د. معاذ الروبي - الصمت الانتقائي

الصمت الانتقائي (Selective mutism) هو اضطراب القلق الذي لا يستطيع فيه الفرد التحدث في مواقف اجتماعية معينة، لكنه يكون قادراً على التحدث والتفاعل في أوقات ومناسبات أخرى. عادة ما يتم التعرف على هذا الاضطراب وتشخيصه لأول مرة عندما يكون عمر الطفل بين سن ثلاث إلى ثماني سنوات ولكن يمكن أن يحدث أيضاً عند البالغين. الصمت الانتقائي يرتبط كثيراً بالقلق، والأطفال الذين يصابون به يعيشون صراعاً كبيراً مع العديد من المخاوف المفرطة والغير مبررة. إنهم قادرون عمومًا على التحدث بحرية حيث يشعرون بالراحة ولكنهم يكونون غير قادرين على التحدث في مواقف معينة، وعندما لا يتفاعلون يُلاحظ عليهم السكون أو تختفي لديهم تعبيرات الوجه ويصمتون عندما يُتوقع منهم التحدث. عدم القدرة على الكلام هذا لا يكون نتيجة قرار واعٍ اتخذوه أو رفض بقرار من أنفسهم. الأطفال الذين يعانون من الصمت الانتقائي "يتجمدون" حرفيًا في المواقف التي يُتوقع فيها منهم التحدث، ولا يقوموا بالتواصل البصري إلا بنسبة قليلة أو معدومة. هذه الحالة تكون أكثر شيوعًا عند الأطفال الذين يتعلمون لغة ثانية. يسمى هذا الاضطراب أيضاً بالتباكم أو الخرس الانتقائي.

يمكن أن ينجم الخرس لدى الطفل عن تجربة مرهقة ومريرة، أو يكون بسبب اضطراب خاص بالكلام أو اللغة، أو مشكلة عضوية جسدية في السمع، هذا يجعل المواقف الاجتماعية التي تنطوي على التواصل وتتطلب الحديث مرهقة وصعبة. في كل الأحوال يجب أن يتحقق الطبيب من كل الأسباب المحتملة قبل أن يصل إلى التشخيص النهائي. لكن مهما كان سبب ذلك، فالنتيجة هي أن الأنشطة اليومية للطفل تصبح أكثر تعقيداً، وكذلك العلاقات داخل الأسرة أو المدرسة. يمكن أن يحد علاج الحالة المصابة من استمرارها حتى مرحلة البلوغ، لذا فكلما كان الطفل أصغر سنًا عند تشخيصه، كان العلاج أسهل وأكثر فعالية.

عندما تظهر الأعراض وتستمر لأكثر من شهر، يجب أن يقوم طبيب عام بفحص الطفل، والذي يمكنه بعدها إحالة الطفل إلى متخصص في علاج النطق واللغة. هذا المتخصص يتحقق ويسأل ما إذا كان هناك تاريخ من اضطرابات القلق، أو ضغوط محتملة، أو مشكلة في السمع. إذا تم استثناء الأسباب العضوية المسببة للصمت أو الخرس، بعدها يتم التقييم للتأكد من وجود هذا الاضطراب وتشخيصه من قبل أخصائي أو طبيب نفسي.

العلاج يعتمد على طول مدة المشكلة ومعاناة الطفل من هذه الحالة، وما إذا كان هناك صعوبات في التعلم، كذلك على شدة القلق ووجود دعم أسري متاح أم لا. بشكل عام، تشمل المعالجة العلاج السلوكي المعرفي الذي يستخدم تقنيات التعزيزات الإيجابية والسلبية لبناء مهارات الكلام واللغة؛ أيضاً التعرض المتدرج لمواقف محددة لتقليل القلق وإزالة الضغط على الطفل لتشجيعه على التحدث. من ناحية أخرى يمكن أن يساهم الدعم والتثقيف النفسي بالمعلومات للآباء ومقدمي الرعاية في تخفيف حدة القلق، ويقلل من فرص استمرار وطول مدة الاضطراب وأعراضه.


د. معاذ الروبي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى