( حوار ) الرسام عبدالكبير البيدوري.. فنان صرخت أعماله من مدينة “الويجانطي“ حاوره: صلاح الدين عابر (اليوسفية)

في مدينة هادئة يسكنها الصمت، وتنعم بسُكانها الطيبون، يُطلق عليها اسم "لويجانطي" وهي كلمة نسبة للمهندس الفرنسي "لويس جانتي" الذي اكتشف بها مادة الفوسفاط أوائل القرن الماضي. هنا في مدينة اليوسفية مدينة نضالات الطبقة العاملة بامتياز، يُقيم الفنان والـمُبدع الرسام "عبد الكبير البيدوري" .
" تحرريات " زارت الفنان والرسام عبدالكبير البيدوري في منزله، الذي يبدو عبارة عن لوحة كبيرة تتجسد فيها معاني الحياة والإيداع منزل مُشبع بالألوان والألغاز على جدران جعل منها المبدع عبد الكبير ناطقة بذات معاني مختلفة.
هذه الألوان والرسومات المتألقة، خطتها أيدي فنان واجه الحياة وكابر وتألف حيث لا تفارقه ابتسامة عريضة تختزل الكثير من المعاني.

من هو عبد الكبير البيدوري ؟
ازداد عبد الكبير البيدوري الذي هو استاذ العلوم الطبيعية، مُحال على المغادرة الطوعية في مدينة اليوسفية سنة 1951 حيث ربته أم شكلت في حياته قفزة نوعية، ساعدته على تنمية قدراته الابداعية، وجعلت منه فنانا بكل معنى للكلمة، أقام عبد الكبير البيدوري أول معرض جماعي للوحاته الفنية في مدينة اليوسفية سنة 1972 وما بين سنة 1977 إلى 1985 عاش فترة مخصصة للبحث والتكوين وصقل التجربة في مجال الفن التشكيلي، وفي سنة 1995 أقام الفنان البيدوري معرض جماعي ب" idou – anfa " بالدار البيضاء، وإلى رواق " artnet's " في العاصمة الفرنسية باريس عرض إحدى لوحاته الفنية في المزاد .

وعكة صحية .. ومقاومة فنان
شاء القدر، أن يُصاب الفنان عبد الكبير البيدوري بمرض التهاب الشرايين على مستوى الاطراف السفلى، حيث اضطر لبتر ساقيه في سنة 2003 في مستشفى مدينة اميان الفرنسية، ليجد بجانبه زوجته التي تعمل استاذة تُصارع معه الحياة والذي يُكن لها فخرا شامخا. فلم يكن مرض الفنان عبد الكبير البيدوري، كما روى في لقائنا به، نهاية المطاف، بل جعله ذلك الفنان المُكابر و المبدع الذي شق مسيرته الفنية. أقلامه وأوراقه، لم تُفارقه حتى وهو يمكث بالمستشفى، بل أنجز عدة أعمال له في فترته بالمستشفى.

• كيف بدأ ولوعك وعشقك لفن الرسم ؟
عندما كًنت طفل أدرس بالمستوى الابتدائي في مدرسة شيدت لأطفال الجالية الفرنسية خلال فترة عهد الحماية وتم التخلي عنها لصالح المغاربة مع مطلع الخمسينيات القرن الماضي، كانت هناك عدة سبورات مستطيلة لا يزيد عرضها على الأربعين سنتمترا تقريبا، وطولها يتعدى المتر ونصف، مثبتة على كل جدران قاعة الدرس بالإضافة الى السبورة الرئيسية المستعملة من طرف المعلم. خلال حصة الفرنسية كُنت اتيه ببصري ومخيلتي بين تلك السبورات المملوءة عن اخرها بالرسومات منجزة فقط بواسطة الطباشير الملون من طرف معلم الفوج الذي كان يتناوب مع فوجنا على نفس حجرة الدرس، لقد كان هذا المعلم رساما وفنانا رائعا بمخيلة لا ينضب لها معين فعلى امتداد السنة الدراسية تتغير المشاهد بتغير الفصول الأربعة.

هل لعبت هذه السبورات دورا في ولعك بالرسم ؟
بل تلك السبورات نفسها، لعبت دورا لا يستهان به في تكاسلي وتكراري مستوى الابتدائي الأول، كنت أرى فيها مهارة يد هذا المبدع وحركيتها بتتبعي تلك الخطوط المتعرجة ومتقطعة ومنجزة بسرعة وانفعال وتلقائية مفرطة لكنها دقيقة في اشارتها تمنح العين حركية التخيل والإيحاء بانطباع فني راقي دون تقيدها بخطوط محددة صارمة منغلقة على نفسها أما المساحات الملونة تخلط الطباشير الملون ببعضه البعض، فلا شك أن الرسام كان يستعمل اصابعه في حركات متنوعة مستعينا بالممسحة للحصول على كل ذلك التناغوم المتماهي مع الاشكال الهاربة والمنعكسة على العين برفق ومتحولة في المخيلة إلى عالم ساحر. هكذا اصبحت من عشية إلى ضحاها مهوسا بفن الرسم.

إذن كنت تُحب فن الرسم منذ فترة طفولتك ؟
نعم كنت أحب الرسم ككل الاطفال وأتذكر أن والدي وقبل سن التمدرس وقبل هجرتنا إلى المدينة الصغيرة كان يرسم لي بقلم جاف على أوراق السجائر، ولما لاحظ اهتمامي الزائد بالرسم اشترى لي دفترا وقلم رصاص لهذا الغرض، ولم يكن سني انذاك الأربع او الخمس السنوات، إلا أن هذه السبورات كانت بمثابة الصدمة الجميلة التي رفعت من مستوى حبي الطفولي للرسم فعوض مراجعة دروسي بعد عودتي إلى البيت اخدت اقضي كل وقتي تقريبا في محاولة تقليد كل ما كنت احتفظ به في ذاكرتي من رسومات تلك السبورات ثم تقليد رسومات الكتاب المدرسي، وكنت اجد صعوبة كبيرة في العثور على الاوراق اللازمة، فأخدت أرسم على أية دعامة اجدها في متناولي وتفي بالغرض. سواء من الورق المقوة أو ورق التلفيف بما في ذلك اكياس الاسمنت وهلُم جرا.

ترعرعت في مدينة اليوسفية، كيف كانت طفولتك هناك ؟
عشت طفولتي في حي يُطلق عليه اسم “ الفورات “ وهو الاسم الشعبي لمعمل تنشيف الفوسفاط، كان حيا عشوائيا، تستعصي أزقته على قواعد الهندسة، غير معترف به رسميا، بدون ماء ولا كهرباء كجل أحياء اليوسفية، فترعرعت هناك، فكان فصل الربيع يحول نواحي هذا الحي إلى زرابي من الأعشاب البرية المزهرة والتي تدخل البهجة إلى النفوس، وبقدر ما كان فصل الصيف يمتص رطوبة جدران بيوت الحي، وألوانها الزاهية، بحرارته المفرطة، ورياحه الشرقية الجارفة، فيغطي غبار المعمل الأزقة والبيوت، ويعم الجفاف وتكثر السحالي والحشرات، فلا حجر إلا وتحته عقرب، هكذا كنت ألعب احيانا لعبتي الخطيرة في الواحة والمتمثلة في ازاحة الأحجار المتناثرة هنا وهناك، بحذر شديد بحثا عن عقرب، لم أكن قد تجاوزت سن العاشرة.

هل اثرت عليك وعكتك الصحية ؟
بالنسبة لي بثر الساقين كان شيء عادي، وتأقلمت معه بعامل الزمن، وفي فترة مرضي ومكوثي بالمستشفى أنجزت عدة اعمال حيث كنت اقضي أوقات فراغي في الرسم، وكنت أحمل معي لوحاتي وأوراقي وأقلامي في فترة علاجي.

• ما هي ابرز المعارض التي أقمتها وانعكست على مسارك الفني؟
كان هناك من أبرز المعارض، معرض اقمته في رواق " artnet's " في العاصمة الفرنسية باريس، وايضا هناك معرض جماعي ب" idou – anfa " بالدار البيضاء، غير أنني في معرض البيضاء اكتشفت ان الفنان المغربي لا يتآزر مع أخيه الفنان، وكُنت أحس أن هناك نبرة الاستعلاء والتعالي تعلو في الرواق.

• هل تعتبر أن الفنان ضمير المجتمع ويقضته ؟ كيف يكون الفنان كذلك ؟
الفنان يقظة المجتمع، الفنان مثل الضوء، أيّ أنه إنارة المستقبل وكل ما هو غامض ومظلم في المجتمع، بشرط أن يكون بعيدا عن المفاهيم الاديولوجية الضيقة، فالفنان يُبدع أكثر من أن يُعبر، حيث أني اعتبر ان الابداع سابق عن التعبير، وبالنسبة لي فإن الفنان هو أي رجل أو مرأة يقول أنه فنان، ليس هناك معايير تُحدد من هو الفنان، وذلك مثل التعريف السوفياتي القديم (..) ( يضحك ) .

• إذا كان الإبداع يعكس وجهة نظر صاحبه،فهل عبرت عنك أعمالك؟
كما قلت سابقا، الفنان يبدع أكثر من أن يعبر، والأعمال ليست بالضروري أن تعبر عن الفنان، ففي أعمالي مثلا، لا أنطلق من الفكرة، فإذا كانت اعمالي عبارة عن فكرة فقط، فلما لا أكتبها وينتهي الأمر، لذلك أرى من واجب الفنان أن يبتعد عن مرحلة الذات وتوظيفها في الأعمال، وأن ينظر من حوله في هذا العالم المليء بالأشياء التي تستحق حقاً أن تكون في خانة الفنان.


================
عبد الكبير البيدوري
فنان تشكيلي من المغرب
العديد ممن يعرفون الفنان التشكيلي المغربي عبد الكبير البيدوري من اهل الفن و الاصدقاء ، يعرفونه بتواضعه الجم وطيبوبته وثقافته الموسوعية وحبه للقراءة والكتاب واخلاصه واستقامته ..
- مزداد باليوسفية بتاريخ 01 - 06 – 1951
- استاذ للعلوم الطبيعية محال على المعاش - المغادرة الطوعية
- فنان و رسام تشكيلي مغربي ..
- 1972 : اول معرض جماعي باليوسفية
- 1976 : معرض بمركز تكوين الأساتذة ، والمركز الثقافي الفرنسي
- ما بين 1977 الى 1985 : فترة مخصصة للبحث والتكوين وصقل التجربة في مجال الفن التشكيلي
- 1986 : معرض بعدة مؤسسات تعليمية باليوسفية والناحية
- 1995 : معرض جماعي ب" idou – anfa " بالدار البيضاء – المغرب نظم من طرف مجلة : " vision "
- 2006 : بيع في المزاد لاحدى اثاره الفنية في رواق " artnet's " بباريس
- ظهور عدة مقالات وحوارات بالعديد من الجرائد والمجلات المغربية تناولت تجربته الفنية : الاحداث المغربية - البيان - vision
- 2002 / 2003 : تعرض الى الاصابة بمرض التهاب الشرايين على مستوى الاطراف السفلى ، و بعد عدة عمليات جراحية في المستشفى الجامعي في الرباط / المغرب ، واميان - بفرنسا ، خضع لبتر ساقيه
- وفي عام 2004 ، اصيب بمرض نادر : تلف بالصفاق نتج عنه انسداد بالاحليل خضع على اثره لعدة عمليات..
و بالرغم من فقدانه للبصر بالعين اليمنى ، لايزال مثابرا صامدا بوجه المرض
- رسم اغلفة قصص الاطفال لفائدة دارالرشاد الحديثة - الدار البيضاء - المغرب
- للفنان عبدالكبير البيدوري سيرة ذاتية فنية مخطوطة تنتظر النشر


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى