لماذا تحدث الحرب؟ وهل من سبيل للتخلص من أهوالها؟ تقدم لكم هذه الورقة البحثية أصل الحرب وفصلها.
"وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم"، زهير بن أبي سلمى.
بدت الحرب كشيء طبيعي ملازم للمجتمعات بمثابة "شر" لا مهرب منه، فلم يرد ذكرها في حديث النهايات المتواتر (نهاية التاريخ، الجغرافيا، السيّادة...ألخ). وانحصر النقاش في تبدل طبيعتها في ظل سيطرة التقانة ومجتمع المعلوماتية، ورافق كل موجة حضارية شكل معين من أشكال الحروب الخاصة بها.
وقد ظن الغرب أنه بترتيباته الدولية وتقسيمه للعمل بعد حربين عالميتين كبريين (1914 و1939) قد وضع الحرب خلف ظهره، غير أنه في 24 شباط/فبراير من العام 2022، مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا و"الحرب في أوكرانيا" في مسمى آخر وتداعياتها، عاد العالم ليرى مشاهد ظن أنه وضعها طيّ الذاكرة. وتبيّن ألا سلام مع نظام هيمنة عولمي تقوده واشنطن، وأن البديل لن يولد إلا مع الآلام والدم والدموع. وفي ما يلي، نظر في ما كتبه الفلاسفة وغيرهم في أصل فكرة الحرب والسلام.
خطاب الحرب في العالم القديم
عاش العالم القديم وتشكلت ممالكه وحدوده على وقع طبول الحرب، بحيث انعكس ذلك في الآداب والأفكار، إذ عُدّت الحرب شيئاً طبيعياً، والمطلوب حسن إدارتها وتزيينها للعقول فحسب. ولعل أقدم نص عسكري وصل إلينا هو كتاب الصيني سون تزو (Sun Tzu) "فن الحرب" من القرن الخامس قبل الميلاد (551 ق.م - 496 ق.م)، وقد وضع نصه بناء على طلب من الملك، وعُيّن قائداً أعلى لجيش مملكة وو، وشهد الحروب بين أكثر من 130 مملكة صغيرة، تحولت إلى 5 ممالك قوية تتنازع السلطة. والغاية الرئيسة هي مصلحة الدولة، والنص "لا يُركز على تحقيق النصر وحسب، بل أيضاً على تجنب الهزيمة وتقليل وتفادي الخسائر بأكبر قدر ممكن، وكيف يمكن تحقيق النصر مع تجنب القتال إذا كان ذلك ممكناً"[1].
وفي العالم اليوناني القديم الصاخب بقرقعة السيوف والنزالات والكرّ والفرّ بين الإغريق أنفسهم وبينهم وبين الفرس، جرى التعامل مع الحرب في صفة كونها من الأمور الإعتيادية، حتى لا نقول من طبائع الأشياء.
دافع اليوناني هيراقليطس (535 ق. م - 470 ق. م)، فيلسوف الصيرورة والتغيّر، عن فكرة اللوغوس (Logos) أو "قانون الفكر" وعدّه قانون العالم، إذ هو "ملكة المعرفة والتفكير، والكاشف عن الضرورة في العالم، والرابطة الموحِدة، لأن الضرورة ليست إلا ترابط الأشياء وفق علل وأسباب"[2].
وكما يعبر هيراقليطس: "إن ما يتصف بالحكمة أمر واحد، هو تفهم الغرض الذي يوجه الأشياء جميعاً ويسيّرها من خلال الأشياء جميعاً" (الشذرة رقم 41). لذا، دعا الناس إلى القتال من أجله "كما لو كانوا يقاتلون دفاعاً عن أسوار مدينتهم" (الشذرة رقم 44). وهذا العقل عقل مقاتل في سبيل تأسيس كيانه وكيان العالم، باعتبار الحرب سيّدة الأشياء جميعاً، والحرب هذه تعني وجود الأضداد المحكومة بالصراع، وهدفها الوصول إلى الحب أو "التناغم"، والجدل في هذا التناغم كونه قائماً على الحركة والصراع، لا السكينة والهدوء، ويعبر الأثيني عن ذلك: "يجب على الإنسان أن يعرف أن الحرب عامة والشريعة هي النزاع، وكل شيء يبرز إلى حيّز الوجود من طريق النزاع والضرورة" (الشذرة رقم 80)، وثمة من فسّر هذا الكلام في عبارة "إنه في الحرب يكون السلام"[3].
حاول الباحث الفرنسي فيليب ديلماس الإجابة عن سؤال: كيف الوصول إلى السلم كبداية ومن ثم السلام الدائم، ومن يضمنه؟ وفي عرف ديلماس أن الدول وخلال عقود من الزمن اخترعت ما يطلق عليه "النظام"، وهو لا يساوي مطلقاً السلام، ولكنه يحدد أسباب نشوب الحرب: السيادة، الحدود، المصالح الحيوية، والتوازنات التي غالباً ما تكون هشة. وقوة بلد ما تقاس بقدرته في الإسهام بتحديد النظام حتى تكون مصالحه موضوعة في الحسبان، بمعنى الإعتراف بأهميته في نظر البلدان الأخرى، وهذا النمط من التنظيم يؤمن الإستقرار أكثر منه السلام.
ويريد فيلسوف التغيّر والصراع للإنسان أن يكون يقظاً: "لأنه لا يجب أن نتصرف ولا يجب أن نتكلم مثل النائمين" (الشذرة رقم 73). وحربه هي ضد هذه الفئة من البشر الغارقة في ذاتية مغلقة وفي نزعة لا عقلية، وبالتالي لا بد من قتالهم، ويقول هيراقليطس: "الحرب هي ملك الجميع وأب الجميع، ولقد أظهرت البعض على أنهم آلهة وأظهرت البعض الآخر على أنهم بشر، لقد جعلت من البعض عبيداً، والبعض الآخر أحراراً" (الشذرة رقم 53). وإذ يمجّد المعركة فإنه يرى: "نفوس الناس الذين يستشهدون في المعركة أكثر نقاءً من نفوس من يموتون من المرض" (الشذرة رقم 136)، فالسير في طريق الحرب يكسب المرء نفساً أصيلة كلية وتساهم في القضاء على النفس المتشيئة. ومن يخر صريعاً في المعركة، في العالم الآخر: "هنالك تنتظر الناس الذين ماتوا أشياء لم تكن تخطر على بال" (الشذرة رقم 27)، وأولئك الذين خاضوا الحرب "رفعوا برقع التحجب وظهروا من الخفاء فتولدت الحقيقة وانبثق العقل الكلي من أعماق الظلام، وفي هذه المشاهدة يرون ما لا عين رأته من قبل ولا خطر ببال أحد"، كما يشرح الباحث المصري مجاهد[4] .
ورغم أن الدراسة لا تهتم في شكل أساس بموقف الدين من الحرب، إلا أنه من الضروري ذكر أن المسيحية التي تبشر بالكلمة والمحبة عرفت منعطفاً جذرياً مع الأمبراطور قسطنطين (272 - 337 م)، المتحوّل إلى المسيحية (حكم روما بين الأعوام 306 م و337)، إذ "صارت الحرب القذرة، والصراع العسكري الدنيوي على السلطة جهاداً، وحرباً مقدسة، ومواجهة بين الخير والشر، والحق والباطل، ما سيلازم المسيحية قروناً طوال وعبر تاريخها. تحول الصليب من رمز لفداء سلامي إلى راية حرب دموية وشعار لها"[5]، كما يقول لويس صليبا، ويعتبر أن تحول روما من الوثنية إلى المسيحية لم يكن سلمياً، بل توسل العنف "وفيه خرجت الكنيسة من جلدها وتراثها الإنجيلي"[6].
خطاب الحرب في العالم الإسلامي الوسيط
انشغل العالم الوسيط بالحرب فعانت المنطقة العربية الإسلامية كما سائر بقاع الأرض من صراعات الإمبراطوريات والممالك، بحيث انعكس في مهام الحكام، وتجلى ذلك في الأدب الفلسفي والسياسي، ونسب الحرب إلى أسباب وعلل، وأحياناً إلى نوازع خاصة بالنفس البشرية.
وسنأخذ أبي نصر الفارابي (874 - 950 م)، المعلم الثاني، دليلاً لنا، وهو من عاش زمناً مضطرباً ومتقلقلاً. ففي مدينته الفاضلة يفصل القول في خصال رئيسها "الرئيس الأول" الواجب أن تجتمع فيه 12 خصلة، وهو أمر عسير، بحسب الفارابي. ويشترط في الرئيس الثاني 6 شرائط: أن يكون حكيماً وعالماً حافظاً للشرائع والسنن، وأن تكون له جودة استنباط وجودة رؤية، وأن تكون له "جودة إرشاد بالقول إلى شرائع الأولين"، والشرط السادس: "أن تكون له جودة ثبات ببدنه في أعمال الحرب، ذلك أن تكون معه الصناعة الحربية الخادمة والرئيسة"[7].
وفي نصه "فصول منتزعة" يجعل المدينة الفاضلة في 5 أجزاء: الحكماء ثم حملة الدين، ثم المهندسون والأطباء و"المجاهدون، هم المقاتلة والحفظة ومن جرى مجراهم وعُد فيهم"، وأخيراً مكتسبو الأموال[8]. وهنا عد الرئيس الأول من تجتمع فيه 6 شرائط أهمها: "القدرة على الجهاد ببدنه. وألا يكون في بدنه شيء يعوقه عن مزاولة الأشياء الجهادية"[9].
ويشرح الفارابي بواعث الحرب، فهي إما تكون "لدفع عدو ورد المدينة من خارج، وإما لاكتساب خير تستأهله المدينة ممن في يده ذلك"، وهذان الشرطان هما للحرب التي تحتمل تبريراً وشرعية ما، ويحذر من نمط آخر من الحرب يسميها "حرب جور"، وذلك حين يشنها الحاكم بغرض أن ينقاد الآخرون له وأن يكونوا طوع بنانه، وكذلك إن حارب للغلبة و"لشفاء غيظ"[10].
بدوره خصص عبد الرحمن إبن خلدون (1332 - 1406 م)، صاحب علم العمران، المتأثر بالفارابي، في مقدمته الشهيرة فصلاً للحرب حمل عنوان "في الحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها"، وبعد أن عدها أمراً طبيعياً في البشر موجوداً عند "كل أمة وكل جيل"، حاول فهم بواعثها وهي عنده "إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب لله ولدينه، وإما غضب للملك"[11]، وفي تفصيل ذلك: الدافع الأول: غيرة ومنافسة، وهذا يجري بين القبائل المتجاورة والعشائر المتناظرة. والدافع الثاني: عدوان، وهذا يقوم في الغالب بين الأمم الوحشية الساكنة بالقفر، ويسمي إبن خلدون هذه الأمم الوحشية بأسمائها، وهم: "العرب والترك والتركمان والأكراد وأشباههم، إذ عصبية هؤلاء أنهم جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم في ما بأيدي غيرهم، ومن دافعهم عن متاعه آذنوه بالحرب، ولا بغية لهم في ما وراء ذلك من رتبة ولا ملك وانما همهم ونصب أعينهم غلب الناس على ما في أيديهم". والدافع الثالث: هو المسمى في الشريعة بالجهاد. والرابع : هو حروب الدول مع الخارجين عليها والمانعين لطاعتها. ويعتبر إبن خلدون الصنفين الأولين من الحرب "حروب بغي وفتنة"، والصنفان الأخيران" حروب جهاد وعدل". ويرى إن الحروب على نوعين إما بالزحف صفوفاً وإما بالكر والفر.[12].
في نظر الفارابي فإن بواعث الحرب إما تكون "لدفع عدو ورد المدينة من خارج، وإما لاكتساب خير تستأهله المدينة ممن في يده ذلك"، وهذان الشرطان هما للحرب التي تحتمل تبريراً وشرعية ما، ويحذر من نمط آخر من الحرب يسميها "حرب جور"، وذلك حين يشنها الحاكم بغرض أن ينقاد الآخرون له وأن يكونوا طوع بنانه، وكذلك إن حارب للغلبة و"لشفاء غيظ".
ويشرح إبن خلدون أسباب الظفر فيجعلها على نوعين، أسباب خفية وأخرى ظاهرة.
أولاً: في الأسباب الخفية سنجد أن إبن خلدون يُعلي من شأن السببية الطبيعية في العلاقات الإنسانية وبخاصة الحرب، وتتوزع هذه الأسباب عنده على قسمين، هما:
البخت والاتفاق: ومقصد إبن خلدون في البخت والاتفاق ليس هو مقصد العامة من الناس فيه، بل يعني حصول الظفر بالحرب بأسباب نجهلها نحن، : "أمور سماوية لا قدرة للبشر على اكتسابها، تُلقى في القلوب فيستولي الرهب عليهم لأجلها، فتختل مراكزهم وتقع الهزيمة"، وفي هذا المجال ينسب إبن خلدون حديثاً للرسول يقول فيه "إن الحرب خدعة"[13]. ومصاديقه ما حدث للمسلمين في بداية الدعوة الإسلامية وما حدث لهم لاحقاً في صدر الإسلام من فتوحات للبلدان المجاورة ( العراق والشام ومصر وبلاد فارس).
الأسباب الطبيعية: ومن الأسباب الخفية الأخرى ما يقع تحت مسمى الطبيعي السببي، فإبن خلدون من القائلين بها في تفسيره لقيام الحضارات والعمران البشري وانهيارها، لأن الإنسان عنده إبن عوائده ومألوفه لا إبن طبيعته ومزاجه على حد قوله، ومن الأسباب الطبيعية في الظفر بالحرب: استعمال الحيل والخداع في الحرب، والشهرة والسمعة والصيت والدعاية والتأثير النفسي الذي يولد الخوف والفزع والرعب وغير ذلك، أي أنها أسباب تتعلق بمعنويات العدو، ويعزو إبن خلدون إلى هذا النوع من الأسباب أهميته في تقرير الظفر والغلبة في الحرب، حتى أنه ليجعلها تفوق في التأثير الأسباب الظاهرة .[14]
ثانياً: الأسباب الظاهرة: ويعزوها إلى حال العصبية، "وهي أن تكون في أحد الجانبين عصبية واحدة جامعة لكلهم، في مقابل مجموعة ذات عصائب متفرقة متعددة"[15]، وهذه الأخيرة يقع بينها التخاذل والجبن والخوف[16].
