عبدالرحيم التدلاوي - رصد معاناة المرأة في مجموعة "مضاجع ملغومة" لنعيمة القضيوي الإدريسي.. قراءة "عاشقة".

العنوان:
يبدو العنوان : (مضاجع ملغومة ) عتبة مهمة تجمع بين كلمتين مشحونتين، مضاجع هي مصدر لضاجع بمعنى جامع كفعل جنسي؛ فهو يدل على مضاجعة الرجل للمرأة؛ أي: مجامعتها، فالمضاجعة مع الزوجة هو النوم معها وإن لم يجامعها ، وهو المراد اصطلاحا ، وقد يطلق عند العرف على المجامعة مسامحة في التعبير . وتستدعي السرير كساحة المواقعة؛ وكلمة ملغومة المرتبطة بالأولى، فتحمل معاني ملتبسة؛ فهي مفعول مشتق من فعل لغم؛ واللغم يحمل دلالات شتى بناء على السياقات التي يرد فيه، منها، بفتح اللام. : الطِّيب القَلِيل، وقَصَبةُ اللِّسان، وعروقُه والإرجافُ الحادّ، وشبه صندوق أَو علبة تحشى بمواد متفجرة ، ثم يوضع مستورا في الأَرْض فَإِذَا وطئه واطئ انفجر.
وهي،ها هنا، لغم الكتابة ولغم القراءة. إنه لغم له قابلية للانفجار إذا لم يكن الفاعل حذرا.
وتلغيم المضاجع تعبير عن الممارسات الجنسية الخفية والتي تجري في سرية تامة يخفيها الظلام، ويحافظ على سريتها.
كلمتا العنوان جاءتا فوق اللوحة مباشرة باللون الأسود الذي هو اللون الذي كتب به اسم المؤلفة أعلاه. وهو اللون نفسه الذي وسم جنس العمل القابع أسفل اللوحة "قصص قصيرة"؛ وكلها عناصر تؤثث الفضاء العام للغلاف ذي اللون الوردي الدال على الطهر والرومانسية العاطفية.
اللوحة:
في هذا الديكور السابح في بحر الحب العطر، على اعتبار أن غلاف المجموعة المغموس في الوردي، ما هو إلا تعبير عن الجو الرومانسي الحالم الذي تتكئ عليه لوحة المرأة باذخة الجمال في وضع نوم عميق؛ وهي ترتدي فستانا برتقاليا فوق سرير وثير، تمد ساقها اليمنى أسفله، وتحت القدم نار تعبر عن خلجات النفس وما يعتمل في أعماقها من رغبات غير مشبعة.
جاءت اللوحة محاصرة بإطار ذي لون أسود حتى لا ترتع الشخصية الحالمة في عالم الحب، ولتبقى حبيسة الرغبة المفقودة والمرجوة؛ فالحلم يظل ملتهبا يحرق أقدام النائمة، يسعره عدم التحقق الواقعي؛ فهناك موانع شتى تقف حاجزا دون اكتماله بله تحققه.
تحمل المجموعة رؤية نسائية لواقع اجتماعي وإنساني تلونت دقاته وتعدد صرخاته...فقصصها تهتم بالمرأة كانسان وتعبر عما تكابده داخل مجتمع ذكوري يرى في كل حركاتها عيبا فيسعى إلى محاصرتها بخطوط حمراء تحت عنوان قامع تلخصه كلمة "حشومة" الجامعة لكل معاناتها. ومن خلال المشاهد السردية تجعلنا الكاتبة نتعاطف مع شخصيات قصصها نتفهم معاناتها، فلا أحد قادر على إدراك ومعرفة تلك المعاناة إلا المرأة؛ هي وحدها التي يمكنها التعبير عنها وتوصيلها إلى القارئ لكي يشاركها إياها.
إنها مجموعة حافلة بالإنساني والاجتماعي والمشاهد المؤلمة والتي توفقت القضيوي في تصويرها ونقلها إلينا بأسلوب قصصي مثير ومشوق وبلغة فصيحة وسليمة. تروم فضح الثقافة المكرسة التي تسعى إلى كسر المقاومة النسائية وإخضاعها لهيمنة الرجل.
تقرر القاصة وبجرأة كبيرة خوض غمار تعرية ما يحدث خلف الأبواب، بفضح المستور، لا برغبة خلق الفضيحة، ولكن من أجل تسليط الأضواء على ما تعانيه المرأة خلف أستار الصمت. ففي نص "الناظر والمنظور" ص14 والمسرود بضمير المتكلم، تتخذ الساردة ثلاثة أمكنة لرصد ما يقع بها، وكأنها تمتلك عين كاميرا، تتجول بها في هذه الفضاءات ذات الخصوصية؛ أماكن مغلقة، يحرم الاقتراب منها، لكنها توفر للساردة فرصة التعرية، ونقل ما يجري فيها بكل صدق جارح، إذ وظفت كلمات قد تبدو عنيفة وفاضحة، لكنها لم تقصد الوقوف عند البعد الجنسي المحرك للغرائز بقدر ما سعت إلى رصد ما تراه عيناها بشكل مستفز؛ ففي الحمام، ترى، رغم أنها تردع بأوامر أمها التي تستمدها من ثقافة تحريم النظر إلى العورات، ما يفرض عليها عريه، فلا تجد بدا من نقله، كتلك الأرداف الضخمة، وذلك الفرح المحلوق بعناية مثيرة، وغير ذلك من الصور الفاضحة التي تخفيها الحمامات عن الأعين.
ويعد الشاطئ فرصة لعرض الأجساد المتعطشة للحب متحدية الموانع، ومبدية بعض ما كانت تستره.
وقد وردت كلمات كثيرة يمكن عدها خادشة للحياء، لكنها ليس لذاتها، ولا لتحريك الغرائز، وعن هذه النقطة، يقول الناقد عزالدين الماعزي: نصوصها تضمن وحشية الحكي بمفارقات ولغة تدغدغ الحواس(افتض زوجي عذريتي بعنف حولني يومها الى مومياء..،) (اللعين ينتصب .. يزداد ضخامة وابتسامتي تتلاشى ..) وايحاءات جنسية (كل ما يتعلق بالعجز يرتبط بالجزء السفلي ..) واسترجاعات من الطفولة لعن الله الناظر والمنظور ( المؤخرة غير المستورة، سوى جهازها التناسلي وقد حلقته بشكل مثير..) (استسلمت لنداء الشهوة لم يعد يسمع سوى آهاتنا وشوقنا ..،الشهوة هي الحاضرة في انفصال تام عن الحب .. صديقه الذي يمارس العادة السرية ..) (.. عارية ، لها قضيب فوق جهازها).. النص يهدهد خلجات القارئ –كما أسلفت- بنار الحكي وآهاته ولذته وشهوته وهي بذلك لا تتعمد الإثارة الجنسية بقدر ما تسعى إلى تجاوز الآليات القمعية والنزعة التميزية وشتى أشكال التحرش والخوف بعيدا عن اضطهاد المرأة ولسان حالها (استحالة تناول تيمة أو موضوع الجنس دون استحضار مختلف أشكال التأويل التي تمنحه معان مختلفة في سياق حضاري معين ) في أمكنة مختارة بعناية...
يبدو أن القاصة قد ارتكزت في مجموعتها على موضوع واحد، تناولته من زوايا مختلفة، وطرحته في نصوص شخصياتها مختلفة في نوازعها وتفكيرها، وأنماط سلوكها، كما ارتكزت على نواة دلالية موحدة، تتمثل، أساسا، في العلاقة المتوترة بين الرجل والمرأة، ومن خلالها، قراءة تلك العلاقة في ضوء العادات والتقاليد، المكبلة لانطلاق المرأة الهادفة إلى كسب حريتها، بكسر أغلال الثقافة الذكورية التي تسجنها في حيز ضيق، وتأبى أن تراها امرأة كاملة الحقوق، وليست قنية للمتعة فقط.
وللتعبير عن القضايا التي تشغل بال القاص، فإنها قامت بالتنويع على مستوى النماذج البشرية المقدمة.
أما رؤيتها ومقاصدها؛ فتنبني على نقد اجتماعي فاعل، يهدف إلى تغيير نظرة المجتمع للمرأة، وما ينطوي عليه من قيم فاسدة. وقد امتلكت الشجاعة الأدبية في مواجهة المجتمع ، وعاداته وتقاليده البالية؛ فلم تتخفى وراء الرموز، والأقنعة، بل كانت صريحة من دون إسفاف أو تقريرية ممجوجة.
بعد هذا لا بد من الإشارة إلى ما تتميز به هذه المجموعة القصصية من دقة لغتها وعمق دوالها، فالكاتبة توظف لغة بسيطة وجميلة؛ وهي لغة تمتح من اليومي العادي لتعانق روح الشاعرية؛ مما منح النصوص انفتاحا دلاليا، يمنح فرصة للقارئ كي يعانق التعدد القرائي وتنوع التأويلات. وهذه الاستراتيجيات هي التي ضمنت للمجموعة تميزها على المستويين القضوي والفني الجمالي.

**

1_ مضاجع ملغومة ، قصص قصيرة، نعيمة القضيوي الإدريسي، مطبعة سليكي أخوين، طنجة، الطبعة الأولى، سنة 2014.
2_ عز الدين الماعزي في قراءة للمجموعة.


1667812877495.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى