يعج الخطاب الاعلامي الجديد بالكلام عن فكرة نهاية العالم ودمار البشرية وزوال الوجود البشري، يستلهم هذا الإعلام أقوال المنجمين وقراءة أقوال القدماء والجدد من العرافين، ومن أولئك الذين يحلمون بالخلاص، وانتصار الخير على الشر، وهنا يصعب التنصيف والتمييز بين قوى الخير وقوى الشر. يتفنن هذا الإعلام في وضع العناوين العريضة، وما يقال على أفواه العرافين والكهنة، ونبوءات الكتب المقدسة، نهاية العالم وشيكة، انطفاء شعلة الوجود، نهاية الانسان والدولة والحضارات، وكل المنجزات التي راكمها الناس بالخبرة والقدرة،، ولعل البداية واضحة للكل من تزايد شرارة الحرب الروسية الاكرانية ودخول الغرب طرفا فيها، فلا يملك الانسان مقاومة ذلك في سياق التهديد النووي المتزايد من الحرب الضارية التي يعتبرها المتحاربون مسألة وجودية وتهديد صريح من قبل الغرب المتواجد على الحدود الروسية، وأنها حرب لأجل السيادة وحرية الاختيار للنظام السياسي الملائم والانتماء بدون موانع أو قيود وهمية تحت ذريعة محاصرة روسيا وشل قدراتها، هذا الاعلام يقدم نفسه كمنبه للبشرية، وفي نفس الوقت يثير في المشاهد الرغبة في المتابعة، والزيادة للاشتراك في القنوات، تتناسل القنوات الالكترونية، ويتفاعل الناس على شبكات التواصل، ينفلت هذا الاعلام الجديد من الرقابة وأدبيات الاعلام التقليدي، يتم استدعاء العرافين للقراءة في اخر التطورات واستطلاع خبايا المستقبل، كما يقدم العرافون أنفسهم بكونهم من ذوي الخبرة والمعرفة في علم التنجيم وخصائص الأبراج الفلكية، يهتمون بالوقائع، ويبحثون في تاريخ التنجيم وقدرة العراف على الإخبار، يقدمون أنفسهم بتواضع ويلتمسون في أقوالهم حقائق مستقبلية على المستوى المحلي والعالمي، يتنبؤون بالكوارث والأوبئة وسقوط الانظمة ونهاية الجبابرة، يعتبرون قراءة الطالع كنوع من الكرامات وعلم لا يفهم قيمته الا المتبحر في التنجيم واستباق الاحداث، هناك من تنبأ بنهاية العالم في 2012 وفي2020، وهناك من المستبصرين من يدعون اللقاء بكائنات فضائية . في تصديق شطحاتهم وتخميناتهم ننصح بدراسة موضوعية للعقليات وكل ما طرأ على الفكر العقلاني من تغير يصب في تنامي هذا الفعل .
هيمن موضوع النهايات على الفكر الفلسفي المعاصر، وكل من وجد في خطاب النهايات مجالا للتقويض والهدم وإعادة البناء، مجالا لكل من يرفض الثبات والاتصال، لمن يرغب في طرح فكرة الاكتمال والتجلي، ولكل فكر يقيني يميل للتنميط والتعميم، النهايات تعني التعاقب والتزامن، التتالي والتتابع مع الانعطاف نحو مسارات جديدة، يتغير بموجبه التفكير وكل الأشياء الخاصة بالبنية الفوقية، تتبدل الأنظمة ويتم فسح المجال للفكر المهيمن، وما يعتقد البعض بهيمنة النسق أو النمط العقلاني المثالي. فالنهايات تشمل مجالات عدة كنهاية التاريخ ونهاية الدولة ونهاية الايديولوجيا ونهاية الفرد والفلسفة. البديل هنا يتبلور من الفوضى والتشتت، ومن التعميم والشمولية، نوع من الانسداد والعجز يدفع الانسان للتغيير والتجديد، وهذا الأمر يقضي على التنوع والتعدد في العقول والأفكار والثقافات عندما يتم الاجهاز على الأسس أو حينما يقدم النموذج المثالي بديلا وحيدا، هناك تفاعلات وصراعات تؤدي للتغير لا مفر منها، عالمنا يقبل التغير والتدافع، لا بد من التقابل بين البدايات والنهايات، ولا شيء يلوح في الأفق عن النهاية القطعية سوى ما يرمي اليه الانسان في حياة جديدة بنمط فكري واقتصادي يراعي للتنوع، معالم مغايرة بأدوات معرفية بديلة، ولا يقتصر الأمر على نهاية للوجود البشري إلا أن النهاية تشمل مجالات عدة كنهاية الحداثة والتهليل لعالم ما بعد الحداثة، عندما يمتلك الانسان الأعلى زمام القيادة والسيطرة على ذاته بفضل إرادة القوة المعبرة عن القدرة في التغيير والاعلاء من الحياة ومبدأ اللذة، شذرات من أقوال بعض الفلاسفة في الرقي بالإنسان نحو الأعلى، أحلام للمستقبل وتباشير الرؤية البعيدة للسيادة على الأشياء عندما يصبح الفيلسوف طبيب ذاته وطبيب الحضارة، يبعث في الثقافة الهزيلة قوة معنوية جديدة مفعمة بالحيوية والاندفاع، يزيد جرعة في النمو المعرفي والنفسي للفرد، يكشف المعنى الخفي لقيم الخنوع والشفقة، ينظر الى ما وراء الخير والشر، هكذا نفهم البدايات بالعودة للنهاية الحتمية للقيم النابعة من الافلاطونية والمسيحية والتبشير بالقيم الجديدة الخاصة بالعقول الحرة حسب الأهداف والغايات التي يأملها الفيلسوف نيتشه في الهدم والبناء، وكل الحالمين في عالم مثالي تترسخ فيه إرادة القوة كمعرفة وحقيقة، بعدما هيمنت على العالم إرادة الضعفاء .
هوس النهاية في الاعلام العربي والعالمي وشبكات التواصل الاجتماعي وما يتعلق بالمنجمين والعرافين واقعي، عرض للتنبؤات، من نوستراداموس وفانغا إلى ليلى عبد اللطيف والقائمة طويلة، إنهم يبسطون التخمينات وقراءة الطالع من التأملات الفلكية التي تنم كما يعتقدون عن معرفة بعلم التنجيم والرؤية في ثنايا الحقيقة وأحداث العالم، يعاينون الوقائع ويرسمون صورة متخيلة عن المستقبل، يحذرون من شيء جلل، القياس هنا ليس رياضيا أو عبارة عن فرضيات محكمة، إنه قراءة في الأفلاك ومصادر لا يكشفون عنها لأنهم يعتبرونها من أسرار المعرفة، نحن في الدقائق الأخيرة من عمر الكون أو نحن في اخر الزمان، حيث تشتعل الحروب والمعارك بين أهل الايمان والدجال، صراع بين الخير والشر، ولذلك يعتبر بعض رجال السياسة في الغرب والكثير من المؤمنين الغربيين أن معركة "هرمجدون" قريبة، وقد حذر الرئيس "بايدن" من نهاية العالم إذا أقبلت روسيا على استعمال السلاح النووي، وانتهى الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين لنفس الفكرة داعيا العرب والمسلمين لمواجهة أتباع الدجال، مواجهة قوى الشر الراغبة في تبديل القيم العالمية، قيم الأسرة والعائلة، تلك القيم الخاصة بالأمم والحضارات الضاربة جذورها في التاريخ تحت شعار الحرية وحقوق الفرد المطلقة.
تعج الأخبار وشبكات التواصل بعناوين نهاية العالم، عناوين بتعليقات مختلفة، بين قراءة العرافين والمنجمين، وقراءة الشيوخ ورجال الدين عن المعارك الاخيرة، والتي تنتهي للنهاية ودمار الكوكب، وبذلك يترقب العالم الحرب الكونية وتدافع الحضارات، والصراع الأكبر يكون بين الشرق والغرب أي بين الصين والغرب بقيادة أمريكا، تنبؤات يعاد صياغتها من جديد في قالب ممزوج بالكلمات والصور المعبرة من الخيال السينمائي في أفلام النهايات، وأفلام الصراع بين الخير والشر، هنا يشعر المشاهد بالمتعة والحيرة، ويتم ربط الافكار بالواقع والخيال معا، وبذلك تتزايد نسب المشاهدة وتنمو الأرباح والمنافع، ويغيب التحليل العلمي الموضوعي للحرب ودوافعها من استدعاء خبراء عسكريون ومحللون في الدراسات الاستراتيجية ومجال الصراعات الدولية، يغيب التحليل العلمي من مخاطر الاساءة للطبيعة والحد من تدميرها. فالحرب ظاهرة إنسانية مستمرة وموجودة، وثنائية الحرب والسلام قائمة، ليست هناك حرب دائمة ولا سلام دائم، منطق الحياة والتاريخ الصراع الذي يتخذ تجليات، من صراع الحضارات والثقافات، والصراع الطبقي، أما المحرك لذلك فهو السيطرة على الموارد الطبيعية والهيمنة على العالم .
فكرة الحرب النووية غير واردة في القرار الروسي، وليست مطلبا ملحا لدى أمريكا، النووي سلاح للردع والتوازن، فلن يكون هناك رابح في هذا النوع من الحروب، ولن تسلم الحضارة من التدمير إذا تلاشت المبادئ المحددة للحرب والصراع، إذا اختلت الشروط الإنسانية القائمة على التسامح والتعايش والمنفعة للجميع، تترك الحرب ضررا ماديا ونفسيا، القوى العالمية المتنافسة تعرف نتائج الحرب النووية، تدرك أمريكا أن محاصرة روسيا لن ترهب الشعب الروسي في الدفاع عن ذاته ومصالحه، وتعرف روسيا أن أوكرانيا ضحية السياسة الخاطئة من زعمائها أو ضحية الجغرافيا الطبيعية والسياسية معا نظرا للتقارب التاريخي والثقافي بين الشعبين، أما النهاية التي يسطرها الإعلام الجديد ليست سهلة ولا في متناول الكل، العالم لا ينتهي بإرادة الانسان، الكائن الزماني والمتناهي، العالمي يخطو للأمام، يتقدم ويستمر، أما النهاية لا توجد الا في خيال وشطحات العرافين والمنجمين، مردها للظهور والرغبة في الشهرة، دافعها الربح المادي، هكذا نشاهد أصناف من هؤلاء على القنوات العربية، وهناك برامج دينية عن الملاحم والفتن ومعارك النهاية، وترقب غزو الكائنات الفضائية.
كذب المنجمون ولو صدقوا، تزامن الأحداث مع الأقوال لا تعني صدق التوقعات، وكم من التخمينات والقراءات في المستقبل حملت أوهاما وحقائق مزيفة حتى أن فكرة نهاية العالم ليست بالجديدة، بل لازمت الانسان بحثا عن الخلاص، وتحرير الأرض من الشر عن طريق انتظار المخلص، نعلم أن الساعة قادمة لاريب فيها، ولا نعلم التوقيت والزمن المحدد، أما الحروب المفتعلة والصراعات لا تعني بالمرة قرب النهاية لأن الحرب ظاهرة كونية مستمرة باستمرار الوجود الانساني، وتعني تدافع الامم والشعوب نحو حالة من عدم الاستقواء والهيمنة التي يمكن تحديد دوافعها في الاقتصادي والسياسي، كما تغلف بالثقافي والديني. فالتاريخ يشهد على ضراوتها، أما التهديد النووي فلا يفني الوجود الانساني ولا يؤدي لانقراض الانسان نهائيا، لكن يترك نتائج كارثية على البيئة والحياة، ويخلف بذلك الملايين من الضحايا، وبينما ينشغل الاعلام الجديد في طرح فكرة النهاية، ينشغل العلماء بالكوارث الطبيعية ومخلفات الاوبئة وذوبان الجليد، يبسطون التحليل، ويقدمون حلولا مستعجلة، ويدقون ناقوس الخطر للكف عن التدمير الممنهج للطبيعة، يرفعون التقارير الممزوجة بالصور من قلب الطبيعة عن سرعة ذوبان الجليد، وملاحظات علمية عن التغير المناخي، ويطرحون السبل الكفيلة للحد منه من خلال سياسة متوازنة للدول الصناعية .
العالم اليوم في حاجة للإعلام النافع، إعلام لا يعلب على العاطفي ومشاعر الناس وهواجسهم من النهاية القطعية، المشكلة هنا تتعلق كذلك في تسلل فكرة النهاية لعالم السياسة حتى يخرج علينا الرئيس الامريكي بايدن ملوحا بمعركة هرمجدون ونهاية العالم إذا استعملت روسيا السلاح النووي، ويشترك المسيحيون واليهود في فكرة النهاية وعودة المسيح لمجابهة قوى الشر، وحسب اعتقادهم ستفني تلك المعارك العالم وتحرق الأرض وتؤسس "مملكة الرب"، اعتقاد في النهاية والمخلص، وفي السيادة على الأرض وتخليص الناس من الشر، كما يغذي الإعلام فكرة النهاية، وتلهب الافلام السينمائية خيال ومشاعر الناس من اقتراب النهاية، ويجدها الاعلام الجديد مادة للعرض والنقاش من قبل المنجمين والمؤمنين من أتباع الديانات عن أسباب النهاية المتمثلة في انتشار الفساد والانحلال وغياب العدالة، ويعتبرها علماء الطبيعة من الأسباب التي تعجل بنهاية الحياة على الكوكب بفعل التدمير المتزايد للطبيعة، وينظر اليها اخرون أنها مؤشرات دالة على علامات الساعة الصغرى، توقيت الساعة لا يعلمها الا الله ستأتي فجأة لا يتوقعها أحد، لا يعلم الغيب الا علام الغيوب ومدبر الكون، طابع الحرب الكونية كما قال الفيلسوف دوغين ديني صرف ولو كانت مغلفة بالدوافع السياسية والهيمنة الاقتصادية. فالغرب أجهز على القيم الاصيلة، قيم الاسرة والعائلة أي تلك القيم الروحية الثابتة في نفوس الناس فأصبح الغرب يروج للمثلية الجنسية وثقافة الالهاء والالغاء، والعالم الافتراضي والزيادة المفرطة في الحرية الفردية، ومن ثمة أصبح اليقين في خطر عن طريق الاستبدال الثقافي، الغرب يحارب الله ويفسد القيم الروحية والاخلاقية كما قال دوغين، يروج لأفكار غريبة عن قيمه، نهايته وشيكة بزوال النظريات الغربية من الفاشية والرأسمالية، وتراجع الهيمنة بعودة الحضارات القديمة من جديد، هناك أقوال وصراعات فكرية تنذر بتلاشي العالم وتعزز منطق التدافع الحضاري في واقع الثقافة المعولمة، والتفكير الذي يروم التعميم والشمولية، هذا النوع من التعميم والارغام يستمد دافعه من القوة أو النهاية القطعية للتاريخ في النموذج المثالي، فلا يمكن أن يكون نموذجا يسري على الكل، العالم أقطاب وثقافات، أما الالتقاء ينبغي أن يكون في المشترك الانساني وفي جلب المنافع، شعوب العالم مطالبة بمعالجة التغير المناخي والحد من تلوث الهواء والمياه، العمل المشترك ضد الظلم والفساد، ضد التفاوت الطبقي والفقر والتهميش، النهاية هنا تعني بداية الرخاء والعيش بسلام في كنف الحق والقوانين المنصفة، وكل ما يردد على أفواه المنجمين وأصحاب الطالع عن تباشير المستقبل ونهاية العالم لا يعلمه الا العليم، لكن الاعلام الجديد يسوق للنهاية الحتمية، ويسعى للربح والمنفعة، ويعلب على الوتر العاطفي وتغذية المخيال الاجتماعي بالمبهم والغامض بعيدا عن التفكير في بؤس العالم .
هيمن موضوع النهايات على الفكر الفلسفي المعاصر، وكل من وجد في خطاب النهايات مجالا للتقويض والهدم وإعادة البناء، مجالا لكل من يرفض الثبات والاتصال، لمن يرغب في طرح فكرة الاكتمال والتجلي، ولكل فكر يقيني يميل للتنميط والتعميم، النهايات تعني التعاقب والتزامن، التتالي والتتابع مع الانعطاف نحو مسارات جديدة، يتغير بموجبه التفكير وكل الأشياء الخاصة بالبنية الفوقية، تتبدل الأنظمة ويتم فسح المجال للفكر المهيمن، وما يعتقد البعض بهيمنة النسق أو النمط العقلاني المثالي. فالنهايات تشمل مجالات عدة كنهاية التاريخ ونهاية الدولة ونهاية الايديولوجيا ونهاية الفرد والفلسفة. البديل هنا يتبلور من الفوضى والتشتت، ومن التعميم والشمولية، نوع من الانسداد والعجز يدفع الانسان للتغيير والتجديد، وهذا الأمر يقضي على التنوع والتعدد في العقول والأفكار والثقافات عندما يتم الاجهاز على الأسس أو حينما يقدم النموذج المثالي بديلا وحيدا، هناك تفاعلات وصراعات تؤدي للتغير لا مفر منها، عالمنا يقبل التغير والتدافع، لا بد من التقابل بين البدايات والنهايات، ولا شيء يلوح في الأفق عن النهاية القطعية سوى ما يرمي اليه الانسان في حياة جديدة بنمط فكري واقتصادي يراعي للتنوع، معالم مغايرة بأدوات معرفية بديلة، ولا يقتصر الأمر على نهاية للوجود البشري إلا أن النهاية تشمل مجالات عدة كنهاية الحداثة والتهليل لعالم ما بعد الحداثة، عندما يمتلك الانسان الأعلى زمام القيادة والسيطرة على ذاته بفضل إرادة القوة المعبرة عن القدرة في التغيير والاعلاء من الحياة ومبدأ اللذة، شذرات من أقوال بعض الفلاسفة في الرقي بالإنسان نحو الأعلى، أحلام للمستقبل وتباشير الرؤية البعيدة للسيادة على الأشياء عندما يصبح الفيلسوف طبيب ذاته وطبيب الحضارة، يبعث في الثقافة الهزيلة قوة معنوية جديدة مفعمة بالحيوية والاندفاع، يزيد جرعة في النمو المعرفي والنفسي للفرد، يكشف المعنى الخفي لقيم الخنوع والشفقة، ينظر الى ما وراء الخير والشر، هكذا نفهم البدايات بالعودة للنهاية الحتمية للقيم النابعة من الافلاطونية والمسيحية والتبشير بالقيم الجديدة الخاصة بالعقول الحرة حسب الأهداف والغايات التي يأملها الفيلسوف نيتشه في الهدم والبناء، وكل الحالمين في عالم مثالي تترسخ فيه إرادة القوة كمعرفة وحقيقة، بعدما هيمنت على العالم إرادة الضعفاء .
هوس النهاية في الاعلام العربي والعالمي وشبكات التواصل الاجتماعي وما يتعلق بالمنجمين والعرافين واقعي، عرض للتنبؤات، من نوستراداموس وفانغا إلى ليلى عبد اللطيف والقائمة طويلة، إنهم يبسطون التخمينات وقراءة الطالع من التأملات الفلكية التي تنم كما يعتقدون عن معرفة بعلم التنجيم والرؤية في ثنايا الحقيقة وأحداث العالم، يعاينون الوقائع ويرسمون صورة متخيلة عن المستقبل، يحذرون من شيء جلل، القياس هنا ليس رياضيا أو عبارة عن فرضيات محكمة، إنه قراءة في الأفلاك ومصادر لا يكشفون عنها لأنهم يعتبرونها من أسرار المعرفة، نحن في الدقائق الأخيرة من عمر الكون أو نحن في اخر الزمان، حيث تشتعل الحروب والمعارك بين أهل الايمان والدجال، صراع بين الخير والشر، ولذلك يعتبر بعض رجال السياسة في الغرب والكثير من المؤمنين الغربيين أن معركة "هرمجدون" قريبة، وقد حذر الرئيس "بايدن" من نهاية العالم إذا أقبلت روسيا على استعمال السلاح النووي، وانتهى الفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين لنفس الفكرة داعيا العرب والمسلمين لمواجهة أتباع الدجال، مواجهة قوى الشر الراغبة في تبديل القيم العالمية، قيم الأسرة والعائلة، تلك القيم الخاصة بالأمم والحضارات الضاربة جذورها في التاريخ تحت شعار الحرية وحقوق الفرد المطلقة.
تعج الأخبار وشبكات التواصل بعناوين نهاية العالم، عناوين بتعليقات مختلفة، بين قراءة العرافين والمنجمين، وقراءة الشيوخ ورجال الدين عن المعارك الاخيرة، والتي تنتهي للنهاية ودمار الكوكب، وبذلك يترقب العالم الحرب الكونية وتدافع الحضارات، والصراع الأكبر يكون بين الشرق والغرب أي بين الصين والغرب بقيادة أمريكا، تنبؤات يعاد صياغتها من جديد في قالب ممزوج بالكلمات والصور المعبرة من الخيال السينمائي في أفلام النهايات، وأفلام الصراع بين الخير والشر، هنا يشعر المشاهد بالمتعة والحيرة، ويتم ربط الافكار بالواقع والخيال معا، وبذلك تتزايد نسب المشاهدة وتنمو الأرباح والمنافع، ويغيب التحليل العلمي الموضوعي للحرب ودوافعها من استدعاء خبراء عسكريون ومحللون في الدراسات الاستراتيجية ومجال الصراعات الدولية، يغيب التحليل العلمي من مخاطر الاساءة للطبيعة والحد من تدميرها. فالحرب ظاهرة إنسانية مستمرة وموجودة، وثنائية الحرب والسلام قائمة، ليست هناك حرب دائمة ولا سلام دائم، منطق الحياة والتاريخ الصراع الذي يتخذ تجليات، من صراع الحضارات والثقافات، والصراع الطبقي، أما المحرك لذلك فهو السيطرة على الموارد الطبيعية والهيمنة على العالم .
فكرة الحرب النووية غير واردة في القرار الروسي، وليست مطلبا ملحا لدى أمريكا، النووي سلاح للردع والتوازن، فلن يكون هناك رابح في هذا النوع من الحروب، ولن تسلم الحضارة من التدمير إذا تلاشت المبادئ المحددة للحرب والصراع، إذا اختلت الشروط الإنسانية القائمة على التسامح والتعايش والمنفعة للجميع، تترك الحرب ضررا ماديا ونفسيا، القوى العالمية المتنافسة تعرف نتائج الحرب النووية، تدرك أمريكا أن محاصرة روسيا لن ترهب الشعب الروسي في الدفاع عن ذاته ومصالحه، وتعرف روسيا أن أوكرانيا ضحية السياسة الخاطئة من زعمائها أو ضحية الجغرافيا الطبيعية والسياسية معا نظرا للتقارب التاريخي والثقافي بين الشعبين، أما النهاية التي يسطرها الإعلام الجديد ليست سهلة ولا في متناول الكل، العالم لا ينتهي بإرادة الانسان، الكائن الزماني والمتناهي، العالمي يخطو للأمام، يتقدم ويستمر، أما النهاية لا توجد الا في خيال وشطحات العرافين والمنجمين، مردها للظهور والرغبة في الشهرة، دافعها الربح المادي، هكذا نشاهد أصناف من هؤلاء على القنوات العربية، وهناك برامج دينية عن الملاحم والفتن ومعارك النهاية، وترقب غزو الكائنات الفضائية.
كذب المنجمون ولو صدقوا، تزامن الأحداث مع الأقوال لا تعني صدق التوقعات، وكم من التخمينات والقراءات في المستقبل حملت أوهاما وحقائق مزيفة حتى أن فكرة نهاية العالم ليست بالجديدة، بل لازمت الانسان بحثا عن الخلاص، وتحرير الأرض من الشر عن طريق انتظار المخلص، نعلم أن الساعة قادمة لاريب فيها، ولا نعلم التوقيت والزمن المحدد، أما الحروب المفتعلة والصراعات لا تعني بالمرة قرب النهاية لأن الحرب ظاهرة كونية مستمرة باستمرار الوجود الانساني، وتعني تدافع الامم والشعوب نحو حالة من عدم الاستقواء والهيمنة التي يمكن تحديد دوافعها في الاقتصادي والسياسي، كما تغلف بالثقافي والديني. فالتاريخ يشهد على ضراوتها، أما التهديد النووي فلا يفني الوجود الانساني ولا يؤدي لانقراض الانسان نهائيا، لكن يترك نتائج كارثية على البيئة والحياة، ويخلف بذلك الملايين من الضحايا، وبينما ينشغل الاعلام الجديد في طرح فكرة النهاية، ينشغل العلماء بالكوارث الطبيعية ومخلفات الاوبئة وذوبان الجليد، يبسطون التحليل، ويقدمون حلولا مستعجلة، ويدقون ناقوس الخطر للكف عن التدمير الممنهج للطبيعة، يرفعون التقارير الممزوجة بالصور من قلب الطبيعة عن سرعة ذوبان الجليد، وملاحظات علمية عن التغير المناخي، ويطرحون السبل الكفيلة للحد منه من خلال سياسة متوازنة للدول الصناعية .
العالم اليوم في حاجة للإعلام النافع، إعلام لا يعلب على العاطفي ومشاعر الناس وهواجسهم من النهاية القطعية، المشكلة هنا تتعلق كذلك في تسلل فكرة النهاية لعالم السياسة حتى يخرج علينا الرئيس الامريكي بايدن ملوحا بمعركة هرمجدون ونهاية العالم إذا استعملت روسيا السلاح النووي، ويشترك المسيحيون واليهود في فكرة النهاية وعودة المسيح لمجابهة قوى الشر، وحسب اعتقادهم ستفني تلك المعارك العالم وتحرق الأرض وتؤسس "مملكة الرب"، اعتقاد في النهاية والمخلص، وفي السيادة على الأرض وتخليص الناس من الشر، كما يغذي الإعلام فكرة النهاية، وتلهب الافلام السينمائية خيال ومشاعر الناس من اقتراب النهاية، ويجدها الاعلام الجديد مادة للعرض والنقاش من قبل المنجمين والمؤمنين من أتباع الديانات عن أسباب النهاية المتمثلة في انتشار الفساد والانحلال وغياب العدالة، ويعتبرها علماء الطبيعة من الأسباب التي تعجل بنهاية الحياة على الكوكب بفعل التدمير المتزايد للطبيعة، وينظر اليها اخرون أنها مؤشرات دالة على علامات الساعة الصغرى، توقيت الساعة لا يعلمها الا الله ستأتي فجأة لا يتوقعها أحد، لا يعلم الغيب الا علام الغيوب ومدبر الكون، طابع الحرب الكونية كما قال الفيلسوف دوغين ديني صرف ولو كانت مغلفة بالدوافع السياسية والهيمنة الاقتصادية. فالغرب أجهز على القيم الاصيلة، قيم الاسرة والعائلة أي تلك القيم الروحية الثابتة في نفوس الناس فأصبح الغرب يروج للمثلية الجنسية وثقافة الالهاء والالغاء، والعالم الافتراضي والزيادة المفرطة في الحرية الفردية، ومن ثمة أصبح اليقين في خطر عن طريق الاستبدال الثقافي، الغرب يحارب الله ويفسد القيم الروحية والاخلاقية كما قال دوغين، يروج لأفكار غريبة عن قيمه، نهايته وشيكة بزوال النظريات الغربية من الفاشية والرأسمالية، وتراجع الهيمنة بعودة الحضارات القديمة من جديد، هناك أقوال وصراعات فكرية تنذر بتلاشي العالم وتعزز منطق التدافع الحضاري في واقع الثقافة المعولمة، والتفكير الذي يروم التعميم والشمولية، هذا النوع من التعميم والارغام يستمد دافعه من القوة أو النهاية القطعية للتاريخ في النموذج المثالي، فلا يمكن أن يكون نموذجا يسري على الكل، العالم أقطاب وثقافات، أما الالتقاء ينبغي أن يكون في المشترك الانساني وفي جلب المنافع، شعوب العالم مطالبة بمعالجة التغير المناخي والحد من تلوث الهواء والمياه، العمل المشترك ضد الظلم والفساد، ضد التفاوت الطبقي والفقر والتهميش، النهاية هنا تعني بداية الرخاء والعيش بسلام في كنف الحق والقوانين المنصفة، وكل ما يردد على أفواه المنجمين وأصحاب الطالع عن تباشير المستقبل ونهاية العالم لا يعلمه الا العليم، لكن الاعلام الجديد يسوق للنهاية الحتمية، ويسعى للربح والمنفعة، ويعلب على الوتر العاطفي وتغذية المخيال الاجتماعي بالمبهم والغامض بعيدا عن التفكير في بؤس العالم .