الحرب في منظار السياسة الشرعية
يؤكد ما ذهب إليه إبن خلدون وغيره في كون الحرب في كل زمان ومكان، ما يمكن استخلاصه من كتب السياسة الشرعية ومن كتب الفقه الإسلامي. ففي قراءة لامعة لكتاب "الخراج" للقاضي الحنفي الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (المتوفى عام 182 هـ – 731 م) الموجه للخليفة العباسي هارون الرشيد (763 أو 766 - 809 م)، ينقل المفكر اللبناني وضاح شرارة عنه قوله إن نظام الأمة يقوم بأمرين متلازمين هما: الحرب (مصدر الغنم) والمراتب (قواعد تقسيم الغنم)، وفي رصد الفقيه لتاريخ الأمة منذ تأسيسها الى يومه "من زاوية هذين الأمرين ومن زاوية علاقاتهما المعقدة في آن"، يجد شرارة إن التاريخ هو "تاريخ حرب أو تاريخ استقرار تولد من الحرب وتبلور مراتب وطبقات تسوس ثمار الحرب وريعها (...) فصيرورة الأمة أمة تتلازم مع مصائرها في القتال"[17]، ويضيف أن استواء الجماعة تم حين نقلت الحرب من الداخل إلى الخارج أي "إلى مصدر الخراج"[18]، ومسعى القاضي وفاقاً للباحث هو "الإحاطة بنظام الجماعة من زاوية الحرب وبما هي سر هذا النظام ومرجعه"[19]. وخلاصة القول إن "الخراج" أتى بمثابة عاقبة سياسية "واقتصادية للغلبة التي تمخضت عنها الحرب"[20].
وقد وجدت أفكار إبن خلدون صداها في "النوازل" (وثمرتها "فقه النوازل") [21] التي وقعت في بلاد المسلمين استعماراً واحتلالات، ما حتم تجديداً في السياسة الشرعية، وهذا ما بادر إليه العلامة محمد بن عبد القادر الكردودي (توفى عام 1851م) في نصه "كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على هذه الأمة"[22]، الذي كتبه بعد الهزيمة المدوية التي لحقت الجيش المغربي في معركة إيسلي في العام 1844 عقب الاستعمار الفرنسي للجزائر، وما تلا ذلك من تداعيات على المغرب طاولت مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
كان على الفقهاء المسلمين حسم أمر دينهم، هل هو دين حرب أم سلم؟ فالوقائع بليغة والنص يتأرجح بين الإثنين، ومن المحاولات الحديثة المبكرة لتعيين شكل العلاقة مع الآخرين في العالم المعاصر، دراسة المصري محمد أبو زهرة، الذي اعتبر أن "الأصل في العلاقات هو السلم"، ويشرح استناداً إلى تجربة الدعوة أن الحرب تأتي كضرورة في حال الإعتداء على الدولة الإسلامية فعلاً أو بفتنة المسلمين عن دينهم، وعندها تكون الحرب "ضرورة أوجبها قانون الدفاع عن النفس وعن العقيدة وعن الحرية الدينية"، فالقرآن الكريم دعا إلى السلم عامة.
ويعد من الكتابات التي أرّخت لتلك الفترة الحرجة من تاريخ المغرب المعاصر، والتي سعت إلى طرح الحلول لتجاوز أزمة ضعف الجيش المغربي حينئذ، من خلال الدعوة إلى إحداث جيش نظامي يقاتل بنفس طريقة الجيش الأوروبي. وتحدث عن نظام الحرب وعن وسائل الدفاع وعمّا يجب أن يتسلح به الجيش المغربي ليكون في المستوى المرغوب فيه، وقد ذاع صيت هذا الكتاب ولا سيّما عند أصحاب حركات الإصلاح فاقتبسوا منه ما يلائم أغراضهم، والنص بمثابة دعوة للجهاد دفاعاً عن بيضة الإسلام، ونداء صريح لمناهضة الغزو الفرنسي والتصدي له.
وكان على الفقهاء المسلمين حسم أمر دينهم، هل هو دين حرب أم سلم؟ فالوقائع بليغة والنص يتأرجح بين الإثنين، ومن المحاولات الحديثة المبكرة لتعيين شكل العلاقة مع الآخرين في العالم المعاصر، دراسة المصري محمد أبو زهرة، الذي اعتبر أن "الأصل في العلاقات هو السلم"[23] ويشرح استناداً إلى تجربة الدعوة أن الحرب تأتي كضرورة في حال الإعتداء على الدولة الإسلامية فعلاً أو بفتنة المسلمين عن دينهم، وعندها تكون الحرب "ضرورة أوجبها قانون الدفاع عن النفس وعن العقيدة وعن الحرية الدينية"، فالقرآن الكريم دعا إلى السلم عامة[24].
بيد أن ذلك لم يمنع بعض الفقهاء من القول إن الأصل في العلاقة هي الحرب اعتماداً على الواقع لا من أصل النصوص، لكن أكثر الفقهاء يجمعون على "أن دار المخالفين تسمى دار حرب، لأنها فعلاً كانت في عصر الإجتهاد الفقهي دار حرب، بسبب تلك الإعتداءات المتكررة من الأعداء والمدافعة المستمرة من المسلمين"[25]، وعينوا لهذه الدار أوصافها، وقرروا أن بين دار الإسلام ودار الحرب داراً وسطاً تسمى دار العهد [26].
من الضروري ذكر أن المسيحية التي تبشر بالكلمة والمحبة عرفت منعطفاً جذرياً مع الأمبراطور قسطنطين (272 - 337 م)، المتحوّل إلى المسيحية، إذ "صارت الحرب القذرة، والصراع العسكري الدنيوي على السلطة جهاداً، وحرباً مقدسة، ومواجهة بين الخير والشر، والحق والباطل، ما سيلازم المسيحية قروناً طوال وعبر تاريخها. تحول الصليب من رمز لفداء سلامي إلى راية حرب دموية وشعار لها"، كما يقول لويس صليبا، ويعتبر أن تحول روما من الوثنية إلى المسيحية لم يكن سلمياً، بل توسل العنف "وفيه خرجت الكنيسة من جلدها وتراثها الإنجيلي".
وأعاد عدنان السيّد حسين التوكيد على فكرة السلم، وبيّن الفروق بين الحرب وبين الجهاد، وبين الجهاد والمقاومة والإرهاب، وفصّل القول في قواعد الحرب ودوافعها ومن ثم قواعد السلام. ويعتبر أن التقسيمات التي ذكرناها آنفاً صارت من الماضي بحكم المتغيرات وأننا نعيش في "الدار العامية الواحدة" المختلفة "في وجودها ومبتغاها عن العولمة التي تعني الفرض والقسر لنمط واحد في العلاقات الدولية يفرضه القوي على الضعيف بعيداً من المساواة والعدل والحرية[27].
خطاب الحرب والسلم في الغرب
واذا ما اتجهنا غرباً، إلى المؤسس الحقيقي لفن الحكم والسيطرة، نيقولا مكيافيللي (1469 - 1527 م) في القرن السادس عشر، نجده بعد أن يربط بين السياسة والحرب في كتابه "الأمير" (1513)، يقول: "على الأمير أن لا يستهدف شيئاً غير الحرب وتنظيمها وطرقها، وأن لا يفكر أو يدرس شيئاً سواها، إذ أن الحرب هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة. ولا تقتصر هذه الفضيلة القائمة فيها على الحفاظ على أولئك الذين يولدون أمراء، بل تتعداها إلى مساعدة الآخرين، من أبناء الشعب، على الوصول إلى تلك المرتبة. وكثيراً ما يرى الإنسان أن الأمير الذي يفكر بالترف أو الرخاء، أكثر من تفكيره بالسلاح، كثيراً ما يفقد إمارته. ولا ريب في أن ازدراء فن الحرب هو السبب الرئيس في ضياع الدول وفقدانها، وأن التمرس فيه وإتقانه هو السبيل إلى الحصول على الدول والإمارات. (...) فعلى الأمير، تبعا لذلك، أن لا يسمح لأفكاره بأن تذهب بعيداً عن مراس الحرب، وعليه في أيام السلم أن يكون أكثر اهتماماً بها من أيام الحرب، وهذا ما يستطيعه بواسطة أحد سبيلين هما العمل والدراسة. فمن ناحية العمل يتوجب عليه بالإضافة إلى الإبقاء على جنوده في حال من التدريب والنظام أن يشغل وقته باستمرار في الصيد، وأن يعوّد جسمه على المشاق، وأن يدرس في غضون ذلك طبيعة البلاد، كارتفاع الجبال، وعمق الوديان، وامتداد السهول وطبيعة الأنهار والمستنقعات. فعليه أن يعنى بجميع هذه الأمور بالغ العناية، فمعرفته هذه مجدية بطريقتين: أولهما، أن يعرف الإنسان كل شيء عن بلاده وأن يقرر أحسن السبل للدفاع عنها. وثانيهما، أن معرفته وتجاربه في منطقة واحدة تحمله على تفهم المناطق الأخرى التي يضطر إلى مراقبتها [28]. ولا نشك في أن الحكام بعامة قد قرأوا كتاب الأمير بعناية فائقة وأخذوا بنصائحه في ما يخص الحكم وكيفية الحفاظ عليه".
هناك نتيجة أخرى للحرب، حرب الكل ضد الكل: لا شيء يمكن أن يكون جائراً. ومفاهيم الصواب والخطأ، العدل والجور، ليس لها مكان. فحيث لا توجد قوة مشتركة لا يوجد قانون، وحيث لا يوجد قانون لا يوجد جور (أو ظلم). العنف والاحتيال في الحرب هما الفضيلتان الرئيسيتان. العدل والجور ليسا من ملكات الجسد أو ملكات الروح. ولو كانا كذلك، لوجدا في الإنسان الواحد والوحيد في العالم، تماماً كحواسه وعواطفه. إنهما صفتان للإنسان داخل المجتمع، وليس للإنسان المنعزل.
وفي القرن السابع عشر ابتدع الإنكليزي توماس هوبز (1588 - 1679 م) عبارته الشهيرة "حرب الكل ضد الكل" في كتابه اللفياتان: أو الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة (Leviathan)، ليشرح الحال الطبيعية للإنسان قبل وجود القوة القاهرة (السلطة)، ففي الفصل الحادي عشر، يقول: ومن هنا يظهر جلياً أن طالما يعيش الناس من دون قوة مشتركة ترهبهم جميعاً، فإنهم يظلون في حال تسمى حال الحرب. ومثل هذه الحرب هي حرب كل شخص ضد كل شخص. فالحرب ليست أساساً معركة أو قتالاً فحسب، وإنما في فترة زمنية تكون خلالها إرادة الناس للقتال معروفة بما فيه الكفاية.
ولذلك فإن مفهوم الزمن يجب النظر إليه على أنه غير منفصل عن جوهر الحرب، تماماً كما أنه غير منفصل عن جوهر الطقس. فكما أن الطقس العاصف لا يكمن في وابل واحد أو وابلين من المطر، وإنما في الميل لهذا لعدة أيام متتالية، كذلك فإن حال الحرب لا تكمن في القتال الفعلي، وإنما في النزعة المعروفة لذلك خلال الوقت الذي لا يوجد فيه ضمان لعكس ذلك، وكل وقت آخر هو سلام.
ونتيجة لذلك، فإن كل ما ينتج من زمن الحرب، حيث يكون كل شخص عدواً لكل شخص، ينتج أيضاً من الزمن الذي يعيش خلاله الناس من دون أمن سوى ذلك الذي تؤمنه وتزوده قواهم ومكائدهــم. وفي وضــع كهــذا، لا مكان للكـــد والاجتهاد لأن ثــــماره غير أكيدة: ونتيجة لذلك، لا فلاحة ولا ملاحة ولا استعمال للبضائع التي تجلب عن طريق البحر، ولا بنايات مريحة، ولا وسائط لنقل تلك الأشياء التي تحتاج إلى قوة كبيرة، ولا معرفة بسطح الأرض، ولا حساب للزمن، ولا فنون، ولا آداب، ولا مجتمع، والأسوأ من كل هذا، خوف دائم وخطر من الموت العنيف، وحياة الإنسان: وحيدة، فقيرة، قذرة، حيوانية، وقصيرة.
وهناك نتيجة أخرى لهذه الحرب، حرب الكل ضد الكل: لا شيء يمكن أن يكون جائراً. ومفاهيم الصواب والخطأ، العدل والجور، ليس لها مكان هنا. فحيث لا توجد قوة مشتركة لا يوجد قانون، وحيث لا يوجد قانون لا يوجد جور (أو ظلم). العنف والاحتيال في الحرب هما الفضيلتان الرئيسيتان. العدل والجور ليسا من ملكات الجسد أو ملكات الروح. ولو كانا كذلك، لوجدا في الإنسان الواحد والوحيد في العالم، تماماً كحواسه وعواطفه. إنهما صفتان للإنسان داخل المجتمع، وليس للإنسان المنعزل. ومن نتائج هذا الوضع أيضاً عدم وجود ملكية أو تمييز بين ما هو لي وما هو لك، وإنما لكل إنسان ما يستطيع الحصول عليه، وللمدة التي يستطيع المحافظة عليه. إلى هذا الحد من الوضع البائس للإنسان، ذلك الوضع التي أوجدته فيه الطبيعة فعلاً، رغم إمكانية الخروج منه، إمكانية تكمن جزئياً بعواطفه، وجزئياً بعقله.
إن العواطف التي تجعل الناس يجنحون نحو السلم هي الخوف من الموت، الرغبة في تلك الأشياء الضرورية للعيش المريح، والأمل في الحصول عليها بالكد والاجتهاد. والعقل يقترح أسساً مناسبة للسلام يمكن أن يتفق الناس عليها. من هذه الأسس، والتي تسمى أيضاً قوانين الطبيعة[29].
ومن أحكام العقل العامة على كل فرد أن يسعى إلى السلام ما دام يحدوه الأمل في الحصول عليه، وإذا عجز عن الحصول عليه صار له الحق في السعي وراء مكاسب الحرب. والجزء الأول من هذه القاعدة يضم القانون الجوهري الأول من قوانين الطبيعة ألا وهو "إسعَ للسلام واتبعه"[30].
وهذا السعي للسلام هو ما حكم رؤية الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في القرن الثامن عشر (1724 - 1804 م)، فكتب نصه الشهير حول "السلام الدائم" (1795)، منطلقاً من أن الحال الفطرية أقرب ما تكون إلى حال الحرب وإن لم تكن معلنة ومنطوية دائماً على تهديد بالعدوان، إذن "ينبغي "إقرار" حال السلام: ذلك أن الكف عن الحرب ليس بضمان للسلام"[31] .
العواطف التي تجعل الناس يجنحون نحو السلم هي الخوف من الموت، والرغبة في تلك الأشياء الضرورية للعيش المريح، والأمل في الحصول عليها بالكد والاجتهاد. والعقل يقترح أسساً مناسبة للسلام يمكن أن يتفق الناس عليها.
وصف كانط في هذا النص برنامجه المقترح للسلام. وقد وصفت المواد التمهيدية الخطوات التي ينبغي اتخاذها على الفور:
- لا تُعتبر أي معاهدة سلام سرية سارية المفعول إذا تحفظت ضمنياً على أمر يمكن أن يؤدي إلى حرب مستقبلية.
- لا تخضع أي دولة مستقلة، سواءً كانت كبيرة أو صغيرة، لسيطرة دولة أخرى من خلال الميراث، أو التبادل، أو الشراء، أو الهبة . ويجب إلغاء الجيوش الدائمة إلغاءً تاماً على مر الزمن. كما ينبغي ألا تعقد قروض وطنية من أجل نزاعات الدول الخارجية. ولا يجوز لأي دولة أن تتدخل بالقوة في دستور أو حكومة دولة أخرى. ولا يجوز لأي دولة خلال الحرب السماح بالأعمال العدائية التي من شأنها أن تجعل الثقة المتبادلة في السلام اللاحق أمراً مستحيلاً: مثل استخدام القتلة (البلطجية)، والسموم (العقار، المخدر)، وخرق الاستسلام، والتحريض على الخيانة في الدولة الخصم.
- لا تنص المواد الثلاث النهائية على وقف الأعمال العدائية فحسب، بل تشكل أساساً لبناء السلام: إذ يجب أن يكون الدستور المدني لكل دولة جمهورياً. وينبغي تأسيس قانون الشعوب اعتماداً على نظام اتحادي بين الدول الحرة. ويقتصر قانون المواطنة العالمية على شروط الضيافة (إكرام الأجنبي) العالمية.
وهناك القانون الذي يحيط بهذا الإنسان ويقنن تصرفاته، لكن كانط لا يرى جدوى من القوانين المحلية، ويضع أمله في "القانون الكوسموبوليتي" لإيجاد السلم الدائم بين كافة الشعوب.
ويقول الفيلسوف الألماني في ختام نصه:" فكرة التشريع العالمي لم تعد تبدو صورة خيالية للحق، بل إنها تبدو تكملة ضرورية لذلك القانون غير المكتوب، المشتمل على القانون المدني وقانون الشعوب، والذي ينبغي أن يرتفع إلى مرتبة القانون العام للإنسانية قاطبة، ومن ثم إلى السلام الدائم الذي لا نستطيع أن نطمع في دوام الإقتراب منه إلا بذلك الشرط وحده"[32].
يؤمن يورغان هابرماس (1929) بنجاعة فكرة مواطنه كانط حول الكوسموبوليتية ولكن مع وجوب مراجعتها بسبب تغير الظروف العالمية، وظهور التنظيمات الدولية ولا سيّما منظمة هيئة الأمم المتحدة، وقد اشتغل هابرماس في إعادة صوغها على 3 أصعدة:
أولاً، السيادة الخارجية للدول التي لا يرى أنها تستقيم كما تصور كانط من طريق التحالفات الدولية ووجود السيادة الخاصة بكل دولة. فهابرماس يعتقد أن الأجدى هو الجمع بين الروابط الخارجية التعاقدية بين الدول وبين السيادة الداخلية التي تستوجب وجود ضوابط دستورية مشتركة بين الدول كافة، وبالتالي تحترم الدول القانون السيادي الذي تشترك فيه.
ثانياً، السيادة الداخلية، في حين يقول كانط إن الاتحاد الكوسمبولوتي بين الدول يكون على شكل تحالف فيدرالي، فإن هابرماس يعتقد أن هذا التحالف غير كاف، وليكون فاعلاً فإنه يجب أن يكون تحالفاً كوسموبوليتياً.
ثالثاً، الهيكلة الجديدة للمجتمع العالمي، إذ تخيل كانط ائتلاف الدول على شكل تحالف بين الدول المسالمة. وما تحقق اليوم هو وجود نظام دولي يجمع كل بلدان العالم على اختلاف توجهاتها السياسية. وقد تسبب ذلك في وجود مجتمع عالمي تتجذر فيه الفوارق وتسود فيه أنظمة السوق العالمي، ولكن هناك إدراك موحد في مواجهة المخاطر المشتركة مثل: الإرهاب، وتجارة السلاح والمخدرات[33].
أما فيلسوف الجدل، الألماني، هيغل (1770 - 1831 م)، فعدّ الحرب شيئاً حين يحدث يكون حينها ضرورياً، ففي نص يعود إلى العام 1821 قال: "صحيح أن الحرب تسبب للملكيات فقدان الطمأنينة، لكن فقدان الطمأنينة الحقيقي ليس سوى الحركة الضرورية. (...) إلا أن الحرب تحدث حين تكون ضرورية، ثم أن المحاصيل تنمو من جديد وتصمت الثرثرات أمام جدية التاريخ"[34].
وعنده أن الحرب هي الإمتحان الكبير في حياة الشعوب، فهي تظهر ما هو عليه، والإنسان الفرد يرتفع حينها "من أجل شعبه، إلى ما فوق ذاته ويحس اتحاده بالكل"[35]. وما الحرب المهددة لحياة الكل إلا شرط صحة الشعوب الأخلاقية"، فالشعب البعيد من الحرب ومن الوقوع تحت تهديدها يفقد بالتدرج "معنى حريته"، ولا يتردد هيغل في القول بأن سلماً طويلاً يمكن أن يؤدي إلى ضياع أمة، وهكذا فإن "عصف الرياح يحمي البحيرات من الأسن"[36].
وفي كتاب "ظواهرية الروح" الصادر عام 1807، يعبر هيغل مجدداً عن فكرته: "من أجل عدم ترك الأنظمة الخاصة تتأصل وتتصلب في العزلة، ومن أجل عدم ترك الكل يتفسخ وترك الروح تتبخر، يجب على الحكومة أن تهز هذه الأنظمة من حين لآخر، في صميمها بالحرب"[37]. بيد أنه ينبه أيضاً إلى ضرر الحرب، إذ تؤدي إلى انصهار الجماعات القومية الخاصة وإلى قيام أمبراطوية كالأمبراطورية الرومانية تجمع الشعوب الخاصة، وهو يقدر إن مثل هذه الأمبراطورية "لا يمكن أن تكون غاية للتاريخ كما لا يمكن أن تكون غايته اتحاد دول تأخذ على نفسها ضمان سلم دائم"[38].
ويشدد هيغل في "فلسفة الحق" (1821) على مسألة الإعتراف، فالدول تتبادل في ما بينها الإعتراف وهو لا يلغي الصراع حتى العنيف منه، وهذا لا يجب أن ينسينا، في رأيه "أن العلاقة العادية بين الأفراد الذين يتبادلون الإعتراف ببعضهم هي علاقة سلم، أي بكلام آخر، يجب أن تصان على الدوام إمكانية السلم"[39].
الحرب عند هيغل هي الإمتحان الكبير في حياة الشعوب، فهي تظهر ما هو عليه، والإنسان الفرد يرتفع حينها "من أجل شعبه، إلى ما فوق ذاته ويحس اتحاده بالكل". وما الحرب المهددة لحياة الكل إلا شرط صحة الشعوب الأخلاقية"، فالشعب البعيد من الحرب ومن الوقوع تحت تهديدها يفقد بالتدرج "معنى حريته"، ولا يتردد هيغل في القول بأن سلماً طويلاً يمكن أن يؤدي إلى ضياع أمة، وهكذا فإن "عصف الرياح يحمي البحيرات من الأسن".
والحال، تبدو الحرب وكأنها مجرد فترة عابرة قصيرة في مجرى زمني طويل طابعه السلم، وهو ما حدا بالقائد البروسي كارل فون كلاوزفيتز (1780-1831م)، إلى اعتبار الحرب "ظاهرة سياسية"، أي استمرار للسياسة بوسائل أخرى في كتابه "عن الحرب" (On War) (نشر في العام 1932، أي بعد وفاته)، وهو يقول: "وإن الخيوط الرئيسية التي تجري عبر أحداث الحرب والتي ترتبط بها ليست سوى خيوط سياسية تتابع مسارها عبر الحرب حتى تحقيق السلم، وأن تعلق الحرب بالسياسة يجعلها تأخذ بالضرورة صفتها، فإذا كانت السياسة عظيمة قوية، كانت الحرب كذلك، وقد تبلغ في بعض الحالات ذورتها حيث تأخذ شكلها المطلق…"[40].
النظام والسلام
والسؤال المطروح: ما دامت الحرب ملء التاريخ البشري، فكيف الوصول إلى السلم كبداية ومن ثم السلام الدائم، ومن يضمنه؟
حاول الباحث الفرنسي فيليب ديلماس (1954) الإجابة عن السؤال الآنف، وفي عرفه أن الدول وخلال عقود من الزمن اخترعت ما يطلق عليه "النظام" (Ordre)، وهو لا يساوي مطلقاً السلام، ولكنه يحدد أسباب نشوب الحرب: السيادة، الحدود، المصالح الحيوية، والتوازنات التي غالباً ما تكون هشة. وقوة بلد ما تقاس بقدرته في الإسهام بتحديد النظام حتى تكون مصالحه موضوعة في الحسبان، بمعنى الإعتراف بأهميته في نظر البلدان الأخرى، وهذا النمط من التنظيم يؤمن الإستقرار أكثر منه السلام.
في العام 1815 استخلص "مؤتمر فيينا" الدروس من الحروب التي ولدتها الثورة الفرنسية. فأعيد رسم الحدود وأقيم نظام جديد في أوروبا لمدة 50 سنة، سرعان ما لفظ أنفاسه حين أرادت بروسيا عبر سنوات خمس من الحروب الظافرة صوغ نظام آخر يتلاءم أكثر مع وجهة نظرها.
ولم تغير فكرة "النظام" من طبيعتها طوال عقود، لكن تقلص عدد الدول المساهمة في تحديده، إذ بات يتطلب دولاً عظمى، وقاد السلاح النووي إلى تعيين الدول الخمس العظمى. وبات النظام مُلزماً لأن خرقه يعني الدمار الشامل، بيد أنه أمن السلام لأولئك المساهمين فيه الذين تابعوا حروبهم على أرض الآخرين.
وفي عالم التكتلات المعاصرة وتناقص عدد الدول القادرة على خوض الحرب، ومحاولة تأسيس "معنى مشترك"، باتت الحرب تخضع لمنطقين ممكنين: منطق القوة، المولد لنزاعات حول السيادة، ومنطق المعنى المولد لنزاعات حول الشرعية.
في الأول، حروب تقليدية يمليها الطموح والتوسع على حساب الآخرين، مثل غزو العراق للكويت (1990)، بوصفه النموذج الأبرز.
ويعكس الثاني صعوبة عيش بعض الشعوب في ظل سلطة شعوب أخرى، مثل حرب كشمير بين الهند وباكستان وحرب البوسنة.
وثمة نزاعات حول الشرعية، ففي عدد متزايد من الدول لم تعد الدولة تمثل "المعنى المشترك" لجموع المواطنين، ففكرة "العيش معاً" المزدهرة بعد الحرب الكونية الثانية بدأ بريقها يخبو. ويقدّر الباحث الفرنسي، إن الحروب تولد أيضاً من ضعف الدول، ومن تعطل آلة الدولة، ما يسبب عدم الإستقرار وولادة "السلطات المضادة"، وشبكات النهب الداخلي والفساد. ولا ينحصر الأمر في بلدان العالم الثالث، ففي أميركا بلغ تهميش أصحاب البشرة السوداء معدلات مرتفعة، بحيث أن أعداد الشبان السود في السجون تفوق تلك الموجودة في الجامعات.
والنظام الدولي، كما يراه ديلماس، يستند إلى مبدأ الدول ذات السيادة" ويضع في رأس مهامه تأمين قدر من التآلف والتناغم بينها ويسعى إلى تقنين خلافاتها (هذا طبعاً قبل الحرب الروسية - الأوكرانية). ولكنه لا يُعير اهتماماً إلى أزمات ضعف الدولة، التي سرعان ما تنتقل من كونها أزمة داخلية لتصبح شأناً دولياً يواجهه النظام الدولي بلا مبالاة تامة إزاء مصير الناس مادة هذا النزاع (لبنان نموذجاً)، فالأساس عنده هو الحفاظ على بنيان الدولة.
وتقدم بعض الدول "حربها" بوصفها دفاعاً عن مصالحها المشروعة، وقد نجح كيان الإغتصاب "إسرائيل" في الإستفادة من هذا المعطى بغزو لبنان مراراً وارتكاب المجازر تكراراً. ولا يمنع النظام الدولي القانوني الحرب، ولكنه يجعل ضرورياً اقتناع الدول العظمى بشرعيتها، فمن يظهر بوصفه المعتدي سيتعرض للعزلة. وجواباً عن سؤال ضمان السلام، يجيب ديلماس بالنفي، ورهانه الأول هو استقرار الدول بشرعيتها، فبرأيه لا يولد السلام، كما التنمية والديمقراطية إلا في ظل دول مستقرة[41].
تغيّر وجه الحرب
وبانصرام الزمن تغير وجه الحرب، وأخذت أشكالاً جديدة، فمنذ حرب الخليج الأولى، ذهبنا نحو ما أسماه الفيلسوف الإيطالي جيورجيو أغامبن (1942) "حرب الشرطة"[42]، مثل تدخل حلف الناتو في صربيا. وهذه تستعير أدواتها التدميرية من الحرب التقليدية، وتستعير من الشرطة غاياتها التي لا تسعى إلى سلام يتم التفاوض حوله أو فرضه بعد إنجاز النصر، ولكن "اقتلاع الشر"[43] (بمعنى القضاء على الخصم)، من دون الإحتكام إلى القانون، تنجزها قوى الشرطة من دون عدالة.
كما أن الحرب على الإرهاب تقطع مع مفهوم الجنرال كلاوفيتز في أن "الحرب امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى"، وتناسلت التسميات: "الحرب العادلة" و"الحرب اللامتناظرة" و"الحرب الوقائية"، وأيضاً "الحرب الناعمة" و"الحرب السيبرانية".
وضمن هذا المنطق يمكن التدخل العسكري أن يحصل من دون أي تهديد مباشر، كما فعلت أميركا "شرطي العالم"[44] في أفغانستان وفي العراق عام 2003، بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر في العام 2001، وما حصل في ليبيا لاحقاً، وكانت النتيجة القضاء على مؤسسات الدولة وسيادة فوضى مستدامة، والقوى الفاعلة في هذه الحرب لم تضع السلام هدفاً لها، لكن "الحرب باتت الشرط الثابت للسلام"[45]، وما تنظيم "داعش" المؤسس في العام 2006 من هذا المنظور إلا وليد الفوضى في منطقتنا.
محاولات لفهم بواعث الحرب
حاول عالم الإجتماع الفرنسي غاستون بوتول (1896- 1980) البحث في دوافع الحرب وصوغ نظرية تستجيب لوقائع التاريخ البشري الذي هو "تاريخ معارك" بامتياز [46]، فتحدث عن 3 عقد مولدة للحروب.
الأولى: تسمى"عقدة إبراهيم" [47] (التضحية)، وتتمثل في"صراع الأجيال"، فثمة فائض من الشباب يخلق توتراً حاداً في المجتمعات، من شأنه تنمية الروح العدوانية الجمعية، وهذه النظرية سادت في العصور القديمة، أيام السومريين والأكاديين والبابليين والأشوريين والفينيقيين واليونانيين والرومان، حيث كان الفائض من الرجال ينخرط في الحروب، وهذه النظرية تماثل التضحية التي أقدم عليها النبي إبراهيم. وفي كلتا الحالين يتم سوق الأبناء إلى الموت برضا وقناعة الأب. وتحول شعار أنك "لن تقتل أبداً" إلى "أنك لن تقتل أبداً رجال قبيلتك أو عشيرتك"[48].
أما الثانية فيطلق عليها "كبش الفداء"، بمعنى التركيز على عدو محدد، فيجري الصراع مع طرف تم تعيينه ويجب القضاء عليه، وتنتقل كل مشاكل المجتمع الداخلية إليه، "فالخطيئة خطيئة هذا العدو، فهو الخصم والمنافس"، وهو من يعوق تطوره ويمنعه من التوسع ويحرمه من المجال الحيوي[49].
والثالثة، "عقدة ديموقلس"[50] والتي تعني "تنمية الإحساس بعدم الأمن، والتهديد الماثل دوماً"، ويمثل ديموقلس عدم الأمن في فترة الرخاء، ويشير إلى عدم ثبات أكثر الأوضاع استقراراً، وعدم اليقين في استمرارها، ومن ثم احتمال الوقوع في الحرب. إذ الخوف هو محرك هذه الحرب [51]. ويقدر بوتول أن عقدة ديموقلس لها شكلان: الأول، الإحساس بضعف مصيرنا الذي يملي علينا الإستسلام والإنقياد وعدم الإنفعال مع أي حدث، والثاني، اكتشاف التهديد الذي يثير الغضب والعدوانية، فيحاول المرء التفتيش عن المسؤولين عن تهديده [52].
وينتهي بوتول إلى أن للعقد الثلاث العدوانية خاصيّة مشتركة، وهي أنها تحتاج إلى حوادث خارجية كي تزيد من حدتها، وتحتاج إلى وضع تكثر فيه التضحيات أو نزاع لا شعوري بين الأجيال لزيادة حدة "عقدة إبراهيم"، وهناك الحاجة لإيجاد ذريعة في ذنب الآخرين لتفعيل آثار "عقدة كبش الفداء"، وهذه العقد موجودة وكائنة في المجتمعات، وتعمل وفاقاً لنماذج الحضارات، وحسب الظروف والوقائع "وعملها حاضر تماماً، وخفي، ومتعدد الأشكال"[53].
بدوره تساءل الباحث الأميركي في علم السياسة، ريتشارد نيد ليبو (1942) عن سبب حروب الأمم، ويجيب بعد دراسة مستفيضة للحروب في الماضي والحاضر القريب أنها تحدث لأربعة دوافع: الأمن والمصلحة والمكانة والإنتقام، ويرى أن الديمقراطيات عرضة للحرب مثلها مثل أي نظام آخر. فالولايات المتحدة و"إسرائيل" والهند هي أكثر الدول المسؤولة عن الحرب[54].
وفي نظرة على المستقبل، وبعد مراجعة الدوافع يرى الباحث التحول فيها، لكن لا شيء ينبىء بمنع الحرب، ففي عرفه أن "السلام العالمي يعتمد على التزامات القادة بتجنب الحرب واستعدادهم لتحمل المخاطر من أجل تحقيق هذا الهدف، بنفس قدر اعتماده على الإتجاهات العامة التي تشير باتجاه منظور عالم يسوده السلام أو بعيداً منه"[55].
هل من أمل؟
دوماً كان السؤال: هل من سبيل للتخلص من الحرب وأهوالها؟ وهو ما طرحه عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين (1879 - 1955 م)، على مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد (1856 - 1939 م) في أجواء صعود النازية والفاشية في العامين 1932 و 1933 [56]، فتبادلا الرسائل بهدف صد تنامي المشاعر القومية، وما يهمني هو الخلاصة التي أقر بها كاتب "قلق في الحضارة" (1930)، إذ تحاول رندا شليطا، عالمة النفس اللبنانية بعد تحليل الرسائل، ومن موقع معرفتها بفرويد، الإجابة عن سؤال : "لماذا لا يمكن وقف الحرب؟".
وتجيب أن فرويد يربط العنف بغريزة الموت، "فلا حرب من دون عنف"، وتجد تداخلاً بين الجنسانية والعدوانية في تركيب الكائن البشري. وهي تشير إلى "أن الدليل السري للتلاعب العقلي والتعذيب النفسي" الخاص بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) والذي قدم له الفرنسي، المشتغل بالفلسفة، غريغوار شامايو (1976) - حُرر الدليل في العام 1963، وافتضح أمره في العام 1997- ، يفيدنا بأن الديمقراطيات قد شرّعت التعذيب (المثل الساطع سجن أبو غريب في العراق وما جرى فيه من ممارسات بشعة) [57].
في المقام الأخير، هل يمكن البشرية أن تدفن أسلحتها وتنصرف إلى بناء مستقبل كوني أفضل، يعالج مسائل الفقر والمجاعة وامتهان كرامة الشعوب والبيئة، وهل لخطاب السلام أن يسود ضداً من خطاب الحرب؟ واقع الحال يجيب بالنفي، وكما قال المؤرخ اليوناني ثوكديدس (460 ق.م. - 395 ق.م.) "القوي يفعل ما يشاء".
المصادر والمراجع
من المقدمة التي وضعها مترجم الكتاب رؤوف شيايك عن النص الإنكليزي، وأتاحها الكترونياً. ص 11.[1]
[2] من مقدمة مجاهد عبد المنعم مجاهد لشذرات هيراقليطس المترجمة، جدل الحب والحرب (بيروت، دار التنوير، ط 2، 1983)، ص 19.
[3] المصدر السابق نفسه، ص 22.
[4] المصدر السابق نفسه، ص 67.
[5] د. لويس صليبا " الحرب في البوذية وفي المسيحية، دراسة مقارنة لتجربتيّ الأمبراطورين أشوكا وقسطنطين"، ضمن كتاب لماذا الحرب؟ أعمال المؤتمر الفلسفي الدولي (9 و 10 كانون الأول 2016)، بالتعاون مع الإتحاد الفلسفي العربي (جبيل، المركز الدولي لعلوم الإنسان برعاية اليونسكو، 2017)، ص 77.
[6] المصدر نفسه، ص 94.
[7] أبو نصر الفارابي، كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة (بيروت، دار المشرق، ط 3، 1973)، قدّم له وعلق عليه ألبير نصري نادر. ص 129 و130.
[8] أبو نصر الفارابي، فصول منتزعة ( بيروت، دار المشرق، ط 2، 1993)، تحقيق فوزي متري النجار. ص 18.
[9] المصدر نفسه، ص 18.
[10] المصدر نفسه، ص 22.
العلاّمة إبن خلدون، مقدمة إبن خلدون (بيروت، طبعة دار الفكر ، د. ت،)، ص 214.[11]
المقدمة، المصدر السابق نفسه، ص 214. ويتوسع إبن خلدون في شرح ذلك في ص 215 [12]
المقدمة، ص 219.[13]
د. حسن مجيد العبيدي، "فكرة الحرب عند إبن حلدون"، ضمن كتاب ما الحرب؟، مصدر مذكور سابقاً، ص 108. وعند خلدون، ص 220.[14]
[15] بن خلدون، المقدمة، ص 220.
[16] العبيدي، مصدر سابق، ص 108.
[17] وضاح شرارة، " الحرب في موضع السر، حول "الخراج " للقاضي أبي يوسف"، ضمن كتابه استئناف البدء: محاولات في العلاقة بين الفلسفة والتاريخ (بيروت، دار الحداثة، ط1، 1981)، ص 142.
[18] المصدر نفسه، ص 153.
[19] المصدر نفسه، ص 170.
[20] المصدر نفسه، ص 174.
[21] النّازلة أو الواقعة المستجدة أو الطارئة، تحصل من دون وجود النص الذي يُعالجها، فتدفع النازلة إلى السؤال عن حكم الشرع فيها بناء على القياس أو الترجيح أو الإجماع. فيجهد العلماء في فهمها وتحليلها من أجل إصدار الحكم الفقهي الذي يتناسب معها. وبالتالي: النازلة هي "معرفة الحوادث التي تحتاج إلى حكم شرعي".
[22] نشر الكتاب بعد أن كان مخطوطاً في طبعة حجرية في المغرب، عن دار منشورات الزمن، في العام 2018.
[23] محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام (القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1964)، ضمن سلسلة التعريف بالشريعة الإسلامية. ص 47.
[24] المصدر نفسه، ص 48.
[25] المصدر نفسه، ص 51.
[26] المصدر نفسه، ص 52. ويتوسع الباحث في شرح صقات كل دار .
[27] الدكتور عدنان السيّد حسين، العلاقات الدولية في الإسلام (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط 1، 2006)، ص 148 و149.
[28] نيقولا ميكيافيللي، كتاب الأمير، (بيروت، المكتب التجاري للطباعة والنشر، 1960)، تعريب خيري حماد. الفصل الرابع عشر حول" واجبات الأمير تجاه المتطوعة".
[29] توماس هوبز، اللفياتان، مقتطفات، ترجمة د. سعيد زيداني. وإسم الكتاب مشتق من اللفياتان المذكور في العهد القديم. وفيه شرح لبنية المجتمع وشرعية الحكومة، ويُعتبر واحداً من أوائل الأمثلة المؤثرة في نظرية العقد الاجتماعي. يُعد اللفياتان من الأعمال الكلاسيكية الغربية عن نظرية الدولة، بالمقارنة مع كتاب مكيافيلي الأمير. يطرح هوبز في الكتاب فكرة العقد الاجتماعي والسلطة المطلقة، إذ كان السياق الذي ألف فيه هوبز الكتاب في أثناء الحرب الأهلية الإنكليزية (1651-1642). كتب هوبز إن الحرب الأهلية نتيجة حال الطبيعة («حرب الكل ضد الكل»)، ولا يمكن تجنبها إلا عبر حكومة قوية غير منقسمة
[30] من اللفياتان، نقلاً عن آشلي مونتاغو، البدائية (الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 1982)، ص 299..
[31] إيمانويل كانط، مشروع للسلام الدائم (بيروت، دمشق، طبعة دار المدى، 2007)، ترجمة عثمان أمين.
[32] المصدر نفسه، ص 35.
[33] نقلاً عن الباحثة العمانية فاطمة ا بنت ناصر، " ملاحظات هابرماس حول مشروع السلام الدائم لكانط"، منشور في موقع شباب التفاهم. ورأي هابرماس وارد في كتابه الصغير، بمناسبة المئوية الثانية لكانط:
Jurgen Habermas, La paix perpétuelle, Le bicentenaire d'une idée kantienne. Traduit de l'allemand par Rainer Rochlitz, (Paris, Ed. Du Cerf, 1996), 122 P.
[34] وارد في كتاب هيغل فلسفة الحق، نقلاً عن جان هيبوليت مدخل الى فلسفة التاريخ عند هيغل ، من دون ذكر لدار النشر وتاريخه، ترجمة أنطون حمصي، الطبعة الثانية. ضمن سلسلة أصول الفكر الإشتراكي. ص 114.
[35] المصدر نفسه، ص 101.
[36] المصدر نفسه، ص 101.
[37] المصدر نفسه، ص 102.
[38] وارد في كتاب ظواهرية الروح، نقلاً عن هيبوليت، مصدر مذكور، ص 105.
[39] نقلاً عن إريك وايلي، هيغل والدولة (بيروت، دار التنوير، ط3، 2007)، ص 86. ترجمة نخلة فريفر، ضمن سلسلة المكتبة الهيجلية.
[40] الجنرال كارل فون كلاوزفيتز، عن الحرب (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997)، ط1، ترجمة سليم شاكر الإمامي. 17 وص 18.
[41] Philippe Dellmas, Le Bel Avenir De La Guerre (Paris, Ed. Gallimard, 1998).(coll, Folio “acyuel”).
من قراءة الباحث للكتاب قراءة إجمالية.
[42] G. Agamben, Moyens Sans Fins (Paris, Rivages Poche, 1995).
[43] Alain Bertho, “L’Etat De Guerre: une nouvelle figure de la Politique?
ضمن كتاب: لماذا الحرب، مصدر مذكور سابقاً. ص 10.
[44] Les Etats- Unis, Gendarmes Du Monde. Pour Le Meilleur Et Pour Le Pire. (Document) (Paris, Librio,2003).
يرصد الكتاب تدخل أميركا في العالم منذ العام 1917، حين هب العم سام لمساعدة فرنسا ضد ألمانيا وصولاً لى العام 1990، عام غزو العراق الكويت، وحرب الخليج الأولى، وفرض اتفاق كامب دايفيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومنذ أواخر سبعينيات القرن العشرين المنصرم، كتب نعوم تشومسكي (N. Chomsky) إدوارد إس. هيرمان (E. S. Herman) سلسلةً من الكتب حول ضلوع الولايات المتحدة في إرهاب الدولة، استناداً لتقارير منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بشأن "عالمي" جديد يتمثل في تعذيب الدولة وقتلها. وزعما أن 74 في المئة من الأنظمة حول العالم ممن مارست التعذيب كانت دول عميلة للولايات المتحدة، تتلقى دعماً عسكرياً وغيره من أنواع الدعم للحفاظ على السلطة. واستنتجا أن الارتفاع العالمي في إرهاب الدولة كان ناجماً عن سياسة الولايات المتحدة الخارجية.
[45] Alain Bertho, “L’Etat De Guerre: une nouvelle figure de la Politique?
المصدر السابق ، ص 12.
[46] غاستون بوتول، هذ هي الحرب (بيروت، منشورات عويدات، ط1، 1981)، ترجمة مروان القنواتي. ص 5.
[47] غاستون بوتول، السلم المسلح (بيروت – صيدا، المكتبة العصرية، د. ت)، تعريب أكرم الديري و محمد رائف المعرّي. ص 105.
[48] المصدر السابق نفسه، ص 106.
[49] المصدر نفسه، ص 129.
[50] المصدر نفسه، ص 131.
[51] المصدر نفسه، ص 132,
[52] المصدر نفسه، ص 134.
[53] المصدر نفسه، ص 137.
[54] ريتشارد نيد ليبو، لماذا تتحارب الأمم؟ دوافع الحرب في الماضي والمستقبل (الكويت، سلسلة عالم المعرفة، رقم 403، العام 2013)، ترحمة د. إيهاب عبد الرحيم علي. ص 239. النسخة الإنليزية من الكتاب صدرت في العام 2010.
[55] المصدر السابق نفسه، 218.ص
[56] يمكن العودة لمراسلات المنشورة في كتاب: لماذا الحرب؟ المناظرة بين فرويد وأينشتاين. ترجمة جهاد الشبيتي (الكويت، منشورات تكوين، وبيروت، منشورات الرافدين، 2018).
[57] Randa Nabbout Challita, “De l’art épistolaire entre Einstein et Freud, Pourquoi La Guerre?”.
ضمن4. كتاب: لماذا الحرب؟، مصدر مذكور. ص 11
عفيف عثمان
المصدر: الميادين نت
"وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم"، زهير بن أبي سلمى.
بدت الحرب كشيء طبيعي ملازم للمجتمعات بمثابة "شر" لا مهرب منه، فلم يرد ذكرها في حديث النهايات المتواتر (نهاية التاريخ، الجغرافيا، السيّادة...ألخ). وانحصر النقاش في تبدل طبيعتها في ظل سيطرة التقانة ومجتمع المعلوماتية، ورافق كل موجة حضارية شكل معين من أشكال الحروب الخاصة بها.
وقد ظن الغرب أنه بترتيباته الدولية وتقسيمه للعمل بعد حربين عالميتين كبريين (1914 و1939) قد وضع الحرب خلف ظهره، غير أنه في 24 شباط/فبراير من العام 2022، مع بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا و"الحرب في أوكرانيا" في مسمى آخر وتداعياتها، عاد العالم ليرى مشاهد ظن أنه وضعها طيّ الذاكرة. وتبيّن ألا سلام مع نظام هيمنة عولمي تقوده واشنطن، وأن البديل لن يولد إلا مع الآلام والدم والدموع. وفي ما يلي، نظر في ما كتبه الفلاسفة وغيرهم في أصل فكرة الحرب والسلام.
خطاب الحرب في العالم القديم
عاش العالم القديم وتشكلت ممالكه وحدوده على وقع طبول الحرب، بحيث انعكس ذلك في الآداب والأفكار، إذ عُدّت الحرب شيئاً طبيعياً، والمطلوب حسن إدارتها وتزيينها للعقول فحسب. ولعل أقدم نص عسكري وصل إلينا هو كتاب الصيني سون تزو (Sun Tzu) "فن الحرب" من القرن الخامس قبل الميلاد (551 ق.م - 496 ق.م)، وقد وضع نصه بناء على طلب من الملك، وعُيّن قائداً أعلى لجيش مملكة وو، وشهد الحروب بين أكثر من 130 مملكة صغيرة، تحولت إلى 5 ممالك قوية تتنازع السلطة. والغاية الرئيسة هي مصلحة الدولة، والنص "لا يُركز على تحقيق النصر وحسب، بل أيضاً على تجنب الهزيمة وتقليل وتفادي الخسائر بأكبر قدر ممكن، وكيف يمكن تحقيق النصر مع تجنب القتال إذا كان ذلك ممكناً"[1].
وفي العالم اليوناني القديم الصاخب بقرقعة السيوف والنزالات والكرّ والفرّ بين الإغريق أنفسهم وبينهم وبين الفرس، جرى التعامل مع الحرب في صفة كونها من الأمور الإعتيادية، حتى لا نقول من طبائع الأشياء.
دافع اليوناني هيراقليطس (535 ق. م - 470 ق. م)، فيلسوف الصيرورة والتغيّر، عن فكرة اللوغوس (Logos) أو "قانون الفكر" وعدّه قانون العالم، إذ هو "ملكة المعرفة والتفكير، والكاشف عن الضرورة في العالم، والرابطة الموحِدة، لأن الضرورة ليست إلا ترابط الأشياء وفق علل وأسباب"[2].
وكما يعبر هيراقليطس: "إن ما يتصف بالحكمة أمر واحد، هو تفهم الغرض الذي يوجه الأشياء جميعاً ويسيّرها من خلال الأشياء جميعاً" (الشذرة رقم 41). لذا، دعا الناس إلى القتال من أجله "كما لو كانوا يقاتلون دفاعاً عن أسوار مدينتهم" (الشذرة رقم 44). وهذا العقل عقل مقاتل في سبيل تأسيس كيانه وكيان العالم، باعتبار الحرب سيّدة الأشياء جميعاً، والحرب هذه تعني وجود الأضداد المحكومة بالصراع، وهدفها الوصول إلى الحب أو "التناغم"، والجدل في هذا التناغم كونه قائماً على الحركة والصراع، لا السكينة والهدوء، ويعبر الأثيني عن ذلك: "يجب على الإنسان أن يعرف أن الحرب عامة والشريعة هي النزاع، وكل شيء يبرز إلى حيّز الوجود من طريق النزاع والضرورة" (الشذرة رقم 80)، وثمة من فسّر هذا الكلام في عبارة "إنه في الحرب يكون السلام"[3].
حاول الباحث الفرنسي فيليب ديلماس الإجابة عن سؤال: كيف الوصول إلى السلم كبداية ومن ثم السلام الدائم، ومن يضمنه؟ وفي عرف ديلماس أن الدول وخلال عقود من الزمن اخترعت ما يطلق عليه "النظام"، وهو لا يساوي مطلقاً السلام، ولكنه يحدد أسباب نشوب الحرب: السيادة، الحدود، المصالح الحيوية، والتوازنات التي غالباً ما تكون هشة. وقوة بلد ما تقاس بقدرته في الإسهام بتحديد النظام حتى تكون مصالحه موضوعة في الحسبان، بمعنى الإعتراف بأهميته في نظر البلدان الأخرى، وهذا النمط من التنظيم يؤمن الإستقرار أكثر منه السلام.
ويريد فيلسوف التغيّر والصراع للإنسان أن يكون يقظاً: "لأنه لا يجب أن نتصرف ولا يجب أن نتكلم مثل النائمين" (الشذرة رقم 73). وحربه هي ضد هذه الفئة من البشر الغارقة في ذاتية مغلقة وفي نزعة لا عقلية، وبالتالي لا بد من قتالهم، ويقول هيراقليطس: "الحرب هي ملك الجميع وأب الجميع، ولقد أظهرت البعض على أنهم آلهة وأظهرت البعض الآخر على أنهم بشر، لقد جعلت من البعض عبيداً، والبعض الآخر أحراراً" (الشذرة رقم 53). وإذ يمجّد المعركة فإنه يرى: "نفوس الناس الذين يستشهدون في المعركة أكثر نقاءً من نفوس من يموتون من المرض" (الشذرة رقم 136)، فالسير في طريق الحرب يكسب المرء نفساً أصيلة كلية وتساهم في القضاء على النفس المتشيئة. ومن يخر صريعاً في المعركة، في العالم الآخر: "هنالك تنتظر الناس الذين ماتوا أشياء لم تكن تخطر على بال" (الشذرة رقم 27)، وأولئك الذين خاضوا الحرب "رفعوا برقع التحجب وظهروا من الخفاء فتولدت الحقيقة وانبثق العقل الكلي من أعماق الظلام، وفي هذه المشاهدة يرون ما لا عين رأته من قبل ولا خطر ببال أحد"، كما يشرح الباحث المصري مجاهد[4] .
ورغم أن الدراسة لا تهتم في شكل أساس بموقف الدين من الحرب، إلا أنه من الضروري ذكر أن المسيحية التي تبشر بالكلمة والمحبة عرفت منعطفاً جذرياً مع الأمبراطور قسطنطين (272 - 337 م)، المتحوّل إلى المسيحية (حكم روما بين الأعوام 306 م و337)، إذ "صارت الحرب القذرة، والصراع العسكري الدنيوي على السلطة جهاداً، وحرباً مقدسة، ومواجهة بين الخير والشر، والحق والباطل، ما سيلازم المسيحية قروناً طوال وعبر تاريخها. تحول الصليب من رمز لفداء سلامي إلى راية حرب دموية وشعار لها"[5]، كما يقول لويس صليبا، ويعتبر أن تحول روما من الوثنية إلى المسيحية لم يكن سلمياً، بل توسل العنف "وفيه خرجت الكنيسة من جلدها وتراثها الإنجيلي"[6].
خطاب الحرب في العالم الإسلامي الوسيط
انشغل العالم الوسيط بالحرب فعانت المنطقة العربية الإسلامية كما سائر بقاع الأرض من صراعات الإمبراطوريات والممالك، بحيث انعكس في مهام الحكام، وتجلى ذلك في الأدب الفلسفي والسياسي، ونسب الحرب إلى أسباب وعلل، وأحياناً إلى نوازع خاصة بالنفس البشرية.
وسنأخذ أبي نصر الفارابي (874 - 950 م)، المعلم الثاني، دليلاً لنا، وهو من عاش زمناً مضطرباً ومتقلقلاً. ففي مدينته الفاضلة يفصل القول في خصال رئيسها "الرئيس الأول" الواجب أن تجتمع فيه 12 خصلة، وهو أمر عسير، بحسب الفارابي. ويشترط في الرئيس الثاني 6 شرائط: أن يكون حكيماً وعالماً حافظاً للشرائع والسنن، وأن تكون له جودة استنباط وجودة رؤية، وأن تكون له "جودة إرشاد بالقول إلى شرائع الأولين"، والشرط السادس: "أن تكون له جودة ثبات ببدنه في أعمال الحرب، ذلك أن تكون معه الصناعة الحربية الخادمة والرئيسة"[7].
وفي نصه "فصول منتزعة" يجعل المدينة الفاضلة في 5 أجزاء: الحكماء ثم حملة الدين، ثم المهندسون والأطباء و"المجاهدون، هم المقاتلة والحفظة ومن جرى مجراهم وعُد فيهم"، وأخيراً مكتسبو الأموال[8]. وهنا عد الرئيس الأول من تجتمع فيه 6 شرائط أهمها: "القدرة على الجهاد ببدنه. وألا يكون في بدنه شيء يعوقه عن مزاولة الأشياء الجهادية"[9].
ويشرح الفارابي بواعث الحرب، فهي إما تكون "لدفع عدو ورد المدينة من خارج، وإما لاكتساب خير تستأهله المدينة ممن في يده ذلك"، وهذان الشرطان هما للحرب التي تحتمل تبريراً وشرعية ما، ويحذر من نمط آخر من الحرب يسميها "حرب جور"، وذلك حين يشنها الحاكم بغرض أن ينقاد الآخرون له وأن يكونوا طوع بنانه، وكذلك إن حارب للغلبة و"لشفاء غيظ"[10].
بدوره خصص عبد الرحمن إبن خلدون (1332 - 1406 م)، صاحب علم العمران، المتأثر بالفارابي، في مقدمته الشهيرة فصلاً للحرب حمل عنوان "في الحروب ومذاهب الأمم في ترتيبها"، وبعد أن عدها أمراً طبيعياً في البشر موجوداً عند "كل أمة وكل جيل"، حاول فهم بواعثها وهي عنده "إما غيرة ومنافسة وإما عدوان وإما غضب لله ولدينه، وإما غضب للملك"[11]، وفي تفصيل ذلك: الدافع الأول: غيرة ومنافسة، وهذا يجري بين القبائل المتجاورة والعشائر المتناظرة. والدافع الثاني: عدوان، وهذا يقوم في الغالب بين الأمم الوحشية الساكنة بالقفر، ويسمي إبن خلدون هذه الأمم الوحشية بأسمائها، وهم: "العرب والترك والتركمان والأكراد وأشباههم، إذ عصبية هؤلاء أنهم جعلوا أرزاقهم في رماحهم ومعاشهم في ما بأيدي غيرهم، ومن دافعهم عن متاعه آذنوه بالحرب، ولا بغية لهم في ما وراء ذلك من رتبة ولا ملك وانما همهم ونصب أعينهم غلب الناس على ما في أيديهم". والدافع الثالث: هو المسمى في الشريعة بالجهاد. والرابع : هو حروب الدول مع الخارجين عليها والمانعين لطاعتها. ويعتبر إبن خلدون الصنفين الأولين من الحرب "حروب بغي وفتنة"، والصنفان الأخيران" حروب جهاد وعدل". ويرى إن الحروب على نوعين إما بالزحف صفوفاً وإما بالكر والفر.[12].
في نظر الفارابي فإن بواعث الحرب إما تكون "لدفع عدو ورد المدينة من خارج، وإما لاكتساب خير تستأهله المدينة ممن في يده ذلك"، وهذان الشرطان هما للحرب التي تحتمل تبريراً وشرعية ما، ويحذر من نمط آخر من الحرب يسميها "حرب جور"، وذلك حين يشنها الحاكم بغرض أن ينقاد الآخرون له وأن يكونوا طوع بنانه، وكذلك إن حارب للغلبة و"لشفاء غيظ".
ويشرح إبن خلدون أسباب الظفر فيجعلها على نوعين، أسباب خفية وأخرى ظاهرة.
أولاً: في الأسباب الخفية سنجد أن إبن خلدون يُعلي من شأن السببية الطبيعية في العلاقات الإنسانية وبخاصة الحرب، وتتوزع هذه الأسباب عنده على قسمين، هما:
البخت والاتفاق: ومقصد إبن خلدون في البخت والاتفاق ليس هو مقصد العامة من الناس فيه، بل يعني حصول الظفر بالحرب بأسباب نجهلها نحن، : "أمور سماوية لا قدرة للبشر على اكتسابها، تُلقى في القلوب فيستولي الرهب عليهم لأجلها، فتختل مراكزهم وتقع الهزيمة"، وفي هذا المجال ينسب إبن خلدون حديثاً للرسول يقول فيه "إن الحرب خدعة"[13]. ومصاديقه ما حدث للمسلمين في بداية الدعوة الإسلامية وما حدث لهم لاحقاً في صدر الإسلام من فتوحات للبلدان المجاورة ( العراق والشام ومصر وبلاد فارس).
الأسباب الطبيعية: ومن الأسباب الخفية الأخرى ما يقع تحت مسمى الطبيعي السببي، فإبن خلدون من القائلين بها في تفسيره لقيام الحضارات والعمران البشري وانهيارها، لأن الإنسان عنده إبن عوائده ومألوفه لا إبن طبيعته ومزاجه على حد قوله، ومن الأسباب الطبيعية في الظفر بالحرب: استعمال الحيل والخداع في الحرب، والشهرة والسمعة والصيت والدعاية والتأثير النفسي الذي يولد الخوف والفزع والرعب وغير ذلك، أي أنها أسباب تتعلق بمعنويات العدو، ويعزو إبن خلدون إلى هذا النوع من الأسباب أهميته في تقرير الظفر والغلبة في الحرب، حتى أنه ليجعلها تفوق في التأثير الأسباب الظاهرة .[14]
ثانياً: الأسباب الظاهرة: ويعزوها إلى حال العصبية، "وهي أن تكون في أحد الجانبين عصبية واحدة جامعة لكلهم، في مقابل مجموعة ذات عصائب متفرقة متعددة"[15]، وهذه الأخيرة يقع بينها التخاذل والجبن والخوف[16].
الحرب في منظار السياسة الشرعية
يؤكد ما ذهب إليه إبن خلدون وغيره في كون الحرب في كل زمان ومكان، ما يمكن استخلاصه من كتب السياسة الشرعية ومن كتب الفقه الإسلامي. ففي قراءة لامعة لكتاب "الخراج" للقاضي الحنفي الإمام أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (المتوفى عام 182 هـ – 731 م) الموجه للخليفة العباسي هارون الرشيد (763 أو 766 - 809 م)، ينقل المفكر اللبناني وضاح شرارة عنه قوله إن نظام الأمة يقوم بأمرين متلازمين هما: الحرب (مصدر الغنم) والمراتب (قواعد تقسيم الغنم)، وفي رصد الفقيه لتاريخ الأمة منذ تأسيسها الى يومه "من زاوية هذين الأمرين ومن زاوية علاقاتهما المعقدة في آن"، يجد شرارة إن التاريخ هو "تاريخ حرب أو تاريخ استقرار تولد من الحرب وتبلور مراتب وطبقات تسوس ثمار الحرب وريعها (...) فصيرورة الأمة أمة تتلازم مع مصائرها في القتال"[17]، ويضيف أن استواء الجماعة تم حين نقلت الحرب من الداخل إلى الخارج أي "إلى مصدر الخراج"[18]، ومسعى القاضي وفاقاً للباحث هو "الإحاطة بنظام الجماعة من زاوية الحرب وبما هي سر هذا النظام ومرجعه"[19]. وخلاصة القول إن "الخراج" أتى بمثابة عاقبة سياسية "واقتصادية للغلبة التي تمخضت عنها الحرب"[20].
وقد وجدت أفكار إبن خلدون صداها في "النوازل" (وثمرتها "فقه النوازل") [21] التي وقعت في بلاد المسلمين استعماراً واحتلالات، ما حتم تجديداً في السياسة الشرعية، وهذا ما بادر إليه العلامة محمد بن عبد القادر الكردودي (توفى عام 1851م) في نصه "كشف الغمة ببيان أن حرب النظام حق على هذه الأمة"[22]، الذي كتبه بعد الهزيمة المدوية التي لحقت الجيش المغربي في معركة إيسلي في العام 1844 عقب الاستعمار الفرنسي للجزائر، وما تلا ذلك من تداعيات على المغرب طاولت مختلف الميادين السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية.
كان على الفقهاء المسلمين حسم أمر دينهم، هل هو دين حرب أم سلم؟ فالوقائع بليغة والنص يتأرجح بين الإثنين، ومن المحاولات الحديثة المبكرة لتعيين شكل العلاقة مع الآخرين في العالم المعاصر، دراسة المصري محمد أبو زهرة، الذي اعتبر أن "الأصل في العلاقات هو السلم"، ويشرح استناداً إلى تجربة الدعوة أن الحرب تأتي كضرورة في حال الإعتداء على الدولة الإسلامية فعلاً أو بفتنة المسلمين عن دينهم، وعندها تكون الحرب "ضرورة أوجبها قانون الدفاع عن النفس وعن العقيدة وعن الحرية الدينية"، فالقرآن الكريم دعا إلى السلم عامة.
ويعد من الكتابات التي أرّخت لتلك الفترة الحرجة من تاريخ المغرب المعاصر، والتي سعت إلى طرح الحلول لتجاوز أزمة ضعف الجيش المغربي حينئذ، من خلال الدعوة إلى إحداث جيش نظامي يقاتل بنفس طريقة الجيش الأوروبي. وتحدث عن نظام الحرب وعن وسائل الدفاع وعمّا يجب أن يتسلح به الجيش المغربي ليكون في المستوى المرغوب فيه، وقد ذاع صيت هذا الكتاب ولا سيّما عند أصحاب حركات الإصلاح فاقتبسوا منه ما يلائم أغراضهم، والنص بمثابة دعوة للجهاد دفاعاً عن بيضة الإسلام، ونداء صريح لمناهضة الغزو الفرنسي والتصدي له.
وكان على الفقهاء المسلمين حسم أمر دينهم، هل هو دين حرب أم سلم؟ فالوقائع بليغة والنص يتأرجح بين الإثنين، ومن المحاولات الحديثة المبكرة لتعيين شكل العلاقة مع الآخرين في العالم المعاصر، دراسة المصري محمد أبو زهرة، الذي اعتبر أن "الأصل في العلاقات هو السلم"[23] ويشرح استناداً إلى تجربة الدعوة أن الحرب تأتي كضرورة في حال الإعتداء على الدولة الإسلامية فعلاً أو بفتنة المسلمين عن دينهم، وعندها تكون الحرب "ضرورة أوجبها قانون الدفاع عن النفس وعن العقيدة وعن الحرية الدينية"، فالقرآن الكريم دعا إلى السلم عامة[24].
بيد أن ذلك لم يمنع بعض الفقهاء من القول إن الأصل في العلاقة هي الحرب اعتماداً على الواقع لا من أصل النصوص، لكن أكثر الفقهاء يجمعون على "أن دار المخالفين تسمى دار حرب، لأنها فعلاً كانت في عصر الإجتهاد الفقهي دار حرب، بسبب تلك الإعتداءات المتكررة من الأعداء والمدافعة المستمرة من المسلمين"[25]، وعينوا لهذه الدار أوصافها، وقرروا أن بين دار الإسلام ودار الحرب داراً وسطاً تسمى دار العهد [26].
من الضروري ذكر أن المسيحية التي تبشر بالكلمة والمحبة عرفت منعطفاً جذرياً مع الأمبراطور قسطنطين (272 - 337 م)، المتحوّل إلى المسيحية، إذ "صارت الحرب القذرة، والصراع العسكري الدنيوي على السلطة جهاداً، وحرباً مقدسة، ومواجهة بين الخير والشر، والحق والباطل، ما سيلازم المسيحية قروناً طوال وعبر تاريخها. تحول الصليب من رمز لفداء سلامي إلى راية حرب دموية وشعار لها"، كما يقول لويس صليبا، ويعتبر أن تحول روما من الوثنية إلى المسيحية لم يكن سلمياً، بل توسل العنف "وفيه خرجت الكنيسة من جلدها وتراثها الإنجيلي".
وأعاد عدنان السيّد حسين التوكيد على فكرة السلم، وبيّن الفروق بين الحرب وبين الجهاد، وبين الجهاد والمقاومة والإرهاب، وفصّل القول في قواعد الحرب ودوافعها ومن ثم قواعد السلام. ويعتبر أن التقسيمات التي ذكرناها آنفاً صارت من الماضي بحكم المتغيرات وأننا نعيش في "الدار العامية الواحدة" المختلفة "في وجودها ومبتغاها عن العولمة التي تعني الفرض والقسر لنمط واحد في العلاقات الدولية يفرضه القوي على الضعيف بعيداً من المساواة والعدل والحرية[27].
خطاب الحرب والسلم في الغرب
واذا ما اتجهنا غرباً، إلى المؤسس الحقيقي لفن الحكم والسيطرة، نيقولا مكيافيللي (1469 - 1527 م) في القرن السادس عشر، نجده بعد أن يربط بين السياسة والحرب في كتابه "الأمير" (1513)، يقول: "على الأمير أن لا يستهدف شيئاً غير الحرب وتنظيمها وطرقها، وأن لا يفكر أو يدرس شيئاً سواها، إذ أن الحرب هي الفن الوحيد الذي يحتاج إليه كل من يتولى القيادة. ولا تقتصر هذه الفضيلة القائمة فيها على الحفاظ على أولئك الذين يولدون أمراء، بل تتعداها إلى مساعدة الآخرين، من أبناء الشعب، على الوصول إلى تلك المرتبة. وكثيراً ما يرى الإنسان أن الأمير الذي يفكر بالترف أو الرخاء، أكثر من تفكيره بالسلاح، كثيراً ما يفقد إمارته. ولا ريب في أن ازدراء فن الحرب هو السبب الرئيس في ضياع الدول وفقدانها، وأن التمرس فيه وإتقانه هو السبيل إلى الحصول على الدول والإمارات. (...) فعلى الأمير، تبعا لذلك، أن لا يسمح لأفكاره بأن تذهب بعيداً عن مراس الحرب، وعليه في أيام السلم أن يكون أكثر اهتماماً بها من أيام الحرب، وهذا ما يستطيعه بواسطة أحد سبيلين هما العمل والدراسة. فمن ناحية العمل يتوجب عليه بالإضافة إلى الإبقاء على جنوده في حال من التدريب والنظام أن يشغل وقته باستمرار في الصيد، وأن يعوّد جسمه على المشاق، وأن يدرس في غضون ذلك طبيعة البلاد، كارتفاع الجبال، وعمق الوديان، وامتداد السهول وطبيعة الأنهار والمستنقعات. فعليه أن يعنى بجميع هذه الأمور بالغ العناية، فمعرفته هذه مجدية بطريقتين: أولهما، أن يعرف الإنسان كل شيء عن بلاده وأن يقرر أحسن السبل للدفاع عنها. وثانيهما، أن معرفته وتجاربه في منطقة واحدة تحمله على تفهم المناطق الأخرى التي يضطر إلى مراقبتها [28]. ولا نشك في أن الحكام بعامة قد قرأوا كتاب الأمير بعناية فائقة وأخذوا بنصائحه في ما يخص الحكم وكيفية الحفاظ عليه".
هناك نتيجة أخرى للحرب، حرب الكل ضد الكل: لا شيء يمكن أن يكون جائراً. ومفاهيم الصواب والخطأ، العدل والجور، ليس لها مكان. فحيث لا توجد قوة مشتركة لا يوجد قانون، وحيث لا يوجد قانون لا يوجد جور (أو ظلم). العنف والاحتيال في الحرب هما الفضيلتان الرئيسيتان. العدل والجور ليسا من ملكات الجسد أو ملكات الروح. ولو كانا كذلك، لوجدا في الإنسان الواحد والوحيد في العالم، تماماً كحواسه وعواطفه. إنهما صفتان للإنسان داخل المجتمع، وليس للإنسان المنعزل.
وفي القرن السابع عشر ابتدع الإنكليزي توماس هوبز (1588 - 1679 م) عبارته الشهيرة "حرب الكل ضد الكل" في كتابه اللفياتان: أو الأصول الطبيعية والسياسية لسلطة الدولة (Leviathan)، ليشرح الحال الطبيعية للإنسان قبل وجود القوة القاهرة (السلطة)، ففي الفصل الحادي عشر، يقول: ومن هنا يظهر جلياً أن طالما يعيش الناس من دون قوة مشتركة ترهبهم جميعاً، فإنهم يظلون في حال تسمى حال الحرب. ومثل هذه الحرب هي حرب كل شخص ضد كل شخص. فالحرب ليست أساساً معركة أو قتالاً فحسب، وإنما في فترة زمنية تكون خلالها إرادة الناس للقتال معروفة بما فيه الكفاية.
ولذلك فإن مفهوم الزمن يجب النظر إليه على أنه غير منفصل عن جوهر الحرب، تماماً كما أنه غير منفصل عن جوهر الطقس. فكما أن الطقس العاصف لا يكمن في وابل واحد أو وابلين من المطر، وإنما في الميل لهذا لعدة أيام متتالية، كذلك فإن حال الحرب لا تكمن في القتال الفعلي، وإنما في النزعة المعروفة لذلك خلال الوقت الذي لا يوجد فيه ضمان لعكس ذلك، وكل وقت آخر هو سلام.
ونتيجة لذلك، فإن كل ما ينتج من زمن الحرب، حيث يكون كل شخص عدواً لكل شخص، ينتج أيضاً من الزمن الذي يعيش خلاله الناس من دون أمن سوى ذلك الذي تؤمنه وتزوده قواهم ومكائدهــم. وفي وضــع كهــذا، لا مكان للكـــد والاجتهاد لأن ثــــماره غير أكيدة: ونتيجة لذلك، لا فلاحة ولا ملاحة ولا استعمال للبضائع التي تجلب عن طريق البحر، ولا بنايات مريحة، ولا وسائط لنقل تلك الأشياء التي تحتاج إلى قوة كبيرة، ولا معرفة بسطح الأرض، ولا حساب للزمن، ولا فنون، ولا آداب، ولا مجتمع، والأسوأ من كل هذا، خوف دائم وخطر من الموت العنيف، وحياة الإنسان: وحيدة، فقيرة، قذرة، حيوانية، وقصيرة.
وهناك نتيجة أخرى لهذه الحرب، حرب الكل ضد الكل: لا شيء يمكن أن يكون جائراً. ومفاهيم الصواب والخطأ، العدل والجور، ليس لها مكان هنا. فحيث لا توجد قوة مشتركة لا يوجد قانون، وحيث لا يوجد قانون لا يوجد جور (أو ظلم). العنف والاحتيال في الحرب هما الفضيلتان الرئيسيتان. العدل والجور ليسا من ملكات الجسد أو ملكات الروح. ولو كانا كذلك، لوجدا في الإنسان الواحد والوحيد في العالم، تماماً كحواسه وعواطفه. إنهما صفتان للإنسان داخل المجتمع، وليس للإنسان المنعزل. ومن نتائج هذا الوضع أيضاً عدم وجود ملكية أو تمييز بين ما هو لي وما هو لك، وإنما لكل إنسان ما يستطيع الحصول عليه، وللمدة التي يستطيع المحافظة عليه. إلى هذا الحد من الوضع البائس للإنسان، ذلك الوضع التي أوجدته فيه الطبيعة فعلاً، رغم إمكانية الخروج منه، إمكانية تكمن جزئياً بعواطفه، وجزئياً بعقله.
إن العواطف التي تجعل الناس يجنحون نحو السلم هي الخوف من الموت، الرغبة في تلك الأشياء الضرورية للعيش المريح، والأمل في الحصول عليها بالكد والاجتهاد. والعقل يقترح أسساً مناسبة للسلام يمكن أن يتفق الناس عليها. من هذه الأسس، والتي تسمى أيضاً قوانين الطبيعة[29].
ومن أحكام العقل العامة على كل فرد أن يسعى إلى السلام ما دام يحدوه الأمل في الحصول عليه، وإذا عجز عن الحصول عليه صار له الحق في السعي وراء مكاسب الحرب. والجزء الأول من هذه القاعدة يضم القانون الجوهري الأول من قوانين الطبيعة ألا وهو "إسعَ للسلام واتبعه"[30].
وهذا السعي للسلام هو ما حكم رؤية الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط في القرن الثامن عشر (1724 - 1804 م)، فكتب نصه الشهير حول "السلام الدائم" (1795)، منطلقاً من أن الحال الفطرية أقرب ما تكون إلى حال الحرب وإن لم تكن معلنة ومنطوية دائماً على تهديد بالعدوان، إذن "ينبغي "إقرار" حال السلام: ذلك أن الكف عن الحرب ليس بضمان للسلام"[31] .
العواطف التي تجعل الناس يجنحون نحو السلم هي الخوف من الموت، والرغبة في تلك الأشياء الضرورية للعيش المريح، والأمل في الحصول عليها بالكد والاجتهاد. والعقل يقترح أسساً مناسبة للسلام يمكن أن يتفق الناس عليها.
وصف كانط في هذا النص برنامجه المقترح للسلام. وقد وصفت المواد التمهيدية الخطوات التي ينبغي اتخاذها على الفور:
- لا تُعتبر أي معاهدة سلام سرية سارية المفعول إذا تحفظت ضمنياً على أمر يمكن أن يؤدي إلى حرب مستقبلية.
- لا تخضع أي دولة مستقلة، سواءً كانت كبيرة أو صغيرة، لسيطرة دولة أخرى من خلال الميراث، أو التبادل، أو الشراء، أو الهبة . ويجب إلغاء الجيوش الدائمة إلغاءً تاماً على مر الزمن. كما ينبغي ألا تعقد قروض وطنية من أجل نزاعات الدول الخارجية. ولا يجوز لأي دولة أن تتدخل بالقوة في دستور أو حكومة دولة أخرى. ولا يجوز لأي دولة خلال الحرب السماح بالأعمال العدائية التي من شأنها أن تجعل الثقة المتبادلة في السلام اللاحق أمراً مستحيلاً: مثل استخدام القتلة (البلطجية)، والسموم (العقار، المخدر)، وخرق الاستسلام، والتحريض على الخيانة في الدولة الخصم.
- لا تنص المواد الثلاث النهائية على وقف الأعمال العدائية فحسب، بل تشكل أساساً لبناء السلام: إذ يجب أن يكون الدستور المدني لكل دولة جمهورياً. وينبغي تأسيس قانون الشعوب اعتماداً على نظام اتحادي بين الدول الحرة. ويقتصر قانون المواطنة العالمية على شروط الضيافة (إكرام الأجنبي) العالمية.
وهناك القانون الذي يحيط بهذا الإنسان ويقنن تصرفاته، لكن كانط لا يرى جدوى من القوانين المحلية، ويضع أمله في "القانون الكوسموبوليتي" لإيجاد السلم الدائم بين كافة الشعوب.
ويقول الفيلسوف الألماني في ختام نصه:" فكرة التشريع العالمي لم تعد تبدو صورة خيالية للحق، بل إنها تبدو تكملة ضرورية لذلك القانون غير المكتوب، المشتمل على القانون المدني وقانون الشعوب، والذي ينبغي أن يرتفع إلى مرتبة القانون العام للإنسانية قاطبة، ومن ثم إلى السلام الدائم الذي لا نستطيع أن نطمع في دوام الإقتراب منه إلا بذلك الشرط وحده"[32].
يؤمن يورغان هابرماس (1929) بنجاعة فكرة مواطنه كانط حول الكوسموبوليتية ولكن مع وجوب مراجعتها بسبب تغير الظروف العالمية، وظهور التنظيمات الدولية ولا سيّما منظمة هيئة الأمم المتحدة، وقد اشتغل هابرماس في إعادة صوغها على 3 أصعدة:
أولاً، السيادة الخارجية للدول التي لا يرى أنها تستقيم كما تصور كانط من طريق التحالفات الدولية ووجود السيادة الخاصة بكل دولة. فهابرماس يعتقد أن الأجدى هو الجمع بين الروابط الخارجية التعاقدية بين الدول وبين السيادة الداخلية التي تستوجب وجود ضوابط دستورية مشتركة بين الدول كافة، وبالتالي تحترم الدول القانون السيادي الذي تشترك فيه.
ثانياً، السيادة الداخلية، في حين يقول كانط إن الاتحاد الكوسمبولوتي بين الدول يكون على شكل تحالف فيدرالي، فإن هابرماس يعتقد أن هذا التحالف غير كاف، وليكون فاعلاً فإنه يجب أن يكون تحالفاً كوسموبوليتياً.
ثالثاً، الهيكلة الجديدة للمجتمع العالمي، إذ تخيل كانط ائتلاف الدول على شكل تحالف بين الدول المسالمة. وما تحقق اليوم هو وجود نظام دولي يجمع كل بلدان العالم على اختلاف توجهاتها السياسية. وقد تسبب ذلك في وجود مجتمع عالمي تتجذر فيه الفوارق وتسود فيه أنظمة السوق العالمي، ولكن هناك إدراك موحد في مواجهة المخاطر المشتركة مثل: الإرهاب، وتجارة السلاح والمخدرات[33].
أما فيلسوف الجدل، الألماني، هيغل (1770 - 1831 م)، فعدّ الحرب شيئاً حين يحدث يكون حينها ضرورياً، ففي نص يعود إلى العام 1821 قال: "صحيح أن الحرب تسبب للملكيات فقدان الطمأنينة، لكن فقدان الطمأنينة الحقيقي ليس سوى الحركة الضرورية. (...) إلا أن الحرب تحدث حين تكون ضرورية، ثم أن المحاصيل تنمو من جديد وتصمت الثرثرات أمام جدية التاريخ"[34].
وعنده أن الحرب هي الإمتحان الكبير في حياة الشعوب، فهي تظهر ما هو عليه، والإنسان الفرد يرتفع حينها "من أجل شعبه، إلى ما فوق ذاته ويحس اتحاده بالكل"[35]. وما الحرب المهددة لحياة الكل إلا شرط صحة الشعوب الأخلاقية"، فالشعب البعيد من الحرب ومن الوقوع تحت تهديدها يفقد بالتدرج "معنى حريته"، ولا يتردد هيغل في القول بأن سلماً طويلاً يمكن أن يؤدي إلى ضياع أمة، وهكذا فإن "عصف الرياح يحمي البحيرات من الأسن"[36].
وفي كتاب "ظواهرية الروح" الصادر عام 1807، يعبر هيغل مجدداً عن فكرته: "من أجل عدم ترك الأنظمة الخاصة تتأصل وتتصلب في العزلة، ومن أجل عدم ترك الكل يتفسخ وترك الروح تتبخر، يجب على الحكومة أن تهز هذه الأنظمة من حين لآخر، في صميمها بالحرب"[37]. بيد أنه ينبه أيضاً إلى ضرر الحرب، إذ تؤدي إلى انصهار الجماعات القومية الخاصة وإلى قيام أمبراطوية كالأمبراطورية الرومانية تجمع الشعوب الخاصة، وهو يقدر إن مثل هذه الأمبراطورية "لا يمكن أن تكون غاية للتاريخ كما لا يمكن أن تكون غايته اتحاد دول تأخذ على نفسها ضمان سلم دائم"[38].
ويشدد هيغل في "فلسفة الحق" (1821) على مسألة الإعتراف، فالدول تتبادل في ما بينها الإعتراف وهو لا يلغي الصراع حتى العنيف منه، وهذا لا يجب أن ينسينا، في رأيه "أن العلاقة العادية بين الأفراد الذين يتبادلون الإعتراف ببعضهم هي علاقة سلم، أي بكلام آخر، يجب أن تصان على الدوام إمكانية السلم"[39].
الحرب عند هيغل هي الإمتحان الكبير في حياة الشعوب، فهي تظهر ما هو عليه، والإنسان الفرد يرتفع حينها "من أجل شعبه، إلى ما فوق ذاته ويحس اتحاده بالكل". وما الحرب المهددة لحياة الكل إلا شرط صحة الشعوب الأخلاقية"، فالشعب البعيد من الحرب ومن الوقوع تحت تهديدها يفقد بالتدرج "معنى حريته"، ولا يتردد هيغل في القول بأن سلماً طويلاً يمكن أن يؤدي إلى ضياع أمة، وهكذا فإن "عصف الرياح يحمي البحيرات من الأسن".
والحال، تبدو الحرب وكأنها مجرد فترة عابرة قصيرة في مجرى زمني طويل طابعه السلم، وهو ما حدا بالقائد البروسي كارل فون كلاوزفيتز (1780-1831م)، إلى اعتبار الحرب "ظاهرة سياسية"، أي استمرار للسياسة بوسائل أخرى في كتابه "عن الحرب" (On War) (نشر في العام 1932، أي بعد وفاته)، وهو يقول: "وإن الخيوط الرئيسية التي تجري عبر أحداث الحرب والتي ترتبط بها ليست سوى خيوط سياسية تتابع مسارها عبر الحرب حتى تحقيق السلم، وأن تعلق الحرب بالسياسة يجعلها تأخذ بالضرورة صفتها، فإذا كانت السياسة عظيمة قوية، كانت الحرب كذلك، وقد تبلغ في بعض الحالات ذورتها حيث تأخذ شكلها المطلق…"[40].
النظام والسلام
والسؤال المطروح: ما دامت الحرب ملء التاريخ البشري، فكيف الوصول إلى السلم كبداية ومن ثم السلام الدائم، ومن يضمنه؟
حاول الباحث الفرنسي فيليب ديلماس (1954) الإجابة عن السؤال الآنف، وفي عرفه أن الدول وخلال عقود من الزمن اخترعت ما يطلق عليه "النظام" (Ordre)، وهو لا يساوي مطلقاً السلام، ولكنه يحدد أسباب نشوب الحرب: السيادة، الحدود، المصالح الحيوية، والتوازنات التي غالباً ما تكون هشة. وقوة بلد ما تقاس بقدرته في الإسهام بتحديد النظام حتى تكون مصالحه موضوعة في الحسبان، بمعنى الإعتراف بأهميته في نظر البلدان الأخرى، وهذا النمط من التنظيم يؤمن الإستقرار أكثر منه السلام.
في العام 1815 استخلص "مؤتمر فيينا" الدروس من الحروب التي ولدتها الثورة الفرنسية. فأعيد رسم الحدود وأقيم نظام جديد في أوروبا لمدة 50 سنة، سرعان ما لفظ أنفاسه حين أرادت بروسيا عبر سنوات خمس من الحروب الظافرة صوغ نظام آخر يتلاءم أكثر مع وجهة نظرها.
ولم تغير فكرة "النظام" من طبيعتها طوال عقود، لكن تقلص عدد الدول المساهمة في تحديده، إذ بات يتطلب دولاً عظمى، وقاد السلاح النووي إلى تعيين الدول الخمس العظمى. وبات النظام مُلزماً لأن خرقه يعني الدمار الشامل، بيد أنه أمن السلام لأولئك المساهمين فيه الذين تابعوا حروبهم على أرض الآخرين.
وفي عالم التكتلات المعاصرة وتناقص عدد الدول القادرة على خوض الحرب، ومحاولة تأسيس "معنى مشترك"، باتت الحرب تخضع لمنطقين ممكنين: منطق القوة، المولد لنزاعات حول السيادة، ومنطق المعنى المولد لنزاعات حول الشرعية.
في الأول، حروب تقليدية يمليها الطموح والتوسع على حساب الآخرين، مثل غزو العراق للكويت (1990)، بوصفه النموذج الأبرز.
ويعكس الثاني صعوبة عيش بعض الشعوب في ظل سلطة شعوب أخرى، مثل حرب كشمير بين الهند وباكستان وحرب البوسنة.
وثمة نزاعات حول الشرعية، ففي عدد متزايد من الدول لم تعد الدولة تمثل "المعنى المشترك" لجموع المواطنين، ففكرة "العيش معاً" المزدهرة بعد الحرب الكونية الثانية بدأ بريقها يخبو. ويقدّر الباحث الفرنسي، إن الحروب تولد أيضاً من ضعف الدول، ومن تعطل آلة الدولة، ما يسبب عدم الإستقرار وولادة "السلطات المضادة"، وشبكات النهب الداخلي والفساد. ولا ينحصر الأمر في بلدان العالم الثالث، ففي أميركا بلغ تهميش أصحاب البشرة السوداء معدلات مرتفعة، بحيث أن أعداد الشبان السود في السجون تفوق تلك الموجودة في الجامعات.
والنظام الدولي، كما يراه ديلماس، يستند إلى مبدأ الدول ذات السيادة" ويضع في رأس مهامه تأمين قدر من التآلف والتناغم بينها ويسعى إلى تقنين خلافاتها (هذا طبعاً قبل الحرب الروسية - الأوكرانية). ولكنه لا يُعير اهتماماً إلى أزمات ضعف الدولة، التي سرعان ما تنتقل من كونها أزمة داخلية لتصبح شأناً دولياً يواجهه النظام الدولي بلا مبالاة تامة إزاء مصير الناس مادة هذا النزاع (لبنان نموذجاً)، فالأساس عنده هو الحفاظ على بنيان الدولة.
وتقدم بعض الدول "حربها" بوصفها دفاعاً عن مصالحها المشروعة، وقد نجح كيان الإغتصاب "إسرائيل" في الإستفادة من هذا المعطى بغزو لبنان مراراً وارتكاب المجازر تكراراً. ولا يمنع النظام الدولي القانوني الحرب، ولكنه يجعل ضرورياً اقتناع الدول العظمى بشرعيتها، فمن يظهر بوصفه المعتدي سيتعرض للعزلة. وجواباً عن سؤال ضمان السلام، يجيب ديلماس بالنفي، ورهانه الأول هو استقرار الدول بشرعيتها، فبرأيه لا يولد السلام، كما التنمية والديمقراطية إلا في ظل دول مستقرة[41].
تغيّر وجه الحرب
وبانصرام الزمن تغير وجه الحرب، وأخذت أشكالاً جديدة، فمنذ حرب الخليج الأولى، ذهبنا نحو ما أسماه الفيلسوف الإيطالي جيورجيو أغامبن (1942) "حرب الشرطة"[42]، مثل تدخل حلف الناتو في صربيا. وهذه تستعير أدواتها التدميرية من الحرب التقليدية، وتستعير من الشرطة غاياتها التي لا تسعى إلى سلام يتم التفاوض حوله أو فرضه بعد إنجاز النصر، ولكن "اقتلاع الشر"[43] (بمعنى القضاء على الخصم)، من دون الإحتكام إلى القانون، تنجزها قوى الشرطة من دون عدالة.
كما أن الحرب على الإرهاب تقطع مع مفهوم الجنرال كلاوفيتز في أن "الحرب امتداد للسياسة ولكن بوسائل أخرى"، وتناسلت التسميات: "الحرب العادلة" و"الحرب اللامتناظرة" و"الحرب الوقائية"، وأيضاً "الحرب الناعمة" و"الحرب السيبرانية".
وضمن هذا المنطق يمكن التدخل العسكري أن يحصل من دون أي تهديد مباشر، كما فعلت أميركا "شرطي العالم"[44] في أفغانستان وفي العراق عام 2003، بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر في العام 2001، وما حصل في ليبيا لاحقاً، وكانت النتيجة القضاء على مؤسسات الدولة وسيادة فوضى مستدامة، والقوى الفاعلة في هذه الحرب لم تضع السلام هدفاً لها، لكن "الحرب باتت الشرط الثابت للسلام"[45]، وما تنظيم "داعش" المؤسس في العام 2006 من هذا المنظور إلا وليد الفوضى في منطقتنا.
محاولات لفهم بواعث الحرب
حاول عالم الإجتماع الفرنسي غاستون بوتول (1896- 1980) البحث في دوافع الحرب وصوغ نظرية تستجيب لوقائع التاريخ البشري الذي هو "تاريخ معارك" بامتياز [46]، فتحدث عن 3 عقد مولدة للحروب.
الأولى: تسمى"عقدة إبراهيم" [47] (التضحية)، وتتمثل في"صراع الأجيال"، فثمة فائض من الشباب يخلق توتراً حاداً في المجتمعات، من شأنه تنمية الروح العدوانية الجمعية، وهذه النظرية سادت في العصور القديمة، أيام السومريين والأكاديين والبابليين والأشوريين والفينيقيين واليونانيين والرومان، حيث كان الفائض من الرجال ينخرط في الحروب، وهذه النظرية تماثل التضحية التي أقدم عليها النبي إبراهيم. وفي كلتا الحالين يتم سوق الأبناء إلى الموت برضا وقناعة الأب. وتحول شعار أنك "لن تقتل أبداً" إلى "أنك لن تقتل أبداً رجال قبيلتك أو عشيرتك"[48].
أما الثانية فيطلق عليها "كبش الفداء"، بمعنى التركيز على عدو محدد، فيجري الصراع مع طرف تم تعيينه ويجب القضاء عليه، وتنتقل كل مشاكل المجتمع الداخلية إليه، "فالخطيئة خطيئة هذا العدو، فهو الخصم والمنافس"، وهو من يعوق تطوره ويمنعه من التوسع ويحرمه من المجال الحيوي[49].
والثالثة، "عقدة ديموقلس"[50] والتي تعني "تنمية الإحساس بعدم الأمن، والتهديد الماثل دوماً"، ويمثل ديموقلس عدم الأمن في فترة الرخاء، ويشير إلى عدم ثبات أكثر الأوضاع استقراراً، وعدم اليقين في استمرارها، ومن ثم احتمال الوقوع في الحرب. إذ الخوف هو محرك هذه الحرب [51]. ويقدر بوتول أن عقدة ديموقلس لها شكلان: الأول، الإحساس بضعف مصيرنا الذي يملي علينا الإستسلام والإنقياد وعدم الإنفعال مع أي حدث، والثاني، اكتشاف التهديد الذي يثير الغضب والعدوانية، فيحاول المرء التفتيش عن المسؤولين عن تهديده [52].
وينتهي بوتول إلى أن للعقد الثلاث العدوانية خاصيّة مشتركة، وهي أنها تحتاج إلى حوادث خارجية كي تزيد من حدتها، وتحتاج إلى وضع تكثر فيه التضحيات أو نزاع لا شعوري بين الأجيال لزيادة حدة "عقدة إبراهيم"، وهناك الحاجة لإيجاد ذريعة في ذنب الآخرين لتفعيل آثار "عقدة كبش الفداء"، وهذه العقد موجودة وكائنة في المجتمعات، وتعمل وفاقاً لنماذج الحضارات، وحسب الظروف والوقائع "وعملها حاضر تماماً، وخفي، ومتعدد الأشكال"[53].
بدوره تساءل الباحث الأميركي في علم السياسة، ريتشارد نيد ليبو (1942) عن سبب حروب الأمم، ويجيب بعد دراسة مستفيضة للحروب في الماضي والحاضر القريب أنها تحدث لأربعة دوافع: الأمن والمصلحة والمكانة والإنتقام، ويرى أن الديمقراطيات عرضة للحرب مثلها مثل أي نظام آخر. فالولايات المتحدة و"إسرائيل" والهند هي أكثر الدول المسؤولة عن الحرب[54].
وفي نظرة على المستقبل، وبعد مراجعة الدوافع يرى الباحث التحول فيها، لكن لا شيء ينبىء بمنع الحرب، ففي عرفه أن "السلام العالمي يعتمد على التزامات القادة بتجنب الحرب واستعدادهم لتحمل المخاطر من أجل تحقيق هذا الهدف، بنفس قدر اعتماده على الإتجاهات العامة التي تشير باتجاه منظور عالم يسوده السلام أو بعيداً منه"[55].
هل من أمل؟
دوماً كان السؤال: هل من سبيل للتخلص من الحرب وأهوالها؟ وهو ما طرحه عالم الفيزياء ألبرت أينشتاين (1879 - 1955 م)، على مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد (1856 - 1939 م) في أجواء صعود النازية والفاشية في العامين 1932 و 1933 [56]، فتبادلا الرسائل بهدف صد تنامي المشاعر القومية، وما يهمني هو الخلاصة التي أقر بها كاتب "قلق في الحضارة" (1930)، إذ تحاول رندا شليطا، عالمة النفس اللبنانية بعد تحليل الرسائل، ومن موقع معرفتها بفرويد، الإجابة عن سؤال : "لماذا لا يمكن وقف الحرب؟".
وتجيب أن فرويد يربط العنف بغريزة الموت، "فلا حرب من دون عنف"، وتجد تداخلاً بين الجنسانية والعدوانية في تركيب الكائن البشري. وهي تشير إلى "أن الدليل السري للتلاعب العقلي والتعذيب النفسي" الخاص بوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA) والذي قدم له الفرنسي، المشتغل بالفلسفة، غريغوار شامايو (1976) - حُرر الدليل في العام 1963، وافتضح أمره في العام 1997- ، يفيدنا بأن الديمقراطيات قد شرّعت التعذيب (المثل الساطع سجن أبو غريب في العراق وما جرى فيه من ممارسات بشعة) [57].
في المقام الأخير، هل يمكن البشرية أن تدفن أسلحتها وتنصرف إلى بناء مستقبل كوني أفضل، يعالج مسائل الفقر والمجاعة وامتهان كرامة الشعوب والبيئة، وهل لخطاب السلام أن يسود ضداً من خطاب الحرب؟ واقع الحال يجيب بالنفي، وكما قال المؤرخ اليوناني ثوكديدس (460 ق.م. - 395 ق.م.) "القوي يفعل ما يشاء".
المصادر والمراجع
من المقدمة التي وضعها مترجم الكتاب رؤوف شيايك عن النص الإنكليزي، وأتاحها الكترونياً. ص 11.[1]
[2] من مقدمة مجاهد عبد المنعم مجاهد لشذرات هيراقليطس المترجمة، جدل الحب والحرب (بيروت، دار التنوير، ط 2، 1983)، ص 19.
[3] المصدر السابق نفسه، ص 22.
[4] المصدر السابق نفسه، ص 67.
[5] د. لويس صليبا " الحرب في البوذية وفي المسيحية، دراسة مقارنة لتجربتيّ الأمبراطورين أشوكا وقسطنطين"، ضمن كتاب لماذا الحرب؟ أعمال المؤتمر الفلسفي الدولي (9 و 10 كانون الأول 2016)، بالتعاون مع الإتحاد الفلسفي العربي (جبيل، المركز الدولي لعلوم الإنسان برعاية اليونسكو، 2017)، ص 77.
[6] المصدر نفسه، ص 94.
[7] أبو نصر الفارابي، كتاب آراء أهل المدينة الفاضلة (بيروت، دار المشرق، ط 3، 1973)، قدّم له وعلق عليه ألبير نصري نادر. ص 129 و130.
[8] أبو نصر الفارابي، فصول منتزعة ( بيروت، دار المشرق، ط 2، 1993)، تحقيق فوزي متري النجار. ص 18.
[9] المصدر نفسه، ص 18.
[10] المصدر نفسه، ص 22.
العلاّمة إبن خلدون، مقدمة إبن خلدون (بيروت، طبعة دار الفكر ، د. ت،)، ص 214.[11]
المقدمة، المصدر السابق نفسه، ص 214. ويتوسع إبن خلدون في شرح ذلك في ص 215 [12]
المقدمة، ص 219.[13]
د. حسن مجيد العبيدي، "فكرة الحرب عند إبن حلدون"، ضمن كتاب ما الحرب؟، مصدر مذكور سابقاً، ص 108. وعند خلدون، ص 220.[14]
[15] بن خلدون، المقدمة، ص 220.
[16] العبيدي، مصدر سابق، ص 108.
[17] وضاح شرارة، " الحرب في موضع السر، حول "الخراج " للقاضي أبي يوسف"، ضمن كتابه استئناف البدء: محاولات في العلاقة بين الفلسفة والتاريخ (بيروت، دار الحداثة، ط1، 1981)، ص 142.
[18] المصدر نفسه، ص 153.
[19] المصدر نفسه، ص 170.
[20] المصدر نفسه، ص 174.
[21] النّازلة أو الواقعة المستجدة أو الطارئة، تحصل من دون وجود النص الذي يُعالجها، فتدفع النازلة إلى السؤال عن حكم الشرع فيها بناء على القياس أو الترجيح أو الإجماع. فيجهد العلماء في فهمها وتحليلها من أجل إصدار الحكم الفقهي الذي يتناسب معها. وبالتالي: النازلة هي "معرفة الحوادث التي تحتاج إلى حكم شرعي".
[22] نشر الكتاب بعد أن كان مخطوطاً في طبعة حجرية في المغرب، عن دار منشورات الزمن، في العام 2018.
[23] محمد أبو زهرة، العلاقات الدولية في الإسلام (القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1964)، ضمن سلسلة التعريف بالشريعة الإسلامية. ص 47.
[24] المصدر نفسه، ص 48.
[25] المصدر نفسه، ص 51.
[26] المصدر نفسه، ص 52. ويتوسع الباحث في شرح صقات كل دار .
[27] الدكتور عدنان السيّد حسين، العلاقات الدولية في الإسلام (بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، ط 1، 2006)، ص 148 و149.
[28] نيقولا ميكيافيللي، كتاب الأمير، (بيروت، المكتب التجاري للطباعة والنشر، 1960)، تعريب خيري حماد. الفصل الرابع عشر حول" واجبات الأمير تجاه المتطوعة".
[29] توماس هوبز، اللفياتان، مقتطفات، ترجمة د. سعيد زيداني. وإسم الكتاب مشتق من اللفياتان المذكور في العهد القديم. وفيه شرح لبنية المجتمع وشرعية الحكومة، ويُعتبر واحداً من أوائل الأمثلة المؤثرة في نظرية العقد الاجتماعي. يُعد اللفياتان من الأعمال الكلاسيكية الغربية عن نظرية الدولة، بالمقارنة مع كتاب مكيافيلي الأمير. يطرح هوبز في الكتاب فكرة العقد الاجتماعي والسلطة المطلقة، إذ كان السياق الذي ألف فيه هوبز الكتاب في أثناء الحرب الأهلية الإنكليزية (1651-1642). كتب هوبز إن الحرب الأهلية نتيجة حال الطبيعة («حرب الكل ضد الكل»)، ولا يمكن تجنبها إلا عبر حكومة قوية غير منقسمة
[30] من اللفياتان، نقلاً عن آشلي مونتاغو، البدائية (الكويت، سلسلة عالم المعرفة، 1982)، ص 299..
[31] إيمانويل كانط، مشروع للسلام الدائم (بيروت، دمشق، طبعة دار المدى، 2007)، ترجمة عثمان أمين.
[32] المصدر نفسه، ص 35.
[33] نقلاً عن الباحثة العمانية فاطمة ا بنت ناصر، " ملاحظات هابرماس حول مشروع السلام الدائم لكانط"، منشور في موقع شباب التفاهم. ورأي هابرماس وارد في كتابه الصغير، بمناسبة المئوية الثانية لكانط:
Jurgen Habermas, La paix perpétuelle, Le bicentenaire d'une idée kantienne. Traduit de l'allemand par Rainer Rochlitz, (Paris, Ed. Du Cerf, 1996), 122 P.
[34] وارد في كتاب هيغل فلسفة الحق، نقلاً عن جان هيبوليت مدخل الى فلسفة التاريخ عند هيغل ، من دون ذكر لدار النشر وتاريخه، ترجمة أنطون حمصي، الطبعة الثانية. ضمن سلسلة أصول الفكر الإشتراكي. ص 114.
[35] المصدر نفسه، ص 101.
[36] المصدر نفسه، ص 101.
[37] المصدر نفسه، ص 102.
[38] وارد في كتاب ظواهرية الروح، نقلاً عن هيبوليت، مصدر مذكور، ص 105.
[39] نقلاً عن إريك وايلي، هيغل والدولة (بيروت، دار التنوير، ط3، 2007)، ص 86. ترجمة نخلة فريفر، ضمن سلسلة المكتبة الهيجلية.
[40] الجنرال كارل فون كلاوزفيتز، عن الحرب (بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1997)، ط1، ترجمة سليم شاكر الإمامي. 17 وص 18.
[41] Philippe Dellmas, Le Bel Avenir De La Guerre (Paris, Ed. Gallimard, 1998).(coll, Folio “acyuel”).
من قراءة الباحث للكتاب قراءة إجمالية.
[42] G. Agamben, Moyens Sans Fins (Paris, Rivages Poche, 1995).
[43] Alain Bertho, “L’Etat De Guerre: une nouvelle figure de la Politique?
ضمن كتاب: لماذا الحرب، مصدر مذكور سابقاً. ص 10.
[44] Les Etats- Unis, Gendarmes Du Monde. Pour Le Meilleur Et Pour Le Pire. (Document) (Paris, Librio,2003).
يرصد الكتاب تدخل أميركا في العالم منذ العام 1917، حين هب العم سام لمساعدة فرنسا ضد ألمانيا وصولاً لى العام 1990، عام غزو العراق الكويت، وحرب الخليج الأولى، وفرض اتفاق كامب دايفيد بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومنذ أواخر سبعينيات القرن العشرين المنصرم، كتب نعوم تشومسكي (N. Chomsky) إدوارد إس. هيرمان (E. S. Herman) سلسلةً من الكتب حول ضلوع الولايات المتحدة في إرهاب الدولة، استناداً لتقارير منظمة العفو الدولية وغيرها من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بشأن "عالمي" جديد يتمثل في تعذيب الدولة وقتلها. وزعما أن 74 في المئة من الأنظمة حول العالم ممن مارست التعذيب كانت دول عميلة للولايات المتحدة، تتلقى دعماً عسكرياً وغيره من أنواع الدعم للحفاظ على السلطة. واستنتجا أن الارتفاع العالمي في إرهاب الدولة كان ناجماً عن سياسة الولايات المتحدة الخارجية.
[45] Alain Bertho, “L’Etat De Guerre: une nouvelle figure de la Politique?
المصدر السابق ، ص 12.
[46] غاستون بوتول، هذ هي الحرب (بيروت، منشورات عويدات، ط1، 1981)، ترجمة مروان القنواتي. ص 5.
[47] غاستون بوتول، السلم المسلح (بيروت – صيدا، المكتبة العصرية، د. ت)، تعريب أكرم الديري و محمد رائف المعرّي. ص 105.
[48] المصدر السابق نفسه، ص 106.
[49] المصدر نفسه، ص 129.
[50] المصدر نفسه، ص 131.
[51] المصدر نفسه، ص 132,
[52] المصدر نفسه، ص 134.
[53] المصدر نفسه، ص 137.
[54] ريتشارد نيد ليبو، لماذا تتحارب الأمم؟ دوافع الحرب في الماضي والمستقبل (الكويت، سلسلة عالم المعرفة، رقم 403، العام 2013)، ترحمة د. إيهاب عبد الرحيم علي. ص 239. النسخة الإنليزية من الكتاب صدرت في العام 2010.
[55] المصدر السابق نفسه، 218.ص
[56] يمكن العودة لمراسلات المنشورة في كتاب: لماذا الحرب؟ المناظرة بين فرويد وأينشتاين. ترجمة جهاد الشبيتي (الكويت، منشورات تكوين، وبيروت، منشورات الرافدين، 2018).
[57] Randa Nabbout Challita, “De l’art épistolaire entre Einstein et Freud, Pourquoi La Guerre?”.
ضمن4. كتاب: لماذا الحرب؟، مصدر مذكور. ص 11
عفيف عثمان
المصدر: الميادين نت