( مقاطع من فصل من رواية سعيد وزبيدة)
حين صعد جيش العقايبة بقيادة سعيد إلى أعلى الهضبة الفسيحة المطلّة على بعض مضارب القبائل البدوية رأى ما لم يكن في الحسبان . على مسافة تقارب المائتي متر تقف مئات النساء العاريات في ثلاثة صفوف منتظمة ، وعلى مسافة منهن يقف جيش بكامل أسلحته في صفوف منتظمة أيضاً ، لا يقل تعداده عن ستمائة فارس.. أشار سعيد إلى جيشه بالتوقف وأخذ صفوفه . نظر إلى مساعده في القيادة متسائلا .
لم يعرف ملحم بماذا يجيب فلأول مرة في حياته يرى جيشاً تتقدمه نساء عاريات على مسافة أمتارمنه، غير أنه توقع أن يكون للأمرعلاقة بحرب طاحنة إذا ما تم اجتياح صفوف النساء.
قال سعيد:
- ألا يعني هذا أنهم لا يريدون القتال إلا إذا اجتحنا صفوف نسائهم ، فحينئذ سيقاتلون بكل ما لديهم من قوة.
- هذا ممكن ، لكن ماذا سنفعل ؟
- لن ننتهك أعراضهم وسنبقى واقفين على هذه المسافة من النساء، وننتظر ردة فعلهم!
- أظن أنك أحسنت التصرف يا سيدي!
فوجئ سعيد بمن دربه على الفروسية يخاطبه قائلاً سيدي!
- أرجوك أخي ملحم خاطبني باسمي وليس كسيد!
وقبل أن يسمع رد ملحم أمرالصفوف الأولى من الجيش بأن تستدير إلى الخلف لتصبح ظهورالفرسان وأعقاب الخيول في مواجهة صفوف النساء. قدّر الشيخ مناور هذا التصرّف من قائد جيش العقايبة فأمر برفع البيارق الخضر كبادرة للسلام ، ولم تمر سوى لحظات حتى ارتفعت راية خضراء كبيرة في مقدمة جيش القبائل، ليتبعها عشرات الرايات. وشرعت النساء في ارتداء ملابسهن والتراجع يميناً وشمالاً ليقفن في صفوف منتظمة إلى جانبي المسافة الفاصلة بين الجيشين ، ليصبح الجيشان أحدهما في مواجهة الآخر دون فاصل بينهما. أمر سعيد الصف الأول من جيشه بالعودة إلى وضعه الطبيعي.
تقدم الشيخ مناورممتطياً جواده متقلداً سيفه يتبعه قائد جيشه وفارس آخر، وتقدم سعيد يتبعه ملحم ومقبل وفارس آخر أيضاً.
التقى الطرفان في منتصف المسافة بين الجيشين . قدم الشيخ مناور نفسه من على ظهر جواده، قائلا:
" الشيخ مناوربن جدعان شيخ مشايخ بدو الجنوب والنقب"
رد سعيد قائلا:
- حيّاك الله يا شيخ !
تردد سعيد للحظات قبل أن يقدم نفسه ، فهل يقول أنه ابن الشيخ عاقب أم ابن العبد قعدان؟ أم فقط سعيد قائد جيش العقايبة ، وحسم أمره قائلا:
- أنا سعيد ابن الشيخ عاقب شيخ مشايخ قبيلة العقايبة وقائد جيشها.
- حياك الله أيها القائد. لقد قررنا حقن الدماء بيننا وبينكم وتلبية مطالبكم لإقامة سلام دائم بيننا..
ردّ سعيد قائلا:
- وإن استكثرتم المطالب لفدية أسراكم ولم تلبوها يا شيخ سيكون السيف وحده بيننا!
- سنلبيها بإذن الله أيها القائد ، فما هي مطالبكم ؟
- مطالبنا يا شيخ . الولاء المطلق لقبيلة العقايبة . وتقديم فدية لأسراكم ثلاثين عبداً وعشر جواردون سن الثلاثين وخمسمائة عصملية.
لم يفاجأ الشيخ بحجم الطلب فهو كان يدرك أن طلب العقايبة سيكون كبيراً لكن ليس أكبر من قدرة القبائل على دفعه.
- أعلن موافقتي على الفدية أيها القائد .. ولتتفضلوا وجيشكم إلى المضارب ضيوفاً عندنا إلى أن نجهز لكم الفدية وتتناولوا طعام الغداء .
وافق سعيد على الدعوة فيما أمر الشيخ برفع الرايات الخضر احتفالاً بالسلام لتضج النساء بين الجيشين وفي المضارب بالزغاريد وليوعز سعيد إلى مرافقات جيشه ليزغردن بدورهن ، ليتحول اليوم إلى يوم فرح لم تشهد قبائل الجنوب يوما مثله ، وليتبادل الفرسان المصافحة ويقوم بعضهم بالعاب الفروسية والمبارزة وسط زغردة النساء والفتيات وذبح العشرات من صغارالإبل والمعز ، ولتشتعل المواقد بين المضارب لطهي اللحم والأرز ، فيما انصرف آخرون لجمع العبيد والجواري من أنحاء مختلفة .. جلس سعيد وملحم وبعض كبار فرسان جيشهما في مضيفة الشيخ مناور برفقة عشرات الشيوخ إلى أن جهز طعام الغداء وأحضِر العبيد والجواري، ودفع الشيخ مناور خمسمائة عصملية لسعيد ، وزاد على ذلك بأن قدم جارية صغيرة تدعى رهام، لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، هدية للشيخ عاقب!
شكر سعيد الشيخ مناور على حسن التصرف في الظروف العصيبة وعلى حسن الضيافة وانصرف عائداً بجيشه إلى مضارب العقايبة ليستقبل بالزغاريد ولتقم الافراح والليالي الملاح لحكمة سعيد في تحقيق كل ما يريده الشيخ دون إراقة نقطة دم واحده ، ليكبر سعيد في عيني الشيخ إلى حد ليس له مثيل ، وفكر لأول مرة في حب ابنته زبيده لسعيد التي رفضت الزواج من كل من تقدم إليها وهددت بالإنتحار إذا ما أرغمها على الزواج ، من أي من هؤلاء الخطاب ، وتمنى في نفسه لو أنه لم يخص سعيد لوافق على تزويجها له ، لكن كيف بعد أن خصاه ، هل يعقل أن يزوج ابنته من خصي معدوم النسل مهما بلغت فروسيته وشجاعته وحكمته ومكانته؟
فرح الشيخ بالجواري العشر اللواتي كن على قدر من الجمال ، أما هذه الصغيرة رهام فكانت على جمال أخاذ ، فهي ستسعده في ما بقي له من أيام في هذا العمر. ولا شك أنها في حاجة إلى دروس في الغرام من سجاح. منح بعض العبيد ونصف الجواري للأقرب إليه من شيوخ العشائرفي القبيلة ، كما وزع بعض الخيول والغنائم من المعركة الاولى على أخرين ، وقام بإطلاق سراح الأسرى ، وأهدى كل واحد منهم جواداً وسيفاً ودرعاً وترساً وأمر بأن يرافقهم عشرة فرسان إلى أن يصلوا إلى ديارهم.
سجاح استقبلت سعيداً بأحضانها وراحت تقبله دون أن تكتفي من تقبيله ، ولم تعد تنبؤات عرافة حوران تخطر ببالها ، بعد أن رسخ لديها اعتقاد أن الخصي هو أول وآخر المصائب ، ويا ليت الأمر كان كذلك ، فقادم السنين قد يحمل ما هو أسوأ ! وربما أسوأ بكثير..
سعيد قرر أخذ استراحة ليمارس هواياته الموسيقية بالعزف على العود والناي والأرغول والمجوزوالربابة .. يختلي بنفسه في مكان بعيد عن الأحياء ويشرع في العزف على آلة ما ووجه زبيدة يتراءى له في خياله بين لحظة وأخرى ليمعن في العزف .. كان الناي والأرغول والمجوز من أحب الآلات إليه ... وما أن يستغرق في العزف على المجوز ليتردد صداه بين الأودية ومن سفوح الجبال حتى تشرع بعض الطيور في التحليق فوق رأسه أو تحط على مقربة منه .. أما ما لايصدق على الإطلاق فإن بعض النساء اللواتي كن يحتطبن في واد أوأخدود أو سفح أو حتى ترعة ما، فكن ما أن يسمعن العزف حتى ينزعن ثيابهن ويجلسن عاريات خاشعات.
****
حين صعد جيش العقايبة بقيادة سعيد إلى أعلى الهضبة الفسيحة المطلّة على بعض مضارب القبائل البدوية رأى ما لم يكن في الحسبان . على مسافة تقارب المائتي متر تقف مئات النساء العاريات في ثلاثة صفوف منتظمة ، وعلى مسافة منهن يقف جيش بكامل أسلحته في صفوف منتظمة أيضاً ، لا يقل تعداده عن ستمائة فارس.. أشار سعيد إلى جيشه بالتوقف وأخذ صفوفه . نظر إلى مساعده في القيادة متسائلا .
لم يعرف ملحم بماذا يجيب فلأول مرة في حياته يرى جيشاً تتقدمه نساء عاريات على مسافة أمتارمنه، غير أنه توقع أن يكون للأمرعلاقة بحرب طاحنة إذا ما تم اجتياح صفوف النساء.
قال سعيد:
- ألا يعني هذا أنهم لا يريدون القتال إلا إذا اجتحنا صفوف نسائهم ، فحينئذ سيقاتلون بكل ما لديهم من قوة.
- هذا ممكن ، لكن ماذا سنفعل ؟
- لن ننتهك أعراضهم وسنبقى واقفين على هذه المسافة من النساء، وننتظر ردة فعلهم!
- أظن أنك أحسنت التصرف يا سيدي!
فوجئ سعيد بمن دربه على الفروسية يخاطبه قائلاً سيدي!
- أرجوك أخي ملحم خاطبني باسمي وليس كسيد!
وقبل أن يسمع رد ملحم أمرالصفوف الأولى من الجيش بأن تستدير إلى الخلف لتصبح ظهورالفرسان وأعقاب الخيول في مواجهة صفوف النساء. قدّر الشيخ مناور هذا التصرّف من قائد جيش العقايبة فأمر برفع البيارق الخضر كبادرة للسلام ، ولم تمر سوى لحظات حتى ارتفعت راية خضراء كبيرة في مقدمة جيش القبائل، ليتبعها عشرات الرايات. وشرعت النساء في ارتداء ملابسهن والتراجع يميناً وشمالاً ليقفن في صفوف منتظمة إلى جانبي المسافة الفاصلة بين الجيشين ، ليصبح الجيشان أحدهما في مواجهة الآخر دون فاصل بينهما. أمر سعيد الصف الأول من جيشه بالعودة إلى وضعه الطبيعي.
تقدم الشيخ مناورممتطياً جواده متقلداً سيفه يتبعه قائد جيشه وفارس آخر، وتقدم سعيد يتبعه ملحم ومقبل وفارس آخر أيضاً.
التقى الطرفان في منتصف المسافة بين الجيشين . قدم الشيخ مناور نفسه من على ظهر جواده، قائلا:
" الشيخ مناوربن جدعان شيخ مشايخ بدو الجنوب والنقب"
رد سعيد قائلا:
- حيّاك الله يا شيخ !
تردد سعيد للحظات قبل أن يقدم نفسه ، فهل يقول أنه ابن الشيخ عاقب أم ابن العبد قعدان؟ أم فقط سعيد قائد جيش العقايبة ، وحسم أمره قائلا:
- أنا سعيد ابن الشيخ عاقب شيخ مشايخ قبيلة العقايبة وقائد جيشها.
- حياك الله أيها القائد. لقد قررنا حقن الدماء بيننا وبينكم وتلبية مطالبكم لإقامة سلام دائم بيننا..
ردّ سعيد قائلا:
- وإن استكثرتم المطالب لفدية أسراكم ولم تلبوها يا شيخ سيكون السيف وحده بيننا!
- سنلبيها بإذن الله أيها القائد ، فما هي مطالبكم ؟
- مطالبنا يا شيخ . الولاء المطلق لقبيلة العقايبة . وتقديم فدية لأسراكم ثلاثين عبداً وعشر جواردون سن الثلاثين وخمسمائة عصملية.
لم يفاجأ الشيخ بحجم الطلب فهو كان يدرك أن طلب العقايبة سيكون كبيراً لكن ليس أكبر من قدرة القبائل على دفعه.
- أعلن موافقتي على الفدية أيها القائد .. ولتتفضلوا وجيشكم إلى المضارب ضيوفاً عندنا إلى أن نجهز لكم الفدية وتتناولوا طعام الغداء .
وافق سعيد على الدعوة فيما أمر الشيخ برفع الرايات الخضر احتفالاً بالسلام لتضج النساء بين الجيشين وفي المضارب بالزغاريد وليوعز سعيد إلى مرافقات جيشه ليزغردن بدورهن ، ليتحول اليوم إلى يوم فرح لم تشهد قبائل الجنوب يوما مثله ، وليتبادل الفرسان المصافحة ويقوم بعضهم بالعاب الفروسية والمبارزة وسط زغردة النساء والفتيات وذبح العشرات من صغارالإبل والمعز ، ولتشتعل المواقد بين المضارب لطهي اللحم والأرز ، فيما انصرف آخرون لجمع العبيد والجواري من أنحاء مختلفة .. جلس سعيد وملحم وبعض كبار فرسان جيشهما في مضيفة الشيخ مناور برفقة عشرات الشيوخ إلى أن جهز طعام الغداء وأحضِر العبيد والجواري، ودفع الشيخ مناور خمسمائة عصملية لسعيد ، وزاد على ذلك بأن قدم جارية صغيرة تدعى رهام، لم تتجاوز السادسة عشرة من عمرها، هدية للشيخ عاقب!
شكر سعيد الشيخ مناور على حسن التصرف في الظروف العصيبة وعلى حسن الضيافة وانصرف عائداً بجيشه إلى مضارب العقايبة ليستقبل بالزغاريد ولتقم الافراح والليالي الملاح لحكمة سعيد في تحقيق كل ما يريده الشيخ دون إراقة نقطة دم واحده ، ليكبر سعيد في عيني الشيخ إلى حد ليس له مثيل ، وفكر لأول مرة في حب ابنته زبيده لسعيد التي رفضت الزواج من كل من تقدم إليها وهددت بالإنتحار إذا ما أرغمها على الزواج ، من أي من هؤلاء الخطاب ، وتمنى في نفسه لو أنه لم يخص سعيد لوافق على تزويجها له ، لكن كيف بعد أن خصاه ، هل يعقل أن يزوج ابنته من خصي معدوم النسل مهما بلغت فروسيته وشجاعته وحكمته ومكانته؟
فرح الشيخ بالجواري العشر اللواتي كن على قدر من الجمال ، أما هذه الصغيرة رهام فكانت على جمال أخاذ ، فهي ستسعده في ما بقي له من أيام في هذا العمر. ولا شك أنها في حاجة إلى دروس في الغرام من سجاح. منح بعض العبيد ونصف الجواري للأقرب إليه من شيوخ العشائرفي القبيلة ، كما وزع بعض الخيول والغنائم من المعركة الاولى على أخرين ، وقام بإطلاق سراح الأسرى ، وأهدى كل واحد منهم جواداً وسيفاً ودرعاً وترساً وأمر بأن يرافقهم عشرة فرسان إلى أن يصلوا إلى ديارهم.
سجاح استقبلت سعيداً بأحضانها وراحت تقبله دون أن تكتفي من تقبيله ، ولم تعد تنبؤات عرافة حوران تخطر ببالها ، بعد أن رسخ لديها اعتقاد أن الخصي هو أول وآخر المصائب ، ويا ليت الأمر كان كذلك ، فقادم السنين قد يحمل ما هو أسوأ ! وربما أسوأ بكثير..
سعيد قرر أخذ استراحة ليمارس هواياته الموسيقية بالعزف على العود والناي والأرغول والمجوزوالربابة .. يختلي بنفسه في مكان بعيد عن الأحياء ويشرع في العزف على آلة ما ووجه زبيدة يتراءى له في خياله بين لحظة وأخرى ليمعن في العزف .. كان الناي والأرغول والمجوز من أحب الآلات إليه ... وما أن يستغرق في العزف على المجوز ليتردد صداه بين الأودية ومن سفوح الجبال حتى تشرع بعض الطيور في التحليق فوق رأسه أو تحط على مقربة منه .. أما ما لايصدق على الإطلاق فإن بعض النساء اللواتي كن يحتطبن في واد أوأخدود أو سفح أو حتى ترعة ما، فكن ما أن يسمعن العزف حتى ينزعن ثيابهن ويجلسن عاريات خاشعات.
****