الدازاين Dasein، الوجود هناك، أي: "الكائن الموجود في العالم من خلال وجوده فيه".
تلخص هذه الجملة شرح فلسفة هايديجر ببساطة. أو ما يبدو لوهلة أنه بسيط. فإذا كان ديكارت قد جعل وجوده رهن فكره، فإن هايديجر ينفي ذلك، ويقرر بأن الكائن -بغض النظر عن فكره- إنما يمتلك عالمه، وعالمه يمتلكه. لقد انفتحت أعيننا ونحن رضع على وجودنا داخل الوجود.. الوجود ونحن (حساسيتنا بكينونتنا) يبدوان كما لو انبثقا فجأة معاً وسيستمران معاً حتى لحظة الموت. كل ما هو نحن: الأب، الأم الجبال الرمال السماء النجوم..لأن وعينا لم يستقل بالكينونة فقط.
لقد ذكرت في تعليق قديم بأن من يقرأ لهايديجر عليه أن يتعامل معه كشاعر لا كفيلسوف فقط، دعونا ننظر لذلك الدازاين في لغة الشعر، أي في لغة محمود درويش:
هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ
من خُطَايَ وسائلي المنويِّ ... لي
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي
ولي شَبَحي وصاحبُهُ
وآنيةُ النحاس وآيةُ الكرسيّ
والمفتاحُ لي
والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي
لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي طارت عن الأسوار ...
لي ما كان لي .
ثم يقول في آخر القصيدة:
أَما أَنا
وقد امتلأتُ بكُلِّ أَسباب الرحيل
فلستُ لي .
أَنا لَستُ لي
أَنا لَستُ لي ...
هذا هو الشعور الدازايني إذا جاز التعبير، ولذلك لو بحثت عن مفهوم الدازاين فلن تجد له شرحاً حاسماً، بل ستقابلك اختلافات كثيرة حوله من فيلسوف لآخر ومن شارح لآخر.
إنما غاية المسألة هي أن عالمك هو عالمك أنت. لذلك يكون انفتاحنا لفهم كينونتنا هو قلقنا الذي لا ينتهي. حيث قذفنا هنا في الوجود.
يؤلمنا هذا الفهم الهايديجري، لأنه حين يموت (آخر= لا يوجد آخر)، فإنه لا يموت وحده، بل ترتبك ملكية وجودنا للوجود. إذ ينقص منها شيء حتماً. وحينما يولد منا إنسان فإنه يفسح حيزاً مضافاً لوجودنا في الوجود. غير أن كل شيء يختفي بالموت. لذلك فالموت هو الأفق النهائي للدازاين.. ولكن قبل هذا الموت وداخل الوجود في الوجود فإن هذه الوجود مطلق كما لو كنا أرواحاً خالدة.
ويمكننا أن نقارب بين القلق الهايديجري أو طريقة الكينونة منفتحة على فهمها (الفهم للكل حيث لا مكان للأنا والآخر، ولا الذات والموضوع) أن نقارب بينه وفلسفة تشتيت الإنتباه لوودي آلان، الفلسفة البسيطة التي تعني أن هذا القلق أو الانفتاح على الفهم هو نشاط دؤوب لتشتيت انتباهنا عن اللا جدوى. إنه علاج بالإنغماس في التناسي.
___________
أمل الكردفاني
تلخص هذه الجملة شرح فلسفة هايديجر ببساطة. أو ما يبدو لوهلة أنه بسيط. فإذا كان ديكارت قد جعل وجوده رهن فكره، فإن هايديجر ينفي ذلك، ويقرر بأن الكائن -بغض النظر عن فكره- إنما يمتلك عالمه، وعالمه يمتلكه. لقد انفتحت أعيننا ونحن رضع على وجودنا داخل الوجود.. الوجود ونحن (حساسيتنا بكينونتنا) يبدوان كما لو انبثقا فجأة معاً وسيستمران معاً حتى لحظة الموت. كل ما هو نحن: الأب، الأم الجبال الرمال السماء النجوم..لأن وعينا لم يستقل بالكينونة فقط.
لقد ذكرت في تعليق قديم بأن من يقرأ لهايديجر عليه أن يتعامل معه كشاعر لا كفيلسوف فقط، دعونا ننظر لذلك الدازاين في لغة الشعر، أي في لغة محمود درويش:
هذا البحرُ لي
هذا الهواءُ الرَّطْبُ لي
هذا الرصيفُ وما عَلَيْهِ
من خُطَايَ وسائلي المنويِّ ... لي
ومحطَّةُ الباصِ القديمةُ لي
ولي شَبَحي وصاحبُهُ
وآنيةُ النحاس وآيةُ الكرسيّ
والمفتاحُ لي
والبابُ والحُرَّاسُ والأجراسُ لي
لِيَ حَذْوَةُ الفَرَسِ التي طارت عن الأسوار ...
لي ما كان لي .
ثم يقول في آخر القصيدة:
أَما أَنا
وقد امتلأتُ بكُلِّ أَسباب الرحيل
فلستُ لي .
أَنا لَستُ لي
أَنا لَستُ لي ...
هذا هو الشعور الدازايني إذا جاز التعبير، ولذلك لو بحثت عن مفهوم الدازاين فلن تجد له شرحاً حاسماً، بل ستقابلك اختلافات كثيرة حوله من فيلسوف لآخر ومن شارح لآخر.
إنما غاية المسألة هي أن عالمك هو عالمك أنت. لذلك يكون انفتاحنا لفهم كينونتنا هو قلقنا الذي لا ينتهي. حيث قذفنا هنا في الوجود.
يؤلمنا هذا الفهم الهايديجري، لأنه حين يموت (آخر= لا يوجد آخر)، فإنه لا يموت وحده، بل ترتبك ملكية وجودنا للوجود. إذ ينقص منها شيء حتماً. وحينما يولد منا إنسان فإنه يفسح حيزاً مضافاً لوجودنا في الوجود. غير أن كل شيء يختفي بالموت. لذلك فالموت هو الأفق النهائي للدازاين.. ولكن قبل هذا الموت وداخل الوجود في الوجود فإن هذه الوجود مطلق كما لو كنا أرواحاً خالدة.
ويمكننا أن نقارب بين القلق الهايديجري أو طريقة الكينونة منفتحة على فهمها (الفهم للكل حيث لا مكان للأنا والآخر، ولا الذات والموضوع) أن نقارب بينه وفلسفة تشتيت الإنتباه لوودي آلان، الفلسفة البسيطة التي تعني أن هذا القلق أو الانفتاح على الفهم هو نشاط دؤوب لتشتيت انتباهنا عن اللا جدوى. إنه علاج بالإنغماس في التناسي.
___________
أمل الكردفاني