قلت في أكثر من مقابلة تلفزيونية إنّنا نحتاج لجميع أدوات التحليل النقدي للخطاب السياسي في تقييم جولة الرئيس بايدن بين إسرائيل وفلسطين والسعودية، وأهمية الفارق الاستراتيجي الإقليمي بين مغزى "إعلان القدس للشراكة الاستراتيجية" الإسرائيلية الأمريكية والبيان الختامي ل"قمة جدة للأمن والتنمية".
ينبغي أن تدقّق العواصم العربية، خاصة دول الخليج الست ومصر والأردن والعراق، في ما يغدو حاليا مثلث الأمر الواقع الذي يجعل من مصالح إسرائيل بمثابة بسملة سياسية يعتدّ بها البيت الأبيض في تطوّر العلاقات العربية الأمريكية. وتنبؤ عبارة الرئيس بادين بالكثير من الديناميات المرتقبة داخل هذا المثلث الجديد، إذ قال "سيكون هناك أعضاء جدد في التعاون مع دول المنطقة ومنها إسرائيل." وينبغي التمعنّ أيضا في بعض العبارات التي سيكثر تداولها من قبيل "التعاون" و"الدمج" و"منظومة الدفاع الإقليمي" ضد إيران، كبديل سيميائي مهذّب "للتطبيع" و"حلف ناتو شرق أوسطي".
في سياق مختلف، أعادني الحديثُ مع صديقة على الطرف الآخر من المحيط عن قيمة الأبعاد الرّوحية في الوجود البشري، أو أنطولوجيا الروح والصوفية فوق التجليات المادية، إلى ذكريات عشتها خلال أولى زياراتي الخمس للقدس وعدّة مدن في فلسطين المحتلة منذ عام 2006. ولم أشعر من قبل بمثل تلك الحميمية الروحية التي شعرتُ بها وأنا أدخل البلدة القديمة عبر باب العمود في القدس، قادما من شارع صلاح الدين، وأتأمل في عشرات الوجوه ممن حملت أزياؤهُم وطرقُ إطلاق لحاهم ومظهرُهم العامُ مدى التباين بين الهويات داخل الدين نفسه، سواء لدى المسلمين أو المسيحيين أو اليهود من المقدسيين أو الزوار الأجانب.
ثمة سكونٌ عميقٌ ينتابك ويملأ جوارحك داخل المسجد النبوي. ومثّلت زيارتي لمسجد الصّخرة ارتقاءً روحيًا عارمًا حملني بعيدا عن الشعور بعقارب السّاعة وتدرّج الزّمن. ولم ترْنُ نفسي إلا للسّفر روحيًا إلى مناطق عميقة في شعوري بالوجود فوق المادي، وأين يكمن مصدر هذا التأصيل الروحي وعلاقتي بالمكان بروابط عميقة، وكأني عشتُ فيه خلال أزمنة لم تدخل سجلاّت التّدوين أو تظل خارج تخوم التاريخ المادي.
ممّا زاد في روحانية تلك اللحظات وانغماس كافة الحوّاس رائحةُ الطيب التي تفوح من الحجر المغطى بالخشب الذي يمكن للمرء أن يلمسه بيديه ولا يستطيع رؤيته بجوار الصخرة. ومن حرصي على استدامة ذاك الطيب، أنني أخرجت كل المسبحات التي كنت قد اشتريتها هدايا لبعض الأصدقاء، وعمدتُ إلى حكّها وفركِها على الصخرة المغطاة، وكأنني أسعى لنقل روحانية اللحظة وعطرها إلى الطرف الآخر من العالم.
مشينا أنا والصديق خليل العسلي بجوار السّور المتعالي بثلاث طبقات مختلفة من الأحجار حول البلدة القديمة. وكان يشرح لي المراحل التّاريخية المتباعدة في بناء السور عبر عدة قرون. وأتذكر عبارة "هنا أشمّ عبق التاريخ مباشرة" التي نطقتُها تلقائيا بنشوة الإحساس بالمكان وما قد يبدو بأنه ذبذباتٌ روحيةٌ تملأ الوجود والوجدان.
وقفتُ أيضا لالتقاط صورة في مسجد عمر بن الخطاب، وتذكرتُ حديث عمّي المرحوم سيدي قاسم، وكيف كان يعتز بأصله وأنّه من ذريّة عمر بن الخطاب، وأيضا بوعبيد الشرقي العُمري مؤسس الزاوية الشرقاوية بالتزامن مع حكم السعديين في منطقة وادي أبي الجعد في القرن السادس عشر الميلادي. وقد سعى الشيخ الشرقي لتأسيس "مركز إشعاع ديني وعلمي وصوفي امتد نفوذه إلى بلاد تادلة وورديغة والشاوية ودكالة والغرب والصحراء"، كما يقول أحمد بوكاري الشرقاوي مؤرخ الزاوية والمتخصص في دراسة التصوف وتاريخ الزوايا في المغرب.
طالت غيبتي عن القدس لبضع سنوات، لكن روحانيتها تظل تتمدّد في جوارحي حتى تسنح الظروف بزيارة مقبلة بإذن الله.
ينبغي أن تدقّق العواصم العربية، خاصة دول الخليج الست ومصر والأردن والعراق، في ما يغدو حاليا مثلث الأمر الواقع الذي يجعل من مصالح إسرائيل بمثابة بسملة سياسية يعتدّ بها البيت الأبيض في تطوّر العلاقات العربية الأمريكية. وتنبؤ عبارة الرئيس بادين بالكثير من الديناميات المرتقبة داخل هذا المثلث الجديد، إذ قال "سيكون هناك أعضاء جدد في التعاون مع دول المنطقة ومنها إسرائيل." وينبغي التمعنّ أيضا في بعض العبارات التي سيكثر تداولها من قبيل "التعاون" و"الدمج" و"منظومة الدفاع الإقليمي" ضد إيران، كبديل سيميائي مهذّب "للتطبيع" و"حلف ناتو شرق أوسطي".
في سياق مختلف، أعادني الحديثُ مع صديقة على الطرف الآخر من المحيط عن قيمة الأبعاد الرّوحية في الوجود البشري، أو أنطولوجيا الروح والصوفية فوق التجليات المادية، إلى ذكريات عشتها خلال أولى زياراتي الخمس للقدس وعدّة مدن في فلسطين المحتلة منذ عام 2006. ولم أشعر من قبل بمثل تلك الحميمية الروحية التي شعرتُ بها وأنا أدخل البلدة القديمة عبر باب العمود في القدس، قادما من شارع صلاح الدين، وأتأمل في عشرات الوجوه ممن حملت أزياؤهُم وطرقُ إطلاق لحاهم ومظهرُهم العامُ مدى التباين بين الهويات داخل الدين نفسه، سواء لدى المسلمين أو المسيحيين أو اليهود من المقدسيين أو الزوار الأجانب.
ثمة سكونٌ عميقٌ ينتابك ويملأ جوارحك داخل المسجد النبوي. ومثّلت زيارتي لمسجد الصّخرة ارتقاءً روحيًا عارمًا حملني بعيدا عن الشعور بعقارب السّاعة وتدرّج الزّمن. ولم ترْنُ نفسي إلا للسّفر روحيًا إلى مناطق عميقة في شعوري بالوجود فوق المادي، وأين يكمن مصدر هذا التأصيل الروحي وعلاقتي بالمكان بروابط عميقة، وكأني عشتُ فيه خلال أزمنة لم تدخل سجلاّت التّدوين أو تظل خارج تخوم التاريخ المادي.
ممّا زاد في روحانية تلك اللحظات وانغماس كافة الحوّاس رائحةُ الطيب التي تفوح من الحجر المغطى بالخشب الذي يمكن للمرء أن يلمسه بيديه ولا يستطيع رؤيته بجوار الصخرة. ومن حرصي على استدامة ذاك الطيب، أنني أخرجت كل المسبحات التي كنت قد اشتريتها هدايا لبعض الأصدقاء، وعمدتُ إلى حكّها وفركِها على الصخرة المغطاة، وكأنني أسعى لنقل روحانية اللحظة وعطرها إلى الطرف الآخر من العالم.
مشينا أنا والصديق خليل العسلي بجوار السّور المتعالي بثلاث طبقات مختلفة من الأحجار حول البلدة القديمة. وكان يشرح لي المراحل التّاريخية المتباعدة في بناء السور عبر عدة قرون. وأتذكر عبارة "هنا أشمّ عبق التاريخ مباشرة" التي نطقتُها تلقائيا بنشوة الإحساس بالمكان وما قد يبدو بأنه ذبذباتٌ روحيةٌ تملأ الوجود والوجدان.
وقفتُ أيضا لالتقاط صورة في مسجد عمر بن الخطاب، وتذكرتُ حديث عمّي المرحوم سيدي قاسم، وكيف كان يعتز بأصله وأنّه من ذريّة عمر بن الخطاب، وأيضا بوعبيد الشرقي العُمري مؤسس الزاوية الشرقاوية بالتزامن مع حكم السعديين في منطقة وادي أبي الجعد في القرن السادس عشر الميلادي. وقد سعى الشيخ الشرقي لتأسيس "مركز إشعاع ديني وعلمي وصوفي امتد نفوذه إلى بلاد تادلة وورديغة والشاوية ودكالة والغرب والصحراء"، كما يقول أحمد بوكاري الشرقاوي مؤرخ الزاوية والمتخصص في دراسة التصوف وتاريخ الزوايا في المغرب.
طالت غيبتي عن القدس لبضع سنوات، لكن روحانيتها تظل تتمدّد في جوارحي حتى تسنح الظروف بزيارة مقبلة بإذن الله.