د. علي أسعد وطفة - علم الاجتماع الماركسي : من المادية الجدلية إلى المادية التاريخية

" إن الناس يصنعون تاريخهم بأيديهم، لكنهم لا يصنعونه كما يحلو لهم؛ إنهم لا يصنعونه في ظل ظروف يختارونها بأنفسهم، بل في ظل ظروف قائمة بالفعل، ظروف ورثوها ونقلوها من الماضي. إن تقاليد جميع الأجيال الميتة تثقل مثل جبال الألب على أدمغة الأحياء " [1]

كارل ماركس “الثامن عشر من برومير لويس بونابرت”

1- مقدمة:
يُعدّ الفيلسوف الاقتصادي الألماني كارل ماركس (Karl Heinrich Marx: 1918-1883) [2]- مؤسس النزعة الماركسية - واحداً من الآباء الخمسة الأوائل لعلم الاجتماع، ويصنف على أنه أكثرهم نفوذاً وتأثيراً في الفكر السوسيولوجي المعاصر كما هو الحال في الفلسفة الحديثة، ولا غرو أنه ترك بصمته المميزة في مجال الفلسفة الاجتماعية الحديثة، وقد قدر له أن يؤسس لنظرية المادية التاريخية التي تشكل الإطار المنهجي والتاريخي لعلم الاجتماع الماركسي الذي استطاع أن يسجل حضوره في التاريخ بتدفق كبير من الأعمال والدراسات الهامة في تاريخ السوسيولوجيا العالمية.

ومع أن كثيراً من الباحثين يصنفون كارل ماركس من بين الفلاسفة أو الاقتصاديين فإنهم ينظرون بعين الاعتبار إلى الجوانب السوسيولوجية لفكره، ويقدرون عالياً إسهاماته في مجال علم الاجتماع. ويمكننا القول في هذا السياق: إن معظم أعمال ماركس وكتاباته العبقرية ة تبحث في المجتمع وفي ظواهره وقوانينه الاقتصادية والفكرية والسياسية، وقد لا نبالغ إذا قلنا: إن ماركس كان قد أراد للعلوم الإنسانية جميعاً أن تنحو نحواً اجتماعياً لتباشر المجتمع بالدراسة والتحليل والاستكشاف. ومن هنا جاءت دعوته التاريخية إلى تحويل الفلسفة من فكر يجول في الآفاق العادية إلى علمٍ اجتماعي مهيباً بها ألّا تقف عند حدود التفسير متطلعاً لها أن تسعى إلى التغيير ومن صلب هذا التوجه يقول: "كل ما فعله الفلاسفة حتى الآن هو تفسير العالم بطرائق مختلفة - لكن المهم هو تغييره".

ولد كارل ماركس عام 1818 في مدينة ترير (Treves) -التابعة يومئذ لمملكة بروسيا- حالياً لأب يعمل في سلك المحاماة. درس في جامعتي بون وبرلين في مجال التاريخ والعلوم الإنسانية وفي رحاب هاتين الجامعتين درس كلاسيكيات الفلسفة الألمانية المثالية والمادية، وحصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة، وكانت أطروحته تتناول مقارنة بين رؤى كل من ديمقريطس وأبيقور.. وقد سجن بسبب أفكاره وكتاباته الصحفية الثورية وطرد من ألمانيا وفرنسا وبلجيكا، وانتقل إلى لندن ليعيش بقية حياته متخفيا متنكرا تحت أسماء مستعارة كثيرة، وأهم ما يميز حياته الشخصية والعلمية صداقته الأبدية مع فريدريك أنجلز الاشتراكي الألماني، التي بدأت في عام 1844 واستمرت بعد موت ماركس، إذ بقي إنجلز وفيا لماركس وعائلته حتى أنه ترك ثروته الكبيرة لأسرة ماركس بعد وفاته، وقد شاركه تأليف عديد الكتب ومنها: الأسرة المقدسة (Th Holly Family )، والأيديولوجيا الألمانية، والبيان الشيوعي.

أمل ماركس في عام 1841 أن يجد وظيفة أكاديمية نتيجة لحصوله على درجة الدكتوراة، لكنه تورط مع مجموعة من المفكرين المتطرفين الذين أفقدوه أي أمل حقيقي في حدوث ذلك. ومع اتجاهه للعمل في مجال الصحافة؛ تورط ماركس سريعاً في مشاكلَ سياسيةٍ واجتماعيةٍ، ووجد أن عليه أن يضع فكرة الشيوعية موضع اهتمام.

