د. محمد عباس محمد عرابي - كيف تجدد حياتك وتتغلب على القلق؟! (جدد حياتك أنموذجًا)

الكل الآن يهرول نحو أي سبيل للسعادة، والتغلب على صعاب الحياة رغبة في جعل حياته متجددة سعيدة، وهذا يفرض علينا سؤال كنهه كيف تجدد حياتك وتتغلب على القلق ؟!
وقد أجاب عن هذا السؤال الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي المولود في ولاية ميزوري الأميركية توفي عام 1955، في كتابه (دع القلق وابدأ الحياة)، والشيخ الغزالي في كتاب " جدد حياتك، والدكتور القرني في كتابه "لا تحزن " ولا تيأس وكتاب الدكتورة سلوى العضيدان " هكذا هزموا اليأس" وغيرهم كثير، وكنا في مقال سابق تحدثنا عن كتاب لا تحزن وإتماما للفائدة سيتم الحديث هنا عن كتاب " جدد حياتك لنرى كيف أجاب عن سؤالنا.
بداية؛ تنوعت كتابات الشيخ الغزالي فشملت الكثير من المجالات الاجتماعية والثقافية والدعوية والتربية الخلفية والنفسية كتبها بأسلوب متميز ولغة سهلة بسيطة تتميز بوسطية واعتدال الإسلام بعيدا عن التعصب.
ومن أبرز كتبه التي كتبها في مجال والتربية الخلفية والنفسية كتابه الشهير " جدد حياتك" وهو كتاب جاء على نمط وغرار كتاب" دع القلق وابدأ حياتك للكاتب الأمريكي ديل كارنيجي.
وفيما يلي نبذة موجزة حول هدف الشيخ محمد الغزالي من كتاب " جدد حياتك"، ومنهجه فيه، ومقتطفات من محتوياته، يتم عرضها على النحو التالي:
*الهدف:
فقد هدف الغزالي من كتاب " جدد حياتك": التأكيد على قيمة الإسلام وسبقه لتربية النفس الإنسانية والاهتمام بأمرها وحسن توجيهها. حيث رغب الشيخ محمد الغزالي الحديث عن كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) ، وبيان أن تعاليم الدين الإسلامي تساعد الإنسان من التمتع بحياة سعيدة بعيدة عن القلق وفي هذا يقول :"أحب أن ألفت الجاهلين بالإسلام والقاصرين في فقهه إلى الخاصة الأولى في هذا الدين وهى أنه دين الفطرة. فتعاليمه المنوعة في كل شأن من شؤون الحياة هي نداء الطبائع السليمة والأفكار الصحيحة وتوجيهاته المبثوثة في أصوله متنفس طلق لما تنشده النفوس من كمال وتستريح إليه من قرار.”
وبين أن الدين يحمي الفطرة السليمة حيث يقول:" حاجة الدين لحماية أصحاب الفطر السليمة وجهدهم في حسن التصور لحقائق الدين بجانب صدق العمل بها "
كما بين أن طبيعة الفطرة السليمة في الحكم على الأشياء حيث يقول:" فقد تختلف طبيعة إنسان عن أخر في الحكم علي شيء واحد أنا اذهب لتقبيحه وأنت تذهب لتحسينه والفطرة المقصودة هنا هي الفطرة السليمة فإن كل خلل يلحق بالطبيعة لأي سبب لا يجوز أن يحسب منها).
وبين أيضًا أن “صاحب الفطرة السليمة وحده هو الذي تستقر في ذهنه صورة الدين علي النحو البين ولكن الفطرة السليمة والعقل مهما سما لا يستغني أبدا عن النقل كما أن الذكاء لا يستغني عن قواعد العلم وفنون المعرفة كذلك تحتاج الفطرة والعقل السليم للمرجعية التي تضبط الأمور في أطار مقاصد وكليات الدين والفطرة والمرجعية يجب ان يكون بجانبهم ضميمة أخرى ألا وهي صدق العمل الذي ينقل الأمور إلي أرض الواقع وميدان الإنتاج والفاعلية فان علاج مشكلات الناس وأدواتهم لا يقدر عليه الأرجل حل مشكلات نفسه وداوي عللها بالحقائق الدينية التي يعرضها فالمعرفة لا قيمة لها بدون أن يحل المرء الحلال ويحرم الحرام ” .
وقارن الغزالي بين الفطرة لدينا ولدى الغرب حيث يقول: " إن للفطرة في بلاد الإسلام كتاب يُتلي ودروس تلقي وشعوب للأسف هاجعة بعيدة كل البعد عنه، أما في الغرب فللفطرة رجال ينقبون عن هداياتها كما ينقب عن الذهب في أعماق الصحاري فإذا ظفروا بشيء منه أغلوا قدره واستفادوا منه”
*المنهج:
وأما عن منهجه فقد قام الغزالي بنقل الحكم والنصائح التي أوردها كارنيجي في كتابه مطابقا إياها بما يوجد في الإسلام إذا ما فهمناه بشكل صحيح ومتعمق، وقد قام الشيخ الغزالي في كل مبحث، ذكر حكاية معبرة أوردها كارنيجي في كتابه،
وفي هذا يقول الشيخ الغزالي "رحمه الله ":"، يقول رحمه الله: «لقد قرأتُ كتاب (دع القلق وابدأ الحياة) للعلامة (ديل كارنيجي) الذي عرّبه الأستاذ عبد المنعم الزيادي، فعزمتُ فور انتهائي منه أن أردّ الكتاب إلى أصوله الإسلامية!! لا لأن الكاتب الذكي نقل شيئًا عن ديننا، بل لأن الخلاصات التي أثبتها بعد استقراء جيد لأقوال الفلاسفة والمربين وأحوال الخاصة والعامة تتفق من وجوه لا حصر لها مع الآيات الثابتة في قرآننا والأحاديث المأثورة عن نبينا».
*مقتطفات من محتويات كتاب " جدد حياتك":
وفي هذه المقتطفات يتم عرض النقاط التالية: حياة المرء من صنع أفكاره، كيفية التخلص من القلق، محاسبة النفس وضبطها، الثقة بالنفس وعدم تقليد الآخرين، تقبل النقد البناء في سبيل إصلاح النفس، التقرب إلى الله بالصلاة راحة للنفس، التحلي بالقيم عند التعامل مع الآخرين،
*حياة المرء من صنع أفكاره:
يبين الشيخ محمد الغزالي "رحمه الله " في مبحث «حياتك من صنع أفكارك» أن حياة المرء من صنع أفكاره، فـ «النفس وحدها هي مصدر السلوك والتوجيه حسب ما يغمرها من أفكار ويصبغها من عواطف»، يقول الغزالي:" حياتك من صنع أفكارك سعادة الإنسان أو شقاوته أو قلقه أو سكينته تنبع من نفسه وحدها "
ولذا فإن القضاء على الهم والغم والقلق الذي يصيب المرء ينبع من ذات المرء ذلك لأن تجديد المشاعر والأفكار يتطلب من المرء الانطلاق نحو أفق جديد يتعالى على كل الأفكار السلبية التي تستوطنه
ويؤكد الشيخ محمد الغزالي على أن ما يصيب المرء من فتور أو فتوة أو سرور أو حزن يعد انعكاسًا طبيعيا لما يفكر فيه وما يضطرب في فكره، وأن أساس المشكلات الفكر الخاطئ الذي يجعل المرء يعيش في دوامة ما لها من قرار
ويؤكد على أن الإنسان من صنع أفكاره بقوله:" سَعَادَة اَلْإِنْسَان أَوْ شَقَائِهِ أَوْ قَلَقه أَوْ سَكِينَته تَنْبُع مِنْ نَفْسه وَحْده. إِنَّهُ هُوَ اَلَّذِي يُعْطِي اَلْحَيَاة لَوْنهَا اَلْبَهِيج ، أَوْ اَلْمِقْبَض ، كَمَا يَتْلُونَ
اَلسَّائِل بِلَوْن اَلْإِنَاء اَلَّذِي يَحْتَوِيه : ˝ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ اَلرِّضَا ، وَمِنْ سُخْط فَلَهُ اَلسُّخْط ˝ .
*كيفية التخلص من القلق:
يرسم لنا الشيخ محمد الغزالي سبل وإجراءات عملية في كيفية التخلص من القلق يمكن عرضها على النحو التالي:
*اللجوء إلى الله:
يجب اللجوء إلى الله، حيث يقول الغزالي: " إلى البكائين على مافات٫ المتحيّرين وراء تحقيق المعجزات٫ الدائرين حول محور من أنفسهم يصارعون المنى وتصارعهم دون الانتهاء إلى قرار. إلى هؤلاء نوجّه كلمة (وليم جيمس) "إن بيننا وبين الله رابطة لاتنفصم،فإذا نحن أخضعنا أنفسنا لإشرافه- سبحانه وتعالى- تحققت أمنياتنا وآمالنا كلها . ❝
الرضا بما قضاه الله: يقول الغزالي " سَعَادَة اَلْإِنْسَان أَوْ شَقَائِهِ أَوْ قَلَقه أَوْ سَكِينَته تَنْبُع مِنْ نَفْسه وَحْده. إِنَّهُ هُوَ اَلَّذِي يُعْطِي اَلْحَيَاة لَوْنهَا اَلْبَهِيج، أَوْ اَلْمِقْبَض ، كَمَا يَتْلُونَ
اَلسَّائِل بِلَوْن اَلْإِنَاء اَلَّذِي يَحْتَوِيه: ˝ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ اَلرِّضَا، وَمِنْ سُخْط فَلَهُ اَلسُّخْط ˝ . "
ويقول:" " إن ` الرضا بالقسمة ` أصبح سبة فى التفكير الإسلامى ، لأن الذين تلقوا الأمر وضعوه فى غير موضعه ، فسوغوا به الفقر والكسل والخمول ، بدل أن يهونوا به كبوات السعى الجاد ، وهزائم العاملين المرهقين ، ومتاعب المظلومين فى وظائفهم ، وهم لا يستطيعون حيلة "
ويقول: "إن وخزات الأحداث قد تكون إيقاظا للإيمان الغافى ، ورجعة بالإنسان إلى الله. وهذه النتيجة تحول الداء دواء، والمحنة منحة، وتلك لا ريب أشهى ثمرات اليقين ، والرضا بما يصنعه رب العالمين . "
فعل الطاعات:" يقول الغزالي: نبه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى مَعلم خطير من معالم الإيمان حين قال: ˝ إذا سرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن ˝. أجل ، فإن انشراح الصدر لخير تفعله وانقباضه لسوء ترتكبه دليل على أن هناك معنى معيناً يسيطر عليك ، ومقياساً خاصاً تضبط به ما تحب وما تكره من خُلق أو سلوك .
أمّا الرجل الذي يواقع الدنيا غير متأذّ بما يصدر عنه فهو رجل ميت الضمير ، والضمير الميت كالجسم الميت لا يتحرك لطعنة بَله أن يهتز لوخزة . "
التقرب إلى الله بالصلاة راحة للنفس:
يبين الشيخ الغزالي "رحمه الله" أن التقرب إلى الله بالصلاة راحة للنفس حيث يقول: «إن الركض في ميادين الحياة بقدر ما يجلل البدن بالغبار والعرق يجلل الروح بالغيوم والأكدار. والمرء -إثر كل شوط طويل -يحتاج إلى ساعة يلم فيها شعثه، ويعيد النظافة والنظام إلى ما تعكّر وانتكث من شأنه كله. وليست الصلاة إلا لحظات لاسترجاع هذا الكمال المفقود أو المنشود». ولأن سير الحياة إنما هو بقضاء الله وقدره وجب الفقه الجيد لهذا الركن فهو لا يعني الخضوع والخنوع وترك العمل، بل هو الرضا التام باختيار الله لنا بعد أن نستنفذ ما في جعبتنا من سعي وعمل. مما يستلزم مرونة في مواجهة الشدائد والمحن وعدم تغليب كفة اليأس، بل التعامل بروح متفائلة مع الأمور التي تعرض لنا في الحياة، وهذا ما يبعث في النفس سكينة وطمأنينة فـ«إحساس المؤمن بأن زمام العالم لن يَفْلت من يد الله يقذف بمقادير كبيرة من الطمأنينة في فؤاده. إذ مهما اضطربت الأحداث وتقلبت الأحوال فلن تبُتَّ فيها إلا المشيئة العليا».
وفي هذا يقول الغزالي: فالرجل المتدين حقا عصي على القلق، محتفظ أبدا بإتزانه، مستعد دائما لمواجهة ما عسى أن تأتي به الأيام من صروف .
فلماذا لا نتجه إلى الله إذا استشعرنا القلق؟ . ولماذا لا نربط
أنفسنا بالقوة العظمى المهيمنة على هذا الكون؟ لا يقعدن بك عن
الصلاة والضراعة والابتهال أنك لست متدينا. "
تجديد الحياة بالتوبة إلى الله:
حول الدعوة لتجديد الحياة بالتوبة يقول الشيخ محمد الغزالي "رحمه الله ":«إن تجديد الحياة لا يعني إدخال بعض الأعمال الصالحة أو النيات الحسنة وسط جملة ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة، فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلًا حميدًا ولا مسلكًا مجيدًا»، كتجديد العاصي لحياته بتوبة صادقة يلقى فيها ربه، توبة لا تكون «زوْرة خاطفة» يعود بعدها المرء لما ألِفه من المعاصي بل توبة تتغير معها معالم النفس كما تتغير الأرض المَوات، فتكون هذه التوبة «نقلة كاملة من حياة إلى حياة، وفاصلًا قائمًا بين عهدين متمايزين كما يفصل الصبح بين الظلام والضياء».
فالغزالي يحث المرء على تجديد صلته بربه وان يعقد العزم على التوبة النصوح والأوبة الصحيحة للفطرة التي خلقنا الله عليها.
*العمل بجد والبعد عن الرياء:
ويحث على العمل بقوله "إن المجد والنجاح والإنتاج تظل أحلامًا لذيذة في نفوس أصحابها، وما تتحول حقائق حية إلا إذا نفخ فيها العاملون من روحهم ووصلوها بما في الدنيا من حس وحركة˝"
ويحذر من الرياء بقوله:" ربما أخذ ممثلوا المسارح أجوراً كبيرة على الأدوار التي يقومون بها والروايات الضاحكة أو الباكية التي يخرجونها ،أما المراؤون وهم ممثلون من غير مسرح فإنهم يدفعون من أموالهم وسعادتهم ما يظنونه ثمناً لاسترضاء الناس ونيل إعجابهم . "
*دراسة الحياة بذكاء:
حيث يقول "رحمه الله ": «فلندرس مواقفنا في الحياة بذكاء ولنرسم منهاجنا للمستقبل على بصيرة ثم لنرم بصدورنا إلى الأمام لا تثنينا عقبة ولا يلوينا توجس. ولنثق بأن الله يحب منا هذا المَضَاء، لأنه يكره الجبناء ويكفل المتوكلين». وأن «تصنع من الليمونة الملِحة شرابًا حلوًا»
*رحابة الصدر:
ويحث على رحابة الصدر بقوله:" يعجبني أن يواجه الإنسان هذي الحياة وعلى شفتيه بسمة تترجم عن رحابة الصدر وسجاحة الخلق وسعة الاحتمال، بسمة ترى في الله عوضاً عن كل فائت وفي لقائه المرتقب سلوى عن كل مفقود خلق سجيح: أي لين سهل"
التحلي بالابتسامة:
وفي هذا يقول الغزالي:" يعجبني أن يواجه الإنسان هذي الحياة وعلى شفتيه بسمة تترجم عن رحابة الصدر وسجاحة الخلق وسعة الاحتمال، بسمة ترى في الله عوضاً عن كل فائت وفي لقائه المرتقب سلوى عن كل مفقود. "
عدم الإكتراث الكبير بالمال :
وفي هذا يقول الغزالي: " إِنَّ اَلْمَال كَالْفَاكِهَةِ اَلْجَمِيلَة اَللَّوْن ، اَلشَّهِيَّة اَلْمَذَاق ، وَمَيْل اَلطِّبَاع إِلَى اِقْتِنَاء هَذَا اَلْخِضْر اَلْحُلْو مَعْرُوف، بَيْدَ أَنَّ مِنْ اَلنَّاس مَنْ يَظَلّ يُطْعِم حَتَّى تَقْتُلهُ اَلتُّخَمَة. وَمِنْهُمْ مَنْ يَخْتَطِف مَا فِي أَيْدِي اَلْآخَرِينَ إِلَى جَانِب نَصِيبه اَلْمَعْقُول. وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّخِر وَيَجُوع. وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْغَلهُ اَلْقَلَق خَشْيَة اَلْحِرْمَان، وَمَنْ يَشْغَلهُ اَلْقَلَق طَلَب اَلْمَزِيد.
وَأُفَضِّل اَلنَّاس مَنْ يَأْخُذُونَهُ بِسَمَاحَة وَشَرَف، فَإِذَا تَحَوَّلَ عَنْهُمْ لَمْ يُشِيعُوهُ بِحَسْرَة أَوْ يُرْسِلُوا وَرَاءَهُ اَلْعَبَرَات لِأَنَّ بِنَاءَهُمْ اَلنَّفْسِيّ يَقُول وَحْده بَعِيدًا عَنْ مَعَايِير المكاثرة، وَرَذَائِل اَلنَّهَم وَالتَّوَسُّع. "
عدم استعجال الشدائد:
" إن استعجال الضوائق التي لم يحن موعدها حمق كبير. "
اغتنام الوقت وعيشه بسعادة :" إنا نتعلم بعد فوات الأوان أن قيمة الحياة في أن نحياها ، نحيا كل يوم منها وكل ساعة . "
*عدم الانشغال بالماضي وما فات :
و يحث الغزالي "رحمه الله " على التركيز على المستقبل وعدم الانشغال بالماضي حيث يقول :" لو أن أيدينا يمكنها أن تمتد إلى الماضي لتمسك حوادثه المدبرة فتغير منها ما تكره وتحورها على ما تحب لكانت العودة الى الماضي واجبة ، ولهرعنا جميعاً إليه نحو ما ندمنا على فعله
ونضاعف ما قلت أنصبتنا منه . أما وذلك مستحيل فخير لنا أن نكرس الجهود لما نستأنف من أيام وليال ، ففيها وحدها العوض "
وعن عدم الانشغال بما فات يقول :" ما قيمةُ أن ينجذبَ المرء بأفكاره ومشاعره إلى حَدَثٍ طواه الزمن ليزيد ألمه حُرْقةً وقلبه لَذعاً . "
محاسبة النفس وضبطها:
يحث الشيخ محمد الغزالي على محاسبة النفس وضبطها حيث يقول: «لا بد من حساب دقيق يعتمد على الكتابة والمقارنة والإحصاء واليقظة».
ويقول "رحمه الله ": "إصلاح النفس لا يتم بتجاهل عيوبها أو بإلقاء ستار عليها، و تجميلها لا يكون بإقامة إهاب نَضِر تكمن وراءه شهوات غلاظ و طباعٌ فجّة. الحُسن المحبوب: أن يستوي الظاهر و الباطن في نصاعة الصحيفة و استقامة السيرة "
وعن إصلاح النفس يقول الغزالي:" إن الإنسان أحوج الخلائق إلى التنقيب في أرجاء نفسه، وتعهد حياته الخاصه و العامة بما يصونها من العلل و التفكك.
وذلك أن الكيان العاطفي والعقلي للإنسان قلما يبقى متماسك اللبنات مع حدة الاحتكاك بصنوف الشهوات وضروب المغريات
فإذا ترك لعوامل الهدم أن تنال منه فهي آتية عليه لا محالة، و عندئذ تنفرط المشاعر العاطفية و العقلية كما تنفرط حبات العقد إذا انقطع سلكه "
ويحث على الاعتماد على النفس لا الاعتماد على الآخرين حيث يقول:" " والحق أن الرجل القوى يجب
أن يدع أمر الناس جانبا، وأن يندفع بقواه الخاصة شاقا طريقه إلى غايته ، واضعا فى حسابه أن الناس عليه لا له، وأنهم أعباء لا أعوان ، وأنه إذا ناله جرح أو مسه إعياء فليكتم ألمه عنهم ، ولا ينتظر خيرا من بثهم أحزانه . ولا تشك إلى خلق فتشمته شكوى الجريح إلى الغربان والرخم . "
ويحذر من النفس المختلة بقوله:" فَالنَّفْس اَلْمُخْتَلَّة تُثِير اَلْفَوْضَى فِي أَحْكَم اَلنُّظُم ، تَسْتَطِيع اَلنَّفَاذ مِنْهُ إِلَى أَغْرَاضهَا اَلدَّنِيئَة . وَالنَّفْس اَلْكَرِيمَة تُرَقِّع اَلْفُتُوق فِي اَلْأَحْوَال اَلْمُخْتَلَّة، وَيُشْرِق نُبْلهَا مِنْ دَاخِلهَا ، فَتُحْسِن اَلتَّصَرُّف وَالْمُسَيَّر وَسَط اَلْأَنْوَاء وَالْأَعَاصِير .
إِنَّ اَلْقَاضِي اَلنَّزِيه يُكْمِل بِعَدْلِهِ نَقَصَ اَلْقَانُون اَلَّذِي يَحْكُم بِهِ ، أَمَّا
اَلْقَاضِي اَلْجَائِر فَهُوَ يَسْتَطِيع اَلْمَيْل بِالنُّصُوصِ اَلْمُسْتَقِيمَة . وَكَذَلِكَ نَفْس اَلْإِنْسَان حِين تُوَاجِه مَا فِي اَلدُّنْيَا مِنْ تَيَّارَات وَأَفْكَار، وَرَغَبَات
وَمَصَالِح . "
الثقة بالنفس وعدم تقليد الآخرين:
يحث الشيخ الغزالي على الثقة بالنفس وعدم تقليد الآخرين، وعدم تقمص شخصية الآخرين والذوبان فيها حيث يقول: "المحاكاة وذوبان الشخصية وتمثيل الأكابر علل لا تذم في مجال قَدْر ما تذم في المجال الديني، حيث لا يبلغ أحد درجة التقوى إلا إذا استقامت خلائقه وطابت سجاياه وكل تظاهر -مع فقدان الأساس - لا يزيد المرء إلا مَسْخًا».
ويحث على الإقدام بقوله :" أعرف كثيرا من الناس لا يعوزهم الرأى الصائب، فلهم من الفطنة ما يكشف أمامهم خوافى الأمور . بيد أنهم لا يستفيدون شيئا من هذه الفطنة لأنهم محرومون من قوة الإقدام. ويحث على استغلال موهبة المرء بقوله " إن لكل موهبة وهبها لنا سبحانه حقاً علينا، هو تنشيطها، واستعمالها فيما خلقت له ، وذلك من صميم شكر الله .. أما تعطيلها وإهمالها فهو ضرب من الكنود والجحود لنعمته سبحانه. "
ويحث على التحلي بالعزيمة بقوله:" الرجل المقبل على الدنيا بعزيمة وبصر لا تخضعة الظروق المحيطة به مهما ساءت ولا تصرَفة وفق هواها إنه هو الذي يستفيد منها.
ويحث على عدم التردد بقوله:" والحق أن الرجولاتِ الضخمة لا تُعْرَفُ إلا في ميدان الجرأة. وأن المجد والنجاح و الإنتاج تظل أحلاما لذيذة في نفوس أصحابها، و لا تتحول إلى حقائق حية إلا إذا نفخ فيها العاملون من روحهم، ووصلوها في الدنيا من حس و حركة.
وكما أن التردد خدش في الرجولة، فهو تهمة للإيمان، وقد كره النبي "صلى الله عليه و سلم" أن يرجع عن القتال بعدما الرتأت كثرة الصحابة المصير إليه. "
وعلى المرء أن يكون ذاته، محذرا الخروج عن الذات حيث يقول:
" إن خروج الإنسان عن سجاياه وانفصاله عن طباعه العقلية والنفسية السليمة أمر يفسد عليه حياته ويثير الاضطراب في سلوكه..
اعلم انك نسيج وحدك. فأنت شيء فريد في هذا العالم ولا يوجد من يشبهك تمام الشبه شكلياً أو نفسياً.. وهذا من تمام قدرة الله عز وجل.
فاغبط نفسك على هذا وارض بما قسم الله تعالى لك ،وابذل جهدك لتستفيد مما منحك ربك إياه من مواهب وصفات متقبلاً في الوقت ذاته علاتك وسلبياتك . "
وعن الثقة في النفس يقول أيضًا :" قد يجد المرء نفسه أمام سلسلة من الفروض المقترحة للخروج من أزمة طارئة ، وقد يقلب النظر فيها فيجد أن أحلاها مر ، وقد يكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ، وقد يدور حول نفسه لا يرى مخلصا ، أو يرى المخلص فادح التضحية . ومثل هذه الأفكار القاتمة تتكاثر وتتراكم مع ضعف الثقة بالله وبالنفس. "
تقبل النقد البنّاء في سبيل إصلاح النفس:
يحث الشيخ محمد الغزالي" رحمه الله " على تقبل النقد البناء في سبيل إصلاح النفس، ويحث "رحمه الله" إلى عدم المبالاة بدسائس المغرضين حيث يقول :«إن تكتمل خصائص العظمة في نفس، أو تتكاثر مواهب الله لدى إنسان حتى ترَى كل محدودٍ أو منقوص يضيق بما رأى، ويطوي جوانحه على غضب مكتوم، ويعيش منغصًا لا يريحه إلا زوال النعمة، وانطفاء العظمة وتحقق الإخفاق».
ويدعو إلى عدم المبالاة بأي نقد هدام يريد هدم شخصيتك من شخصيات ذات نفوس مريضة يملأ قلبها الحقد حيث يقول: «إن أصحاب الحساسية الشديدة بما يقول الناس، الذين يطيرون فرحًا بمدحهم، ويختفون جزعًا من قدحهم، هم بحاجة إلى أن يتحرروا من هذا الوهم، وأن يسكبوا في أعصابهم مقادير ضخمة من البرود وعدم المبالاة، وألا يغترّوا بكلمة ثناء أو هجاء، لو عُرفت دوافعها ووُزنت حقيقتها ما ساوت شيئًا. وهبْها تساوي شيئًا ما، فلماذا يرتفع امرؤ أو ينخفض تبعًا لهذه التعليقات العابرة من أفواه المتسلّين بشؤون الآخرين؟!».
ويبين الغزالي : "أن الإنسان بفطرته قد يعرفُ الحقيقة فـ «الحلالُ بَيِّنٌ ، والحرامُ بَيِّنٌ ...». بَيْد أنَّ هذه المعرفة لا قيمةَ لها إن لم نحلَّ الحلال ونحرِّم الحرام ، وإن لم تقفنا الحدود الفاصلة بين الفضيلة والرذيلة والعدالة والعدوان"
*التحلي بالقيم عند التعامل مع الآخرين:
يحث الشيخ الغزالي إلى التحلي بالقيم عند التعامل مع الآخرين، من عفو وتسامح والبعد عن الحقد والحسد والضغينة والكيد للآخرين ويذكر بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم ": «ثلاث من كنّ فيه آواه الله في كنفه وستر عليه برحمته، وأدخله في محبته: من إذا أُعطي شكر، وإذا قدر غفر، وإذا غضب فتر»، رواه الحاكم.
ويحث "رحمه الله "إلى توطيد أواصر الأخوة والصداقة مع الآخرين وحسن تعامل من يعيشون معنا من أصحاب الديانات الأخرى ؛ ويحث على تغليب الإيثار ،محذرًا من الأثرة، و الأنانية لأضرارهما الكبير على الفرد والمجتمع، ويحث إلى التعاون مع الآخرين، ومساعدتهم حيث يقول : «ليكن صاحبك من إذا خدمته صانك، وإن قعدت بك مؤونةٌ مانك، وإن مددتَ يدَك بخير مدّها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن رأى منك سيئة سدَّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتَّ ابتداك، وإن نزلت بك نازلة وَاسَاك، وإن قلتَ صدّق قولك، وإن تنازعتما آثرك. إنّ صديقك هو من يسدُّ خلَلَك، ويستر زَلَلك، ويقبل عِلَلَك».
ويبين الغزالي أن " الرجل العظيم حقاً كلما حلق في آفاق الكمال اتسع صدره أو امتد حلمه و عذر الناس من أنفسهم و التمس المبررات لأغلاطهم ،فإذا عدا عليه غِرّ يريد تجريحه، نظر إليه من قمته كما ينظر الفيلسوف إلى صبيان يعبثون في الطريق "
*حسن استغلال الوقت وعدم تبذيره:
حسن استغلال الوقت وعدم تبذيره، كما يحث أن يعيش المرء في حدود يومه ويستمتع بلحظاته التي لا تتكرر، فالعاقل من عاش وتعايش مع يومه ورضي بقضاء ربه، ولم يقع أسيرًا لماضٍ فائت أو مستقبل آتٍ «إن الفراغ في الشرق يدمر ألوف الكفايات والمواهب، ويخفيها وراء رُكام هائل من الاستهانة والاستكانة، كما تختفي معادن الذهب والحديد في المناجم المجهولة». كما يقول رحمه الله: «من أخطاء الإنسان أن ينوء في حاضره بأعباء مستقبله. والمرء حين يؤمل ينطلق تفكيره في خط لا نهاية له وما أسرع الوساوس والأوهام إلى اعتراض هذا التفكير المرسل ثم إلى تحويله همومًا جاثمة وهواجس مقبضة»
ويحث "رحمه الله " إلى التخطيط للمستقبل، و إدخار ما يعين على نوائب الدهر، ويحذر من التبذير في الوقت والمال.
ويبين الغزالي الآثار السلبية للفراغ:" " آفات الفراغ في أحضان البطالة تولد آلاف الرذائل، وتختمر جراثيم التلاشي والفناء. إذا كان العمل رسالة الأحياء فإن العاطلين موتى.
المراجع :
الشيخ محمد الغزالي، "جدد حياتك"، القاهرة، دار نهضة مصر ،2002م
لطيفة أسير، قراءة في كتاب "جدد حياتك "،مجلة البيان العدد 346 جمادى الآخـرة 1437هـ، مـارس 2016م.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى