لم يتحمل قلبها الفتي هول الفاجعة فراحت تصرخ صراخا هستيريا و تكسر كل ما كان أمامها حتى هاتفها النفيس قد أمعنت في تهشيمه لأنه هو من بلغها الخبر المشؤوم وحده المذنب والمجرم ، ما كان عليه أن يعلن خبرا صادما فاجعا كهذا ،كان عليه أن يتمهل أو يمانع أو حتى يرفضه أو يغلق كل صفحات النعي ،لماذا لم يفعلها ؟ لماذا راح ينشر بكل سرعته وترك الخبر ينتشر انتشار النار في الهشبم حتى أحرقت كل القلوب اليافعة. تستأهل التهشيم أيها المغتصب الجريء لقلوب الحالمين ،لن تعيش بعده ستموت ، لن أثق فيك مجددا.
تدخلت العائلة لصدها وتهدئتها لكنها لم تستجب لتوسلاتهم بل غادرت البيت في حالة صادية ببن لطم وندب و تقطيع الشعور والملابس ، اعترضها الجار فاحتضنها باكيا ولم يتركها حتى وصل والدها فاركباها السيارة مع العائلة وقصدت بيت الميت تؤدي واجب العزاء و تلقي عليه التحية لٱخر مرة .
وجدوا المكان يعج بالأهالي والأحباب في موكب جليل جلالة الموت ، لا أعرف كيف انطفأت نارها وهدأت في حضرة معلمها العظيم ،شبعت جثمانه مع المئات ثم انهارت في غيبوبة فحملتها العائلة و أكملوا يومهم بين الطرقات عابرين لكل الأحياء دون مستقر حتى لاحظ والدها عودة السكينة والهدوء و استقر قرارها على ان الله أحبه مثلما أحب الكثيرين من أهلها وجيرانها.سكنها الوجع المرير لكنها حاولت أن تستبطنه و تبطنه كي يهنأ والدها المتعب منذ زمن ثم
نظرت إلى السماء فابتسمت ، سألها ما سر هذه الطمأنينة العذبة إني أقرؤها في عينك تزف البشرى والأمل ،أجابت في حيرة: هي لحظات التأملات الوجودية يا والدي ،اكتشفت أنه
لا فرق بين الحياة و الموت بين السعادة والأسى بما أننا كلنا سنعود إلى التراب ، هي لحظات متشابهة نعيشها بياض الكفن وفساتين الأفراح ،اجتماع الأهل وانفعالاتهم و عتاباتهم و نزاعاتهم وحتى الولائم التي تتنوع وتقام ، والكراسي المنصوبة ومنصة المرتل و كل البدع و الطرائف.
الانتقال إلى العالم الثاني كزواج من جديد إما هناء ورضى وإما عذاب ونحيب ، وبعد أيام تستأنف الحياة من جديد بترتيب مخالف للسابق ،نعم هناك مفقود لكن تستمر كل الشؤون ،ربما يغادر مرقده فيبكيه سريره ووسادته ولحافه ويشتاق إلى ملامساته ومداعباته مقود السيارة ومفاتيح البيت ومحفظته وكل الأدوات ولكنها شيئا فشيئا ستتعود الغياب والرحيل و الفراغ المقيت ، والصفرة التي تلبٌست بالفضاء ستنجلي وتستعيد لونها الوردي ،فيتضاءل الحزن السرمدي لتنبت الرتابة و القهروالأسى دون ميعاد وتتغلغل في البيت كشجرة كافور عملاقة تذكر دائما بأن لا شيء يعود كما كان .
لا مفر من القضاء والقدر ، لولا رحمة بالقلوب الضعيفة ،نعلم أن فكرة الموت أقرب من حبل الوريد ولكن لجسارتها نتجاهلها نهرب من تأملها والتعامل معها كحقيقة لأن مجرد التحديق في الصورة يقلب الأفئدة يصيبها بالاكتئاب بالموت البطيء فتصفر الأوراق وتعتل الأجساد حتى تفنى...
لا ،لا أقصد ما بحت به فالحياة تستمر و الموت جليل .نحمد الله على الاختيار و الابتلاء والتكريم ،فما كل موت حزين ،بعض الموت تخليد وهزم للفناء العنيد ،حتى نهون المصاب نتشبث بالأمل بالأسمى من كل شيء "الطهارة"
ذاك سر الطمأنينة و الإيمان العميق فمثلما جئنا فرادى ذات يوم ميلاد سطره العلي القدير لنا يوم رحيل ربما أشكو حيرة ضبابية رفضا للموجود لكنني لا أرفض الوجود فهو ممتع رغم الفقد و النقد و الحب والعقد .
تنهدت عميقا فقاطعها ماسحا دموعا منسكبة على الخدين المتوردين:
تلك مشيئة الله يا صغيرتي موت وحياة ، فرح و حزن ،نجاح وفشل ،سبحان الخالق بعد الشدة يأتي الفرج ، بعد العسر يسر ستلقنك الحياة عدة دروس كلما امتد بك العمر ازدادت تجاربك وتعمقت قناعاتك وها أنا ذا بجانبك أدعمك أواسيك و أذلل الصعوبات التي تواجهك بما أقدر
رحم الله معلمك الفاضل الخلوق سيرزق الجنة و تزهر أعماله في الفردوس الأعلى ،لقد عاش مناضلا ومات شهيدا في يوم عيد المعلم العالمي , لن تمحى ذكراه أبدا لأنه لم يكن إنسانا عاديا ،بل. كان يؤمن بالخير بالعطاء و البذل و التضحية، لم يفكر قط في المقابل لذلك اختاره الله رفيقا في العالم العلوي المقدس ،في المدينة الفاضلة التي طالما رسم لكم معالمها ومبادئها و أبطالها ومتعة العيش فيها بسلام و أمن دون نزاعات الأشقياء و البلهاء و المعتوهين...
لاتنسي أبدا أنه كان يحلم أن يراك متفوقة بالمنديل الأبيض في قسم العمليات تساعدين المرضى والمحتاجين ،لا تهملي الوعد الذي قطعته على نفسك ،لأنه يرعاك ويبارك خط وإنني أنتظر اللحظة معه حتى تحققي حلمي باستعادة عافيتي.
ابتسمت كشمس بازغة في يوم غائم وقبلته من جبينه الوضاح و قالت له : لم يعد لي أحد غيرك بعد أن فارقنا صديقنا ورفيقنا أعدك بالالتزام بكل ما سطرته معه ومعك .
مرت الأشهر سريعا وهاهي بالمقبرة تبحث عن قبره حتى أشرق نور وهاج كاد يغشيها و انتفض من التراب كملاك عظيم يحتضنها مباركا صنيعها ها قد حققت الحلم كنت متأكدا أنك قادرة على تحقيق المستحيل وسأواصل رعايتك حتى ٱخر المشوار كلما تعسر عليك أمر تذكري أن الفرج قريب ...انتبهت إلى الشاهد وهي تكرر الاسم همسا فرج فرج بعد الشدة يأتي الفرج... ما أعظم الإنسان حتى يتماسك ويتجاسر وهو يعلم علم اليقين أنه ساكن حفرة بل طعام دود وظلمة و وحدة ورغم ذلك يواصل ساعيا وراء تحقيق أحلامه
أجابها من في الضريح ولذلك سمي إنسان لأنه جبل على النسيان وسميت الدنيا دنيا لدنوها من الحضيض.تداخلت الأصوات بين ماض وحاضر ومستقبل بين المعلم والمتعلم ،بين الميت والحي فصرخت متهالكة في مكانها :
قم يا سيدي وشاركني فرحة النجاح ،أهديك شهادتي وأنا كلي فخر بمساعداتك و نضالاتك،لم تفارقني صورتك قط و صوتك مافتئ يذاكرني و تشجيعاتك تحفزني رغم أن جسدك حبيس هذه الحفرة فإن روحك ظلت ترفرف عاليا ترعاني وكل مريديك ، فشكرا وألف شكر ، سأواصل إن شاء الله و سأرعى مثلك كل الأحلام كي لا يتسلل خطأ طبي ٱخر ويفتك منا الأبطال و الشرفاء .
سيدة بن جازية / تونس
تدخلت العائلة لصدها وتهدئتها لكنها لم تستجب لتوسلاتهم بل غادرت البيت في حالة صادية ببن لطم وندب و تقطيع الشعور والملابس ، اعترضها الجار فاحتضنها باكيا ولم يتركها حتى وصل والدها فاركباها السيارة مع العائلة وقصدت بيت الميت تؤدي واجب العزاء و تلقي عليه التحية لٱخر مرة .
وجدوا المكان يعج بالأهالي والأحباب في موكب جليل جلالة الموت ، لا أعرف كيف انطفأت نارها وهدأت في حضرة معلمها العظيم ،شبعت جثمانه مع المئات ثم انهارت في غيبوبة فحملتها العائلة و أكملوا يومهم بين الطرقات عابرين لكل الأحياء دون مستقر حتى لاحظ والدها عودة السكينة والهدوء و استقر قرارها على ان الله أحبه مثلما أحب الكثيرين من أهلها وجيرانها.سكنها الوجع المرير لكنها حاولت أن تستبطنه و تبطنه كي يهنأ والدها المتعب منذ زمن ثم
نظرت إلى السماء فابتسمت ، سألها ما سر هذه الطمأنينة العذبة إني أقرؤها في عينك تزف البشرى والأمل ،أجابت في حيرة: هي لحظات التأملات الوجودية يا والدي ،اكتشفت أنه
لا فرق بين الحياة و الموت بين السعادة والأسى بما أننا كلنا سنعود إلى التراب ، هي لحظات متشابهة نعيشها بياض الكفن وفساتين الأفراح ،اجتماع الأهل وانفعالاتهم و عتاباتهم و نزاعاتهم وحتى الولائم التي تتنوع وتقام ، والكراسي المنصوبة ومنصة المرتل و كل البدع و الطرائف.
الانتقال إلى العالم الثاني كزواج من جديد إما هناء ورضى وإما عذاب ونحيب ، وبعد أيام تستأنف الحياة من جديد بترتيب مخالف للسابق ،نعم هناك مفقود لكن تستمر كل الشؤون ،ربما يغادر مرقده فيبكيه سريره ووسادته ولحافه ويشتاق إلى ملامساته ومداعباته مقود السيارة ومفاتيح البيت ومحفظته وكل الأدوات ولكنها شيئا فشيئا ستتعود الغياب والرحيل و الفراغ المقيت ، والصفرة التي تلبٌست بالفضاء ستنجلي وتستعيد لونها الوردي ،فيتضاءل الحزن السرمدي لتنبت الرتابة و القهروالأسى دون ميعاد وتتغلغل في البيت كشجرة كافور عملاقة تذكر دائما بأن لا شيء يعود كما كان .
لا مفر من القضاء والقدر ، لولا رحمة بالقلوب الضعيفة ،نعلم أن فكرة الموت أقرب من حبل الوريد ولكن لجسارتها نتجاهلها نهرب من تأملها والتعامل معها كحقيقة لأن مجرد التحديق في الصورة يقلب الأفئدة يصيبها بالاكتئاب بالموت البطيء فتصفر الأوراق وتعتل الأجساد حتى تفنى...
لا ،لا أقصد ما بحت به فالحياة تستمر و الموت جليل .نحمد الله على الاختيار و الابتلاء والتكريم ،فما كل موت حزين ،بعض الموت تخليد وهزم للفناء العنيد ،حتى نهون المصاب نتشبث بالأمل بالأسمى من كل شيء "الطهارة"
ذاك سر الطمأنينة و الإيمان العميق فمثلما جئنا فرادى ذات يوم ميلاد سطره العلي القدير لنا يوم رحيل ربما أشكو حيرة ضبابية رفضا للموجود لكنني لا أرفض الوجود فهو ممتع رغم الفقد و النقد و الحب والعقد .
تنهدت عميقا فقاطعها ماسحا دموعا منسكبة على الخدين المتوردين:
تلك مشيئة الله يا صغيرتي موت وحياة ، فرح و حزن ،نجاح وفشل ،سبحان الخالق بعد الشدة يأتي الفرج ، بعد العسر يسر ستلقنك الحياة عدة دروس كلما امتد بك العمر ازدادت تجاربك وتعمقت قناعاتك وها أنا ذا بجانبك أدعمك أواسيك و أذلل الصعوبات التي تواجهك بما أقدر
رحم الله معلمك الفاضل الخلوق سيرزق الجنة و تزهر أعماله في الفردوس الأعلى ،لقد عاش مناضلا ومات شهيدا في يوم عيد المعلم العالمي , لن تمحى ذكراه أبدا لأنه لم يكن إنسانا عاديا ،بل. كان يؤمن بالخير بالعطاء و البذل و التضحية، لم يفكر قط في المقابل لذلك اختاره الله رفيقا في العالم العلوي المقدس ،في المدينة الفاضلة التي طالما رسم لكم معالمها ومبادئها و أبطالها ومتعة العيش فيها بسلام و أمن دون نزاعات الأشقياء و البلهاء و المعتوهين...
لاتنسي أبدا أنه كان يحلم أن يراك متفوقة بالمنديل الأبيض في قسم العمليات تساعدين المرضى والمحتاجين ،لا تهملي الوعد الذي قطعته على نفسك ،لأنه يرعاك ويبارك خط وإنني أنتظر اللحظة معه حتى تحققي حلمي باستعادة عافيتي.
ابتسمت كشمس بازغة في يوم غائم وقبلته من جبينه الوضاح و قالت له : لم يعد لي أحد غيرك بعد أن فارقنا صديقنا ورفيقنا أعدك بالالتزام بكل ما سطرته معه ومعك .
مرت الأشهر سريعا وهاهي بالمقبرة تبحث عن قبره حتى أشرق نور وهاج كاد يغشيها و انتفض من التراب كملاك عظيم يحتضنها مباركا صنيعها ها قد حققت الحلم كنت متأكدا أنك قادرة على تحقيق المستحيل وسأواصل رعايتك حتى ٱخر المشوار كلما تعسر عليك أمر تذكري أن الفرج قريب ...انتبهت إلى الشاهد وهي تكرر الاسم همسا فرج فرج بعد الشدة يأتي الفرج... ما أعظم الإنسان حتى يتماسك ويتجاسر وهو يعلم علم اليقين أنه ساكن حفرة بل طعام دود وظلمة و وحدة ورغم ذلك يواصل ساعيا وراء تحقيق أحلامه
أجابها من في الضريح ولذلك سمي إنسان لأنه جبل على النسيان وسميت الدنيا دنيا لدنوها من الحضيض.تداخلت الأصوات بين ماض وحاضر ومستقبل بين المعلم والمتعلم ،بين الميت والحي فصرخت متهالكة في مكانها :
قم يا سيدي وشاركني فرحة النجاح ،أهديك شهادتي وأنا كلي فخر بمساعداتك و نضالاتك،لم تفارقني صورتك قط و صوتك مافتئ يذاكرني و تشجيعاتك تحفزني رغم أن جسدك حبيس هذه الحفرة فإن روحك ظلت ترفرف عاليا ترعاني وكل مريديك ، فشكرا وألف شكر ، سأواصل إن شاء الله و سأرعى مثلك كل الأحلام كي لا يتسلل خطأ طبي ٱخر ويفتك منا الأبطال و الشرفاء .
سيدة بن جازية / تونس