المجتمع الذكوري هو المجتمع الذي تسود فيه الذكورية. وإذا أردنا أن نُلخِّصَ مفهومَ "الذكورية" في سطور، نقول إنها كل الأفكار والسلوكات والتَّصرُّفات التي تمكِّن الرجالَ (الذكور) من بسط السيطرة والنفوذ على الإناث أو على المرأة. والذكورية ثقافة انتقلت وتنتقل من جيلٍ لآخر علما أن جذورَها تضرب في أعماق التاريخ. وبصفة عامة، كانت الحضارات القديمة تعتبر المرأةَ جِنسا ضعيف القوة والفكر وتحتقرُها ولا دورَ لها في المجتمع خارج الإنجاب والاعتناء بالأطفال. والذكورية لا تزال قائمةً إلى يومنا هذا وبالأخصِّ في البلدان المُحافِظة السائرة في طريق النمو التي لا تزال متشبِّثةً بتقاليد وثقافات الماضي. وقد زادت الذكورية حدَّةً في العالم العربي الإسلامي بفعل ما يصدرُ من فتاوي وأحكام عن فقهاء وعلماء الدين. فتاوي وأحكام جائرة تسيء للمرأة وتجعل منها جسدا بدون روح وبدون فكرٍ وبدون إحساسٍ وبدون حرية… خلاقا للدين الإسلامي الذي جاء ليُحرِّرَ المرأة من طغيان الرجل ومن براثين العبودية والظلم والذل والمهانة…
فمثلا عندما نقِف على وضعِ المرأة في الحضارة الرومانية، نجد أنها كائن لا حرية ولا قيمةَ له حيث تكون هذه المرأة خاضعةً لسلطة الرجل ولا يمكن أن تكونَ لها مبادرات أو أفكار شخصية. وفضلا عن هذه الاعتبارات، فإن المرأة، في الحضارة الرومانية، ليس لها الحق في الشغل كما هو الشأن للرجل. كما لا يمكن لها أن تُمارسَ السياسةَ، وبحكم ضعف فكرها، فإنها تُعتبرُ قاصرةً أمام القانون وبالتالي، ليس لها نفسُ حقوق الرجل. وإجمالاً، كانت المرأةُ تعاني القهرَ والظلمَ والشقاءَ والذل والاضطهاد… بل كانت تُعتَبَر.مِلكا للرجل أو سِلعةً تُباع وتُشترى. وقد بلغ احتقارُ المرأة عند الرومان درجةً تسيء لإنسانيتِها إذ كان الرجل يتصرَّف بدون تحفُّظٍ في أمومتِها وحياتها الاجتماعية…
أما في الجاهلية على سبيل المثال كذلك، فإن وضعَ المرأة لا يقل شأنا عن ما كانت عليه في الحضارة الرومانية. كانت المرأة محطَّ مهانة واحتقار شديدين إلى درجة أن الرجالَ كانوا يفضلون ازديادَ الذكر ويكرهون ازديادَ البنات الذي كان يعتبره العربُ عارا ومذلَّةً لا يجرؤون على الجهر بها أمام القوم. وللتَّخلُّص من هذا العار، كانوا يلجأون إلى وأد البنات، أي دفنهن وهن أحياء. وقد شهِد سبحانه وتعالى بهذا الوأد حين قال في كتابه العزيز : "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ (النحل، 58 و 59). ومن سوء ما أبانه العربُ من كُرهٍ ومهانة ومذلة للإناث، فإن المرأةَ جُرِّدت من حقوقها واعتُبِرت سِلعةً تُباع وتُشترى في سوق النخاسة. لقد حُرمت من المهر ومن الميراث وحتى من الكلام. وكان بإمكان الرجل أن يتزوج بما يطيب له عددا من النساء بدون قيد أو شرط. وكان بإمكانه أن يطلِّقَ زوجاتِه متى شاء وأراد لأنه كان يعتبر هاته الزوجات مجرد أجسادٍ للمُتعة وليس ربات بيت.
وبصفة عامة، كل الحضارات القديمة (اليونانية، الميزوبوتامية، أي بلاد الرافدين، الفارسية، الصينية، الهندية…). كانت تحتقر المرأةَ وتحُطُّ من مكانتها في المجتمع. ففي الحضارة اليونانية، كانت المرأة تُعتَبَر رجسا من عمل الشيطان. وفي هذا الشأن، قال أريسطو : "ثلاثة ليس لهم القدرة على التصرُّف في أنفسهم العبد فليس له إرادة، والطفل له إرادة ناقصة، والمرأة لها إرادة لكنها عاجزة". وفي حضارة ما بين الرافدين، كان بإمكان الرجل أن يبيعَ زوجتَه إذا تراكمت عليه الديونُ. كما كان يُعتَبَر زِنا الرجل نزوةً يمكن العفو عنها بينما زنا المرأة كان يُقابَل بالإعدام. ففي الحضارة الفارسية، كانت المرأةُ تُعتَبَر ككائن خُلِقَ ليكونَ محطَّ ذلٍّ ومهانة وبالتالي، فوجودُها في المجتمع له هدفٌ واحدٌ ألا وهو خِدمة الرجل. وفي الحضارة الهندية، كانت المرأة تُعتَبَر مصدر إثمٍ وانحطاطٍ خُلُقي وروحي إلى درجة أن الرجالَ كانوا يعتبرون الوباءَ و الموتَ والجحيمَ والسُّمَّ… أفضل من المرأة. وفي الحضارة الصينية، فالمرأة كانت محطَّ احتقار شديد إلى درجة أن الرجالَ حينما يُرزقون بأنثى، كانوا يسارعون ببيعها في الأسواق، وإن لم تُباعْ، يتمُّ قتلُها أو وأدُها في التُّراب…
إلى أن جاء الإسلامُ ليُغيِّرَ وضعَ المرأة رأساً على عَقِبٍ. يكفي أن نفرأَ كتابَ الله بتمعُّنٍ وتبصُّرٍ وعقلانيةٍ لنلاحظَ أن اللهَ سبحانه وتعالى، من خلال الإسلام، غيَّر الوضعَ الاجتماعي للمرأة بسنِّ قواعد ومبادئ وسُبُلٍ نظمت الزواجَ والطلاقَ والإرثَ والعلاقات الزوجية والتَّربية والرضاع وبناء الأسرة… ألم يقل سبحانه وتعالى في باب المودَّة والتَّعايش بين الأزواج : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم، 21). ثم ألم يقل سبحانه وتعالى في باب وقوعِ الخلاف بين الأزواج : "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (النساء، 35). و نظرا لِما أولاه سبحانه وتعالى من أهمية للمرأة في الإسلام، فإنه أعطاها كرامتَها كاملةً سواءً أثناء الزواج أو عند الطلاق. يقول سبحانه وتعالى في هذا الصدد : "إِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (الطلاق، 2). و"المعروف" في هذه الآية هو ما يفعلُه المرءُ من خيرٍ لغيره. وفي هذا الصدد، المعروف هو كل عمل طيب ينتفع منه صاحبُه والآخرون. فحين يقول سبحانه وتعالى "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ"، فإنه، سبحانه وتعالى، يقصد حِفاظَ المرأة على كرامتها مصداقا لقوله عزَّ وجلَّ : "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ… (آل عِمران، 110). اللهُ سبحانه وتعالى يريد الخيرَ لعباده (رجالا ونساءً) وهو لطيفٌ ورؤوف و رحيمٌ بهم.
غير أن بعضَ فقهاءَ الدين وعلماءَه، خلافاً لِلُّلطف الذي أحاط به اللهُ سبحانه وتعالى عبادَه (رجالا ونساءً)، لم يتوقفوا ومنذ قرون عن احتقارهم للمرأة والحطِّ من شأنها وقَدرها. وخيرُ دليل على هذا الاحتقار هو أننا دائما نسمع عبارةَ "رجال الدين" ولم نسمع، في يومٍ من الأيام" عبارة "نساءَ الدين". وكأن الخوضَ في أمور الدين والتَّبحُّر فيه حِكرٌ على الرجال علما أن اللهَ سبحانه وتعالى يساوي في كتابه العزيز بين الرجل والمرأة. ألم تكن السيدة عائشة، زوجة الرسول (ص) وبِنتُ أبي بكر الصديق من أعظم نساء الدين في عهد الرسول (ص)؟
فحينما يُخاطب اللهُ عبادَه لعبادته أو لهديهم إلى سواء السبيل أو لدعوتهم لإعمار الأرض أو لاجتنابهم السيئات والفسادِ والإسرافِ أو لطاعته أو للتَّفكُّر في آياته أو للعمل بمبادئ الإسلام…، فإنه يخاطبهم بقوله : "يا أيها الناس" أو "يا أيها الذين آمنوا" أو "يا بني آدم" أو "يا أيها الإنسان" أو يا أولي الألباب" أو "يا أولي النًّهى"... وكلمات "ناس" و "بنو آدم" و "إنسان" و "أولو الألباب والنهى" تشمل الرجالَ النساءَ جميعا بغض النَّظر عن عقائدهم وعن وضعهم الاجتماعي وعن لون بشرتِهم… مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" (البقرة، 168)، علما أن الأكلَ ضرورةٌ من ضروريات حياة الرجال والنساء.
أليس بعض فقهاء وعلماء الدين هم الذين أساؤوا للمرأة ولا يزالوا يُسيئون لها بفتاويهم وأحكامهم الجائرة والمُخالفة لما جاء به كتابُ الله سبحانه وتعالى؟ أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين بالغوا في التَّضييق على المرأة بالتَّحكُّم في جسدها وفكرها وهيئتها وتنقُّلها وكلامها…؟ أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين حكموا ببقاء المرأة في البيت كي لا ترى الناسَ ولا يراها هؤلاء الناس؟ بل منهم مَن منعها من الذهاب إلى الحمَّام… أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين حكموا على المرأة بأنها مجرد عورةٌ؟ هذا إن لم تكن مُجسِّدةً للشيطان بنفسه، بل إن لم تُوصَفْ بالزانية بمجرد خروجها من البيت. أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين تعمَّدوا اجتنابَ التَّفسيرِ الحقيقي للحديث الشريف الذي نَصُّهُ : ""ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن". تفسيرٌ له علاقة بالمرأة كشاهدٍ وحيضِها العابر. لكن فقهائنا وعلمائنا فسَّروا هذا الحديث تفسيرا أبديا يستجيب لأهوائهم ولكُرههم للمرأة. إلى أن ترسَّخَ في أذهان العديد من عامة العرب والمسلمين أن المرأةَ ناقصةُ عقلٍ ودينٍ، أي خُلِقت غبية ولا ذكاء لها بالمقارنة مع الرجل بينما التاريخ والقرآن الكريم يُبيِّنان عكسَ ما يظنون.
لا أزال أتذكَّر أني كنتُ اتعامل مع بُستاني jardinier للقيام بأشغال البستنة بمنزلي. كان هذا البُستاني، من حين لآخر يحكي لي عن هموم الدنيا ومشاقها. والغريب في الأمر أنه، كلما تجادب معي أطرافَ الحديث عن زوجته، أي "لْمْرَا" إلا وقال قبل النُّطقِ بهذه الكلمة، كلمةَ "حاشاك". ونحن المغاربة نعرف، تمامَ المعرفة، متى يتم التَّفوُّهُ بكلمة "حاشاك". يتفوَّه بها الناسُ عند الحديث عن النجاسة والقذارة والكلاب والحمير وكل شيء قَذِرٍ…
ارأيتم كيف أثَّرَ فقهاءُ الدين وعلماءُه على عقول الناس البسطاء وما أكثرهم؟ تأثيرٌ يصعُبُ التَّصدِّي له لأن هؤلاء البسطاء يؤمنون إيمانا رأسخا بأن ما يقوله الفقهاء وعلماء الدين قولٌ مطلقٌ لا تصِحُّ مخالفتُه ومُخالفتُه تُعتبَر مخالفةٌ لأوامر الله.
فمثلا عندما نقِف على وضعِ المرأة في الحضارة الرومانية، نجد أنها كائن لا حرية ولا قيمةَ له حيث تكون هذه المرأة خاضعةً لسلطة الرجل ولا يمكن أن تكونَ لها مبادرات أو أفكار شخصية. وفضلا عن هذه الاعتبارات، فإن المرأة، في الحضارة الرومانية، ليس لها الحق في الشغل كما هو الشأن للرجل. كما لا يمكن لها أن تُمارسَ السياسةَ، وبحكم ضعف فكرها، فإنها تُعتبرُ قاصرةً أمام القانون وبالتالي، ليس لها نفسُ حقوق الرجل. وإجمالاً، كانت المرأةُ تعاني القهرَ والظلمَ والشقاءَ والذل والاضطهاد… بل كانت تُعتَبَر.مِلكا للرجل أو سِلعةً تُباع وتُشترى. وقد بلغ احتقارُ المرأة عند الرومان درجةً تسيء لإنسانيتِها إذ كان الرجل يتصرَّف بدون تحفُّظٍ في أمومتِها وحياتها الاجتماعية…
أما في الجاهلية على سبيل المثال كذلك، فإن وضعَ المرأة لا يقل شأنا عن ما كانت عليه في الحضارة الرومانية. كانت المرأة محطَّ مهانة واحتقار شديدين إلى درجة أن الرجالَ كانوا يفضلون ازديادَ الذكر ويكرهون ازديادَ البنات الذي كان يعتبره العربُ عارا ومذلَّةً لا يجرؤون على الجهر بها أمام القوم. وللتَّخلُّص من هذا العار، كانوا يلجأون إلى وأد البنات، أي دفنهن وهن أحياء. وقد شهِد سبحانه وتعالى بهذا الوأد حين قال في كتابه العزيز : "وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ (النحل، 58 و 59). ومن سوء ما أبانه العربُ من كُرهٍ ومهانة ومذلة للإناث، فإن المرأةَ جُرِّدت من حقوقها واعتُبِرت سِلعةً تُباع وتُشترى في سوق النخاسة. لقد حُرمت من المهر ومن الميراث وحتى من الكلام. وكان بإمكان الرجل أن يتزوج بما يطيب له عددا من النساء بدون قيد أو شرط. وكان بإمكانه أن يطلِّقَ زوجاتِه متى شاء وأراد لأنه كان يعتبر هاته الزوجات مجرد أجسادٍ للمُتعة وليس ربات بيت.
وبصفة عامة، كل الحضارات القديمة (اليونانية، الميزوبوتامية، أي بلاد الرافدين، الفارسية، الصينية، الهندية…). كانت تحتقر المرأةَ وتحُطُّ من مكانتها في المجتمع. ففي الحضارة اليونانية، كانت المرأة تُعتَبَر رجسا من عمل الشيطان. وفي هذا الشأن، قال أريسطو : "ثلاثة ليس لهم القدرة على التصرُّف في أنفسهم العبد فليس له إرادة، والطفل له إرادة ناقصة، والمرأة لها إرادة لكنها عاجزة". وفي حضارة ما بين الرافدين، كان بإمكان الرجل أن يبيعَ زوجتَه إذا تراكمت عليه الديونُ. كما كان يُعتَبَر زِنا الرجل نزوةً يمكن العفو عنها بينما زنا المرأة كان يُقابَل بالإعدام. ففي الحضارة الفارسية، كانت المرأةُ تُعتَبَر ككائن خُلِقَ ليكونَ محطَّ ذلٍّ ومهانة وبالتالي، فوجودُها في المجتمع له هدفٌ واحدٌ ألا وهو خِدمة الرجل. وفي الحضارة الهندية، كانت المرأة تُعتَبَر مصدر إثمٍ وانحطاطٍ خُلُقي وروحي إلى درجة أن الرجالَ كانوا يعتبرون الوباءَ و الموتَ والجحيمَ والسُّمَّ… أفضل من المرأة. وفي الحضارة الصينية، فالمرأة كانت محطَّ احتقار شديد إلى درجة أن الرجالَ حينما يُرزقون بأنثى، كانوا يسارعون ببيعها في الأسواق، وإن لم تُباعْ، يتمُّ قتلُها أو وأدُها في التُّراب…
إلى أن جاء الإسلامُ ليُغيِّرَ وضعَ المرأة رأساً على عَقِبٍ. يكفي أن نفرأَ كتابَ الله بتمعُّنٍ وتبصُّرٍ وعقلانيةٍ لنلاحظَ أن اللهَ سبحانه وتعالى، من خلال الإسلام، غيَّر الوضعَ الاجتماعي للمرأة بسنِّ قواعد ومبادئ وسُبُلٍ نظمت الزواجَ والطلاقَ والإرثَ والعلاقات الزوجية والتَّربية والرضاع وبناء الأسرة… ألم يقل سبحانه وتعالى في باب المودَّة والتَّعايش بين الأزواج : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم، 21). ثم ألم يقل سبحانه وتعالى في باب وقوعِ الخلاف بين الأزواج : "وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (النساء، 35). و نظرا لِما أولاه سبحانه وتعالى من أهمية للمرأة في الإسلام، فإنه أعطاها كرامتَها كاملةً سواءً أثناء الزواج أو عند الطلاق. يقول سبحانه وتعالى في هذا الصدد : "إِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَٰلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (الطلاق، 2). و"المعروف" في هذه الآية هو ما يفعلُه المرءُ من خيرٍ لغيره. وفي هذا الصدد، المعروف هو كل عمل طيب ينتفع منه صاحبُه والآخرون. فحين يقول سبحانه وتعالى "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ"، فإنه، سبحانه وتعالى، يقصد حِفاظَ المرأة على كرامتها مصداقا لقوله عزَّ وجلَّ : "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ… (آل عِمران، 110). اللهُ سبحانه وتعالى يريد الخيرَ لعباده (رجالا ونساءً) وهو لطيفٌ ورؤوف و رحيمٌ بهم.
غير أن بعضَ فقهاءَ الدين وعلماءَه، خلافاً لِلُّلطف الذي أحاط به اللهُ سبحانه وتعالى عبادَه (رجالا ونساءً)، لم يتوقفوا ومنذ قرون عن احتقارهم للمرأة والحطِّ من شأنها وقَدرها. وخيرُ دليل على هذا الاحتقار هو أننا دائما نسمع عبارةَ "رجال الدين" ولم نسمع، في يومٍ من الأيام" عبارة "نساءَ الدين". وكأن الخوضَ في أمور الدين والتَّبحُّر فيه حِكرٌ على الرجال علما أن اللهَ سبحانه وتعالى يساوي في كتابه العزيز بين الرجل والمرأة. ألم تكن السيدة عائشة، زوجة الرسول (ص) وبِنتُ أبي بكر الصديق من أعظم نساء الدين في عهد الرسول (ص)؟
فحينما يُخاطب اللهُ عبادَه لعبادته أو لهديهم إلى سواء السبيل أو لدعوتهم لإعمار الأرض أو لاجتنابهم السيئات والفسادِ والإسرافِ أو لطاعته أو للتَّفكُّر في آياته أو للعمل بمبادئ الإسلام…، فإنه يخاطبهم بقوله : "يا أيها الناس" أو "يا أيها الذين آمنوا" أو "يا بني آدم" أو "يا أيها الإنسان" أو يا أولي الألباب" أو "يا أولي النًّهى"... وكلمات "ناس" و "بنو آدم" و "إنسان" و "أولو الألباب والنهى" تشمل الرجالَ النساءَ جميعا بغض النَّظر عن عقائدهم وعن وضعهم الاجتماعي وعن لون بشرتِهم… مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" (البقرة، 168)، علما أن الأكلَ ضرورةٌ من ضروريات حياة الرجال والنساء.
أليس بعض فقهاء وعلماء الدين هم الذين أساؤوا للمرأة ولا يزالوا يُسيئون لها بفتاويهم وأحكامهم الجائرة والمُخالفة لما جاء به كتابُ الله سبحانه وتعالى؟ أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين بالغوا في التَّضييق على المرأة بالتَّحكُّم في جسدها وفكرها وهيئتها وتنقُّلها وكلامها…؟ أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين حكموا ببقاء المرأة في البيت كي لا ترى الناسَ ولا يراها هؤلاء الناس؟ بل منهم مَن منعها من الذهاب إلى الحمَّام… أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين حكموا على المرأة بأنها مجرد عورةٌ؟ هذا إن لم تكن مُجسِّدةً للشيطان بنفسه، بل إن لم تُوصَفْ بالزانية بمجرد خروجها من البيت. أليس هؤلاء الفقهاء والعلماء هم الذين تعمَّدوا اجتنابَ التَّفسيرِ الحقيقي للحديث الشريف الذي نَصُّهُ : ""ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن". تفسيرٌ له علاقة بالمرأة كشاهدٍ وحيضِها العابر. لكن فقهائنا وعلمائنا فسَّروا هذا الحديث تفسيرا أبديا يستجيب لأهوائهم ولكُرههم للمرأة. إلى أن ترسَّخَ في أذهان العديد من عامة العرب والمسلمين أن المرأةَ ناقصةُ عقلٍ ودينٍ، أي خُلِقت غبية ولا ذكاء لها بالمقارنة مع الرجل بينما التاريخ والقرآن الكريم يُبيِّنان عكسَ ما يظنون.
لا أزال أتذكَّر أني كنتُ اتعامل مع بُستاني jardinier للقيام بأشغال البستنة بمنزلي. كان هذا البُستاني، من حين لآخر يحكي لي عن هموم الدنيا ومشاقها. والغريب في الأمر أنه، كلما تجادب معي أطرافَ الحديث عن زوجته، أي "لْمْرَا" إلا وقال قبل النُّطقِ بهذه الكلمة، كلمةَ "حاشاك". ونحن المغاربة نعرف، تمامَ المعرفة، متى يتم التَّفوُّهُ بكلمة "حاشاك". يتفوَّه بها الناسُ عند الحديث عن النجاسة والقذارة والكلاب والحمير وكل شيء قَذِرٍ…
ارأيتم كيف أثَّرَ فقهاءُ الدين وعلماءُه على عقول الناس البسطاء وما أكثرهم؟ تأثيرٌ يصعُبُ التَّصدِّي له لأن هؤلاء البسطاء يؤمنون إيمانا رأسخا بأن ما يقوله الفقهاء وعلماء الدين قولٌ مطلقٌ لا تصِحُّ مخالفتُه ومُخالفتُه تُعتبَر مخالفةٌ لأوامر الله.