[HEADING=3]-2 -[/HEADING]
كنت ألتقي الدكتور حسن حنفي، فنذكر في سياق حديثنا آراء مفكرين معروفين، ويجري نقاشٌ حول مرجعيات رؤيتهم للعالَم، ومواقفهم المتنوعة من ثنائيات: الماضي والحاضر والأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة، وتصوراتِهم المتعددة لدراسة أسباب التخلف والانحطاط وشروط النهضة، والإحياء والإصلاح والتجديد، وأثرِ فهم الدين وتفسير نصوصه وأنماط التدين في النهضة والبناء والتنمية. حين نتحدث عن كتاباتهم ومواقفهم كان لسانُ حسن حنفي لا يستغرق في ذكر غيره بسوء، وأحيانًا يحاول التهرب من الحديث، إذا كان الحديث يتطلب رأيًا سلبيًا صريحًا، وربما يصمت وينقل الكلام إلى شأن آخر، على الرغم من أن هذا الموقف لم ينعكس على كتاباته، خاصة سيرته “ذكريات”.
نشر حسن حنفي فصلًا في أحد أجزاء مؤلفاته كسيرة أولية، وأعاد كتابة فصل آخر تناول فيه محطات متنوعة من حياته. في كتابه الأخير “ذكريات” وهي المرة الثالثة والأخيرة لكتابة سيرته الشخصية، حاول أن يتحدث عن رحلة حياته ومنعطفاتها المتنوعة من المرحلة الأولى إلى ما انتهت إليه قبيل وفاته. كان فيها أكثرَ تعبيرًا عن ذاته وانفعالاته ومواقفه الصادمة، صوتُه أشد وحديثُه أصرح، وهو يحكي للقرّاء ما تعرّض له من مواجع الحياة ومراراتها، وما كابده من تشرّدٍ وجوعٍ عند وصوله إلى باريس وبؤسٍ لا يطيقه إلا الصبور. كان في بداية المشوار يتساءل على الدوام حتى عن البداهات أحيانًا، متمردًا لا يكترث بالممنوعات الاجتماعية ولا تهمّه البروتوكولات الحكومية، عنيدًا لا يرضخ للترويض، تعيش معه ويعيش لها أحلامُه الكبرى الصادمة لأساتذته وزملائه، ولا يتردّد في إعلانها على الملأ. عند وصوله باريس لإكمال دراساته العليا خريف 1956 لم يكن في جيبه شيءٌ من المال، ذهب إلى بواب السفارة المصرية وطلب منه أن يُؤويه ليلًا ريثما يعثر على سكن، يقول حنفي: “فاستغربت، ألّا يقبل بواب السفارة طالبًا سيغير العالَم بأفكاره”[1]. حين لم يجد مكانًا ذهب إلى مسجد باريس ولم يسمح له بالمبيت فيه، أرشده إمامُ المسجد “إلى أحد الجزائريين، كي ينام معه. وكانت غرفة في فندق في الحي العشرين الذي يقطنه العمال الجزائريون. ستة على سرير واحد”[2]. يتحدث حسن حنفي في ذكرياته عن رأي الآخرين بكتاباته ومواقفه قائلًا: “كانت صورتي في الإخوان أني شيوعي، وصورتي عند الشيوعيين أني إخواني. وصورتي في أجهزة الأمن أني إخواني شيوعي. ولم يكن اليسار الإسلامي قد انتشر بعد، ليحل التناقض بين الإسلام والشيوعية أو الاشتراكية أو الأيديولوجيات العلمانية كالليبرالية والقومية”[3]. حسن حنفي كان مسكونًا بيوتوبيا اليسار الإسلامي، مفهوم اليسار الإسلامي لديه يلتقي فيه الإسلامُ بالشيوعية، وتجتمع الأضدادُ في كأسٍ واحد، بتوظيفٍ براغماتي مكشوف للتراثِ واستعمالِه في إثبات الشيء ونفيه.
