الفن جوهرة جمالية انسانية تنبع روحية هذا الانسان الادمي و من نوع محسوس معين الا انه لا يدرك بالحس فقط ولا بالعقلية فقط انما بالحدس فهو خبرة جمالية وعواطف ونوازع نفسية ولا يمكن فهم حقيقته بمعزل عن ادراك وفهم طبيعة الخبرة الجمالية ذاتها وعليه فهو حدس وحس وعقل متفكر وعاطفة فاعلة وخبرة جمالية متحدة بادراك و صيغ في بوتقة الجمال بطبعه الذاتي .
والشعر جزء لا يتجزا من الفن ورافد مهم من روافده , لذا ألهم الشاعر هذا الجمال من خلال نظرته الحساسة في سبر اغوار نفسيته التواقة للانفعال والاحساس للسمو والانبثاق في صورته الجمالية وما تنطوي عليه سبل مدارج الحياة وسبر اغوارها وما يترشح منها نبعا ساعيا وفيضا زاخرا على الطبيعة وحدسا راقيا والهاما جميلا .
فالشعر جزء من إ صل الجمال، وعندما ينتج الشاعر الجمال في شعره يكون قد اتى على حالة فنية واحساس لانسانية منبعثة من قلب مفعم بالزهو والامل مبتعده عن كل ما شاكل العالم و تحقق له توازنا كبيرا بين سعة الحياة بما فيها من مفردات وسموت سالكة ، وتجارب حقيقية وقدرات ذاتية مما درته الطبيعة من جمال في ذاتها .
فالشعر هو الكلمة الجميلة التي تنمو ضمن مفاصل الحياة ومن خلالها لتسجل اعمق بواطنها واعلى شواّفيها فتزهو حالاتها بين كل المتناقضات وتجمعها في بوتقة حلم جميل تصعد اليه النفس وتسمو اليه الروح حتى في حالة شقائها فهو اذن يترجم عن حالة نفسية واقعة . كلما كان مساسها شديد ا كان اجمل .
لذا يبقى البحث عن ايجاد جمالية الشعر من الأمور الصعبة لأن مكمن الجمال في الشعر ليس جزءاً محدداً في ماهيته بل في كليته... لأن كل من الجمال ومأله والكينونة الشعرية فيه ربما امثلهما بمراّة قد تعكس مسار كينونة الآخر الواقع عليها ويتبادل به وجود الاخر في سرية تامة وحدسية ملهمة فريدة . فاذا قمنا بتحليل قصيدة شعرية – اية قصيدة – وجدنا الصور الشعرية والحدث الواقع في ظل الصياغة والوزن والقافية والأخيلة الواسعة والصور الشعرية الخلابة وبقدر وجودية هذه الامور في القصيدة يتمثل او يظهر جليا سنيا وقد نجد عنصر الجمال مخفيا غير ظاهر . فالحقيقة الأبدية والخالدة هي أنه من طبيعة الجوهر أن يختفي، والاختفاء بحد ذاته هو جوهر الجمال , أي أن جوهر الجمال يكمن في سره الخفي كمون الاريج في الزهور وكلما كان خفيا كان جميلا . واشبهه ايضا بفتاة جميلة جميلة محصنة في بيتها او خدرها لم ترها الشمس فتحرقها وظهرت فجأة فابهرت الرائي وزادت في تشوقه بحيث تمنى لو تبقى مدة اكثر لينعم بجمالها .
وقد عرف الشعر في ذاته انه تلك القدرة العظيمة التي تنبعث من نفس نما في ذاتها فبان ولهذ ا فان بعض الشعراء ممن يتمكن من قلب احوال زمانه وله المقدرة في التاثير الكبير من خلال قصيدة واحدة او بيت شعري واحد من الوصول لهذا التاثير القوي من خلال الابداع والصياغة الحدسية . لاحظ قول الشاعر :
.
أأنـتَ عَبـيـــرُ الــوَردِ أ م أنـت عا شـــــــقُ
أرَثَيـــتَ لِحالــي أ م بِـحُـبـِـــكَ و ا ثـِـــــقُ
..
وَ كُـنـّــــا لِـعُـنــــوانِ المَـــــوَدّ ةِ لَـحـنُهــــا تسا مى فُـؤا د ي فـي المَـــواجِـدِ رائــــــقُ
.
تـأ تـي الى قُــربي وَ شــــــوقُـكَ طافـــحٌ
مـا الشّـــــو قُ إ لا مـــا دَعَـتـهُ العَــلائِــــقُ
.
وعَـــلا مَ تُـزيـــدُ الصّــدَ وَالوَجــــــدُ قا تـِــلي
كَـــم عـا شِـــقٍ ضــا قَـت عَـلَيـهِ دَ قـا ئِـــــقُ
.
أروي وُرود ي مِن بِـحــا رِ مَـد ا مِـــــعي
فَـتَـسـمـو زُهـــورا . وا لأ ريـجِ شَـــقا ئِـــقُ
.
وعليه فما يقف وراء تعبير الشاعر دائماً في رحلة الإبداع ، هو امكانية التاثير وشدته .. وتعتبر المتعة الجمالية وسيلة الشعر في الوصول إلى الغاية المرجوة . فجمال القصيدة في غاية الشعر وطموحه إلى غاية الجمال هو إحد مسببات تكوين هذا الجمال في الوجود ولهذا فان هذه المسببات قد تعد من وسائل غرس الجمال الكبرى في الصورة الشعرية للقصيدة .
وقد اوجد المجتمع البشري الوسيلة الشعرية نزوعا لدوافع الحاجة الملحة في سبيل التلذذ النفسي فقد ولدها امران مهمان يعودان بالاساس إلى طبيعة النفس الإنسانية وهما المحاكاة والتذوق فالمحاكاة أمر فطري موجود لدى الناس منذ الصغر ، والتذوق او الالتذاذ بالأشياء أمر عام للجميع وهدف اسمى تصبو اليه الارواح .
ان الحالة الجمالية التي اوجدها المجتمع الانساني والتي تعتبر بحد ذاتها متعة جمالية تهدف لايجاد امور كثيرة تعتبر كأدوات فنية عالية الجودة ومتجددة وباساليب جمالية اشبه بتجليات نفسية في جوهر الفكر . والرسالة التي تعد في ايجادها او الوصول اليها .
لذا فإن الجوهر الموجود في جسدية او بنية الفن عامة و الشعر خاصة والذي يعتبر جزءا من الفن له قدرة استثنائية على التلائم مع الجمال والاندماج به وهذا الجوهر يعمل بطريقة سحرية عجيبة يشد المتلقي شدا وبطريقة طردية بحيث تكون وظيفته تقديم المتعة النفسية للشاعر والمتلقي في نفس الوقت وهذه المتعة تعتبر لدى الاخرين هي المنفعة الانسانية .
وعليه فان الشعر يمكنه من امتلاك ما يراه حقيقة او وهما في التعبير الادبي والنفسي ، ويزاوج بينهما في خفاء واضح ويكون الكشف عن الجمال عبر هذا التبادل والتزاوج بحيث يشف عنه او يكشف عن كل منهما بمحاولة اخفاء الآخر، وهذا هو سر المتعة في الشعر . فاذا كان الشعر ترنيمة غنائية صادقة قد تولدت من الشعور المبدع، فتاتي هذه القصيدة ناشئة عما في نفسية الشاعر وتعبر عما في خوالجه . فهي تمثل صورة من صور الاستقرار النفسي الذي يحسه او يشعره بجماليته .
.
إن المسيرة الشعرية القادرة في مواجهة الحياة قد لا تصل إلى لحظة انتصار بل هي على الأغلب لحظة انحسار قد تعيش بالانبعاث و ربما الشاعر يدرك بحساسية مرهفة أنه يواجه حياة لا تكشف عن وجهها مرة واحدة . فوظيفة الشعر تتمركز في الانتصار الافضل هي مرحلة دائمة في سبيل الوصول للغرض المنشود لذلك فهي تمثل حالة الغليان الداخلي في أعماق الشاعر دائماً ونفسيته حتى لو ظهرت عليه ملامح السكينة وعلى بعض قصائده مسحة الشعر المنبعث من اعماق نفس وقلب شاعر ما .
فالشعر يثبت قدراته الأدائية في استكشاف حالة الإنسان ويربط ايحا آته بها ربطاً شمولياً، بحيث يتمكن- في الاغلب - عزل نفسه عن المكان والزمان المقال فيه وربما يكون شموليا فيبقى خالدا وهذا سر من اسرار جماليته وخلودها . فقد يرى مسرة الانسان وفرحته وانسياقه نحو التفاؤل سرا دائما في النفس البشرية وقد يرى في عذاب او تعاسة إنسان في موقع معين هو عذاب للانسانية كلها لذا فإن حالة الموت مثلا لدى الشاعر تغدو موتاً وحالة انسانية شاملة ليست شخصية ومعاناة ومعضلة تكتنف الحياة في كل مكان، لا حياة شخص بعينه.
.
ومثل هذا التوجه الشمولي هو الذي يمس أعمق أعماق النفس البشرية منطلقة من الخاص إلى العام، من دائرة فقدان ضيقة بموت واحد من ملايين البشر إلى المصير الذي ينتظر هذه الملايين البشرية كلها . ولهذا فأن الشعر يعتبر من أهم أركان الفنون الهادفة في خلاص البشرية واستكشاف حالها ومآلها و سبل ارتقائها إلى مواقع جديدة خارج دائرة الالم والعذاب بما يمتلكه هذا الفن العظيم من رؤية وقوى حدسية تنبؤه بنتيجة المعاناة التي تبعث فيه قوة التشبث بالحياة والامل من داخل المعاناة النفسية وليس فوقها أو خارجها.
ان معظم مفكري الجمال يميلون إلى القول بأن عمل الفنان هو وحده الذي يسمح بفهم الإنسان الحقيقي فنفس الشاعر المتلهفة على حب المصير الإنساني بإحساساتها الإنسانية الواسعة حتما تمكنه من ترجمتها إلى جمالية طاغية مثقلة حانية على الناس والأشياء والعالم .
و استطيع ان اقول ان الشاعر يستكشف من الطبيعة ما لا تراه عين الإنسان العادية وهو في رؤيته هذه يفجر الضوء لينير ظلمة الحقيقة في النفس وينزع عنها كل أقنعتها القاتمة ويزرع فيها السناء والامل وهذا الشاعر ربما قد يضع نفسه في مواجهة نفوس إنسانية مختلفة ربما يكون بعضها متعبة وبعضها معذَّبة والاخرى متألقة نحو السمو والارتقاء .
لذا فالشاعر ليس مجرد إنسان يحيا لذاته ويعمل من أجل إشباع رغابته وحدسه الشعري . بل هو إنسان ذو رسالة معينة ويشعر أنه ينطق باسم قوة عليا قاهرة قد تعلو على شخصيته وتنفعل معها وتلهمه افضل ما عنده من ابداع ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الشعراء يشعرون بأن لهم حياة أخرى تتعدى وجودهم الزماني والمكاني و الذاتي وهذه الحالة لها الحق ان تصدق بقوة ان الجمال الذي لا يقف عند حد نزع الكره والبغضاء واستئصال كل ما يشوه جمال وجه البشرية الجميل . و إنه لينهض بالنفوس ويدفعها نحو حياتها واستقرارها.
والجمال الشعري يقد م او يثبت صلات لكل ما هو موجود من امور ربما تراها نفس وعين الشاعر وحده فيكون شعره صوت الحياة الصافية وسرها، بحيث تكون لها القدرة على التقاط او بعث اهتزازاته الكامنة في اعماقه وهذه الاهتزازات انما هي رعشة لخفقات قلبية او نفسية تصل إلى مسامع صاغية ونفوس متلهفة وافئدة متشوقة لتصل الى جوهر الحياة فيكون الشاعر قد اشتري فيها حريته الأبدية وما تسمو اليه نفسه الابية من قيم عليا طالما ظل يمني نفسه في الوصول اليها فيفرّغ شحناته الشعرية المنبثقة من نزعات نفسه فيها . في جمالية شعرية رائعة يقول الشاعر :
الشعبُ يصدحُ صوتُهُ متَعاليــــا
متدفقاً نحو َ العلاء ِ فيصْعـَدُ :
.
قسماً بذات ِ اللهِ انّي لثائِرٌ
على كلِّ ظلم ٍ في البلادِ سَيوجَدُ
.
الشعبُ مَصْدرُ قوّة ٍ لا ينـثَني
شرف ُ البطولة ِ والرجولةِ سَيّدُ
.
كالشمس ِ يشرقُ نورُهُ بسَمائِهِ
فبهاؤه ُ وصَفاؤهُ ـيتوحــــد
.
و من هذا كله تتضح حقيقة واحدة هي ان الشعر في جوهره خبرة انسانية من نوع معين وموهبة كامنة في النفس بل هي خبرة جمالية عالية الحدس وقد تفهم هذه الحقيقة العظيمة من خلال فهم اسس طبيعة الجمال ومساراته وطموح نفس الشاعر للوصول اليه والالتصاق به بحيث تبقى نفسيته متعانقة معه في نتاجه الشعري وتكون جزءا من كل معاناته وما يعتمل في نفسه فينهمر شعره خالصا جميلا سائغا للشاربين .
.
اميــــر البيــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الكيــــلاني
العراق - ديالى - بــــلد روز
18- اكتوبر ت2 2022
*******************
والشعر جزء لا يتجزا من الفن ورافد مهم من روافده , لذا ألهم الشاعر هذا الجمال من خلال نظرته الحساسة في سبر اغوار نفسيته التواقة للانفعال والاحساس للسمو والانبثاق في صورته الجمالية وما تنطوي عليه سبل مدارج الحياة وسبر اغوارها وما يترشح منها نبعا ساعيا وفيضا زاخرا على الطبيعة وحدسا راقيا والهاما جميلا .
فالشعر جزء من إ صل الجمال، وعندما ينتج الشاعر الجمال في شعره يكون قد اتى على حالة فنية واحساس لانسانية منبعثة من قلب مفعم بالزهو والامل مبتعده عن كل ما شاكل العالم و تحقق له توازنا كبيرا بين سعة الحياة بما فيها من مفردات وسموت سالكة ، وتجارب حقيقية وقدرات ذاتية مما درته الطبيعة من جمال في ذاتها .
فالشعر هو الكلمة الجميلة التي تنمو ضمن مفاصل الحياة ومن خلالها لتسجل اعمق بواطنها واعلى شواّفيها فتزهو حالاتها بين كل المتناقضات وتجمعها في بوتقة حلم جميل تصعد اليه النفس وتسمو اليه الروح حتى في حالة شقائها فهو اذن يترجم عن حالة نفسية واقعة . كلما كان مساسها شديد ا كان اجمل .
لذا يبقى البحث عن ايجاد جمالية الشعر من الأمور الصعبة لأن مكمن الجمال في الشعر ليس جزءاً محدداً في ماهيته بل في كليته... لأن كل من الجمال ومأله والكينونة الشعرية فيه ربما امثلهما بمراّة قد تعكس مسار كينونة الآخر الواقع عليها ويتبادل به وجود الاخر في سرية تامة وحدسية ملهمة فريدة . فاذا قمنا بتحليل قصيدة شعرية – اية قصيدة – وجدنا الصور الشعرية والحدث الواقع في ظل الصياغة والوزن والقافية والأخيلة الواسعة والصور الشعرية الخلابة وبقدر وجودية هذه الامور في القصيدة يتمثل او يظهر جليا سنيا وقد نجد عنصر الجمال مخفيا غير ظاهر . فالحقيقة الأبدية والخالدة هي أنه من طبيعة الجوهر أن يختفي، والاختفاء بحد ذاته هو جوهر الجمال , أي أن جوهر الجمال يكمن في سره الخفي كمون الاريج في الزهور وكلما كان خفيا كان جميلا . واشبهه ايضا بفتاة جميلة جميلة محصنة في بيتها او خدرها لم ترها الشمس فتحرقها وظهرت فجأة فابهرت الرائي وزادت في تشوقه بحيث تمنى لو تبقى مدة اكثر لينعم بجمالها .
وقد عرف الشعر في ذاته انه تلك القدرة العظيمة التي تنبعث من نفس نما في ذاتها فبان ولهذ ا فان بعض الشعراء ممن يتمكن من قلب احوال زمانه وله المقدرة في التاثير الكبير من خلال قصيدة واحدة او بيت شعري واحد من الوصول لهذا التاثير القوي من خلال الابداع والصياغة الحدسية . لاحظ قول الشاعر :
.
أأنـتَ عَبـيـــرُ الــوَردِ أ م أنـت عا شـــــــقُ
أرَثَيـــتَ لِحالــي أ م بِـحُـبـِـــكَ و ا ثـِـــــقُ
..
وَ كُـنـّــــا لِـعُـنــــوانِ المَـــــوَدّ ةِ لَـحـنُهــــا تسا مى فُـؤا د ي فـي المَـــواجِـدِ رائــــــقُ
.
تـأ تـي الى قُــربي وَ شــــــوقُـكَ طافـــحٌ
مـا الشّـــــو قُ إ لا مـــا دَعَـتـهُ العَــلائِــــقُ
.
وعَـــلا مَ تُـزيـــدُ الصّــدَ وَالوَجــــــدُ قا تـِــلي
كَـــم عـا شِـــقٍ ضــا قَـت عَـلَيـهِ دَ قـا ئِـــــقُ
.
أروي وُرود ي مِن بِـحــا رِ مَـد ا مِـــــعي
فَـتَـسـمـو زُهـــورا . وا لأ ريـجِ شَـــقا ئِـــقُ
.
وعليه فما يقف وراء تعبير الشاعر دائماً في رحلة الإبداع ، هو امكانية التاثير وشدته .. وتعتبر المتعة الجمالية وسيلة الشعر في الوصول إلى الغاية المرجوة . فجمال القصيدة في غاية الشعر وطموحه إلى غاية الجمال هو إحد مسببات تكوين هذا الجمال في الوجود ولهذا فان هذه المسببات قد تعد من وسائل غرس الجمال الكبرى في الصورة الشعرية للقصيدة .
وقد اوجد المجتمع البشري الوسيلة الشعرية نزوعا لدوافع الحاجة الملحة في سبيل التلذذ النفسي فقد ولدها امران مهمان يعودان بالاساس إلى طبيعة النفس الإنسانية وهما المحاكاة والتذوق فالمحاكاة أمر فطري موجود لدى الناس منذ الصغر ، والتذوق او الالتذاذ بالأشياء أمر عام للجميع وهدف اسمى تصبو اليه الارواح .
ان الحالة الجمالية التي اوجدها المجتمع الانساني والتي تعتبر بحد ذاتها متعة جمالية تهدف لايجاد امور كثيرة تعتبر كأدوات فنية عالية الجودة ومتجددة وباساليب جمالية اشبه بتجليات نفسية في جوهر الفكر . والرسالة التي تعد في ايجادها او الوصول اليها .
لذا فإن الجوهر الموجود في جسدية او بنية الفن عامة و الشعر خاصة والذي يعتبر جزءا من الفن له قدرة استثنائية على التلائم مع الجمال والاندماج به وهذا الجوهر يعمل بطريقة سحرية عجيبة يشد المتلقي شدا وبطريقة طردية بحيث تكون وظيفته تقديم المتعة النفسية للشاعر والمتلقي في نفس الوقت وهذه المتعة تعتبر لدى الاخرين هي المنفعة الانسانية .
وعليه فان الشعر يمكنه من امتلاك ما يراه حقيقة او وهما في التعبير الادبي والنفسي ، ويزاوج بينهما في خفاء واضح ويكون الكشف عن الجمال عبر هذا التبادل والتزاوج بحيث يشف عنه او يكشف عن كل منهما بمحاولة اخفاء الآخر، وهذا هو سر المتعة في الشعر . فاذا كان الشعر ترنيمة غنائية صادقة قد تولدت من الشعور المبدع، فتاتي هذه القصيدة ناشئة عما في نفسية الشاعر وتعبر عما في خوالجه . فهي تمثل صورة من صور الاستقرار النفسي الذي يحسه او يشعره بجماليته .
.
إن المسيرة الشعرية القادرة في مواجهة الحياة قد لا تصل إلى لحظة انتصار بل هي على الأغلب لحظة انحسار قد تعيش بالانبعاث و ربما الشاعر يدرك بحساسية مرهفة أنه يواجه حياة لا تكشف عن وجهها مرة واحدة . فوظيفة الشعر تتمركز في الانتصار الافضل هي مرحلة دائمة في سبيل الوصول للغرض المنشود لذلك فهي تمثل حالة الغليان الداخلي في أعماق الشاعر دائماً ونفسيته حتى لو ظهرت عليه ملامح السكينة وعلى بعض قصائده مسحة الشعر المنبعث من اعماق نفس وقلب شاعر ما .
فالشعر يثبت قدراته الأدائية في استكشاف حالة الإنسان ويربط ايحا آته بها ربطاً شمولياً، بحيث يتمكن- في الاغلب - عزل نفسه عن المكان والزمان المقال فيه وربما يكون شموليا فيبقى خالدا وهذا سر من اسرار جماليته وخلودها . فقد يرى مسرة الانسان وفرحته وانسياقه نحو التفاؤل سرا دائما في النفس البشرية وقد يرى في عذاب او تعاسة إنسان في موقع معين هو عذاب للانسانية كلها لذا فإن حالة الموت مثلا لدى الشاعر تغدو موتاً وحالة انسانية شاملة ليست شخصية ومعاناة ومعضلة تكتنف الحياة في كل مكان، لا حياة شخص بعينه.
.
ومثل هذا التوجه الشمولي هو الذي يمس أعمق أعماق النفس البشرية منطلقة من الخاص إلى العام، من دائرة فقدان ضيقة بموت واحد من ملايين البشر إلى المصير الذي ينتظر هذه الملايين البشرية كلها . ولهذا فأن الشعر يعتبر من أهم أركان الفنون الهادفة في خلاص البشرية واستكشاف حالها ومآلها و سبل ارتقائها إلى مواقع جديدة خارج دائرة الالم والعذاب بما يمتلكه هذا الفن العظيم من رؤية وقوى حدسية تنبؤه بنتيجة المعاناة التي تبعث فيه قوة التشبث بالحياة والامل من داخل المعاناة النفسية وليس فوقها أو خارجها.
ان معظم مفكري الجمال يميلون إلى القول بأن عمل الفنان هو وحده الذي يسمح بفهم الإنسان الحقيقي فنفس الشاعر المتلهفة على حب المصير الإنساني بإحساساتها الإنسانية الواسعة حتما تمكنه من ترجمتها إلى جمالية طاغية مثقلة حانية على الناس والأشياء والعالم .
و استطيع ان اقول ان الشاعر يستكشف من الطبيعة ما لا تراه عين الإنسان العادية وهو في رؤيته هذه يفجر الضوء لينير ظلمة الحقيقة في النفس وينزع عنها كل أقنعتها القاتمة ويزرع فيها السناء والامل وهذا الشاعر ربما قد يضع نفسه في مواجهة نفوس إنسانية مختلفة ربما يكون بعضها متعبة وبعضها معذَّبة والاخرى متألقة نحو السمو والارتقاء .
لذا فالشاعر ليس مجرد إنسان يحيا لذاته ويعمل من أجل إشباع رغابته وحدسه الشعري . بل هو إنسان ذو رسالة معينة ويشعر أنه ينطق باسم قوة عليا قاهرة قد تعلو على شخصيته وتنفعل معها وتلهمه افضل ما عنده من ابداع ولعل هذا هو السبب الذي يجعل الكثير من الشعراء يشعرون بأن لهم حياة أخرى تتعدى وجودهم الزماني والمكاني و الذاتي وهذه الحالة لها الحق ان تصدق بقوة ان الجمال الذي لا يقف عند حد نزع الكره والبغضاء واستئصال كل ما يشوه جمال وجه البشرية الجميل . و إنه لينهض بالنفوس ويدفعها نحو حياتها واستقرارها.
والجمال الشعري يقد م او يثبت صلات لكل ما هو موجود من امور ربما تراها نفس وعين الشاعر وحده فيكون شعره صوت الحياة الصافية وسرها، بحيث تكون لها القدرة على التقاط او بعث اهتزازاته الكامنة في اعماقه وهذه الاهتزازات انما هي رعشة لخفقات قلبية او نفسية تصل إلى مسامع صاغية ونفوس متلهفة وافئدة متشوقة لتصل الى جوهر الحياة فيكون الشاعر قد اشتري فيها حريته الأبدية وما تسمو اليه نفسه الابية من قيم عليا طالما ظل يمني نفسه في الوصول اليها فيفرّغ شحناته الشعرية المنبثقة من نزعات نفسه فيها . في جمالية شعرية رائعة يقول الشاعر :
الشعبُ يصدحُ صوتُهُ متَعاليــــا
متدفقاً نحو َ العلاء ِ فيصْعـَدُ :
.
قسماً بذات ِ اللهِ انّي لثائِرٌ
على كلِّ ظلم ٍ في البلادِ سَيوجَدُ
.
الشعبُ مَصْدرُ قوّة ٍ لا ينـثَني
شرف ُ البطولة ِ والرجولةِ سَيّدُ
.
كالشمس ِ يشرقُ نورُهُ بسَمائِهِ
فبهاؤه ُ وصَفاؤهُ ـيتوحــــد
.
و من هذا كله تتضح حقيقة واحدة هي ان الشعر في جوهره خبرة انسانية من نوع معين وموهبة كامنة في النفس بل هي خبرة جمالية عالية الحدس وقد تفهم هذه الحقيقة العظيمة من خلال فهم اسس طبيعة الجمال ومساراته وطموح نفس الشاعر للوصول اليه والالتصاق به بحيث تبقى نفسيته متعانقة معه في نتاجه الشعري وتكون جزءا من كل معاناته وما يعتمل في نفسه فينهمر شعره خالصا جميلا سائغا للشاربين .
.
اميــــر البيــــــــــان العربي
د. فالح نصيف الكيــــلاني
العراق - ديالى - بــــلد روز
18- اكتوبر ت2 2022
*******************