أ. د. لطفي منصور - شَيْءٌ مِنْ شًِعْرِ وَأَخْبارِ الشّاعِرِ الْأُمَوِيِّ أَبِي قَطِيفَةِ

هُوَ عَمْرُو بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبي مُعَيْطٍ. يَرْجِعُ نَسَبُهُ إلَى عَبْدِ شَمْسِ ابنِ عَبْدِ مَناف. كانَ جَدُّهُ عُقْبَةُ بنُ أَبي مُعَيْطٍ مِنْ أَلَدِّ أَعْداءِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السّلامُ، حارَبَ في بَدْرٍ وَوَقَعَ أَسِيرًا، فَقُتِلَ صَبْرًاً.
يُعْتَبَرُ أَبُو قَطيفَةَ أَعْظَمَِ شُعَراءِ قُرَيْشٍ، وَمُفَجِّرَ شِعْرِ الْحَنِينِ إلَى الْوَطَنِ ، وَضَريحِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلامُ. وَلُقِّبَ بِأَبِي قَطِيفَةَ لَأَجْلِ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ الَّذي كانَ عَلى بَدَنِهُ.
وُلِدَ في الْمَدِينَةِ وتَرَعْرَعَ فيها. وَلَمّا خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ عَلى يَزِيدَ بنِ مُعاوِيَةَ قامَ بِنَفْيِ بَنِي أُمَيّةَ مِنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ قَسْرًا، وَمِنْهُم أَبو قَطِيفَةَ الّذي سافَرَ إلَى حِمْصَ في سورِيَّةَ، وَعاشَ فيها مُعظَمَ حَياتِهِ.
بَدَأَ أَبو قَطِيفَةَ بِنَظْمِ قَصائُدِ الْحَنينِ إلى مَسْقَطِ رَأسِهِ، وَضَريحِ النَّبُيِّ وَصَحابَتِهِ. وَكانَ لَها تَأْثِيرٌ كَبيرٌ في نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ، وَخاصَّة النِّساءُ مِنْهُمْ. فَقَدْ قَتَلَتْ أَشْعارُهّ عَدَدًا مِنْهُنَّ شَوْقًا لِلنَّبِيِّ صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، مِنْهُنَّ حُمَيْدَةُ بِنْتُ عُمَرَ بنِ عَىبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ.
خَيْرُ مَصْدَرٍ لِشِعْرِ أَبي قَطِيفَةَ وَخْبارِهِ كِتابُ الْأَغانِي لِأَبِي الْفَرَجِ الْأَصْبَهانِي. فَقَدْ جَعَلَهُ أَ بو الْفَرَجِ فاتِحَةِ كِتابِهِ ذَلِكَ الْعَظِيمَ. فَهُوَ صاحِبُ واحِدَةٍ مِنْ ثَلاثِ أَغانٍ أُخْتِيرَتْ لِهارونَ الرَّشِيدِ، عَلى أَنَّها أَجْمَلُ أَغانِي الْعَرَبِ. مَطْلَعُها: مِنَ الطَّوِيلِ
القَصْرُ فَالنَّخْلُ فَالْجَمّاءُ بَيْنَهُما
أَشْهَى إلى الْقَلْبِ مِنْ أَبْوابِ جَيْرُونُ
(الْقَصْرُ وَالنَّخْلُ والْجَماءُ: مَواقِعُ قُرْبَ الْمَدينَةِ.جَيْرُون: أَحَدُ أَبْوابِ دِمَشْقَ الْمَشْهورَةِ. الشّاعِرُ يُفَضِّلُ وَطَنَهُ في الْمَدِينَةِ عَلى دِمَشْقَ بًِالرَّغْمًِ مِنْ جَمالِها)
وَيُضِيفُ أَبُو قَطِيفَةَ:
إلى الْبَلاطِ فَما حازَتْ قًَرائِنُهُ
دُورٌ نَزَحْنَ عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْهُونِ
قَدْ يَكْتُمُ النّاسُ أَسْرارًا وَأَعْلَمُها
وَلَيْسَ يَدْرُونَ طُولَ الدَّهًْرِ مَكْنُونُي
(في البيتَتَيْنِ الثًّانِّي وَالثّالِثِ يَذْكُرُ نُزُوحَ بَنِي أُمَيِّةَ عَنِ المّدِينَةِ،بِأَمْرِ ابْنِ الزّّ،بَيْرِ وُتَرْكَهًُمْ دُورَهُمْ الطّاهِرَةَ، وَيُصَرِّحُ قائِلًا: أَعْلَمُ أَسْرارَهُم الَّتِي يَكْتُمُونَها. أَمّا هًُمْ لَنْ يَعْلَمُوا أَسْرارِي أَبَدًا)
قالُوا: فَلَما وَصَلَ شِعْرُ أَبي قَطيفَةَ إلى عَبْدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ قالَ: (حَنَّ وَاللَّهِ أَبُو قَطِيفَةَ، مَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنَّهُ آمِنٌ فَلَْيَرْجِعْ) فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ فَانْكَفَأَ إلى الْمَدِينَةِ راجِعًا فَلَمْ يَصِلْ إلَيْها حَتّى ماتَ.
لَمْ يَصِلْنا مِنْ شِعْرِ أبي قَطيفَةَ إلّا القَليلُ، مُعْظَمُهُ قِطَعٌ وَنَتائِفُ ذَكَرَها أبو الْفَرَجِ في الْأَغاني في مُسْتَهَلِّ كِتابِهِ، وَالزُّبَيْرًُ بنُ بَكّارٍ في كِتابِهِ (نَسَبُ قُرَيش) فَقَدْ تَرجَمَ لَهُ.
وَقَدِ اخْتَرْتُ أَبْياتًا مِنْ أَطْوَلِ قَصائِدِهِ في الْحَنينِ الَّتِي تُصَوِّرُ شَوْقَهُ الشَّدِيدَ إلى وَطَنِهِ في الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ: مِنَ الْخَفيف
- لَيْتَ شِعْرِي وَأَيْنَ مِنِّي لَيْتُ
أَعَلَى الْعَهْدِ يَلْبُنٌ فَبَرامًُ
(لَيْتُ: حِرْفٌ مُشَبَّهٌ بِالْفِعْلِ يُفيدُ التَّمَنِّي، أَلْبَسَهُ الشّاعِرُ الإسْمِيَّةَ وَجَعَلَهُ ممُبْتَدَأً مُؤَخَّرًا خَبَرُهُ أَيْنَ. وَهذا يَدُلُ عَلى مُرونَةِ الْعَرَبِيّّةِ. يَلْبُنٌ وَبَرامُ مَكانانِ قُرْبَ الْمَدِينَةِ.
- أمْ كَعَهْدِي الْعَقِيقُ أَمْ غَيَّرَتْهُ
بَعْدِيَ الْحادِثاتُ وَالْأَيّامُ
(الْعَقيقُ: اسْمُ وادٍ قُرْبَ الًْمَدِينَةِ)
- مَنْزِلٌ كُنْتُ أَشْتَهِي أَنْ أَراهُ
ما إلَيْهِ لًِمَنْ بِحِمْصٍ مَرامُ
(مًَرامٌ: غَرَضٌ أَوْ مَطْلَبٌ، ليسًَ لِأَهْلِ حِمْصَ - الّتي نُفِيَ إلًىْها - غَرَضٌ لِزِيارَةًُ تِلْكَ الْمَنازِلِ)
- حالَ مِنْ دُونِ أَنْ أُحِلَّ بِهَ النَّأْ
يُ وَصِرْفُ الْهَوَى وَحَرْبٌ عُقامُ
(حالَ: مَنَعَ؛ النَّأْيُ: الْبُعْدُ، حَرْبٌ عُقامٌ: عَبَثِيَّةٌ. يقصِدُ حَرْبَ ابْنِ الزُّبيرِ وَيَزِيدَ بن مُعاوِيَةَ).
- وَبِأَهْلِي بُدِّلْتُ عَكًّا وَلَخْمًا
وَجُذامًا وَأَيْنَ مِنِّي جُذامُ
(عَكٌّ وَلَخْمٌ وَجُذامٌ: قَبائًِلُ عَرَبِيَّةٌ كانَتْ تَسْكُنُ الشّامَ وَالْأُرْدُنَّ وِفِلَسْطِينَ)
- وَتَبَدَّلْتُ مًِنْ مَساكِنِ قَوْمِي
وّالْقُصُورِ الّتِي بًِها الْآطامُ
(الْآطامُ جَمْعُ أُطُمٍ هَهُوَ الْبَيْتُ مِنْ طابِقَيْنِ أَرْضِيٌّ لِلدَّوابِّ، وَفَوْقَهُ آخَرُ لِلسَّكَنِ ، وَيُحيطُ بِالْأُطُمِ سُورٌ عالٍ )
- كُلُّ قَصْرٍ مُشَيَّدٍ ذِي أَواسٍ
يَتَغَنَّى عَلَى ذُراهُ الْحَمامُ
(الْأَواسُ هُوَ الْآسُ نًَوْعٌ مِنَ الشَّجَرِ الْعالِي)
- أّقْطَعُ اللَّيْلَ كُلَّهُ ذِكْرَياتٍ
وَاشْتِياقًا فَما أَكادُ أَنامُ
- نَحْوَ قَوْمِي إذْ فَرَّقَتْ بِنا الدّا
رُ وَحادَتْ عَنْ قَصْدِها الْأَحْلامُ
- حَذَرًا أَنْ يُصيبَهُمْ عَنَتُ الدَّهْ
رِ وَحَرْبٌ يَشِيبُ مِنْها الْغُلامُ
- اِقْرَ مِنِّي السَّلامَ إنْ جِئّتَ قَوْمِي
وَقَليلٌ لَهُمْ لَدَيَّ السَّلامُ
(اِقْرَ أصْلُها اِقْرَأْ فِعْلُ أَمْرٍ مِنْ قَُرَأَ، حَذَفَالْهَمْزَةَ ضَرورَةً)
إ.ه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى