغاربة يلزمهم تزكيات من طرف الأجنبي ليتم الاعتراف بكفاءاتهم من طرف مَن هم مغاربة مثلهم؟
لا تستغربوا! إن الاعتراف بالكفاءة و الاستحقاق أمر لا يزال بعيدَ المنال في مجتمعنا و بالأخص في الإدارة المغربية ما دام الشخصُ الذي عليه أو الجهة التي عليها أن تعترفَ بكفاءتك و استحقاقك ليس له هو أو لها هي الكفاءة لتقوم بذلك العمل. لأنه بكل بساطة، يرى فيك ذلك الشخصُ أو تلك الجهةُ، أولا و قبل كل شيء، منافساً قوياً له أو لها قبل أن يرى/ترى فيك قيمة مُضاقة.
إنها تجربة مررتُ منها عدة مرات حيث كنتُ محلَّ تقدير و احترام من طرف جهات أجنبية، الشيء الذي لم يحصل في بلادي و في الإدارة التي كنت أشتغل بها. و الدليل على ذلك لما حصلت على جائزة أحسن أطروحة في مجال التربية البيئية من طرف جامعة لافال بكندا، نظمتْ الجامعة حفلا تكريميا على شرفي بينما الوزارة التي أنتمي إليها لم تحرك ساكنا رغم أني في نفس الوقت حصلت على جائزة أخرى في نفس المجال.
بسبب غياب ثقافة التقدير و الاعتراف بالكفاءة و الاستحقاق، تعجُّ الإدارة المغربية بأشخاص أسنِدَتْ لهم مهام لا يستحقونها. مَن لم يستحق منصباً أو رتبةً أو درجةً، سيُمضي وقتَه للحفاظ على ما اكتسبه بطريقة غير مشروعة و في نفس الوقت، سيكون لقمةً سائغةً في يد مَن مكَّنه من هذا المكسب. حينها، يُفتح الباب لكل الانحرافات و الدسائس و زرع الفساد في دواليب الإدارة. و ليذهب الصالح العام إلى الجحيم.