د. معاذ الروبي - نظرية التحليل النفسي

تقترح هذه النظرية النفسية أن الصراعات اللاواعية للعقل تحدد كيف تتطور شخصية الفرد وسلوكه. تنص نظرية التحليل النفسي، التي أسسها طبيب الأعصاب النمساوي سيغموند فرويد في أوائل القرن العشرين، أن الشخصية والسلوك هما نتيجة صراعات مستمرة في العقل. الفرد لا يدرك عادة هذا الصراع لأنه يحدث على مستوى اللاوعي. يعتقد فرويد أن الصراع يحدث بين ثلاثة أجزاء من العقل اللاواعي: الهوية، والأنا، والأنا العليا.

يرى فرويد أن الشخصية تتطور منذ الولادة في خمس مراحل، والتي أطلق عليها اسم نفسية جنسية لأنها تنطوي على عمليات جنسية وعقلية. في كل مرحلة يركز عقل الشخص على جانب مختلف من الحياة الجنسية، مثل المتعة عن طريق الفم عندما يمص الأطفال الرضع إبهامهم. يعتقد فرويد أن المراحل النفسية الجنسية تثير معركة بين البيولوجيا الغريزية والنظرة الاجتماعية، ويجب على العقل حل هذا الصراع قبل أن يتمكن الشخص من الانتقال والتقدم نحو نمو عقلي صحي. على الرغم من أن نموذج فرويد كان له تأثير كبير في تسليط الضوء على دور العقل الباطن، فقد ثبت أنه مثير للجدل لأنه يركز على الجنس كمحرك للشخصية. يرى العديد من النقاد أن نموذجه ذاتي وبسيط للغاية لشرح الطبيعة المعقدة للعقل والسلوك.

اعتبر فرويد بأن الناس يستخدمون آليات الدفاع دون وعي عندما يواجهون القلق أو المشاعر الحزينة. تساعدهم هذه الآليات على التأقلم مع الذكريات أو المستثيرات التي يجدونها مرهقة أو مقيتة من خلال خداعهم وجعلهم يعتقدون بأن كل شيء على ما يرام. تستخدم "الأنا" آليات الدفاع لمساعدة الناس على الوصول إلى حل وسط ذهني عند التعامل مع الأشياء التي تسبب الصراع الداخلي. الآليات الشائعة التي تغير المستثير الواقعي تشمل الإنكار، والازاحة، والقمع، والتراجع، والعقلانية، والإسقاط. على سبيل المثال، الإنكار هو آلية دفاع شائعة تستخدم مثلاً لتبرير عادة يشعر الفرد تجاهها بالسوء. مثل التدخين. حيث يبرره المدخنون بالقول إنهم "مدخنون اجتماعيون" فقط، وبهذا يمكنهم السماح لأنفسهم بتدخين السجائر مع عدم الاعتراف بأنهم في الواقع مدمنون على النيكوتين.

قسم فرويد العقل إلى ثلاثة مستويات من الوعي. يشكل العقل الواعي جزءًا صغيرًا فقط من الكل، وعلى الرغم من أنه غير مدرك تمامًا للأفكار الموجودة في العقل اللاواعي، إلا أن هذا الأخير لا يزال يؤثر بشكل كبير على السلوك.
عند استخدام التحليل النفسي كوسيلة علاج، يخبر المريض المحلل النفسي عن ذكريات طفولته وأحلامه من أجل فتح العقل اللاواعي والكشف عن كيف يتم التحكم أو إثارة السلوك غير المرغوب فيه. يُنظر إلى الأحلام وفقا لنظرية التحليل النفسي على أنها قناة للأفكار اللاواعية التي لا يستطيع الناس الوصول إليها عادةً لأن الكثير منها مزعج ومعقد للغاية بحيث يتعذر على العقل الواعي التعامل معها.

وفقا للنموذج الطبوغرافي لنظرية فرويد فإن العقل الواعي هو الذي يحتوي على الأفكار والعواطف التي يدركها الناس. أما العقل الباطن فهو الذي يخزن معلومات مثل ذكريات الطفولة، والتي يمكن الوصول إليها من خلال التحليل النفسي. بينما العقل اللاواعي هو الذي يخفي معظم دوافع الشخص ورغباته وأفكاره دون شعور وإدراك منه.
النموذج الهيكلي لنفس النظرية يعتبر العقل الواعي مجرد غيض من فيض، جزء صغير من كل مخفي. بينما يتكون العقل اللاواعي من ثلاثة أجزاء (الهوية الشخصية والأنا والأنا العليا) والتي تتحدث وتتجادل مع بعضها البعض لمحاولة حل المشاعر والدوافع السلوكية المتضاربة. "الأنا العليا" تمثل إرادة فعل الشيء الصحيح. إنها الضمير الأخلاقي الذي يأخذ دور مثل دور الوالد الصارم. بينما تمثل "الأنا" صوت العقل الذي يتفاوض بشكل منطقي مع الهوية الشخصية والأنا العليا. أما "الهوية الشخصية" فهي تسعى للحصول على إشباع فوري، وطفولي، ومندفع، ويكون من الصعب التفاهم معها.

بالمختصر، تعتبر نظرية فرويد مؤثرة للغاية في مجال علم النفس بشكل عام، ولقد أدت إلى تطوير طرق وعلاجات جديدة تستخدم الآن لعلاج مجموعة واسعة من المشاكل النفسية. على سبيل المثال، يعتمد العلاج السلوكي المعرفي (CBT) جزئياً على نظرية فرويد التي أكدت على أن أفكارنا وسلوكياتنا مرتبطة ببعضها البعض. هذا بدوره يمكن أن يساعد المرضى على فهم مشاكلهم النفسية والتعامل معها بطريقة أكثر فعالية. وكذلك يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تحسينات دائمة في الصحة العقلية النفسية للمريض. ختاماً، نظرية التحليل النفسي تقوم على علاج نفسي قوي وفعال يحاول فهم الأمراض النفسية التي يعاني منها المرضى وعلاجها من خلال الوصول إلى العقل اللاواعي الذي يعتبر أصل معظم المشاكل النفسية.

د. معاذ الروبي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى