تعد العلاقات الاجتماعية من الأسس الهامة والضرورية للحياة الاجتماعية التي تنشأ بين الأفراد في المجتمع، وفهم تلك العلاقات يقوم على إعادة الرؤية في الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تعيشها المجتمعات في الوقت الحالي، وكيفية تغير شكل العلاقات الاجتماعية شكلاً ومضموناً وفقاً لتغير كافة الظروف والأحوال التي تعيشها المجتمعات وحدوث التطورات التكنولوجية، فأصبح التواصل يتم بدون تفاعل، ولا نخفي بأن العلاقات الاجتماعية تأخذ أشكالاً كثيرة منها: الاجتماعية، والترفيهية، والاقتصادية، والسياسية، وعلاقات المصلحة... إلخ.
إن العلاقات الاجتماعية تنشأ من جملة التفاعل القائم من خلال التواصل بين الأفراد من أجل إشباع الحاجات التي يسعون إليها، كما تفيد هذه العلاقات في تطوير دور الإنسان وفعاليته في المجتمع الواحد، لذلك تعتبر العلاقات الاجتماعية مصدر مهم لسيرورة الحياة الاجتماعية واكتمالها والحفاظ عليها ومن ثمة العمل وفقاً لهذه العلاقات التي تتعدد وظائفها بين الأفراد وتختلف أشكالها وطبيعتها وفقاً لاختلاف طبيعة الحياة الاجتماعية.
يتحدث هذا الكتاب عن العلاقات الاجتماعية من ناحية سوسيولوجية انطلاقاً من ضروريتها في حياة الأفراد في المجتمعات الإنسانية فبدون شبكة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد لا يمكن الحديث عن تلك المجتمعات. فلا علاقات بدون تواصل ولا تفاعل بدون تواصل، فالتواصل، ثم التفاعل ليتم بعد ذلك الضبط الاجتماعي لهذه العلاقات لتسير نحو الإيجابية.
خلق الله تعالى الإنسان اجتماعياً بطبعه وطبيعته، حيث لا يمكن أن يعيش الفرد بمعزل عن الآخرين، وهو بالتالي يعتمد على الآخرين في حياته لكي يحيا حياة اجتماعية، فهو يعيش في جماعات يتبادل معها الأخذ والعطاء فهو يحتاج طرف آخر لإقامة علاقات اجتماعية على اختلاف طبيعتها، فالعلاقات الاجتماعية تنشأ بصفة طبيعية فهي تلقائية، ولابد أن تتمظهر من خلال مختلف التفاعلات القائمة بين الأفراد وبالتالي على مختلف التواصل فيما بينهم، وتتنوع العلاقات الاجتماعية على حسب طبيعتها منها القوية، والضعيفة، والرسمية، وغير الرسمية، وعلاقات القرابة، وعلاقات الأصدقاء، وعلاقات الجيرة... إلخ. كما نجد أن هناك تفاعلات اجتماعية تُحدث علاقات اجتماعية متعددة الوظائف حيث تكوّن استجابات من كلا الطرفين وهذا يضبط تلك العلاقات لأنها تشبع حاجات الأفراد الداخلين بها، ويجعلها في نجاح مستمر تسير نحو العلاقات الإيجابية من خلال عملية التواصل، ثم عملية التفاعل، ثم تحدث عملية الضبط الاجتماعي لتلك العلاقات القائمة التي بدورها سوف تسير نحو الفعل الإيجابي. ومعنى ذلك أن نشوء أي علاقات اجتماعية بين الأفراد لابد أن تحكمها ضوابط معينة، ويمكن أن نقول بأن ما يتحكم في العلاقات الاجتماعية هي شخصية الفرد ومجموعة الخبرات والثقافات الخاصة به التي اكتسبها من حياته الاجتماعية وفقاً لطبيعتها، وذلك من خلال درجة التقدم العلمي الذي شمل هذه المجتمعات وانعكاساتها سواءً الإيجابية منها أو السلبية ومختلف التأثيرات على المجتمعات وكيفية بث المعايير الثقافية في كل مجتمع، ففي وقتنا الحالي نجد أن العلاقات الاجتماعية باتت هشة وضعيفة ومعقدة نظراً لتعقد وتغير ظروف الحياة الاجتماعية، وبالتالي أصبح التواصل بين الأفراد في أغلبيته تحكمه مجموعة من المصالح، وهذا ما يقلل حصيلة رأس المال الاجتماعي عند الفرد، كذلك يمكن أن نقول إن طبيعة البيئة التي يعيشها الفرد تؤثر قي سلوكه وتضبط علاقاته مع الآخرين، حيث تغير شكل المجتمعات وأصبحت من تقليدية بسيطة إلى كبيرة معقدة مركبة وفقاً لتغير المعايير الثقافية التي تحكم تلك المجتمعات. فالفرد هو من يؤسس المجتمع على اعتبار أن المجتمع مكوّن من مجموعة من الجماعات والأفراد تنشأ بينهم علاقات اجتماعية مختلفة فالفرد يسبق وجود المجتمع والأفراد هم من يكونون المجتمع، وذلك من خلال إضفاء معنى عليه ومعايشة الحياة فيه وبهذا تصبح حياة الفرد هي محور الحياة الاجتماعية، وبالتالي تتعدد العلاقات الاجتماعية وفقاً لكل من الأفراد والمجتمع وكلاهما يؤثر في طبيعة العلاقات الاجتماعية على اعتبار أن الفرد هو من يشكل الحقيقة الاجتماعية.
كما هو معروف لدينا بأن العلاقات الاجتماعية هي صورة من صور التفاعل الاجتماعي بين طرفين أو أكثر بحيث تكون لدى كل طرف صورة عن الآخر، والتي تؤثر سلباً أو ايجاباً على حكم كل منهما للآخر، ومن صور هذه العلاقات مثلاً علاقات الأصدقاء، والقرابة، وزمالة، العمل، والمعارف.
تعد العلاقات الاجتماعية من الموضوعات الهامة، التي تناولها علماء الاجتماع بالبحث والدراسة من أجل التحري عن الكيفية التي تتشكل بها العلاقات الاجتماعية في المجتمع، لما لهذه العلاقات من دور فعّال في الحياة الاجتماعية ولا سيما بعد التغيرات الكثيرة التي طرأت على المجتمع في السنوات الأخيرة نتيجة التقدم التكنولوجي، فلم تعد تلك العلاقات التقليدية بشكلها البسيط التي كانت ما قبل التطور التكنولوجي الحديث، وخاصةً مع ظهور شبكة الانترنت والمجتمع الافتراضي وانتشار وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، التي شكلت مجالاً تفاعلياً جديداً بالنسبة للأفراد. فهي بذلك تشكل مجتمعهم الذي يتفاعلون فيه، لا بل أصبح لكل فرد عالمه الخاص الذي يستطيع تكوينه، لكن لم يعد مجتمعاً حقيقياً بل تحول إلى مجتمعاً افتراضياً، وبالتالي هذا التقدم التكنولوجي عمل على تنمية وظهور أشكال جديدة لتلك العلاقات. فتغير شكل وطبيعة المجتمع أدى إلى تغير شكل العلاقات الاجتماعية. لذلك تأثرت العلاقات الاجتماعية بطبيعة المجتمع فقد قربت البعيد وبعدت القريب، مما أثر على عملية التواصل والتفاعل الاجتماعي. فمثلاً هناك المجتمع السوري وما شهده من ظروف اللجوء بسبب الحرب الدائرة وتفرّق أفراد الأسرة الواحدة وتفككها ووجود كل فرد منها في مجتمع مختلف تماماً عن الآخر ثقافياً، وسياسياً، وقانونياً، ومهنياً، واجتماعياً، بما معناه تغير البنية الثقافية لهذا المجتمع، مما انعكس ذلك على تغير العلاقات الاجتماعية فقد غاب الجو الأسري وغابت الأجواء الاجتماعية التي يملؤها التفاعل الاجتماعي البنّاء الذي يسوده الحب والمودة وتبادل الهموم والأحاديث والحوارات.
أسعدني تقديم هذا الكتاب بوصفه مقاربة علمية، يشير بها إلى مواضيع هامة تلامس جميع فئات المجتمع، حيث اتسمت بالعمق والترابط والتسلسل في شرح تلك القضايا والمواضيع، ليتيح الفهم المطلوب لما تضمنه هذا الكتاب من إضاءات عميقة حول سوسيولوجية العلاقات الاجتماعية، لما لها من أهمية بالغة في حياتنا اليومية، مما يجعل هذا الكتاب بالنهاية إضافة علمية ثمينة ومهمة جديرة بالرجوع إليها من قبل الباحثين والمهتمين بالبحث العلمي بشكل عام والبحث السوسيولوجي بشكل خاص.
وبالنهاية لابد لي أن أبارك هذا العمل الجاد للدكتور حسام الدين فياض الذي دائماً يتحفنا بكتاباته الثمينة الغنية لكل القراء والمهتمين بالبحث العلمي، فكل الشكر والامتنان له على هذا الكتاب، الذي يشكل مرجع ومصدر مهم انطلاقاً من أهمية الموضوعات المطروحة فيه التي تلامس واقعنا الاجتماعي بشكل كبير والجهد المبذول والتفاني لإنجاز هذا الكتاب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-ماردين في 11/12/ 2022
بقلم: الدكتورة ميادة القاسم
الأستاذ المساعد في مناهج وطرائق البحث الاجتماعي
قسم علم الاجتماع – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة ماردين- حلب سابقاً
د. ميادة القاسم
إن العلاقات الاجتماعية تنشأ من جملة التفاعل القائم من خلال التواصل بين الأفراد من أجل إشباع الحاجات التي يسعون إليها، كما تفيد هذه العلاقات في تطوير دور الإنسان وفعاليته في المجتمع الواحد، لذلك تعتبر العلاقات الاجتماعية مصدر مهم لسيرورة الحياة الاجتماعية واكتمالها والحفاظ عليها ومن ثمة العمل وفقاً لهذه العلاقات التي تتعدد وظائفها بين الأفراد وتختلف أشكالها وطبيعتها وفقاً لاختلاف طبيعة الحياة الاجتماعية.
يتحدث هذا الكتاب عن العلاقات الاجتماعية من ناحية سوسيولوجية انطلاقاً من ضروريتها في حياة الأفراد في المجتمعات الإنسانية فبدون شبكة العلاقات الاجتماعية بين الأفراد لا يمكن الحديث عن تلك المجتمعات. فلا علاقات بدون تواصل ولا تفاعل بدون تواصل، فالتواصل، ثم التفاعل ليتم بعد ذلك الضبط الاجتماعي لهذه العلاقات لتسير نحو الإيجابية.
خلق الله تعالى الإنسان اجتماعياً بطبعه وطبيعته، حيث لا يمكن أن يعيش الفرد بمعزل عن الآخرين، وهو بالتالي يعتمد على الآخرين في حياته لكي يحيا حياة اجتماعية، فهو يعيش في جماعات يتبادل معها الأخذ والعطاء فهو يحتاج طرف آخر لإقامة علاقات اجتماعية على اختلاف طبيعتها، فالعلاقات الاجتماعية تنشأ بصفة طبيعية فهي تلقائية، ولابد أن تتمظهر من خلال مختلف التفاعلات القائمة بين الأفراد وبالتالي على مختلف التواصل فيما بينهم، وتتنوع العلاقات الاجتماعية على حسب طبيعتها منها القوية، والضعيفة، والرسمية، وغير الرسمية، وعلاقات القرابة، وعلاقات الأصدقاء، وعلاقات الجيرة... إلخ. كما نجد أن هناك تفاعلات اجتماعية تُحدث علاقات اجتماعية متعددة الوظائف حيث تكوّن استجابات من كلا الطرفين وهذا يضبط تلك العلاقات لأنها تشبع حاجات الأفراد الداخلين بها، ويجعلها في نجاح مستمر تسير نحو العلاقات الإيجابية من خلال عملية التواصل، ثم عملية التفاعل، ثم تحدث عملية الضبط الاجتماعي لتلك العلاقات القائمة التي بدورها سوف تسير نحو الفعل الإيجابي. ومعنى ذلك أن نشوء أي علاقات اجتماعية بين الأفراد لابد أن تحكمها ضوابط معينة، ويمكن أن نقول بأن ما يتحكم في العلاقات الاجتماعية هي شخصية الفرد ومجموعة الخبرات والثقافات الخاصة به التي اكتسبها من حياته الاجتماعية وفقاً لطبيعتها، وذلك من خلال درجة التقدم العلمي الذي شمل هذه المجتمعات وانعكاساتها سواءً الإيجابية منها أو السلبية ومختلف التأثيرات على المجتمعات وكيفية بث المعايير الثقافية في كل مجتمع، ففي وقتنا الحالي نجد أن العلاقات الاجتماعية باتت هشة وضعيفة ومعقدة نظراً لتعقد وتغير ظروف الحياة الاجتماعية، وبالتالي أصبح التواصل بين الأفراد في أغلبيته تحكمه مجموعة من المصالح، وهذا ما يقلل حصيلة رأس المال الاجتماعي عند الفرد، كذلك يمكن أن نقول إن طبيعة البيئة التي يعيشها الفرد تؤثر قي سلوكه وتضبط علاقاته مع الآخرين، حيث تغير شكل المجتمعات وأصبحت من تقليدية بسيطة إلى كبيرة معقدة مركبة وفقاً لتغير المعايير الثقافية التي تحكم تلك المجتمعات. فالفرد هو من يؤسس المجتمع على اعتبار أن المجتمع مكوّن من مجموعة من الجماعات والأفراد تنشأ بينهم علاقات اجتماعية مختلفة فالفرد يسبق وجود المجتمع والأفراد هم من يكونون المجتمع، وذلك من خلال إضفاء معنى عليه ومعايشة الحياة فيه وبهذا تصبح حياة الفرد هي محور الحياة الاجتماعية، وبالتالي تتعدد العلاقات الاجتماعية وفقاً لكل من الأفراد والمجتمع وكلاهما يؤثر في طبيعة العلاقات الاجتماعية على اعتبار أن الفرد هو من يشكل الحقيقة الاجتماعية.
كما هو معروف لدينا بأن العلاقات الاجتماعية هي صورة من صور التفاعل الاجتماعي بين طرفين أو أكثر بحيث تكون لدى كل طرف صورة عن الآخر، والتي تؤثر سلباً أو ايجاباً على حكم كل منهما للآخر، ومن صور هذه العلاقات مثلاً علاقات الأصدقاء، والقرابة، وزمالة، العمل، والمعارف.
تعد العلاقات الاجتماعية من الموضوعات الهامة، التي تناولها علماء الاجتماع بالبحث والدراسة من أجل التحري عن الكيفية التي تتشكل بها العلاقات الاجتماعية في المجتمع، لما لهذه العلاقات من دور فعّال في الحياة الاجتماعية ولا سيما بعد التغيرات الكثيرة التي طرأت على المجتمع في السنوات الأخيرة نتيجة التقدم التكنولوجي، فلم تعد تلك العلاقات التقليدية بشكلها البسيط التي كانت ما قبل التطور التكنولوجي الحديث، وخاصةً مع ظهور شبكة الانترنت والمجتمع الافتراضي وانتشار وسائل ومواقع التواصل الاجتماعي، التي شكلت مجالاً تفاعلياً جديداً بالنسبة للأفراد. فهي بذلك تشكل مجتمعهم الذي يتفاعلون فيه، لا بل أصبح لكل فرد عالمه الخاص الذي يستطيع تكوينه، لكن لم يعد مجتمعاً حقيقياً بل تحول إلى مجتمعاً افتراضياً، وبالتالي هذا التقدم التكنولوجي عمل على تنمية وظهور أشكال جديدة لتلك العلاقات. فتغير شكل وطبيعة المجتمع أدى إلى تغير شكل العلاقات الاجتماعية. لذلك تأثرت العلاقات الاجتماعية بطبيعة المجتمع فقد قربت البعيد وبعدت القريب، مما أثر على عملية التواصل والتفاعل الاجتماعي. فمثلاً هناك المجتمع السوري وما شهده من ظروف اللجوء بسبب الحرب الدائرة وتفرّق أفراد الأسرة الواحدة وتفككها ووجود كل فرد منها في مجتمع مختلف تماماً عن الآخر ثقافياً، وسياسياً، وقانونياً، ومهنياً، واجتماعياً، بما معناه تغير البنية الثقافية لهذا المجتمع، مما انعكس ذلك على تغير العلاقات الاجتماعية فقد غاب الجو الأسري وغابت الأجواء الاجتماعية التي يملؤها التفاعل الاجتماعي البنّاء الذي يسوده الحب والمودة وتبادل الهموم والأحاديث والحوارات.
أسعدني تقديم هذا الكتاب بوصفه مقاربة علمية، يشير بها إلى مواضيع هامة تلامس جميع فئات المجتمع، حيث اتسمت بالعمق والترابط والتسلسل في شرح تلك القضايا والمواضيع، ليتيح الفهم المطلوب لما تضمنه هذا الكتاب من إضاءات عميقة حول سوسيولوجية العلاقات الاجتماعية، لما لها من أهمية بالغة في حياتنا اليومية، مما يجعل هذا الكتاب بالنهاية إضافة علمية ثمينة ومهمة جديرة بالرجوع إليها من قبل الباحثين والمهتمين بالبحث العلمي بشكل عام والبحث السوسيولوجي بشكل خاص.
وبالنهاية لابد لي أن أبارك هذا العمل الجاد للدكتور حسام الدين فياض الذي دائماً يتحفنا بكتاباته الثمينة الغنية لكل القراء والمهتمين بالبحث العلمي، فكل الشكر والامتنان له على هذا الكتاب، الذي يشكل مرجع ومصدر مهم انطلاقاً من أهمية الموضوعات المطروحة فيه التي تلامس واقعنا الاجتماعي بشكل كبير والجهد المبذول والتفاني لإنجاز هذا الكتاب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
-ماردين في 11/12/ 2022
بقلم: الدكتورة ميادة القاسم
الأستاذ المساعد في مناهج وطرائق البحث الاجتماعي
قسم علم الاجتماع – كلية الآداب والعلوم الإنسانية – جامعة ماردين- حلب سابقاً
د. ميادة القاسم