1-نحو تأسيس علم المصطلح
يقول فولتير
-قبل أن تحدثني,عرفني على قاموسك
المصطلح هو ما اصطلح عليه القوم,أي أنه مشتق من الصلح عكس الإختلاف الذي يؤدي إلى خلاف. أي أنهم تصالحوا على مفردة لا يختلف عليها الباحثين في تناولها إلا إختلافات ثانوية غير مذهبية.(1)
إذا قلنا أن كل شيء عبارة عن بنية وهيكل,افترضنا أن الفلسفة بنيتها المصطلح وهيكلها النظرية. المصطلح هو الذي يحدد الكلمات المستخدمة لإيصال أفكار معينة بين المرسل والمستقبل,والتفاعل من خلال هذه الأفكار لإنتاج أفكار أخرى ثمار الأولى سواء نتائج أو تطبيقات. هذا التفاعل يحدث عبر نظام فكري عُبر عنه في ثلاثة مصطلحات أساسية
-المصطلح الفلسفي
-النموذج الفكري
-النظرية
بالتدرج من الأولى إلى الأخيرة. حيث النموذج الفكري أو النموذج النظري (بارادايم Paradigm) هو الإطار الفكري الذي تنطلق منه الأطروحة نحو فهم ظاهرة ما. ثم النظرية وهي تطوير لمجموعة من القوانين خرجت لتفسير أو تحليل هذه الظاهرة. وتحدث الروابط بين هذه القوانين إستنادا إلى جهاز مفاهيمي يجمع هذه المصطلحات في سلسلة أو شبكة متصلة ومنطقية. أي أن المصطلح يكون مرتبطا بالعديد من المصطلحات الأخرى داخل نظام فكري معقد يتميز به الإنسان.
وهذه هي المشكلة الأولى .. أي بيان أهمية المصطلح الفلسفي وتأسيس علم مستقل بذاته مخصص له. خاصة مع إرتباط الجهاز المفاهيمي بإحدى العمليات الأربعة الكبرى في التفكير السليم للإنسان. أي إنشاء المفاهيم المرتبط أصلا بـ (التجريد).
ويحمل المصطلح الفلسفي أهمية كبيرة لدرجة أن ذهب البعض إلى تعريف الفلسفة على أنها (إبداع المفاهيم). وهو ما بات يشغلني مؤخرا حيث لاحظت -كما يلاحظ أي طالب للعلم- جريان هذه المفاهيم على ثلاثة حقول معرفية
-علم المشكلات الفلسفية يطرح الأسئلة ويبحث عن المزيد من المشاكل الفلسفية أو يختلقها
-علم المفاهيم الفلسفية يصيغ مصطلحات في محاولة لإيجاد حلول أو إيجابات
-علم الموسوعات الفلسفية يجمع آخر ما وصلنا إليه
ونضيف إليهم علم المصادر الفلسفية,الذي يأتي قبل وبعد هذه العلوم الثلاثة.
-علم المصادر الفلسفية يبحث في أساسيات ما بلغنا من الفلسفة
أي أنه,وكما يجمع المعارف الفلسفية مثله مثل الموسوعات,ولكنه أيضا يحقق في أمرها.
حيث المشكلة الثانية أن هناك علوم أخرى عديدة متصلة بعلم المصطلح الفلسفي بشكل يتشابك ويتشعب في مستويات عالية من التجريد والتعقيد. ومن ذلك
-اللسانيات
-علم المعاجم
-علوم اللغة
-المنطق
-علم المعرفة
-علم الدلالة
-علم تطور دلالات الألفاظ
-علم التأصيل / التأثيل
-الإبستمولوجيا
-علم الإدراك
-علم المكتبات والمعلومات
-الفلسفة
-الميتافيزيقا
-علم الإجتماع
-علم النفس
-علم الإتصالات
-الثقافة
ولكل ما سبق,تكاد تكون المفاهيم بالفعل أفضل معرف للفلسفة,كونها تطرح تساؤلات مستمرة ومتجددة حول كل شيء. الفلسفة هي طرح الأسئلة. ونحن نسأل أول ما نسأل عن (ما هذا؟) أو (ما هو؟) أي السؤال عن (الماهيات) وهو أول ما شغل الفلاسفة من أولهم إلى آخرهم. وكما يقول الفيلسوف الألماني الكبير كارل ياسبرس "الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة،إن كل جواب يصبح سؤالاً جديداً". حيث يطرح ياسبرس في موضع آخر إجابة حول ماهية الفلسفة بالقول "إن عدد تعاريف الفلسفة يكاد يساوي عدد الفلاسفة".
وهو ما خلص إليه أيضا الفيلسوف الحداثي جيل دولوز في كتابه (ما الفلسفة؟). وأتفق مع ما يقول بشير الكبيسي,أحد مدوني الجزيرة,في مقاله (السفسطة والفلسفة) مفرقا بين الإثنين,محددا للأسئلة الفلسفية تميزها بصفتين أساسيتين
"أولاهما: الاستمرار في التساؤل وطرح المشاكل الفكرية،تلك المشاكل التي تثيرها الواحدة تلو الأخرى،ثانيتهما: تجاوز المشاكل الجزئية والإرتقاء بأسئلته إلى مستوى المشاكل العامة، التي لا تخص فرداً بعينه،بل تخص الإنسان،أو الإنسانية جمعاء."
لذا يعد علم الإصطلاح إجابة تقريبية على السؤال الشهير حول ماهية الفلسفة
-ما جدوى الفلسفة؟
وإذا كان المصطلح الفلسفي -بشكل أو بآخر- حل إشكالية مهمة في الفلسفة,إلا أنها في ذاتها تطرح مجموعة من الإشكاليات,مثل
2-نحو توحيد المفاهيم الفلسفية
وحلها متمثل في صك المصطلح الفلسفي نفسه,من أجل عملة موحدة لمختلف التيارات والإستعمالات الفلسفية والنظرية كما أشرنا أعلاه. أو كما وضحنا بحاجة الإنسان إلى (نقود عقلية) في مقال آخر.
تتوزع هذه المشكلة على ثلاثة محاور أساسية
أولا هو الإختلاف بين مصطلحات الشرق والغرب,بل والتباين بين مصطلحات المدارس المتعددة عند هذا أو ذاك. وذلك نحو فصل بين المصطلح الغربي والعربي.
ثانيا هو الإختلاف بين المصطلحات القديمة والحديثة. وكان العرب هم أكثر الناس ميلا للتوفيقية,في محاولة التوفيق بين القديم والجديد. وهم أكثر الناس تعلقا بالتراث في محاولة إحياءه مرة أخرى. لذا تجدهم دوما يرجعون إلى تراث السلف,وهو ما انتقده محمد كامل حسين,فيقول في هذا الصدد,وبتشاؤم. "أما البحث في بطون الكتب القديمة فقد انتهى عهده, وفيه عيوب كثيرة؛لأن مصطلحات القدماء تقوم على تصورات قضي عليها من قديم. وإذا أردنا إحياءها من جديد كان الخلط واللبس. والطبيب المعاصر يستحيل عليه أن يتقمص روح الطبيب القديم فيفهم علمه,ولو فهمه لفسد عليه تفكيره.(2) ويعقب الدكتور يوسف وغليسي على هذا الوضع "بل من الممكن أن تنعدم هذه الحالة أصلا؛إذ يصعب وربما يستحيل العثور على حد اصطلاحي عربي قديم مطابق تماما للمفهوم الغربي الجديد!"(3)
ثالثا توحيد التصورات الناتجة عن مجموعة مختارة من المصطلحات,وقد حاول فيتجنشتاين,إنطلاقا من اللغة,فهم هذه المسألة. وإنتهى إلى القول أنه (لو تكلم الأسد لما فهمناه) لأن كل واحد يفكر إنطلاقا من سياقات معرفية ومجتمعية مختلفة,تعطي تركيبا أكثر تعقيدا لدى الإنسان عن الحيوان. وهو ما يتوافق مع قول هيدغر إن الجواب عن سؤال ماهية الفلسفة شروع في التفلسف.
3-نحو الإستقلال الفلسفي
ويبدوا أن هذه هي المشكلة الأكثر إلحاحا حاليا,وربما يلزم أن نبدأ بها لا ما نختم بها,والله أعلم بما سيكون. ولكن إبتداءا نجهز لعمل (تتبع زمني للإشتغال العربي بالمصطلح الفلسفي) ننشره لاحقا.
المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ينظر كتاب إشكالية المصطلح في الفكر العربي.
2- إشكالية المصطلح في الفكر العربي / علي بن إبراهيم النملة / دار بيسان,الفصل الأول,ص 46.
3- إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي / يوسف وغليسي / الفصل الثاني,ص 71.
يقول فولتير
-قبل أن تحدثني,عرفني على قاموسك
المصطلح هو ما اصطلح عليه القوم,أي أنه مشتق من الصلح عكس الإختلاف الذي يؤدي إلى خلاف. أي أنهم تصالحوا على مفردة لا يختلف عليها الباحثين في تناولها إلا إختلافات ثانوية غير مذهبية.(1)
إذا قلنا أن كل شيء عبارة عن بنية وهيكل,افترضنا أن الفلسفة بنيتها المصطلح وهيكلها النظرية. المصطلح هو الذي يحدد الكلمات المستخدمة لإيصال أفكار معينة بين المرسل والمستقبل,والتفاعل من خلال هذه الأفكار لإنتاج أفكار أخرى ثمار الأولى سواء نتائج أو تطبيقات. هذا التفاعل يحدث عبر نظام فكري عُبر عنه في ثلاثة مصطلحات أساسية
-المصطلح الفلسفي
-النموذج الفكري
-النظرية
بالتدرج من الأولى إلى الأخيرة. حيث النموذج الفكري أو النموذج النظري (بارادايم Paradigm) هو الإطار الفكري الذي تنطلق منه الأطروحة نحو فهم ظاهرة ما. ثم النظرية وهي تطوير لمجموعة من القوانين خرجت لتفسير أو تحليل هذه الظاهرة. وتحدث الروابط بين هذه القوانين إستنادا إلى جهاز مفاهيمي يجمع هذه المصطلحات في سلسلة أو شبكة متصلة ومنطقية. أي أن المصطلح يكون مرتبطا بالعديد من المصطلحات الأخرى داخل نظام فكري معقد يتميز به الإنسان.
وهذه هي المشكلة الأولى .. أي بيان أهمية المصطلح الفلسفي وتأسيس علم مستقل بذاته مخصص له. خاصة مع إرتباط الجهاز المفاهيمي بإحدى العمليات الأربعة الكبرى في التفكير السليم للإنسان. أي إنشاء المفاهيم المرتبط أصلا بـ (التجريد).
ويحمل المصطلح الفلسفي أهمية كبيرة لدرجة أن ذهب البعض إلى تعريف الفلسفة على أنها (إبداع المفاهيم). وهو ما بات يشغلني مؤخرا حيث لاحظت -كما يلاحظ أي طالب للعلم- جريان هذه المفاهيم على ثلاثة حقول معرفية
-علم المشكلات الفلسفية يطرح الأسئلة ويبحث عن المزيد من المشاكل الفلسفية أو يختلقها
-علم المفاهيم الفلسفية يصيغ مصطلحات في محاولة لإيجاد حلول أو إيجابات
-علم الموسوعات الفلسفية يجمع آخر ما وصلنا إليه
ونضيف إليهم علم المصادر الفلسفية,الذي يأتي قبل وبعد هذه العلوم الثلاثة.
-علم المصادر الفلسفية يبحث في أساسيات ما بلغنا من الفلسفة
أي أنه,وكما يجمع المعارف الفلسفية مثله مثل الموسوعات,ولكنه أيضا يحقق في أمرها.
حيث المشكلة الثانية أن هناك علوم أخرى عديدة متصلة بعلم المصطلح الفلسفي بشكل يتشابك ويتشعب في مستويات عالية من التجريد والتعقيد. ومن ذلك
-اللسانيات
-علم المعاجم
-علوم اللغة
-المنطق
-علم المعرفة
-علم الدلالة
-علم تطور دلالات الألفاظ
-علم التأصيل / التأثيل
-الإبستمولوجيا
-علم الإدراك
-علم المكتبات والمعلومات
-الفلسفة
-الميتافيزيقا
-علم الإجتماع
-علم النفس
-علم الإتصالات
-الثقافة
ولكل ما سبق,تكاد تكون المفاهيم بالفعل أفضل معرف للفلسفة,كونها تطرح تساؤلات مستمرة ومتجددة حول كل شيء. الفلسفة هي طرح الأسئلة. ونحن نسأل أول ما نسأل عن (ما هذا؟) أو (ما هو؟) أي السؤال عن (الماهيات) وهو أول ما شغل الفلاسفة من أولهم إلى آخرهم. وكما يقول الفيلسوف الألماني الكبير كارل ياسبرس "الأسئلة في الفلسفة أهم من الأجوبة،إن كل جواب يصبح سؤالاً جديداً". حيث يطرح ياسبرس في موضع آخر إجابة حول ماهية الفلسفة بالقول "إن عدد تعاريف الفلسفة يكاد يساوي عدد الفلاسفة".
وهو ما خلص إليه أيضا الفيلسوف الحداثي جيل دولوز في كتابه (ما الفلسفة؟). وأتفق مع ما يقول بشير الكبيسي,أحد مدوني الجزيرة,في مقاله (السفسطة والفلسفة) مفرقا بين الإثنين,محددا للأسئلة الفلسفية تميزها بصفتين أساسيتين
"أولاهما: الاستمرار في التساؤل وطرح المشاكل الفكرية،تلك المشاكل التي تثيرها الواحدة تلو الأخرى،ثانيتهما: تجاوز المشاكل الجزئية والإرتقاء بأسئلته إلى مستوى المشاكل العامة، التي لا تخص فرداً بعينه،بل تخص الإنسان،أو الإنسانية جمعاء."
لذا يعد علم الإصطلاح إجابة تقريبية على السؤال الشهير حول ماهية الفلسفة
-ما جدوى الفلسفة؟
وإذا كان المصطلح الفلسفي -بشكل أو بآخر- حل إشكالية مهمة في الفلسفة,إلا أنها في ذاتها تطرح مجموعة من الإشكاليات,مثل
2-نحو توحيد المفاهيم الفلسفية
وحلها متمثل في صك المصطلح الفلسفي نفسه,من أجل عملة موحدة لمختلف التيارات والإستعمالات الفلسفية والنظرية كما أشرنا أعلاه. أو كما وضحنا بحاجة الإنسان إلى (نقود عقلية) في مقال آخر.
تتوزع هذه المشكلة على ثلاثة محاور أساسية
أولا هو الإختلاف بين مصطلحات الشرق والغرب,بل والتباين بين مصطلحات المدارس المتعددة عند هذا أو ذاك. وذلك نحو فصل بين المصطلح الغربي والعربي.
ثانيا هو الإختلاف بين المصطلحات القديمة والحديثة. وكان العرب هم أكثر الناس ميلا للتوفيقية,في محاولة التوفيق بين القديم والجديد. وهم أكثر الناس تعلقا بالتراث في محاولة إحياءه مرة أخرى. لذا تجدهم دوما يرجعون إلى تراث السلف,وهو ما انتقده محمد كامل حسين,فيقول في هذا الصدد,وبتشاؤم. "أما البحث في بطون الكتب القديمة فقد انتهى عهده, وفيه عيوب كثيرة؛لأن مصطلحات القدماء تقوم على تصورات قضي عليها من قديم. وإذا أردنا إحياءها من جديد كان الخلط واللبس. والطبيب المعاصر يستحيل عليه أن يتقمص روح الطبيب القديم فيفهم علمه,ولو فهمه لفسد عليه تفكيره.(2) ويعقب الدكتور يوسف وغليسي على هذا الوضع "بل من الممكن أن تنعدم هذه الحالة أصلا؛إذ يصعب وربما يستحيل العثور على حد اصطلاحي عربي قديم مطابق تماما للمفهوم الغربي الجديد!"(3)
ثالثا توحيد التصورات الناتجة عن مجموعة مختارة من المصطلحات,وقد حاول فيتجنشتاين,إنطلاقا من اللغة,فهم هذه المسألة. وإنتهى إلى القول أنه (لو تكلم الأسد لما فهمناه) لأن كل واحد يفكر إنطلاقا من سياقات معرفية ومجتمعية مختلفة,تعطي تركيبا أكثر تعقيدا لدى الإنسان عن الحيوان. وهو ما يتوافق مع قول هيدغر إن الجواب عن سؤال ماهية الفلسفة شروع في التفلسف.
3-نحو الإستقلال الفلسفي
ويبدوا أن هذه هي المشكلة الأكثر إلحاحا حاليا,وربما يلزم أن نبدأ بها لا ما نختم بها,والله أعلم بما سيكون. ولكن إبتداءا نجهز لعمل (تتبع زمني للإشتغال العربي بالمصطلح الفلسفي) ننشره لاحقا.
المصادر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- ينظر كتاب إشكالية المصطلح في الفكر العربي.
2- إشكالية المصطلح في الفكر العربي / علي بن إبراهيم النملة / دار بيسان,الفصل الأول,ص 46.
3- إشكالية المصطلح في الخطاب النقدي العربي / يوسف وغليسي / الفصل الثاني,ص 71.