محمد بن ماضي السبيعي - لماذا علينا أن ننام!؟

عندما جاءت ساعة النوم طلبتُ من صغيرتي إغلاق جهاز التلفزيون الذي كانت تتابع من خلاله أفلام الكرتون التي تحبها لتذهب للنوم، ويبدو أن هذا الأمر لم يجد استحساناً لديها؛ وردت ووجها يعلوه الامتعاض: "ليش ننام يا بابا "؟
لوهلة؛ ذكرني سؤالها وامتعاضاها بسؤال قديم رددتُ به على والدتي رحمها الله عندما أمرتني بالقيام لأداء صلاة العصر في وقت كنت فيه مستغرقاً في متابعة مباراة كرة قدم كانت تعرض في التلفزيون وقت ذاك؛ إذ أنني سألتها لماذا نصلي؟ وأردفت الله لا يحتاج صلاتنا، قبل أن أهرب من فردة الحذاء التي بدأت تتلوى في الأفق باتجاهها لي!
يبدو أن محاولة انتزاعنا من استغراقنا في ممارسة رغباتنا هو المكمن الذي تثور من خلاله أسئلة من هذا النوع!
وإن كانت والدتي لم تحاول الإجابة على سؤالي، ولم تفضل الدخول في نقاش قد يفوت علي وقت الصلاة، نقاشاً لا تملك حوله من إجابة إلا الامتثال للأمر بأداء الصلاة إيماناً بالله، والتعبير عن هذا الإيمان بتلك العبادة وغيرها من العبادات؛ وكل ذلك من شأنه أن يرضيه عنّا، وأن يسهل لنا حياتنا، ويذلل أمامنا كل الصعوبات التي تعترضنا فيها، ويعوضنا عن كل ذلك بالحياة الخالدة في جنّاته؛ وهي إجابات قد لا تقابل من صغيرها بالقبول دون طرح أسئلة أخرى قد لا تحري لها جوابا مقنعاً، بل قد تهز لديها أثمن ما تتمسك به!
إن لم يشغل والدتي سؤالي فقد اشغلني سؤال صغيرتي البريئة:
"ليش ننام يا بابا" "!؟
لماذا علينا أن ننام؟
لماذا هذا التناوب بين اليقظة والنوم؟
لماذا لم نبق مستيقظين دائماً؟
هل أقول لها ننام لنحظى بوقت راحة واسترخاء نستطيع من بعده أن نعود لعالم اليقظة وما فيه من جهد وكدح وتعب منهك؟
هل أقول لها إننا ننام لكي نعود أنشط وأقوى؟
ولكن؛ أليس من الممكن أن نكون بذات النشاط والقوة والإقبال على الحياة ومتطلباتها دون أن ننام؟
ماذا لو كانت حياتنا بلا وجود للنوم؟
هل يريد النوم أن يعلمنا أشياء عن الحياة؟
فمثلما يقابل حالة استيقظنا، فإن هناك شيئا شبيها به مثل الموت يقابل حياتنا بشكل كامل؟
أليس النوم مسؤولاً عن فكرتنا عن الخلود، وعيش حياة خالدة بعده؟ وبالتالي مسؤول عن نشوء كثير من التراث الإنساني والديانات؟
أسئلة كثيرة ومتشعبة سوف يستدعيها سؤال هذه الصغيرة البريئة حول ثنائيات الوجود، أو بالأحرى ثنائيات الوعي الإنساني!
فلا أظن هذه الثنائيات تشغل تفكيرا غيره من الكائنات التي تعيش بمقتضى غرائزها، ولا ترى هذه الثنائيات كما نراها وستشملها، وكما نحاول فهمها، ومعرفة معناها، ومغزاها!
فهي تستيقظ وتنام وهذه حياتها ببساطة، لكن هل تعاني السهاد مثلنا أن اشغلنا فكرنا، وأشعلتنا تقلبات الحياة؟
فهي تبحث مثلنا عن شيء يساعدنا على النوم ومكافحة الأرق؟
يحضر النوم ونحن في وقت نحاول فيه استجماع يقظتنا وانتباهنا في حالات مثل حالة قيادة السيارة في طريق سريع، أو في حالة قراءة كتاب يتطلب منّا التركيز والعمق في التفكير، ويهرب منّا عندما يمتضّنا الألم، أو التفكير في مشكلات الحياة التي تعترضنا؟
ينام البعض لساعات طويلة يستيقظون منها ليعودوا لها مرة ثانية بشكل كامل أو باغفاءات متكررة حتى يحين موعد نومهم مرة أخرى، في الوقت الذي يبحث فيه آخرون عن النوم، ويجهدون في البحث عما يمكن أن ينهي تمنعه عنهم ولو لساعة أو بعضها؟
وطالما أن النوم ليس في متناولنا بشكل كافٍ، فماذا لو هجم على طبيب جراح يجري عملية معقدة دقيقة في قلب إنسان؟
أو أنه هرب من مقلتي مجرم أو سارق؟
حقيقة أظن أن معظم ما يعترضنا من مشكلات وخصام هو بسبب أناس لا يحصلون على قدر كافٍ من النوم؛ وهذا يعيدني للسؤال عن سبب نقص فعالية الحياة دون النوم، أو لسؤال ابنتي: ليش ننام يا بابي؟
لماذا كان النوم ولم تكن يقظة دائمة؟
وهل ينام الإنسان في الحيوات الأخرى مثل نومه في هذه الحياة؟

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى