د. محمد الهادي الطاهري - أوقات في شقبنارية (6)

(6)

نشأت الجريصة حول منجم الحديد. لم تكن قبل اكتشاف المنجم شيئا وأبرز ما كانت عليه أنها أرض لقبائل الزغالمة يتخذون بعضها مراعي لأغنامهم والبعض الآخر للزراعة وحين اكتشف المحتلون في جبل الجريصة منجما للحديد تحول الكثير َن الرعاة والمزارعين إلى عمال في المنجم يستخرحونه بأيديهم ليأخذه المحتل هنيئا مريئا. مات منهم في الكهوف وتحت أنقاض الجبل كثيرون وفاز الناجون بالسكن في بيوت عصرية بدل الخيام والبيوت التقليدية وتسنى لهم أن يخالطوا المستوطنين الفرنسيس ليأخذوا عنهم عادات جديدة فلبسوا السراويل الطويلة والجمازات والأحذية وتعلموا الفرنسيّة حتى أتقنها أطفالهم وتفوقوا فيها في المدارس بعد الاستقلال. والجريصة إلى اليوم مثال على إتقان اللغة الفرنسيّة ومثال أيضا على اضطراب في عادات أهلها بعد أن اختلط فيها المحلي بالوافد والعربي بالفرنسي وأبلغ صورة من صور الاختلاط والاضطراب أن يتحول حمام القبب إلى حانة تنتصب في وسط المدينة غير بعيد عن المسجد. ومن غرائبها أيضا صورة ذلك الفارس بلباس الفرسان العرب قال الناس عنه إنه كان ينطلق بفرسه من منزله نحو المسجد فيصلي صلاة الظهر ثم ينطلق ركضا إلى حمام القبب لا ليغتسل بل ليشرب حتى الثمالة فإذا جاء العصر انطلق بفرسه نحو المسجد فيصلي ثم يعود ركضا إلى الحانة . كان ذلك ديدنه حتى صار علامة من علامات الجريصة البارزة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أماكن نسكنها.. وأمكنة تسكننا (شعرية المكان)
المشاهدات
462
آخر تحديث
أعلى