د. محمد عباس محمد عرابي - الحروف في قصائد ديوان عناقيد الضياء للشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي

من الحروف تتكون الكلمات، ومن الكلمات تتكون الجمل وأساليب ،و يظهر لنا في الشعر إبداع الشعراء في إكساب الحروف معاني ودلالات جديدة من خلال الصياغة الفنية ،ومن هؤلاء الشعراء الشاعر القدير الدكتور عبد الرحمن العشماوي فقد تحدث في قصائد ديوان عناقيد الضياء عن الحروف وفيما يلي بيان ما قاله في ذلك :
نداء ومخاطبة صاحب الحرف (الشاعر المبدع ) :
نادى وخاطب الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي في قصيدة " عندما يتشامخ البدوي " صاحب الحرف (الشاعر المبدع ) ويطلب منه أن يشرح لنا لغة الأماني الغاديات الرائحات ،ويمتعنا بإبداعه الشعري ، حيث يقول:
يا صاحب الحرف المسجى عند باب القافية
يا صاحب الحرف المعطر بالألم
يا من يغرد في أناملك القلم
ابذر لنا في أرض لهفتنا بذور الذكريات
اشرح لنا لغة الأماني الغاديات الرائحات
معنى اشتعال الصمت والظلماء والبيداء
...يا صاحب الحرف المرفرف فوق أهداب
القصيدة
وهج الصحراء لم يزل لغة فريدة
أو ما ترى ...؟!
الفجر حرك مقلتين
والشمس مدت راحتين
وأراك ترسم لوحتين
أو ماترى البطحاء ترسم
حين تضحك للمدى غمازتين ؟
أو ما رأيت "حراء"يفتح للهدى
بوابتين ؟
اقرأ. اللغة العربية لغة غرست على يديها الأحرف:
في قصيدة (رسالة إلى طائر مغترب) بين الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي أن اللغة العربية لغة غرست على يديها الأحرف فتظل تورق في يديها الأحرف حيث يقول:
بي من حنين القلب ما لا يوصف **شوقٌ على أغصان قلبي يهتف
لغة من الشعر الأصيل تمد لي ** جسرا، وعن أسرار قلبي تكشف
لغة تلافى تحت ظلٌ بيانها ** حبي وأشواقي، وحسي المرهف
لغة إلى القرآن تُسلم وجهها **فيصونها القرآن مما يتلف
لغةٌ غرست على يديها أحرفي ** فتظل تورق في يديها الأحرف
لغة عبرت بها المشاعر عذبة ** خضراء، من سبل الركاكة تأنف
لغة تلامس من شغاف قلوبنا ** ما يجعل القلب المتيم يشغف
حملتها فرح الفؤاد وحزنه ** فليعرف المعنى الذي لا يعرف
شعري يسافر بي فما من روضة إلا وفيها القصيدة موقف
الحب ميداني، وخيلي لم تزل **بالركض في ميدان حبي تعزف
لصهيلها لغة إلى ترنيمها ** يُصغي الثرى سمع المحب ويرهف
المشرقان تطلعا وتشوفا **فإذا جناحي في السماء يرفرف
من أنت؟ قلت: أنا المحب لربه ** ولدينه، أنا مسلم متعفف (1)
شرب الحروف ماء المطر :
في قصيدة حداء في موكب الهجرة ) تحدث الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي شرب الحروف ماء المطر حيث يقول :
يا راكبَ القصْواءِ ؛ وجْهُ قصيدتي *.*.*.* طَلْقٌ ؛ وشعري ما استرابَ ولا امْتَرى
تسري فتهطلُ غَيْمَةُ الأوزان في *.*.*.* أُذُنِ المدى شعرًا بحبّك أمطرا
ويَظَلُّ يجري سيلُهُ متدفّقًا *.*.*.* من قمّةِ النجوى إليّ تحدّرا
شربتْ حروفي منه فانطفأ الظما *.*.*.* وغدتْ على تصويرِ حبّي أقدرا
أخرجْتُهُ من كهفِ صمْتِي فاعتلى *.*.*.* ظهرَ البلاغةِ والبيانِ مصوّرا
لكنه يبقى أمامك عاجزًا *.*.*.* مهما زكا لفظًا ؛ ومهما عبّرا
ماذا أقولُ إذا كتبتُ مدائحي ؟ *.*.*.* إني أراكَ من المدائحِ أكبرا
سأقولُ ما يُرضي عقيدَتَكَ التي *.*.*.* أجْرَيْتَ منها في المشاعرِ أنْهُرا
فلأَنتَ عبدُ الله ؛ أنتَ رسولُه *.*.*.* يُرضيكَ أنْ تُدعَى بذاكَ وتُذكرا(2)
..! (3)
الأقلام تهبط ساحة الحروف نشوى
في قصيدة " من ها هنا مر تاريخي" بين الدكتور عبد الرحمن العشماوي أن الأقلام تهبط ساحة الحروف نشوى حيث يقول:
له من الليل أوراقٌ مبعثرةٌ** من حوله ،ويراع دائم السفر
وأحرف تهبط الأقلام ساحتها ** نشوى ،وتشرب فيه كأس منتظر .
له من الليل بحر من تذكُّره** فلا تسلني عن الشطآن والجُزُر(4)

نقش الحروف في جبين الصبر
في قصيدة (هذي القصائد ) حث الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي الشاعر أن ينقش الحروف في جبين الصبر حيث يقول :
أحمل بقايا ما كتبـ**ـت على سواعد ذكرايتك
وانقش حروفك في جبيـ ***ـن الصبر على سواعد ذكرياتك
لم تترك الأحزان تمـ **ـتص الندى من زهر ذاتك (5)
الحرف لم يهجر القلم بل يغذيه الشاعر بالألم:
في قصيدة (آفاق أمم )
بين الشاعر الدكتور عبد الرحمن صالح العشماوي في ديوانه" عناقيد الضياء " أنه الحرف لم يهجر القلم بل يغذيه الشاعر بالألم ، حيث يقول :
لا تقولي هجر الحرف القلم ** أنا ما زلت أغذيه الألم
أنا ما زلت أناجي حبنا ** بلسان الشوق أهديه النغم
أنا ما زلت على عهد مضى **لم أقل في شأنه :كلا ولمْ . (6)
وقوف الحروف عند باب النشيد :
في قصيدة "يا قارئ القرآن)إبحار في نهر الضياء تحدث الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي الشاعر عن وقوف الحروف عند باب النشيد حيث يقول :
وقفت حروفي عند باب نشيدي **والشوق يركض في مجال وريدي
والريشة الخضراء تهتف في يدي **هيا ابدئي يا ريشتسي وأعيدي
هيا اركضي عبر السطور وغسلي **بالحب وجه خيالي الموءود
هيا اكتبيي أن الحروف مشوقة **هيا اشربي من منبع التوحيد (7)

موت الحروف :
في قصيدة " عندما تلفعت بالصمت " تحدث الشاعر الدكتور عبد الرحمن العشماوي مشيرًا إلى موت الحروف على الثغور ، حيث يقول:
ورمت أجفان شعري فاعذريني **وعلى مراكب أشواقي احمليني
ماتت الأحرف في ثغري **ونامت كلماتي عند أبواب أنيني
غرس الجرح على درب نشيدي **شجر الغرقد أشواك الطنون(8)


المراجع :
عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء، الرياض ،مكتبة العبيكان ،1422

(1) قصيدة (عناقيد الضياء)، ص62-63-64
(2)عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء ، قصيدة (حداء في موكب الهجرة )،ص46
(3)عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء ، قصيدة (عندما يتشامخ البدوي )،ص93
(4)عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء ،" من ها هنا مر تاريخي " ،81
(5)عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء ، قصيدة (هذي القصائد )،ص47
(6)عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء ، قصيدة (آفاق أمم )
،ص87
(7)عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء ، "يا قارئ القرآن)إبحار في نهر الضياء ،101
(8)عبد الرحمن صالح العشماوي، عناقيد الضياء ، قصيدة (عندما تلفعت بالصمت )،ص69

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى