وليد بوعديلة - الشاعر الجزائري عبد الحميد شكيل يكاشف “عطش الأنهار”.. في نصوص جديدة “سيرة الذات.. سيرة الجماعة”

أصدر المبدع الشاعر الجزائري عبد الحميد شكيل مجموعة جديدة،وسمها بعطش الأنهار،عن دار خيال،سبتمبر2022،حيث انطلق فيها من جملة نصوص نقدية وجودية صغيرة تتحدث عن الموت والغربة والفنون والحياة…لبعض الأدباء والكتاب.
كما كتب الاستاذ شكيل بعض رؤاه النقدية حول تجليات ومجازات القصيدة،وحالات الكتابة والإبداع،ومواقف القارئ،وهو يريد القارى العارف العرفاني،لذلك يقول المبدع شكيل:”الاقتراب الجمالي من فيض القصيدة وعرفانيتها هو اقتراب من تخوم النار ،وقذف النار، الذي يتكون في ماء الخلق، وغيم البرق في لحظة الاشراق العالي”.
أما نصوص المجموعة الشعرية فهي تسير في نمط شعري مغامر،كعادة عبد الحميد،حيث يصعب فهم الكلمات والتراكيب على القارئ المتسرع،وفيها البوح و التفاعل مع جمال الطبيعة،كما أن معجمها يحضر بقوة في النصوص..
ad
ووجدنا ملامح انفتاح الشعري على السردي،وعناق الادبي والفلسفي،مثل نص” ريتا محمود درويش”،ففيه نقرأ التراث الشعبي والمرجع الأسطوري،والراهن الفلسطيني،في بناء ليس من الشعر،وليس من النثر،بل هو مقاطع من نصوص كنعانية تعود لهذا الزمن لتقول بوح الإنسان وعلامات الضياع في يوميات الحب والحرب،نقرأ من النص:”إن قصيدة يافا القديمة،لاوزن لها ولا قافية،وانها تحب الحياة،دون كدر، ولا خياناولاغدر،يأتي من بحر الغزاة..”ويقول في مقطع آخر:”
لم تكن ريتا الصبية ترى إلى طائر الحسون وهو يعزف بوحه لنصوص درويش،وهي على وزن السفر، ولم تكن تدري أن صوت اللغة،لا سماء لها،ولا مشنقة..ولم تكن تدرك معنى الغناء المفرد على جيتار الأحزان في وادي القدر”.
ومن يتأمل نصوص المجموعة سيكتشف حضور الابعاد النصية الفنية والفكرية،التي لا يتمكن من حصارها في أبعاد شعرية،اي قواعد نقد الشعر،بمعنى على المتلقي الدخول للنص باعتباره الكيان المفتوح على الأجناس الأدبية، والمتعدد الفني وليس الأحادي الفني،والا ظلم النص وظلم صاحبه..كما هو الأمر مع نص” السماء لا تكون زرقاء الا في قسنطينة” أو نص”وداعا خويا دحمان”أو نص ابن زيدون”أو نص ادوارد سعيد…فهي تقترب من أدب المذكرات،ادب السياحة،ادب الاعترافات،ادب الرسائل،بلغة شاعرية ،صوفية،دينية،فيها المنطق والروح،والحق والخير،والواقع والخيال…وكأن المبدع عبد الحميد شكيل أراد أن يقول:” إني أريد كتابة نص يقول ذاتي وذاكرتي ومحبتي لهؤلاء..بل محبتي للإنسان والإنسانية”..وهنا أتساءل (انا القارئ): بأي معيار نقدي نتعامل مع النصوص المفتوحة العابرة للأنواع؟!.
وهناك ظاهرة أخرى في النصوص وهي ظاهرة الإهداء للشعراء والأدباء،في محاولة لربط القارئ بمشاريع وتجارب،وبعواطف ورؤى،من ذاكرة الثقافة العربية والغربية،حيث نلقى عز الدين المناصرة،سعدي يوسف،حسين خمري،مالك بوذيبة،محمد اركون،مريد البرغوثي،غسان كنفاني…وغيرهم.
لا يمكن فهم وتأويل النصوص الا لمن هو عارف بنصوص الشعراء العرب والغربيين المعاصرين،الذين ذكرهم الشاعر عبد الحميد،فكل نص هو حامل وناقل لذاكرة شاعر عربي أو أجنبي،لأن النصوص تنقل لنا عناوين دواوينهم وأمكنتهم وأسفارهم ومواقفهم،وكأننا أمام قصائد مسافرة في الزمان والمكان وفي كتابات/ذاكرة الانسان،لكي يقول الشاعر الجزائري شوقه ومحبته وحنينه لهم،ولحضورهم الجميل في الثقافة العربية والعالمية،فمثلا نص”حصار الماء”،المهدى للشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة،يستحضر “حصار قرطاج،لا اثق بطائر الوقواق،بالأخضر كفناه..”وغيرها من دواوين الشعرية للمناصرة…كما يوظف معجما وعالما دلاليا نجده في التجربة الشعرية للمناصرة،مثل:كنعان،الخليل،سيرتا،جفرا…و من يقرأ النص/ القصيدة سيجد بعضا من سيرة الشاعر الفلسطيني وأفكاره.(رحمه الله ..وقد توفي زمن جائحة كورونا)..
يمكن أن نقول بأن النصوص الجديدة التي كتبها عبد الحميد شكيل في عطش الأنهار هي نصوص سيرة ذاتية وجماعية،لا يمكن فهم معانيها إلا لمن قرأ الكثير من التجارب الأدبية العربية والأجنبية المعاصرة،فهي تسافر في أمكنة عربية وغربيةعديدة،وتحيل على مرجعيات شعرية ونثرية متنوعة،كما تنفتح على الأمل والألم،وعلى هوية الشعراء واعترافاتهم وخصوماتهم ومحباتهم وقناعاتهم،وكأن المجموعة هذه تختصر الكثير من الروايات والمسرحيات والفنون التي قد تحاول أن تنقل سير و حياة سعدي يوسف،مريد البرغوثي،المناصرة،غسان كنفاني،ادوارد سعيد،مالك بوذيبة،…وغيرهم.
أخيرا..
هي مغامرة ابداعية جديدة،تتطلب التأمل والبحث خلف التراكيب والأبعاد اللغويه ، والاقتراب من عوالم الذاكرة الأدبية الثقافية العربية،فنحن أمام نصوص تتجاوز الكتابات التقليدية لتعانق المغايرة والتفرد والاختلاف عن السائد.

كاتب جزائري



جريدة رأي اليوم



1668021882576.png

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى