في عام 1946 قَتل حسين توفيق أمين عثمان الذي كان وزيرا للمالية في حكومة النحاس باشا سنة 1943. واعترف في التحقيقات مُعللا ذلك بأن عثمان خائن للوطن لعلاقاته الوطيدة بالإنجليز وبسبب وقوفه إلى جانب بريطانيا في معاهدة 1936 وفي حادث 4 فبراير.
كان حسين توفيق قد كوَّن مع زملاء له من الطلبة، وابن عمته محمود مراد جمعية سرية، وتحدَّث في شأنها مع سعد الدين كامل، ومحمد إبراهيم كامل، والسيد عبد العزيز خميس الطالب بكلية الآداب، وعمر عمر حسين أبو علي "مدرس" وهو أخو الطيار أبو السعود الذي طار وانضم إلى الألمان أثناء موقعة العَلمين، ومحمود يحيى مراد وأنور السادات ضابط اللاسلكي الذي فُصل من الجيش سنة 1942 بتهمة اتصاله بالألمان وظل مُعتقلاً إلى أكتوبر 1944 حيث استطاع الهروب من مُعتقل الزيتون، إلى أن سقطت الأحكام العرفية سنة 1945 فانضم إلى حسين توفيق الذي كان يمارس قتل الإنجليز قبل الانضمام إليه تحت اسم "الحاج محمد" وحسن عزت ضابط طيار وفُصل. وأول عمل كان الشروع في قتل النحاس باشا ثم قتل أمين عثمان باشا.
وفي مساء يوم السبت 5 يناير 1946 حوالي الساعة 6 مساء وعقب دخول أمين عثمان باشا إلى العقار رقم 14 بشارع عدلي باشا قاصدًا مَقر "رابطة النهضة"، وما أن همَّ بالصعود إلى الدرجات الأولى، حتى دَهمهُ حسين توفيق من الخلف وأطلق عليه طلقات نارية من مسدسه "الإنفيلد" خَـرَّ بعدها عل الأرض وولَّى الجاني الفرار.
ويعتبر حسين توفيق أشهر قاتل سياسي في تاريخ مصر، وسِر شهرته أنَّ الكاتب إحسان عبد القدوس كتب رواية "في بَيتنا رَجُل" اقتبس فيها شخصية إبراهيم حمدي من شخصية حسين توفيق ليُحوله إلى بَطل وطني عظيم، ويَختار المُخرج هنري بركات الرواية لتُصبح فيلمًا شهيرًا يقوم ببطولته عمر الشريف وزبيدة ثروت وحسن يوسف.
لقد أحبَّ الناس تلك القصة وتصوَّروا أن البَطل الحقيقي لها شخص يستحق التقدير والحب، ولكن شتَّان بين الفيلم والحقيقة، ومن يَعرف البطل الحقيقي حسين توفيق يعلم كم من الجرائم تُرتكب باسم الوطنية.
وكان حسين توفيق وجماعته مُقتصرين في عملياتهم على الحوادث العشوائية غير المُخطَّطة، والتي لا تُحدث أي نتائج سوى تخويف بعض جنود الانجليز، إلى أن التقى حسين توفيق عند أحد أصدقائه بشاب ذكي لماح لديه خبرة جيدة بالعمل العسكري ويكبره بسبع سنوات هو محمد أنور السادات، وقتها كان السادات عضوًا في تنظيم الضباط الأحرار.
وانضمَّ السادات إلى جماعة حسين توفيق تحت اسم "الحاج محمد" والذي أقنعهم في ذلك الوقت بضرورة التخلص من أمين عثمان الذي وَصف علاقة مصر وانجلترا بأنها زواج كاثوليكي دائم.
- إقرار إحسان عبد القدوس بتهريب القاتل:
يقول إحسان عبد القدوس: اتصل بي الأستاذ سعد كامل المحامي تليفونيًا ثم حضر إلى منزلي وأخبرني بهروب حسين توفيق، وأنه موجود في مكتب الأستاذ عصمت سيف الدولة المحامي، فنزلتُ مع سعد كامل في سيارتي الأوستن الخاصة، وذهبنا إلى مكتب الأستاذ عصمت، ونزل معي حسين وتوجَّهنا إلى منزلي بشارع القصر العيني، وكان حسين يضع على عينيه نظارة سوداء، وقد تعمدتُ أن أبدو طبيعيًا، فعندما وصلنا منزلي أوقفتُ السيارة وتعمدتُ أن أُحدث مشاجرة أو خناقة مع واحد كان يُزاحم الطريق بعربة يَد، وكان حسين توفيق قد نزل من السيارة ووقف بجواري ولم يتنبه أحد إليه، ودخلنا باب العمارة أمام البوابين وعامل الأسانسير كأنَّ الأمر كان عاديًا وركبنا الأسانسير. وتعاونتُ أنا وزوجتي على وضع خطة بحيث لا يَشعر أحد بوجود ضيف عندنا، فكنا في كل صباح نعمل حركة تغييرات وتنقلات وفتح وغلق أبواب الغُرف ودورة المياه؛ حتى يستطيع حسين أن يتنقل من هذه إلى تلك دون أن يحس به أحد من الخدَم، وكان حسين توفيق ينام بجواري ويَحمل مسدسًا بصفة دائمة ويضعه تحت رأسه.
ومَكث حسين في بيتي على هذا الحال أربعة أيام، اثنان قبل تقديم الخطاب وفي اليوم الرابع قرَّرنا ضرورة نقله إلى مخبأ آخر، فقد عَرف أحد الخدَم بوجوده وقال للمربية أنا شُفت حسين توفيق هنا، فخشيتُ من السُّفرجي والبوليس السياسي وخصوصًا إن الراديو كان يُعلن عن مكافأة خمسة آلاف جنيه لمن يَضبط حسين، وقد قمتُ ومعي سعد كامل بنقله في سيارتي إلى منزل في المنيل.
- الخطاب الذي ادعاه إحسان عبد القدوس ومفهوم الوطنية عند القَتلة:
بعد هُروب حسين توفيق بيَومَين، تقدَّم إحسان عبد القدوس للنيابة بخطاب قال إنه وصل إليه من حسين توفيق على دار "روز اليوسف". كان الخطاب مؤرخًا في 11/6/1948 أي بعد يومَين من هروبه، وجاء فيه: "عندما تصلك رسالتي هذه أكونُ في طريقي إلى فلسطين لأساهم في تطهير الأرض المقدسة من عصابات الإجرام الصهيونية، وقد ظن بعضهم أنني تركتُ السجن فرارًا من وجه العدالة، ولكن ليعلم هؤلاء أنني ما أقدمتُ على هذا العمل إلا لأتمكن من مواصلة الكفاح ضد الاستعمار وأذنابه، فما كنتُ لأخشى يومًا ما حكم القضاء، إلا إذا كانت الوطنية جريمة يُعاقب عليها القانون، لقد قرأتُ في صحف الصباح تصريحًا للنقراشي باشا يقول فيه عن هربي إنه حادث مُزعج، ولا أدري لماذا ينزعج دولته مع أن خروجي من السجن لا يزعج أحدًا إلا الخَونة وأعداء البلاد، وإني واثق أن دولته ليس منهم، وقد أرسلتُ لكَ هذا الخطاب لأني أعلم أنكَ الصديق الصحفي الوحيد الذي يَفهمني ويُقدر ظروفي، وشكرًا لدفاعك دائما عَنِّي، وإلى اللقاء إن كان هناك أمل في اللقاء".
ولكن النيابة لاحظَت أن أسلوب الخطاب يفوق أسلوب المتهم وهو ما زال طالبًا في السنة الثالثة ثانوي وتعلَّم في مدارس أجنبية ولم يصل إلى هذا المستوى من إجادة العربية، ولكنها لم تتشكك في إحسان عبد القدوس.
- البوليس السياسي يشك في إحسان عبد القدوس:
يقول إحسان: "لم يكن البوليس السياسي غافلاً عما يجري، كانوا واثقين تمامًا أنني ضالعًا في العملية، لكن إلى أي مدى، هذا هو ما كانوا في حيرة منه، لقد كانوا يعلمون جيدًا صلتي بالتجمع الثوري المُختفي وراء هروب حسين توفيق، ولهذا قرروا مطاردتي بلا رحمة، أملاً في أن أقودهم إلى خيط يوصلهم للهارب المختفي، وكان عليَّ إمعانًا في تضليلهم أن أمارس حياتي المعتادة بلا أدنى تغيير يثير شكوكهم، وكنتُ أحس في كل مكان أذهب إليه بعيون البوليس السياسي ترقبني".
ويستمر حسين توفيق مختفيًا في حجرة نوم إحسان عبد القدوس أربعة أيام إلى أن تجئ اللحظة التي يخشاها هو وزوجته حين تقع عين الخادم على رجل غريب في حجرة نومه! فيسرع الأستاذ ويبلغ الخبر إلى شركائه الثوار فيقررون بعد مناقشات بينهم إعفاء إحسان من تلك المهمة الوطنية التي كان يقوم بها هو وزوجته على أكمل وجه، ونُقل حسين توفيق فورًا إلى منزل آخر بالجيزة، فيخرج بالفعل مرتديا ثياب ضابط من شرفة منزل إحسان عبد القدوس بالقصر العيني إلى منزل آخر بالجيزة، ومنها يتم ترحيله إلى سوريا.
كان حسين توفيق قد كوَّن مع زملاء له من الطلبة، وابن عمته محمود مراد جمعية سرية، وتحدَّث في شأنها مع سعد الدين كامل، ومحمد إبراهيم كامل، والسيد عبد العزيز خميس الطالب بكلية الآداب، وعمر عمر حسين أبو علي "مدرس" وهو أخو الطيار أبو السعود الذي طار وانضم إلى الألمان أثناء موقعة العَلمين، ومحمود يحيى مراد وأنور السادات ضابط اللاسلكي الذي فُصل من الجيش سنة 1942 بتهمة اتصاله بالألمان وظل مُعتقلاً إلى أكتوبر 1944 حيث استطاع الهروب من مُعتقل الزيتون، إلى أن سقطت الأحكام العرفية سنة 1945 فانضم إلى حسين توفيق الذي كان يمارس قتل الإنجليز قبل الانضمام إليه تحت اسم "الحاج محمد" وحسن عزت ضابط طيار وفُصل. وأول عمل كان الشروع في قتل النحاس باشا ثم قتل أمين عثمان باشا.
وفي مساء يوم السبت 5 يناير 1946 حوالي الساعة 6 مساء وعقب دخول أمين عثمان باشا إلى العقار رقم 14 بشارع عدلي باشا قاصدًا مَقر "رابطة النهضة"، وما أن همَّ بالصعود إلى الدرجات الأولى، حتى دَهمهُ حسين توفيق من الخلف وأطلق عليه طلقات نارية من مسدسه "الإنفيلد" خَـرَّ بعدها عل الأرض وولَّى الجاني الفرار.
ويعتبر حسين توفيق أشهر قاتل سياسي في تاريخ مصر، وسِر شهرته أنَّ الكاتب إحسان عبد القدوس كتب رواية "في بَيتنا رَجُل" اقتبس فيها شخصية إبراهيم حمدي من شخصية حسين توفيق ليُحوله إلى بَطل وطني عظيم، ويَختار المُخرج هنري بركات الرواية لتُصبح فيلمًا شهيرًا يقوم ببطولته عمر الشريف وزبيدة ثروت وحسن يوسف.
لقد أحبَّ الناس تلك القصة وتصوَّروا أن البَطل الحقيقي لها شخص يستحق التقدير والحب، ولكن شتَّان بين الفيلم والحقيقة، ومن يَعرف البطل الحقيقي حسين توفيق يعلم كم من الجرائم تُرتكب باسم الوطنية.
وكان حسين توفيق وجماعته مُقتصرين في عملياتهم على الحوادث العشوائية غير المُخطَّطة، والتي لا تُحدث أي نتائج سوى تخويف بعض جنود الانجليز، إلى أن التقى حسين توفيق عند أحد أصدقائه بشاب ذكي لماح لديه خبرة جيدة بالعمل العسكري ويكبره بسبع سنوات هو محمد أنور السادات، وقتها كان السادات عضوًا في تنظيم الضباط الأحرار.
وانضمَّ السادات إلى جماعة حسين توفيق تحت اسم "الحاج محمد" والذي أقنعهم في ذلك الوقت بضرورة التخلص من أمين عثمان الذي وَصف علاقة مصر وانجلترا بأنها زواج كاثوليكي دائم.
- إقرار إحسان عبد القدوس بتهريب القاتل:
يقول إحسان عبد القدوس: اتصل بي الأستاذ سعد كامل المحامي تليفونيًا ثم حضر إلى منزلي وأخبرني بهروب حسين توفيق، وأنه موجود في مكتب الأستاذ عصمت سيف الدولة المحامي، فنزلتُ مع سعد كامل في سيارتي الأوستن الخاصة، وذهبنا إلى مكتب الأستاذ عصمت، ونزل معي حسين وتوجَّهنا إلى منزلي بشارع القصر العيني، وكان حسين يضع على عينيه نظارة سوداء، وقد تعمدتُ أن أبدو طبيعيًا، فعندما وصلنا منزلي أوقفتُ السيارة وتعمدتُ أن أُحدث مشاجرة أو خناقة مع واحد كان يُزاحم الطريق بعربة يَد، وكان حسين توفيق قد نزل من السيارة ووقف بجواري ولم يتنبه أحد إليه، ودخلنا باب العمارة أمام البوابين وعامل الأسانسير كأنَّ الأمر كان عاديًا وركبنا الأسانسير. وتعاونتُ أنا وزوجتي على وضع خطة بحيث لا يَشعر أحد بوجود ضيف عندنا، فكنا في كل صباح نعمل حركة تغييرات وتنقلات وفتح وغلق أبواب الغُرف ودورة المياه؛ حتى يستطيع حسين أن يتنقل من هذه إلى تلك دون أن يحس به أحد من الخدَم، وكان حسين توفيق ينام بجواري ويَحمل مسدسًا بصفة دائمة ويضعه تحت رأسه.
ومَكث حسين في بيتي على هذا الحال أربعة أيام، اثنان قبل تقديم الخطاب وفي اليوم الرابع قرَّرنا ضرورة نقله إلى مخبأ آخر، فقد عَرف أحد الخدَم بوجوده وقال للمربية أنا شُفت حسين توفيق هنا، فخشيتُ من السُّفرجي والبوليس السياسي وخصوصًا إن الراديو كان يُعلن عن مكافأة خمسة آلاف جنيه لمن يَضبط حسين، وقد قمتُ ومعي سعد كامل بنقله في سيارتي إلى منزل في المنيل.
- الخطاب الذي ادعاه إحسان عبد القدوس ومفهوم الوطنية عند القَتلة:
بعد هُروب حسين توفيق بيَومَين، تقدَّم إحسان عبد القدوس للنيابة بخطاب قال إنه وصل إليه من حسين توفيق على دار "روز اليوسف". كان الخطاب مؤرخًا في 11/6/1948 أي بعد يومَين من هروبه، وجاء فيه: "عندما تصلك رسالتي هذه أكونُ في طريقي إلى فلسطين لأساهم في تطهير الأرض المقدسة من عصابات الإجرام الصهيونية، وقد ظن بعضهم أنني تركتُ السجن فرارًا من وجه العدالة، ولكن ليعلم هؤلاء أنني ما أقدمتُ على هذا العمل إلا لأتمكن من مواصلة الكفاح ضد الاستعمار وأذنابه، فما كنتُ لأخشى يومًا ما حكم القضاء، إلا إذا كانت الوطنية جريمة يُعاقب عليها القانون، لقد قرأتُ في صحف الصباح تصريحًا للنقراشي باشا يقول فيه عن هربي إنه حادث مُزعج، ولا أدري لماذا ينزعج دولته مع أن خروجي من السجن لا يزعج أحدًا إلا الخَونة وأعداء البلاد، وإني واثق أن دولته ليس منهم، وقد أرسلتُ لكَ هذا الخطاب لأني أعلم أنكَ الصديق الصحفي الوحيد الذي يَفهمني ويُقدر ظروفي، وشكرًا لدفاعك دائما عَنِّي، وإلى اللقاء إن كان هناك أمل في اللقاء".
ولكن النيابة لاحظَت أن أسلوب الخطاب يفوق أسلوب المتهم وهو ما زال طالبًا في السنة الثالثة ثانوي وتعلَّم في مدارس أجنبية ولم يصل إلى هذا المستوى من إجادة العربية، ولكنها لم تتشكك في إحسان عبد القدوس.
- البوليس السياسي يشك في إحسان عبد القدوس:
يقول إحسان: "لم يكن البوليس السياسي غافلاً عما يجري، كانوا واثقين تمامًا أنني ضالعًا في العملية، لكن إلى أي مدى، هذا هو ما كانوا في حيرة منه، لقد كانوا يعلمون جيدًا صلتي بالتجمع الثوري المُختفي وراء هروب حسين توفيق، ولهذا قرروا مطاردتي بلا رحمة، أملاً في أن أقودهم إلى خيط يوصلهم للهارب المختفي، وكان عليَّ إمعانًا في تضليلهم أن أمارس حياتي المعتادة بلا أدنى تغيير يثير شكوكهم، وكنتُ أحس في كل مكان أذهب إليه بعيون البوليس السياسي ترقبني".
ويستمر حسين توفيق مختفيًا في حجرة نوم إحسان عبد القدوس أربعة أيام إلى أن تجئ اللحظة التي يخشاها هو وزوجته حين تقع عين الخادم على رجل غريب في حجرة نومه! فيسرع الأستاذ ويبلغ الخبر إلى شركائه الثوار فيقررون بعد مناقشات بينهم إعفاء إحسان من تلك المهمة الوطنية التي كان يقوم بها هو وزوجته على أكمل وجه، ونُقل حسين توفيق فورًا إلى منزل آخر بالجيزة، فيخرج بالفعل مرتديا ثياب ضابط من شرفة منزل إحسان عبد القدوس بالقصر العيني إلى منزل آخر بالجيزة، ومنها يتم ترحيله إلى سوريا.