لعدم وجود الحمامات في معظم البيوت البغدادية يلجأ عدد كبير من الناس الى الحمامات العامة [ الشعبية ]، الموجودة في المحلة،لا سيما في ايام الشتاء الباردة، اذ يستهويهم البخار الدافئ المنبعث من مداخل تلك الحمامات.
تتألف الحمامات الشعبية من ثلاث قاعات: الاولى المنزع حيث يقوم المستحم بنزع ملابسه فيها، والثانية تسمى الغرفة الوسطى المابين، اما الثالثة فهي التي تكون ساخنة وفيها يكون الاستحمام.ومن ملحقات الحمامات الشعبية البئر لغرض التزود منه بالمياه وعلى ايوان صغير يجلس فيه الحلاق الذي يقوم بحلاقة الرأس والذقن والابط وما يشبه ذلك لمن يروم الحلاقة. او يستعمل دواء الحمام لازالة الشعر وهو مزيج من النورة والزرنيخ. ويلحق فيه كذلك مكان خاص على شكل غرفة كبيرة لغرض خزن الحطب والنفايات تعرف بـ (الطمة) (هي كل ما يجمع من مواد لتسخين ماء الحمامات معظمها تكون من الازبال والنفايات التي يجمعها متعهدوا نقل الازبال في العاصمة ويبيعونها الى اصحاب الحمامات بأسعار زهيدة، يستخدم رماد الطمة لاغراض البناء المختلفة بعد خلطه مع النورة بدلاً من الاسمنت الذي لم يتوفر بكثرة فضلاً عن ارتفاع اسعاره، يعطي المزيج صلابة قوية تفوق قوة الاسمنت ومقاومته للاملاح، كذلك تستعمل الطمة في شواء الشلغم والشوندر الذي كان يباع في السوق ويحرقها بالنفط الأسود عامل متخصص يعرف بـ(المشعلجي) لغرض تسخين الصفرية خزان الماء الكبير.
كان الحمامجي صاحب الحمام او مديره يجلس في مدخل الحمام على لوج (دكة) مرتفعة تقع يمين او يسار الحمام، وتحيط به المناشف والبشتمالات. ولوازم الحمام الاخرى، وكانـت المناشف الجديدة تعطى لمن يدفع اكثر . وهم قلة ويعرفهم المسؤول عن الحمام. ولم تكن تلك الحمامات مستوفية للشروط الصحية اذ تنعدم النظافة في بعضها، ويتبادل المستحمون المناشف دون تعقيمها او غسلها وتكون قديمة بالية. لذلك كان بعض البغداديين يجلبون معهم (مناشفهم وليفهم وملابسهم النظيفة في بقج يضعونها في المنزع).
يرتدي المستحم بعد خلع ملابسه وزرة خاصة ويلبس (قبقاب خشبي) في رجليه للدخول في القاعة الساخنة التي تكون وسط الحمام لغرض التعرق قبل عملية الاستحمام في الحوض الذي توجد فيه حنفيتان للماء (الحار والبارد) مع طاستين من النحاس الاصفر لصب الماء على الجسم . ويوجد في الحمامات (المدلكجية واحدهم المدلكجي) يقوم بوضع المستحم في كيس عنده مصنوع من الشعر والصوف ليخرج ما علق به من أوساخ ويؤدي عمله بطرق شبه بهلوانية لا تخلو من ضوضاء وازعاج، وعند الانتهاء من عملية الدلك يدخل الحمام الداخلي لغرض غسله بالليفة والصابون عدة مرات، ثم يأتيه بمناشفه الخاصة التي جلبها من بيته او مناشف الحمام قائلاً (حمامك عوافي) ويقوم المستحم في اغلب الاحيان بتناول الشاي او الدارسين بعد الاستحمام.
لم تكن عملية ارتياد الحمام مقتصرة على الرجال فحسب، بل كان للنساء حماماتهن الخاصة ايضاً وهي لا تختلف عن حمامات الرجال كثيراً، ويكون بعضها قريباً من البعض الأخر، ونادراً ما يكون الحمام مزدوجا من حيث العمل بعض الأيام تخصص للرجال والبعض الأخر للنساء. اللواتي يأتين بوقت مبكر على شكل (مجموعات). ويزدحمن في أوقات الجمع والعطل.وكان من عادات النساء استصحاب بناتهن معهن يحملن ما يلزمهن مـن الفـرش والصابون وحجر الأرجل والطعام مثل (الكبة والكباب وخبز العروك والدولمة في قدر والفواكه حسب الموسم كأنهن في نزهة).
وتتأخر النساء في الحمامات كثيراً اذ ينشغلن بالاحاديث والقال والقيل وتكون الحمامات بالنسبة لهن اماكن للتعارف والمجاملة وتمتد اليها مشاريع الخطوبة والزواج ولا يرجعن الى بيوتهن الا مساءً فكان الحمام تنفيساً لبقائهن في بيوتهن شهراً كاملاً لا يخرجن منها الا للضرورات الخاصة نحو الجيران او الاقرباء.
وغالباً ما يحدث شجار بين النساء لاسيما عند انقطاع الماء فيكون ذلك مدعاة للسخرية وتفض صاحبة الحمام النزاع بصعوبة كبيرة. وهنالك حمامات خاصة للمومسات اللواتي يجري عليهن الفحص اسبوعياً ولمرة واحدة، ومن أشهر الحمامات النسوية حمام جسومة في محلة دكان شناوه في منطقة الفضل.
تؤدي الحمامات ادواراً اجتماعية لا تقل عن ادوارها الاقتصادية ويزداد الاقبال عليها على شكل جماعات في المناسبات الدينية والاجتماعية في الافراح والاحزان على حد سواء، اذ يؤخذ اليها الطفل برفقة أقرانه قبل يوم ختانه ويكون الاستحمام على حساب والد الطفل، كذلك يذهب اليها العريس مع اصدقائه في يوم زواجه. ومن كان له مجلس فاتحة يؤخذ في اليوم السابع وفي الحالتين الأخيرتين تدفع أجور دخولية الحمام من الاصدقاء والمقربين كتقاليد اجتماعية.
كانت الحمامات البغدادية عامة للمسلمين وغيرهم وتوجد حمامات للاقليات الاخرى، ومن أشهر حمامات بغداد في جانب الرصافة حمام حيدر. في شارع المستنصر [بجوار ساحة الغريري حالياً ] وكان يقبل دخول النساء يومين في الاسبوع . كذلك حمام الشورجة ويقع في الزقاق المؤدي الى سوق الصفافير ويكاد يكون حكراً على عمال سوق الصفافير ولا تدخله النساء وحمام (كجو) الواقع في باب الاغا بجوار [ كراج الامانة ] وهو حمام صغير بالقياس الى الحمامات الاخرى. كذلك شيدت حمامات متعددة في منطقة الفضل كان من اشهرها حمامان عرف كلاهما باسم حمام الفضل سنة 1946 احدهما للرجال والاخر للنساء وكذلك حمام عيفان في المحلة نفسها وشيدت حمامات متعددة في الكاظمية والاعظمية قامت بتقديم خدماتها للشرائح الاجتماعية البغدادية علـى اختـلاف مراكزها الاقتصادية ومكانتها الاجتماعية بشكل متميز.كذلك أنشئت في الخمسينيات حمامات عدة منها حمام السعدون في محلة الفضل.
ولم يفتقر جانب الكرخ الى الحمامات الشعبية التي انتشرت في جهات مختلفة منه ومن ابرزها حمام شامي الذي يقع في محلة الشيخ صندل في الطريق المؤدي الى الفحامة من ناحية محلة الفلاحات. وحمام ايوب وحمام الجسر [ بالقرب من جسر المأمون]، وكانت هذه الحمامات لاتقبل دخول النساء اليها.
وقد اولى البغداديون انشاء الحمامات العامة اهمية كبيرة وتسابق اهل الخير والاحسان في تخصيص مبالغ خاصة لوقفها على الحمامات التي تنشأ مجاناً (للفقراء والمنقطعين وابناء السبيل في المساجد).
اما اجور دخول الحمامات فهي محدودة ويميل معظم المسؤولين على الحمامات الى عدم فرض اجر معين، اذ انهم يتركون ذلك الى الزبون الدائم وحسب حالته المادية ومستوى الخدمة التي قدمت له فهو يألف دخول الحمام منذ وقت معين. وقد يتكرر الاستحمام اسبوعياً فتكون الأجرة من قبيل العطايا او الهدايا ولا يسأل عنها سوى الغرباء الذين يدخلون للمرة الاولى ويعنى بهم بشكل خاص.
عن رسالة (الحياة الاجتماعية في بغداد 1939ــ 1958)
تتألف الحمامات الشعبية من ثلاث قاعات: الاولى المنزع حيث يقوم المستحم بنزع ملابسه فيها، والثانية تسمى الغرفة الوسطى المابين، اما الثالثة فهي التي تكون ساخنة وفيها يكون الاستحمام.ومن ملحقات الحمامات الشعبية البئر لغرض التزود منه بالمياه وعلى ايوان صغير يجلس فيه الحلاق الذي يقوم بحلاقة الرأس والذقن والابط وما يشبه ذلك لمن يروم الحلاقة. او يستعمل دواء الحمام لازالة الشعر وهو مزيج من النورة والزرنيخ. ويلحق فيه كذلك مكان خاص على شكل غرفة كبيرة لغرض خزن الحطب والنفايات تعرف بـ (الطمة) (هي كل ما يجمع من مواد لتسخين ماء الحمامات معظمها تكون من الازبال والنفايات التي يجمعها متعهدوا نقل الازبال في العاصمة ويبيعونها الى اصحاب الحمامات بأسعار زهيدة، يستخدم رماد الطمة لاغراض البناء المختلفة بعد خلطه مع النورة بدلاً من الاسمنت الذي لم يتوفر بكثرة فضلاً عن ارتفاع اسعاره، يعطي المزيج صلابة قوية تفوق قوة الاسمنت ومقاومته للاملاح، كذلك تستعمل الطمة في شواء الشلغم والشوندر الذي كان يباع في السوق ويحرقها بالنفط الأسود عامل متخصص يعرف بـ(المشعلجي) لغرض تسخين الصفرية خزان الماء الكبير.
كان الحمامجي صاحب الحمام او مديره يجلس في مدخل الحمام على لوج (دكة) مرتفعة تقع يمين او يسار الحمام، وتحيط به المناشف والبشتمالات. ولوازم الحمام الاخرى، وكانـت المناشف الجديدة تعطى لمن يدفع اكثر . وهم قلة ويعرفهم المسؤول عن الحمام. ولم تكن تلك الحمامات مستوفية للشروط الصحية اذ تنعدم النظافة في بعضها، ويتبادل المستحمون المناشف دون تعقيمها او غسلها وتكون قديمة بالية. لذلك كان بعض البغداديين يجلبون معهم (مناشفهم وليفهم وملابسهم النظيفة في بقج يضعونها في المنزع).
يرتدي المستحم بعد خلع ملابسه وزرة خاصة ويلبس (قبقاب خشبي) في رجليه للدخول في القاعة الساخنة التي تكون وسط الحمام لغرض التعرق قبل عملية الاستحمام في الحوض الذي توجد فيه حنفيتان للماء (الحار والبارد) مع طاستين من النحاس الاصفر لصب الماء على الجسم . ويوجد في الحمامات (المدلكجية واحدهم المدلكجي) يقوم بوضع المستحم في كيس عنده مصنوع من الشعر والصوف ليخرج ما علق به من أوساخ ويؤدي عمله بطرق شبه بهلوانية لا تخلو من ضوضاء وازعاج، وعند الانتهاء من عملية الدلك يدخل الحمام الداخلي لغرض غسله بالليفة والصابون عدة مرات، ثم يأتيه بمناشفه الخاصة التي جلبها من بيته او مناشف الحمام قائلاً (حمامك عوافي) ويقوم المستحم في اغلب الاحيان بتناول الشاي او الدارسين بعد الاستحمام.
لم تكن عملية ارتياد الحمام مقتصرة على الرجال فحسب، بل كان للنساء حماماتهن الخاصة ايضاً وهي لا تختلف عن حمامات الرجال كثيراً، ويكون بعضها قريباً من البعض الأخر، ونادراً ما يكون الحمام مزدوجا من حيث العمل بعض الأيام تخصص للرجال والبعض الأخر للنساء. اللواتي يأتين بوقت مبكر على شكل (مجموعات). ويزدحمن في أوقات الجمع والعطل.وكان من عادات النساء استصحاب بناتهن معهن يحملن ما يلزمهن مـن الفـرش والصابون وحجر الأرجل والطعام مثل (الكبة والكباب وخبز العروك والدولمة في قدر والفواكه حسب الموسم كأنهن في نزهة).
وتتأخر النساء في الحمامات كثيراً اذ ينشغلن بالاحاديث والقال والقيل وتكون الحمامات بالنسبة لهن اماكن للتعارف والمجاملة وتمتد اليها مشاريع الخطوبة والزواج ولا يرجعن الى بيوتهن الا مساءً فكان الحمام تنفيساً لبقائهن في بيوتهن شهراً كاملاً لا يخرجن منها الا للضرورات الخاصة نحو الجيران او الاقرباء.
وغالباً ما يحدث شجار بين النساء لاسيما عند انقطاع الماء فيكون ذلك مدعاة للسخرية وتفض صاحبة الحمام النزاع بصعوبة كبيرة. وهنالك حمامات خاصة للمومسات اللواتي يجري عليهن الفحص اسبوعياً ولمرة واحدة، ومن أشهر الحمامات النسوية حمام جسومة في محلة دكان شناوه في منطقة الفضل.
تؤدي الحمامات ادواراً اجتماعية لا تقل عن ادوارها الاقتصادية ويزداد الاقبال عليها على شكل جماعات في المناسبات الدينية والاجتماعية في الافراح والاحزان على حد سواء، اذ يؤخذ اليها الطفل برفقة أقرانه قبل يوم ختانه ويكون الاستحمام على حساب والد الطفل، كذلك يذهب اليها العريس مع اصدقائه في يوم زواجه. ومن كان له مجلس فاتحة يؤخذ في اليوم السابع وفي الحالتين الأخيرتين تدفع أجور دخولية الحمام من الاصدقاء والمقربين كتقاليد اجتماعية.
كانت الحمامات البغدادية عامة للمسلمين وغيرهم وتوجد حمامات للاقليات الاخرى، ومن أشهر حمامات بغداد في جانب الرصافة حمام حيدر. في شارع المستنصر [بجوار ساحة الغريري حالياً ] وكان يقبل دخول النساء يومين في الاسبوع . كذلك حمام الشورجة ويقع في الزقاق المؤدي الى سوق الصفافير ويكاد يكون حكراً على عمال سوق الصفافير ولا تدخله النساء وحمام (كجو) الواقع في باب الاغا بجوار [ كراج الامانة ] وهو حمام صغير بالقياس الى الحمامات الاخرى. كذلك شيدت حمامات متعددة في منطقة الفضل كان من اشهرها حمامان عرف كلاهما باسم حمام الفضل سنة 1946 احدهما للرجال والاخر للنساء وكذلك حمام عيفان في المحلة نفسها وشيدت حمامات متعددة في الكاظمية والاعظمية قامت بتقديم خدماتها للشرائح الاجتماعية البغدادية علـى اختـلاف مراكزها الاقتصادية ومكانتها الاجتماعية بشكل متميز.كذلك أنشئت في الخمسينيات حمامات عدة منها حمام السعدون في محلة الفضل.
ولم يفتقر جانب الكرخ الى الحمامات الشعبية التي انتشرت في جهات مختلفة منه ومن ابرزها حمام شامي الذي يقع في محلة الشيخ صندل في الطريق المؤدي الى الفحامة من ناحية محلة الفلاحات. وحمام ايوب وحمام الجسر [ بالقرب من جسر المأمون]، وكانت هذه الحمامات لاتقبل دخول النساء اليها.
وقد اولى البغداديون انشاء الحمامات العامة اهمية كبيرة وتسابق اهل الخير والاحسان في تخصيص مبالغ خاصة لوقفها على الحمامات التي تنشأ مجاناً (للفقراء والمنقطعين وابناء السبيل في المساجد).
اما اجور دخول الحمامات فهي محدودة ويميل معظم المسؤولين على الحمامات الى عدم فرض اجر معين، اذ انهم يتركون ذلك الى الزبون الدائم وحسب حالته المادية ومستوى الخدمة التي قدمت له فهو يألف دخول الحمام منذ وقت معين. وقد يتكرر الاستحمام اسبوعياً فتكون الأجرة من قبيل العطايا او الهدايا ولا يسأل عنها سوى الغرباء الذين يدخلون للمرة الاولى ويعنى بهم بشكل خاص.
عن رسالة (الحياة الاجتماعية في بغداد 1939ــ 1958)