أ. د. عادل الأسطة - شاتيلا: (جينيه) وخوري وعاشور والحسن

وأنا أثير أسئلة عديدة تمس الكتابة عن المأساة الفلسطينية تذكرت مقالة لغسان كنفاني ورسالة لمحمود درويش.
في مقالة كنفاني "القدس بين 3 مصائب: الاحتلال والتأليف والترجمة" (فارس.. فارس، ص171) يتساءل الكاتب: "ولكن ما العمل إذا كان يتوجّب علينا حتى الآن أن نقرأ تاريخنا (الجيِّد منه والسيِّئ) مكتوباً بأقلام أجنبية".
وفي رسالة درويش "هناك.. شجرة خروب" (الرسائل، ص43، ط2 حيفا 1990) يأتي الكاتب على حوار له مع صديق يهودي (دانيال كاتس) تعود أصوله إلى فنلندا وأقام في إسرائيل، ولما سأل مهاجرين يهوداً عن زارع شجرة الخروب، وأجابوه بأنهم هم من زرعوها، عرف أنهم يكذبون، وترك (إسرائيل) وعاد إلى بلاده، وهنا يقول درويش: "ونحن الذين نحتاج إليه لنتكلم عبره عمّا يصيبنا، فهل يحق للعربي أن يتحدث في الغرب بلا شاهد يهودي؟".
من الأسئلة التي أثرتها مؤخراً السؤال التالي: من كتب رواية الشتات الفلسطيني؟
ومن كتب عن شاتيلا وصبرا أيضاً؟ الروائيون الفلسطينيون أم العرب أم الأجانب؟
أفاد إلياس خوري في كتابة روايتيه "باب الشمس" و"أولاد الغيتو" من كتابات كُتّاب إسرائيليين وعالميين، وكنت أتيت على هذا الجانب، وتوقفت أمام رواية "الطريق إلى بئر السبع" لـ (آثيل ماتين)، ومن الأدباء العالميين الذين ورد ذكرهم في الروايتين الفرنسي (جان جينيه).
في العقدين الأخيرين ترك الروائيون العرب (إلياس خوري، ورضوى عاشور، وجنى فواز الحسن) الفلسطينيين يتكلمون: خوري في روايتيه، وعاشور في "الطنطورية" وجنى في "طابق 99"، وأتت هذه الروايات الأربع على مجزرتي شاتيلا وصبرا. وقد راودني السؤال الآتي: هل كتب الأدباء الفلسطينيون، في نصوصهم الروائية، عن هاتين المجزرتين؟
يتذكر أكثرنا درويش في "مديح الظل العالي"، وفقراته في المجزرتين طغتا على ما سواها، ولا أذكر نصاً روائياً لكاتب فلسطيني صوّرهما. هل هناك سبب لهذا الغياب؟
كانت ليانة بدر كتبت رواية عن مخيم تل الزعتر "عين المرآة" (1991)، ولكني لا أعرف لها رواية صوّرت فيها مجزرتي شاتيلا وصبرا، كما لا أعرف روايات لرشاد أبو شاور أو ليحيى يخلف دارت أحداثها هناك في المخيمين، وربما احتاج الأمر إلى تقصٍّ وتتبُّع.
في العدد السابع من مجلة "الكرمل" (1983، ورئيس التحرير محمود درويش) نصّ لافت كتبه (جان جينيه) عنوانه "أربع ساعات في شاتيلا) (ص146 ـ 172 ترجمة محمد برادة)، وقد نُشر النص تحت عنوان "شهادات" صوّر فيه (جينيه) ما رآه يوم زار المخيم فور انتهاء المجزرتين.
يصلح نصّ (جينيه) مدخلاً لدراسة علاقة الكاتب بالمكان الذي يكتب عنه، وهو ما أتيت عليه سابقاً، كما أنه يفيد في دراسة شكل السارد ونوعه ومصداقيته، ففيه فقرات مهمّة جدّاً تقنعنا بما كتبه (جينيه) الذي لم يكن يكتب إلاّ بمقدار ما يرى وما يعرف وما يُجرّب. كأنه خارج من معطف الفرنسي (ديكارت) (1596 ـ 1650) الذي هجر الدراسة والعلم ولم يأخذ إلاّ بما يقتنع به، بعد مساءلة ومشاهدة وتجربة.
وما يلفت النظر في نصّ (جينيه) أسلوب الربط بين تجاربه وما شاهده وما يشاهده.
كان (جينيه) الذي زار قواعد الفدائيين في الأردن ومكث معهم ستة أشهر، كان يربط بين ما يشاهده في (شاتيلا) وما شاهده في الأردن.
ثمة فقرات استوقفتني في نصّ (جينيه) هي:
"إن الصورة الشمسية لا تلتقط الذباب، ولا رائحة الموت البيضاء والكثيفة. إنها لا تقول لنا الفقرات التي يتحتّم القيام بها عندما ننتقل من جثّة إلى أخرى" (ص148) و"لقد تحتّم عليّ أن أذهب إلى شاتيلا لأدرك بذاءة الحبّ وبذاءة الموت" (ص149) و"إنني أكتب هذا الكلام في بيروت، حيث كل شيء أكثر صدقاً مما هو عليه في فرنسا" (ص163) و"إنني لم أرَ هذا الجيش الإسرائيلي رؤية العين والأُذن غير أنني رأيت ما فعله" (ص163).. إلخ.. إلخ.
في "باب الشمس" يأتي الكاتب على شاتيلا وصبرا و(جينيه) في الصفحات 274، 419 ـ 423، ويبدي رأيه في المجزرة والكاتب (جينيه) على لسان سارد الرواية.
تزور كاترين الفرنسية الجليل من أجل "الشوا" ـ الهولوكست، وتمثل في مسرحية عن شاتيلا، وتبدي رأيها في (جينيه): "أنت تعرفه، جان جينيه غريب، لغته مدهشة، ثم هناك قدرته على الانتقال من أقسى الكلام الوحشي إلى أقسى الكلام الشعري، لكن الواقع مختلف. لا أستطيع" (ص419). وتكون كاثرين، في زيارتها لبنان، مدفوعة بهاجس التأكُّد مما قرأته في كتاب إسرائيلي هو (الدماغ الحديدي) لـ (أمنون كابليوك) حيث يذهب إلى أن 9 يهوديات كُنَّ من بين قتلى شاتيلا، كُنَّ زوجات الفلسطينيين. ويبدي السارد الفلسطيني رأي مخرج المسرحية في (جينيه): "لم يكن يُدافع عن الفلسطينيين، بل كان مجرّد مهووس بالموت والجنس.... إلخ" (ص423).
تأتي "أولاد الغيتو" على مجازر شاتيلا وزيارة (جينيه)، أيضاً (ص205)، تستثير الرائحة التي ملأت أجواء شاتيلا ذاكرة أحد الزائرين، فيتذكر ما جرى في اللد في 1948، ويربط بين ما يشم الآن، 1982، وما كان شمّه في تموز 1948.



أ. د. عادل الأسطة
2016-09-18

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى