تحدثت الدنيا قاطبة عن كلمة المستشار بهاء الدين المري في قضية مقتل الطالبة نيرة أشرف، والتي ظهرت في ثوب أدبي حوى قمة البلاغة والرقي البياني أسلوبا وإلقاء.
ولست أبالغ إن قلت: إن المستشار الأديب استطاع بكلماته وفي أكثر من قضية، أن ينحرف بانشغال الناس بالجريمة كقضية رأي عام، إلى الانشغال بروعة الأديب التي امتلأت بالعظة والعبرة والخطاب الملهب لنفوس المجرمين.
المري اليوم وحيد في ميدانه الأدبي، بل يعد الفارس اللوذعي في ساحة الأدب القضائي، والذي افتقدناه منذ زمن كبير وعقود طويلة في مؤلفات وكيل النيابة الأديب الكبير توفيق الحكيم.
ولعلي قد أتيح لي مؤخرا التعرف على المري بدقة، من هو وكيف حاله وما أمره وما عمقه الأدبي وتكوينه الثقافي واللغوي، حينما شاركنا في كتابنا الأخير (رحلة التكوين في حياة المبدعين) وكان الفضل للكاتبة الصديقة والأخت القريبة غادة صلاح الدين فرأيت رحلة ثرية ومليئة بشاب ناهض عشق الأدب رغم اختلاف عمله فيما بعد عن صنعته، لكنه كان ناجحًا ومتفوقا حينما استطاع أن يستثمر هذه المهنة في خدمة الأدب، أو بصورة أخرى خدمة المهنة بحلية الأدب، مما ظهر تفرده وتميزه، وكان واجهة مشرفة لمصر في نمطها القضائي.
يقولون: إن المري يخيف المحامين، حينما يترافعون أمامه، فيصحح لهم أخطاءهم اللغوية، وهذا شيء مبهر يداوي جرحي القديم، حينما كنت أعمل في المملكة العربية السعودية، وكانت وقتها محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكان القاضي وقتها في قمة الانحدار اللغوي، مما سبب لنا أزمة محرجة، وفضيحة مدوية لمصر والمصريين، لقد كان القاضي يخطئ في أبسط الكلمات التعبيرية والبناء اللغوي، وكان فريسة للكتاب السعوديين الذين نهشوا لحمنا وشمتوا فينا، في أكثر من مقال وأكثر من صحيفة، من باب السخرية والاستهزاء، كنت أتابعها بألم في وكمد وضيق وحزن، ونسي كثير من هؤلاء الكتاب أنها حالة فردية، وأن من علمهم اللغة في مدارسهم معلمون مصريون.
ليظل بهاء الدين المري واجهة مشرفة للقضاء المصري والأدب القضائي.
المري الذي تفخر الدنيا به اليوم، ويتحاكى بأمره القاصي والداني، لابد لنا أن نذكر العلمانيين واليساريين بنقطة رهيبة وكبيرة ودقيقة في حياته، فهذا النموذج المشرف سليل أسرة أزهرية أبا عن جد، ليؤول بنا إلى نتيجة مهمة وهي أن هذا هو النمط الذي ينتجه ويخرجه الأزهر لو كانوا يفقهون وينصفون، لكن حقدهم اليوم الذي يهدر على الأزهر هو في حقيقته حقد على الإسلام نفسه، حينما يرددون بأفواههم الكريهة: أن الأزهر مصنع الإرهاب ومناهجه منبت الانحراف والتطرف.. لكن نشأة القاضي الأديب الذي نتباهى به، جاءت ضربة قاصمة لأمثال هؤلاء الرعاع، حينما نبتت عقليته ومواهبه في بيت أزهري.
أعطى بهاء الدين المري درسا مهما لأدباء الجيل، وكأنه يلومهم أو يعاتبهم، حينما أعلن أن تلك المكتبة التي امتلكها بيتهم لوالده وجده الأزهريين، كانت تعج بكتب التراث، وهي التي جذبته بقوة وفتن بها وصارت هواه، ومن هنا كان أثر التراث في تكوين ذائقة بهاء الدين المري الأدبية، ليخرج بهذه الصورة الوضاءة للأديب النابغة، وهي رحلة التكوين الثقافي التي تصفع أدباء لا يعرفون اليوم عن تراثهم شيئا، ولم يقرؤوا فيه حرفا، وكانت كل عنايتهم بكتب الغربيين ورواياتهم.
قدم لنا معالي المستشار دروسا تربوية قوية من خلال حكايته عن رحلته المعرفية، حينما رأت والدته شغفه بالقراءة، فاهتمت به وشجعته ودفعته دفعا لمعارض الكتاب وشراء الكتب، فهل يمكن لكل أم ترى في ولدها بصيصا من هذه الآمال لتشجعه وتحفزه عله يكون اليوم مثل هذه القامة القضائية كما فعلت والدة المري؟!.
الأدب وحده هو من دعانا اليوم أن نتحدث عن المري، وليس القضاء، وإن كان القضاء له الفضل في إبراز هذه الموهبة الأدبية، لكن الأدب له قصب السبق في تسجيل هذه التجربة الأدبية القضائية.
كان القضاء وعالم الجريمة في الباب الذي استطاع أديبنا أن يسلك فيه مسالكه ، فبحكم وظيفته في النيابة والتحقيق، عرضت عليه عشرات القضايا والجرائم والجنايات، التي دفعه غرامه الأدبي أن يسجلها ويروي قصصها، لكنه لم يكن مجرد راو وراصد للأحداث، وإنما كانت له تأملاته التي دعته أن يطعم أدبياته بالتأمل الكبير في أسرار النفس وأحوال البشر وظروف الحياة التي جعلته متقلبا في مشاعره بين التأمل والتألم والوعي والتدبر والضحك أحيانا والسخرية، بل دعته هذه الأدوات أن يظهر بالهيئة المطلوبة للأديب الحاذف في فنه.
ولكونه اليوم مستشارا كبيرا، إلا أن أدبه لم يفرض نفسه بقوه عن طريق الموهبة القابعة، فلولا المعارف ولولا المتأملون لقدرات الموهوبين لما استطعنا التعرف على مثل هذا الأديب المرموق.. وهي الفرصة التي يتوق إليها كثير من المبدعين وتنقصهم المعرفة ليعرف الناس أدبهم الحبيس.
القيم في حياة القاضي الأديب شيء واضح في كلماته ومؤلفاته، فلازلنا إلى اليوم نذكر حينما قال لقاتل صهره حرقا بالمنصورة: «فكرت بالقتل وأنت تقرأ القرآن». القرآن إذن منبع الهداية والاستقامة، فهو ليس أديبا على هذا النمط المنحل المنحرف المعادي للقيم والثوابت الدينية، التي حاول بعضهم وفي حقبة من الزمن، ومن بقاياهم المتعفنة إلى اليوم، أن يوهمونا أن التمرد على القيم والثوابت أساس الفكر والإبداع، وكلما كنت ملحدا أو منكرا كلما كنت متنورا ومفكرا عظيما، ثم ما لبس أن دفعه هواه القيمي، أن يقدم لهم صفعة أخرى حينما كتب كتابه التاريخي: «القضاء في الإسلام».
وأنا لا أعرف إلى اليوم وقد تركت المملكة العربية السعودية منذ سنتين، هل علم كتاب جرائدها بأمر القاضي الأديب؟ وهل كتبوا عنه شيئا مما أبهر الناس من سمو اللغة والتعبير ؟ أم أنهم كالذباب لا يحوم إلا حول القذى، أو كالمغرض الذي لا يولع إلا بالتقاط الشبهات والنقائص؟!
تحية لمعالي المستشار وتشرفت بصداقتكم الغالية.
ولا أخفيك سرًا فأنا أكتب الآن وأخشى أن تصحح لي خطأ لغويًا أرجو أن تعذرني فيه
ولست أبالغ إن قلت: إن المستشار الأديب استطاع بكلماته وفي أكثر من قضية، أن ينحرف بانشغال الناس بالجريمة كقضية رأي عام، إلى الانشغال بروعة الأديب التي امتلأت بالعظة والعبرة والخطاب الملهب لنفوس المجرمين.
المري اليوم وحيد في ميدانه الأدبي، بل يعد الفارس اللوذعي في ساحة الأدب القضائي، والذي افتقدناه منذ زمن كبير وعقود طويلة في مؤلفات وكيل النيابة الأديب الكبير توفيق الحكيم.
ولعلي قد أتيح لي مؤخرا التعرف على المري بدقة، من هو وكيف حاله وما أمره وما عمقه الأدبي وتكوينه الثقافي واللغوي، حينما شاركنا في كتابنا الأخير (رحلة التكوين في حياة المبدعين) وكان الفضل للكاتبة الصديقة والأخت القريبة غادة صلاح الدين فرأيت رحلة ثرية ومليئة بشاب ناهض عشق الأدب رغم اختلاف عمله فيما بعد عن صنعته، لكنه كان ناجحًا ومتفوقا حينما استطاع أن يستثمر هذه المهنة في خدمة الأدب، أو بصورة أخرى خدمة المهنة بحلية الأدب، مما ظهر تفرده وتميزه، وكان واجهة مشرفة لمصر في نمطها القضائي.
يقولون: إن المري يخيف المحامين، حينما يترافعون أمامه، فيصحح لهم أخطاءهم اللغوية، وهذا شيء مبهر يداوي جرحي القديم، حينما كنت أعمل في المملكة العربية السعودية، وكانت وقتها محاكمة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وكان القاضي وقتها في قمة الانحدار اللغوي، مما سبب لنا أزمة محرجة، وفضيحة مدوية لمصر والمصريين، لقد كان القاضي يخطئ في أبسط الكلمات التعبيرية والبناء اللغوي، وكان فريسة للكتاب السعوديين الذين نهشوا لحمنا وشمتوا فينا، في أكثر من مقال وأكثر من صحيفة، من باب السخرية والاستهزاء، كنت أتابعها بألم في وكمد وضيق وحزن، ونسي كثير من هؤلاء الكتاب أنها حالة فردية، وأن من علمهم اللغة في مدارسهم معلمون مصريون.
ليظل بهاء الدين المري واجهة مشرفة للقضاء المصري والأدب القضائي.
المري الذي تفخر الدنيا به اليوم، ويتحاكى بأمره القاصي والداني، لابد لنا أن نذكر العلمانيين واليساريين بنقطة رهيبة وكبيرة ودقيقة في حياته، فهذا النموذج المشرف سليل أسرة أزهرية أبا عن جد، ليؤول بنا إلى نتيجة مهمة وهي أن هذا هو النمط الذي ينتجه ويخرجه الأزهر لو كانوا يفقهون وينصفون، لكن حقدهم اليوم الذي يهدر على الأزهر هو في حقيقته حقد على الإسلام نفسه، حينما يرددون بأفواههم الكريهة: أن الأزهر مصنع الإرهاب ومناهجه منبت الانحراف والتطرف.. لكن نشأة القاضي الأديب الذي نتباهى به، جاءت ضربة قاصمة لأمثال هؤلاء الرعاع، حينما نبتت عقليته ومواهبه في بيت أزهري.
أعطى بهاء الدين المري درسا مهما لأدباء الجيل، وكأنه يلومهم أو يعاتبهم، حينما أعلن أن تلك المكتبة التي امتلكها بيتهم لوالده وجده الأزهريين، كانت تعج بكتب التراث، وهي التي جذبته بقوة وفتن بها وصارت هواه، ومن هنا كان أثر التراث في تكوين ذائقة بهاء الدين المري الأدبية، ليخرج بهذه الصورة الوضاءة للأديب النابغة، وهي رحلة التكوين الثقافي التي تصفع أدباء لا يعرفون اليوم عن تراثهم شيئا، ولم يقرؤوا فيه حرفا، وكانت كل عنايتهم بكتب الغربيين ورواياتهم.
قدم لنا معالي المستشار دروسا تربوية قوية من خلال حكايته عن رحلته المعرفية، حينما رأت والدته شغفه بالقراءة، فاهتمت به وشجعته ودفعته دفعا لمعارض الكتاب وشراء الكتب، فهل يمكن لكل أم ترى في ولدها بصيصا من هذه الآمال لتشجعه وتحفزه عله يكون اليوم مثل هذه القامة القضائية كما فعلت والدة المري؟!.
الأدب وحده هو من دعانا اليوم أن نتحدث عن المري، وليس القضاء، وإن كان القضاء له الفضل في إبراز هذه الموهبة الأدبية، لكن الأدب له قصب السبق في تسجيل هذه التجربة الأدبية القضائية.
كان القضاء وعالم الجريمة في الباب الذي استطاع أديبنا أن يسلك فيه مسالكه ، فبحكم وظيفته في النيابة والتحقيق، عرضت عليه عشرات القضايا والجرائم والجنايات، التي دفعه غرامه الأدبي أن يسجلها ويروي قصصها، لكنه لم يكن مجرد راو وراصد للأحداث، وإنما كانت له تأملاته التي دعته أن يطعم أدبياته بالتأمل الكبير في أسرار النفس وأحوال البشر وظروف الحياة التي جعلته متقلبا في مشاعره بين التأمل والتألم والوعي والتدبر والضحك أحيانا والسخرية، بل دعته هذه الأدوات أن يظهر بالهيئة المطلوبة للأديب الحاذف في فنه.
ولكونه اليوم مستشارا كبيرا، إلا أن أدبه لم يفرض نفسه بقوه عن طريق الموهبة القابعة، فلولا المعارف ولولا المتأملون لقدرات الموهوبين لما استطعنا التعرف على مثل هذا الأديب المرموق.. وهي الفرصة التي يتوق إليها كثير من المبدعين وتنقصهم المعرفة ليعرف الناس أدبهم الحبيس.
القيم في حياة القاضي الأديب شيء واضح في كلماته ومؤلفاته، فلازلنا إلى اليوم نذكر حينما قال لقاتل صهره حرقا بالمنصورة: «فكرت بالقتل وأنت تقرأ القرآن». القرآن إذن منبع الهداية والاستقامة، فهو ليس أديبا على هذا النمط المنحل المنحرف المعادي للقيم والثوابت الدينية، التي حاول بعضهم وفي حقبة من الزمن، ومن بقاياهم المتعفنة إلى اليوم، أن يوهمونا أن التمرد على القيم والثوابت أساس الفكر والإبداع، وكلما كنت ملحدا أو منكرا كلما كنت متنورا ومفكرا عظيما، ثم ما لبس أن دفعه هواه القيمي، أن يقدم لهم صفعة أخرى حينما كتب كتابه التاريخي: «القضاء في الإسلام».
وأنا لا أعرف إلى اليوم وقد تركت المملكة العربية السعودية منذ سنتين، هل علم كتاب جرائدها بأمر القاضي الأديب؟ وهل كتبوا عنه شيئا مما أبهر الناس من سمو اللغة والتعبير ؟ أم أنهم كالذباب لا يحوم إلا حول القذى، أو كالمغرض الذي لا يولع إلا بالتقاط الشبهات والنقائص؟!
تحية لمعالي المستشار وتشرفت بصداقتكم الغالية.
ولا أخفيك سرًا فأنا أكتب الآن وأخشى أن تصحح لي خطأ لغويًا أرجو أن تعذرني فيه