حسن حنفي ثائرٌ بالفطرة، لم تتوقف أحلامُ الثورة وشعاراتُها بعد تجاوزه مرحلة الشباب. حسن حنفي كعلي شريعتي مثقّف رسوليّ، وأعني بمصطلح المثقّف الرسوليّ المثقّف النبويّ الذي يرى نفسَه بمثابة النبي المُرسَل إلى أمته لهدايتهم، يشعرُ بمسؤوليته عن معتقدات الناس وأفكارهم. كان حنفي يعلن مرةً أنه مسؤولٌ عن تغيير العالَم بأفكاره، ومرةً أخرى يعلن فيها أنه “إنسان صاحب رسالة، أُعد مشروعًا قد ينقذ الأمة من كبوتها، وذلك يقتضي الجلوس على المكتب طيلة العمر، لا زيارات لأقارب أو أصدقاء، فوقتي كله للعلم ولأداء الرسالة”[4]. واصل إعلانَ مهمته الرسولية في أحاديثه وكتاباته، مثلًا يكتب في مقدمة كتابه “من العقيدة إلى الثورة”: “أنا فقيه من فقهاء المسلمين أجدد لهم دينهم وأرعى مصالح الناس. ليس لنا ألقاب، بل نحن من علماء الأمة، ورثة الأنبياء، والمحافظون على الشرع، كما كان فقهاء الأمة من قبل”[5]. يصنّف حسن حنفي نفسَه فقيهًا من الفقهاء وإن كان يجتهد خارجَ أصولِ الفقه وقواعدِه في المذاهب المعروفة، متكلّمًا من المتكلمين وإن كان يحاول الخروجَ على تراث المقولات والفرق المعروفة للمتكلمين، فيلسوفًا مع الفلاسفة وإن كان يتفلسف خارجَ العقل الفلسفي الذي لا يخضع لمعتقد أو أيديولوجيا أو حكم سابق، يتفلسف حنفي بعقلٍ مشبَع بأيديولوجيا اليسار الإسلامي. ويصرُّ بتساؤلٍ إنكاري: “وما عيب الجمع بين العلم والأيديولوجيا، يسارية أو إسلامية؟ وهل ينفـع تـدريس العلـوم الإنسانية كالاجتمـاع والقـانون والفلسفة دون أيديولوجيا؟ ومـا العـيـب إذا ما أدت الأيديولوجيا إلى العمـل السياسي؟ ومـا الـعيـب فـي أن يسمع الطالب أيديولوجيات مختلفة ويفكر فيها بدلًا من أن يحفظ كتابًا مقررًا؟”[6]. اتسعت اهتماماتُه وتنوّعت أعمالُه بنحوٍ استوعبت مختلفَ حقول التراث، تبدو كتاباتُه للقارئ مؤتلفةً مع كلِّ شيء في الوقت الذي لا يألفها شيءٌ، ويصعبُ تصنيفُها بقراءة متعجلة تحت أيٍّ شيء، لا يصدق عليها إلا أنها كتاباتٌ توظِّف التراثَ والفلسفةَ وعلومَ الإنسان والمجتمع أيديولوجيًا نفعيًا.
كان حسن حنفي أشدَّ توترًا وانفعالًا وحنقًا في ذكرياته وهو يتحدثُ عن بعض تلامذته وزملائه. تسود الشكوى والضجر والألمُ مواردَ متعدّدة من كتاب “ذكريات”. عندما يورد موقفًا أو يتحدّث عن زميل أو تلميذ كأنه يستأنف سيرةَ الدكتور عبد الرحمن بدوي التي نشرها في مجلدين، وكان فيها شديدًا على أكثر من عاصرهم، ولم يستثن إلا القليلَ من نقده اللاذع الذي يتمادى فيه أحيانًا إلى الاتهام بلا دليل.
خصّص حسن حنفي نحو 30 صفحة في نهاية ذكرياته لكتابةٍ قاسية عن بعض أساتذة الفلسفة وتلامذته، مثلًا يصف أحدَ أبرز أساتذة الفلسفة المصريين المعروفين عالميًا بقوله: “يعيش على قضيتين: أن ابن رشد ليس مثله من قبل ولا من بعد، وهو ممثل العقلانية. والثانيـة الهـجـوم على الأصولية، والدفاع عـن العلمانيـة الغربيـة. ارتبط بالدوائر الفلسفية الغربيـة أكثـر مـن العربية. ويكتب أسبوعيا في الأهرام ويكرر نفسه. لم يحصل على أي جائزة. وهو الآن مفكر الجامعة للهجوم على الإسلاميين”[7].
يقسو حسن حنفي على أحد تلامذته الأذكياء ويتبرّم منه قائلًا: “كـان يريد الشهرة بسرعة، فالتصق بتلميذي الآخر نصر حـامـد أبو زيد، لأنـه لم يعترض على الشهرة السريعة أو مخاطبـة الإعلام. وبدأ الخروج إلى الإعلام، وكتابة أفكاره في الصحف…كـان القسم يعتبره خير من يخلفني، ولكني اكتشفت باطنه كما عرفت ظاهره، فـقـد كـان يبدى إخلاصا لي في الظاهر، ويبطن عداوة في الباطن. ثـم تـوفي بعـدهـا رحمه الله دون أن ينـال لـقـب باحث أو مفكـر… وتكونت حلقة معادية لي من تلاميذي الذين أصبحوا أساتذة بأنني السبب في اجهاضـه بـل ومـوتـه شـهـيدًا للفلسفة بسبب كراهيـة القسـم لـه”[8].
تلميذُه الصديق الراحل د. علي مبروك ظلَّ يشكو بمرارة في رسائله لي من مواقفه الموجعة معه حتى الأيام الأخيرة من حياته، كان مبروك يصفُ أستاذه بـ “كاهن الفلسفة”، وهكذا سمعتُ شكوى من غير مبروك من تلامذة حنفي. أظن علي مبروك يريد من توصيف “كاهن الفلسفة” فضحَ المفارقة المكشوفة في كتابات أستاذه وسلوكه معه وغيره من تلامذته. مبروك يغمز أستاذَه الذي يريد أن يكون فيلسوفًا كاهنًا وكاهنًا فيلسوفًا، وربما يريد أن ينبّهَ القراءَ إلى أن أستاذَه يجمعُ الأضدادَ في كأسٍ واحد، وهذا ضرب من جمع الأشياء المتباينة. الإنسانُ إن كان كاهنًا لن يكون فيلسوفًا، وإن كان فيلسوفًا لن يكون كاهنًا. كلُّ مجتمعٍ يتضاعفُ فيه حضورُ الكهنة ويتضخمُ تأثيرُهم يتضاءل حضورُ الفلاسفة ويضمحلُّ تأثيرُهم.
[1] د. حسن حنفي، ذكريات 1935 – 2018 ص 82، 2018، القاهرة.
[2] المصدر السابق، 82.
[3] المصدر السابق، 144.
[4] المصدر السابق، 148.
[5] د. حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، ج1، ص 40 – 41، 1988، دار التنوير، بيروت.
[6] د. حسن حنفي، ذكريات 1935 – 2018 ص 59 – 60، 2018، القاهرة.
[7] المصدر السابق، ص 213.
[8] نفس المصدر، ص 217 – 219.
عبد الجبار الرفاعي
كنت ألتقي الدكتور حسن حنفي، فنذكر في سياق حديثنا آراء مفكرين معروفين، ويجري نقاشٌ حول مرجعيات رؤيتهم للعالَم، ومواقفهم المتنوعة من ثنائيات: الماضي والحاضر والأصالة والمعاصرة والتراث والحداثة، وتصوراتِهم المتعددة لدراسة أسباب التخلف والانحطاط وشروط النهضة، والإحياء والإصلاح والتجديد، وأثرِ فهم الدين وتفسير نصوصه وأنماط التدين في النهضة والبناء والتنمية. حين نتحدث عن كتاباتهم ومواقفهم كان لسانُ حسن حنفي لا يستغرق في ذكر غيره بسوء، وأحيانًا يحاول التهرب من الحديث، إذا كان الحديث يتطلب رأيًا سلبيًا صريحًا، وربما يصمت وينقل الكلام إلى شأن آخر، على الرغم من أن هذا الموقف لم ينعكس على كتاباته، خاصة سيرته “ذكريات”.
نشر حسن حنفي فصلًا في أحد أجزاء مؤلفاته كسيرة أولية، وأعاد كتابة فصل آخر تناول فيه محطات متنوعة من حياته. في كتابه الأخير “ذكريات” وهي المرة الثالثة والأخيرة لكتابة سيرته الشخصية، حاول أن يتحدث عن رحلة حياته ومنعطفاتها المتنوعة من المرحلة الأولى إلى ما انتهت إليه قبيل وفاته. كان فيها أكثرَ تعبيرًا عن ذاته وانفعالاته ومواقفه الصادمة، صوتُه أشد وحديثُه أصرح، وهو يحكي للقرّاء ما تعرّض له من مواجع الحياة ومراراتها، وما كابده من تشرّدٍ وجوعٍ عند وصوله إلى باريس وبؤسٍ لا يطيقه إلا الصبور. كان في بداية المشوار يتساءل على الدوام حتى عن البداهات أحيانًا، متمردًا لا يكترث بالممنوعات الاجتماعية ولا تهمّه البروتوكولات الحكومية، عنيدًا لا يرضخ للترويض، تعيش معه ويعيش لها أحلامُه الكبرى الصادمة لأساتذته وزملائه، ولا يتردّد في إعلانها على الملأ. عند وصوله باريس لإكمال دراساته العليا خريف 1956 لم يكن في جيبه شيءٌ من المال، ذهب إلى بواب السفارة المصرية وطلب منه أن يُؤويه ليلًا ريثما يعثر على سكن، يقول حنفي: “فاستغربت، ألّا يقبل بواب السفارة طالبًا سيغير العالَم بأفكاره”[1]. حين لم يجد مكانًا ذهب إلى مسجد باريس ولم يسمح له بالمبيت فيه، أرشده إمامُ المسجد “إلى أحد الجزائريين، كي ينام معه. وكانت غرفة في فندق في الحي العشرين الذي يقطنه العمال الجزائريون. ستة على سرير واحد”[2]. يتحدث حسن حنفي في ذكرياته عن رأي الآخرين بكتاباته ومواقفه قائلًا: “كانت صورتي في الإخوان أني شيوعي، وصورتي عند الشيوعيين أني إخواني. وصورتي في أجهزة الأمن أني إخواني شيوعي. ولم يكن اليسار الإسلامي قد انتشر بعد، ليحل التناقض بين الإسلام والشيوعية أو الاشتراكية أو الأيديولوجيات العلمانية كالليبرالية والقومية”[3]. حسن حنفي كان مسكونًا بيوتوبيا اليسار الإسلامي، مفهوم اليسار الإسلامي لديه يلتقي فيه الإسلامُ بالشيوعية، وتجتمع الأضدادُ في كأسٍ واحد، بتوظيفٍ براغماتي مكشوف للتراثِ واستعمالِه في إثبات الشيء ونفيه.
حسن حنفي ثائرٌ بالفطرة، لم تتوقف أحلامُ الثورة وشعاراتُها بعد تجاوزه مرحلة الشباب. حسن حنفي كعلي شريعتي مثقّف رسوليّ، وأعني بمصطلح المثقّف الرسوليّ المثقّف النبويّ الذي يرى نفسَه بمثابة النبي المُرسَل إلى أمته لهدايتهم، يشعرُ بمسؤوليته عن معتقدات الناس وأفكارهم. كان حنفي يعلن مرةً أنه مسؤولٌ عن تغيير العالَم بأفكاره، ومرةً أخرى يعلن فيها أنه “إنسان صاحب رسالة، أُعد مشروعًا قد ينقذ الأمة من كبوتها، وذلك يقتضي الجلوس على المكتب طيلة العمر، لا زيارات لأقارب أو أصدقاء، فوقتي كله للعلم ولأداء الرسالة”[4]. واصل إعلانَ مهمته الرسولية في أحاديثه وكتاباته، مثلًا يكتب في مقدمة كتابه “من العقيدة إلى الثورة”: “أنا فقيه من فقهاء المسلمين أجدد لهم دينهم وأرعى مصالح الناس. ليس لنا ألقاب، بل نحن من علماء الأمة، ورثة الأنبياء، والمحافظون على الشرع، كما كان فقهاء الأمة من قبل”[5]. يصنّف حسن حنفي نفسَه فقيهًا من الفقهاء وإن كان يجتهد خارجَ أصولِ الفقه وقواعدِه في المذاهب المعروفة، متكلّمًا من المتكلمين وإن كان يحاول الخروجَ على تراث المقولات والفرق المعروفة للمتكلمين، فيلسوفًا مع الفلاسفة وإن كان يتفلسف خارجَ العقل الفلسفي الذي لا يخضع لمعتقد أو أيديولوجيا أو حكم سابق، يتفلسف حنفي بعقلٍ مشبَع بأيديولوجيا اليسار الإسلامي. ويصرُّ بتساؤلٍ إنكاري: “وما عيب الجمع بين العلم والأيديولوجيا، يسارية أو إسلامية؟ وهل ينفـع تـدريس العلـوم الإنسانية كالاجتمـاع والقـانون والفلسفة دون أيديولوجيا؟ ومـا العـيـب إذا ما أدت الأيديولوجيا إلى العمـل السياسي؟ ومـا الـعيـب فـي أن يسمع الطالب أيديولوجيات مختلفة ويفكر فيها بدلًا من أن يحفظ كتابًا مقررًا؟”[6]. اتسعت اهتماماتُه وتنوّعت أعمالُه بنحوٍ استوعبت مختلفَ حقول التراث، تبدو كتاباتُه للقارئ مؤتلفةً مع كلِّ شيء في الوقت الذي لا يألفها شيءٌ، ويصعبُ تصنيفُها بقراءة متعجلة تحت أيٍّ شيء، لا يصدق عليها إلا أنها كتاباتٌ توظِّف التراثَ والفلسفةَ وعلومَ الإنسان والمجتمع أيديولوجيًا نفعيًا.
كان حسن حنفي أشدَّ توترًا وانفعالًا وحنقًا في ذكرياته وهو يتحدثُ عن بعض تلامذته وزملائه. تسود الشكوى والضجر والألمُ مواردَ متعدّدة من كتاب “ذكريات”. عندما يورد موقفًا أو يتحدّث عن زميل أو تلميذ كأنه يستأنف سيرةَ الدكتور عبد الرحمن بدوي التي نشرها في مجلدين، وكان فيها شديدًا على أكثر من عاصرهم، ولم يستثن إلا القليلَ من نقده اللاذع الذي يتمادى فيه أحيانًا إلى الاتهام بلا دليل.
خصّص حسن حنفي نحو 30 صفحة في نهاية ذكرياته لكتابةٍ قاسية عن بعض أساتذة الفلسفة وتلامذته، مثلًا يصف أحدَ أبرز أساتذة الفلسفة المصريين المعروفين عالميًا بقوله: “يعيش على قضيتين: أن ابن رشد ليس مثله من قبل ولا من بعد، وهو ممثل العقلانية. والثانيـة الهـجـوم على الأصولية، والدفاع عـن العلمانيـة الغربيـة. ارتبط بالدوائر الفلسفية الغربيـة أكثـر مـن العربية. ويكتب أسبوعيا في الأهرام ويكرر نفسه. لم يحصل على أي جائزة. وهو الآن مفكر الجامعة للهجوم على الإسلاميين”[7].
يقسو حسن حنفي على أحد تلامذته الأذكياء ويتبرّم منه قائلًا: “كـان يريد الشهرة بسرعة، فالتصق بتلميذي الآخر نصر حـامـد أبو زيد، لأنـه لم يعترض على الشهرة السريعة أو مخاطبـة الإعلام. وبدأ الخروج إلى الإعلام، وكتابة أفكاره في الصحف…كـان القسم يعتبره خير من يخلفني، ولكني اكتشفت باطنه كما عرفت ظاهره، فـقـد كـان يبدى إخلاصا لي في الظاهر، ويبطن عداوة في الباطن. ثـم تـوفي بعـدهـا رحمه الله دون أن ينـال لـقـب باحث أو مفكـر… وتكونت حلقة معادية لي من تلاميذي الذين أصبحوا أساتذة بأنني السبب في اجهاضـه بـل ومـوتـه شـهـيدًا للفلسفة بسبب كراهيـة القسـم لـه”[8].
تلميذُه الصديق الراحل د. علي مبروك ظلَّ يشكو بمرارة في رسائله لي من مواقفه الموجعة معه حتى الأيام الأخيرة من حياته، كان مبروك يصفُ أستاذه بـ “كاهن الفلسفة”، وهكذا سمعتُ شكوى من غير مبروك من تلامذة حنفي. أظن علي مبروك يريد من توصيف “كاهن الفلسفة” فضحَ المفارقة المكشوفة في كتابات أستاذه وسلوكه معه وغيره من تلامذته. مبروك يغمز أستاذَه الذي يريد أن يكون فيلسوفًا كاهنًا وكاهنًا فيلسوفًا، وربما يريد أن ينبّهَ القراءَ إلى أن أستاذَه يجمعُ الأضدادَ في كأسٍ واحد، وهذا ضرب من جمع الأشياء المتباينة. الإنسانُ إن كان كاهنًا لن يكون فيلسوفًا، وإن كان فيلسوفًا لن يكون كاهنًا. كلُّ مجتمعٍ يتضاعفُ فيه حضورُ الكهنة ويتضخمُ تأثيرُهم يتضاءل حضورُ الفلاسفة ويضمحلُّ تأثيرُهم.
[1] د. حسن حنفي، ذكريات 1935 – 2018 ص 82، 2018، القاهرة.
[2] المصدر السابق، 82.
[3] المصدر السابق، 144.
[4] المصدر السابق، 148.
[5] د. حسن حنفي، من العقيدة إلى الثورة، ج1، ص 40 – 41، 1988، دار التنوير، بيروت.
[6] د. حسن حنفي، ذكريات 1935 – 2018 ص 59 – 60، 2018، القاهرة.
[7] المصدر السابق، ص 213.
[8] نفس المصدر، ص 217 – 219.
عبد الجبار الرفاعي