مقتطف التكافؤ في سن الزواج

إن من أهم الثوابت والروابط الأسرية التي تنطلق بالارتباط الحميمي، قائمة على مبدأ التكافؤ العُمري للزوجين.
وقد تم الاتفاق على أغلب الآراء التي توصل إليها علماء النفس أن الآصرة الارتباطية، يجب ألا تزيد عن خمسة عشر سنة كحد أقصى لذلك بين الزوجين في ارتباطهما الأول.
قد نفكر كثيرًا في هذه المشكلة التي تتجذر بعض المجتمعات أو الأسر، والتي لا يُعرف ما الغرض من ورائها، حين تُزوج بنت في ريعان شبابها من شيخٍ هَمٍ وهرم، أصبح قاب قوسين أو أدنى من مغادرة عالمه.

أليس حرام أن تُرغم فتاة على الزواج ممن هو في عمر جدها؟ ثم ما ذاك الغرض الذي يأتي من وراء هذه المُداخلات السامجة بين بعض الناس؟
سنأتي على بيان أهم الأسباب التي تجعل هذه المشكلة سائغة لدى البعض، فيسهل شربها.

أولًا: الطمع المادي
قد تُغصب البنت العذراء على هذا الزواج؛ لِمَ فيه من عوائد مالية ومصلحة مادية في الشرط والمهر المقدم لذويها، فتكون المسكينة هي الصيد المبخوس، والطُعم المحسوس، والسم المدسوس لذلك العجوز، الذي يأملون أن يموت سريعا، ثم تستحوذ ابنتهم على كل شيء، وترث كل شيء بعد فنائه.

ثانيًا: صُلح قبلي
حين تبتسم الوجوه القبلية في وجوه بعضها البعض، بعد ثأرٍ أو نزاع طويل، فتأكد أن الصُلح فيه، لن يتم إلا بتداخل بين هاتين القبيلتين أو الأسرتين، وهذه المداخلات الجارية، والعادات السارية، التي تسود عُرف بعض العشائر اليمنية إنما هي وسيلة لدفع الشر وجلب الأمان، فتكون الغاية هي الأمان من الكيد الذي قد يلحق بأي الطرفين في حالة انتهاك هذا الصلح، لذا يُقدم كبش الفداء ممن هو الطرف الغير واثق من الصلح، فيعمد لتزويج ابنته إلى شيخ القبيلة بحُجة أنه يُهدي له الجميل، وأنه مسالم، فيجهز كل شيء، ولا يقبل حتى مهرا أو شرط زواج، فيعمد إلى أجمل النساء الشابات، ويهديها لذلك الشيخ، وكأنه يعطيه هدية ثمينة وليس روح بشرية.

ثالثًا: دينٌ لمْ يقضَ
قد يتداين بعض الناس أموالًا إلى غير مُسمى، فتمر الأيام، وتحضر معها نوائب الدهر، فيُطالب أحدهم الآخر بما عنده، وتكون الظروف عاصية على المدين، فلا يدري كيف يفعل حتى يقضي ما استدانه، فيُطلب منه تقديم ابنته مقابل الدين، وتمر الليالي حالكة وهالكة عليه، فليس هناك من خيار أمامه سوى أن يوافق، وهنا تكون المصيبة في الاستغلالات العامة، والسيطرة العاطفية، فهناك من يمسك عواطف الناس، كما لو كانت زِماما في يده، ولا يقنع حتى يقع في يديه المربط والمربوط.

هل أولئك الناس حمقى؟
لماذا لا يقبلون بمن يعز ابنتهم ويكافئها سِنًا؟ لماذا يهدمون حياة بناتهم ويستخدمونها لإشباع نفوسهم؟ لماذا كل هذا الجشع والطمع الذي يجعل حالة الوأد أرحم من أن ترى الصبية العذراء نفسها مع رجلٍ يكبرها سنًا بخمسين سنة، أليس هذا من باب الظلم الاجتماعي والنفسي؟
وفي إطار موضوعنا لنا أن نعلم أنه ما زالت معظم الفتيات في مجتمعنا اليوم تُخطب وهي لا تدري، تُعطى كلمتها دون إذنها، تتفاجئ المسكينة أنها خطبت قبل أن تخلق لابن عمها أو خالها أو أيٍ كان وهي ليس لها وجود، وكلما يأتيها خاطب ردهُ أهلها، حتى تستغرب! ما بالهم يردون هذا؟ ويزجرون هذا؟ وهي لا تدري أنهُ قد قُضي الأمر في شأنها- فسكت المجتمع عن مثل هذه العادة الحمقاء! في تزويج الغصب بداعي السلطة الأسرية، والعادات والتقاليد- ولكن سالفة هذه العادة، لا نقبلها والله مطلقا، مهما كان غناء ويسار كل شيخٍ طاعنٍ في السن.

يجب أن يكون هناك توافق أو تقارب في السن بين الزوج وزوجه، وهو من باب العدل في الإسلام، وغير ذلك يعتبر ظلمًا وقسوة، خاصة لو وُجد التعارض من قبل الفتاة، وكيف لا يكون ظلمًا وهي تصبح كسلعة لا تستطيع درء شيء عن نفسها، ولا حتى أن تنأى بذاتها عن حسبها ونسبها، فلو عبرت بالرفض المطلق فقط، لشكوا في أمرها وذبحوها.
نحن في مجتمع جاهل وعقيم، طائشٍ ولئيم، يرث كل شيء من دون تفتيش، ويبعث بمصيره ومصير أبنائه.
فكيف يمكن أن نرتقي ومثل هذه العادات والمشكلات تهنش فينا نهشا، وتصنع منا نعشا، لا يحمله أو يقبله أحد.

[ISPOILER][/ISPOILER]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى