في أوائل التسعينات بعد أداء صلاة العصر كنت أمضي بشارع التعمير الصحاري بخطى متمهلة، أنفق الوقت تحت ظلال أشجار الصفصاف الشاهقة التي تقف على جانبي الطريق الممتد حارسة لأزمنة مرت من هنا.
استريح قليلا جالسا على التلتوار أحدق في اللاشيء أو أتأمل السيارات المنطلقة أو أنظر نحو السماء المرصعة بأسراب من الطيور والعصافير في رحلة عودتها بطانا بعد انتهاء يوم عمل شاق .
كان أهم ما يميز تلك الأوقات هو قرآن المغرب القادم من ميكرفون جامع التعمير ومأذنة الجامع الشرقي لتلتقي القراءة المجودة وتتوحد كصوت وصداه، هذا القرآن الصافي المنطلق عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من القاهرة يكون في الأغلب لأحد أعمدة دولة التلاوة الخمس الكبار بأصواتهم الخالدة، يسبقه ويليه ابتهالات تصعد بالروح الشفيفة نحو السماء يترنم بها عمالقة الإنشاد الديني نصر الدين طوبار وسيد النقشبندي ومحمد عمران وطه الفشني وبطانته...
في الشارع المقابل لمحطة مترو وادي حوف يتربع هناك على ناصيته برميل عرقسوس، يغترف من أعماقه في همة رجل عجوز يرتدي جلباب بلدي يكشف عن صدره، ويشمر اكمامه الفضفاضة، يعاونه ابنه الشاب وهما يقدمان للسيارات المصطفة والمارة أكياس وأكياس من المشروب المختمر دون مقابل.
أعود بعدها من حيث أتيت لأجد شباب يقطنون الشوارع الجانبية، يقفون على رؤوسها عند المطبات حوزتهم أكياس صغيرة بها بضع تمور وزجاجات مياه فاترة تناسب ربيع مارس، وهم يلوحون بأياديهم لسائقي المركبات ليستوقفونهم أو يلقون بها عنوة داخل العربات ليكون لهم السبق في الفوز بثواب إفطار صائم .
أذكر بوضوح عندما تحدثت إلى أحدهم قال لي عبارة هزتني.. حين قلت له أن ما يقدمونه ليس إفطارا بالمعنى الحقيقي لخلوه من وجبة الإفطار نفسها وهو ما تقوم به موائد الرحمن العامرة على امتداد الطريق ذاته!
قال...
- اتقوا النار ولو بشق تمرة .
استريح قليلا جالسا على التلتوار أحدق في اللاشيء أو أتأمل السيارات المنطلقة أو أنظر نحو السماء المرصعة بأسراب من الطيور والعصافير في رحلة عودتها بطانا بعد انتهاء يوم عمل شاق .
كان أهم ما يميز تلك الأوقات هو قرآن المغرب القادم من ميكرفون جامع التعمير ومأذنة الجامع الشرقي لتلتقي القراءة المجودة وتتوحد كصوت وصداه، هذا القرآن الصافي المنطلق عبر أثير إذاعة القرآن الكريم من القاهرة يكون في الأغلب لأحد أعمدة دولة التلاوة الخمس الكبار بأصواتهم الخالدة، يسبقه ويليه ابتهالات تصعد بالروح الشفيفة نحو السماء يترنم بها عمالقة الإنشاد الديني نصر الدين طوبار وسيد النقشبندي ومحمد عمران وطه الفشني وبطانته...
في الشارع المقابل لمحطة مترو وادي حوف يتربع هناك على ناصيته برميل عرقسوس، يغترف من أعماقه في همة رجل عجوز يرتدي جلباب بلدي يكشف عن صدره، ويشمر اكمامه الفضفاضة، يعاونه ابنه الشاب وهما يقدمان للسيارات المصطفة والمارة أكياس وأكياس من المشروب المختمر دون مقابل.
أعود بعدها من حيث أتيت لأجد شباب يقطنون الشوارع الجانبية، يقفون على رؤوسها عند المطبات حوزتهم أكياس صغيرة بها بضع تمور وزجاجات مياه فاترة تناسب ربيع مارس، وهم يلوحون بأياديهم لسائقي المركبات ليستوقفونهم أو يلقون بها عنوة داخل العربات ليكون لهم السبق في الفوز بثواب إفطار صائم .
أذكر بوضوح عندما تحدثت إلى أحدهم قال لي عبارة هزتني.. حين قلت له أن ما يقدمونه ليس إفطارا بالمعنى الحقيقي لخلوه من وجبة الإفطار نفسها وهو ما تقوم به موائد الرحمن العامرة على امتداد الطريق ذاته!
قال...
- اتقوا النار ولو بشق تمرة .