2- مؤثرات ماركس:
لا يمكن للفكر السوسيولوجي أن يتشكل في الفراغ المعرفي، أو أن يولد في العدم السديمي، وإذا أردنا أن ندرك جيداً طبيعة علم من العلوم أو فن من الفنون أو نظرية من النظريات، يجب أن نبحث في المنطلقات الأولى وفي الأصول الأولى التي هيأت لهذا العلم التربة التي نما فيها وترعرع، وهذا يعني أن علم الاجتماع الماركسي، إذا صحت التسمية، لم ينشأ في الفراغ دفعة واحدة، ولم يظهر بوصفه قوة طفرية فرضت نفسها في الوجود. وتفضي التأملات الجارية أن الماركسية قد انطلقت من ثلاث منصاتٍ أساسية أهمها كلاسيكيات الفلسفة الألمانية المتمثلة في جدليات هيغل (Georg Wilhelm Friedrich Hegel:1891-1770) وفي ماديات لودفيغ فيورباخ ( Ludwig Feuerbach:1798-1851) ؛ وكلاسيكيات الفكر الاقتصادي الإنكليزي عند كل من ديفيد ريكاردو (David Ricardo: 1772-1823‏) وآدم سميث (Adam Smith: 1723-1790) وتوماس مالتوس (Thomas Malthus :1766-1834)؛ ومن صلب النزعات الاشتراكية الفرنسية في عصر التنوير والثورة الفرنسية ولاسيما الأفكار الاشتراكية لسان سيمون (saint Simon:1760-1825) وشارل فورييه (Chareles Fourier: 1772-1837) وجان جاك وروسو (Jean Jacques Rousseau: 1712-1778) ومعطيات الثورة الفرنسية. ويمكن القول: بأن الماركسية هي نتاج جدلي بين هذه الاتجاهات الثلاثية بين الاقتصاد الإنكليزي والفلسفة الألمانية والطوباوية الثورية الفرنسية. ويمكن التعبير عن هذه المؤثرات الثلاثة بالقول: إن ماركس تأثر بمعطيات الثورة الصناعية في بريطانيا، والثورة السياسية في فرنسا، الثورة الفكرية الفلسفية.

ويعد ماركس رائد الفكر النقدي في العصر الحديث ومن أكثر المفكرين النقديين في التاريخ جرأة واندفاعا وحماسة لأفكاره وتصوراته، وقد بدأ فلسفته بنقده للفلسفة المثالية الهيغيلية ممثلة في الفيلسوف الكبير هيغل والفلسفة المادية الألمانية ممثلة بفلسفة فويرباخ منادياً بالمادية الجدلية التاريخية، وانتقد الاشتراكية الخيالية تحت شعار الاشتراكية العلمية. وقد رفض النظرة الميتافيزيقية للعالم والتفسيرات المثالية للعالم والواقع، ورسخ مذهب المادية الجدلية التي تبحث عن أسباب تطور الأشياء في داخلها لا في خارجها، وهذا ينطبق على الطبيعة والمجتمع والفكر في آن واحد [3].

ويجب علينا في هذا السياق ألّا يفوتنا على الإطلاق الأخذ بعين الاعتبار أهمية الظرف التاريخي الذي احتضن ماركس، إذ كتب له أن يعيش ويعايش الظروف الاجتماعية المبكرة للثورة الصناعية، وأن يشاهد الصعود الكبير للنظام الرأسمالي في أوروبا، وما أفرزه من معطيات اجتماعية قائمة على استغلال الطبقة العاملة وحرمانها من أبسط حقوقها الإنسانية، وقد شهد في سياق ذلك مختلف الأوضاع الاغترابية التي عاشتها الطبقات العمالية في زمنه والتي تمثلت في حرمان هذه الطبقة ومحاصرة وجودها الإنساني. ومثل هذه الوضعيات الاغترابية للطبقة العاملة وغيرها من الطبقات الاجتماعية المنكوبة أثارت اهتمام ماركس علمياً وإنسانياً وعاطفياً، وقد دفعه ذلك بوصفه مفكراً وفيلسوفاً اجتماعياً إلى تأسيس رؤية فلسفية عميقة حول العوامل والمتغيرات التاريخية والاجتماعية التي دفعت المجتمعات الإنسانية إلى هذه الوضعية من الانقسام الطبقي، والعمل على استجلاء القوانين الحاكمة لحركة التطور الاجتماعي والعوامل التي تدفع الطبقة العاملة إلى جحيم الاستغلال والقهر والهامشية. ويشكل هذا الاهتمام العلمي المنطلق الأول لتشكل النظرية الماركسية.

عرف ماركس بتعاطفه الإنساني الكبير مع الطبقات الاجتماعية المسلوبة والمنهوبة، وقد شكل عطفه على هذه الطبقات المحرومة أحد أهم العوامل الذاتية في تشكل رؤية ماركس ونظريته العلمية في حركة التاريخ الإنساني القائمة على الصراع الطبقي بين القاهرين والمقهورين أو بين الغالبين والمغلوبين. وقد بذل جهوداً كبيرة في تحليل عوامل نشأة الرأسمالية والقوانين التي تحركها وعوامل وجودها واستمرارها، ومن ثم عوامل فنائها وزوالها، ولذلك نجد أن ماركس كان يتحرك على ثلاثة محاور أساسية في تشكيل نظريته وهي: الدافع العلمي التاريخي والتعاطف الإنساني الشديد مع الطبقات الفقيرة، والرغبة الهائلة في إيجاد القوى الاجتماعية والسياسية للتغيير الاجتماعي؛ من أجل تحرير الطبقات الفقيرة. وتأسيساً على هذه الثلاثية شكلت الماركسية منهجاً فكرياً ثورياً للتقدم الإنساني، وأهابت بماركس أن يكون مفكراً ثورياً وثائراً في الوقت نفسه، وهب نفسه وعلمه للنضال في سبيل الحرية والكرامة الإنسانية في مسار الدفاع عن المغلوبين والمقهورين في التاريخ الإنساني، ولذا نجده قد انخرط في التنظيمات السياسية والماركسية التي تدعوا علناً وبقوة إلى التغيير الاجتماعية والعمل على تحقيق مجتمع إنساني يخلو من الاستغلال والقهر والعبودية. وفي ظل أعماله ونضاله استحق ماركس أن يكوّن فكراً وعملاً ونضالاً "سبارتاكوس"[4] العصر الحديث، وقد ارتقى إنسانياً إلى الأب الروحي للفكر الثوري في المجتمعات الإنسانية المعاصرة.

درس ماركس طبيعة هذا الاستغلال وحلله وتنبأ بالنتائج التي سيفضي إليها، فهذا الاستغلال قد اتخذ صور شتى عبر التاريخ، من اقتصاد المرحلة العبودية إلى الإقطاعية وأخيراً إلى الرأسمالية، إذ انقسم أفراد المجتمع فيها إلى سادة وعبيد ثم إلى إقطاعيين وفلاحين، وأخيراً برجوازيين وعمال [5].

3- علم الاجتماع الماركسي:
على الرغم من آلاف المجلدات التي دُبّجت حول علم الاجتماع الماركسي – نسبة إلى ماركس – فإن ماركس لم يشأ رفض التسمية الوضعية لعلم الاجتماع " (ٍSociology) التي صاغها أوغست كون وذلك لارتباطها بالفلسفة الوضعية التبريرية التي روج لها الوضعيون والبنيويون ووظفوها كقوة أيديولوجية لتكريس التناقضات القائمة في قلب النظام الرأسمالي وتبريرها والمحافظة عليه[6]. وهو في هذا التوجه والموقف يؤكد جميع الاتجاهات الأيديولوجية البرجوازية الموظفة في خدمة النظام الرأسمالي، وقد آثر كما يرى عدد من المفكرين بأن يطلق على السوسيولوجيا "علم المجتمع (Social Science).

ومن الغرابة بمكان أن ماركس لم يخصص أي عمل تحت عنوان " العلم الاجتماعي" أو أي صيغة أخرى مرادفة "لعلم الاجتماع " أو "علم المجتمع" ولم يشر إلى هذا العلم في كتاباته التي اتخذت طابعاً فلسفياً أيديولوجياً اقتصادياً، ولذا فإن عدداً كبيراً من المفكرين ينظرون إليه بوصفه عالماً في الاقتصاد أكثر منه عالماً في الاجتماع.

ومع ذلك فإن زخماً هائلاً من الكتاب والمفكرين يرون بأن كارل ماركس أحد كبار آباء علم الاجتماع ومن أكثر رواده أهمية وخطورة. وفي ظل هذه التوجهات عمل أنصاره وتلامذته على بناء نظريته السوسيولوجية تأسيساً على أعماله المهمة التي قدمها في مجال الاقتصاد والفلسفة التي انضوت على نظرية سوسيولوجية صريحة في مجال المجتمع وقانونياته الأساسية. وقد أودعت أفكاره الاجتماعية في النظرية التي أطلق عليها المادية التاريخية. ومن الطرافة أيضاً أن ماركس نفسه لم يستخدم أبداً مفهوم "المادية التاريخية"، وهو الاستخدام الذي ورد في كتابات زميله المفكر الكبير وصديق العمر فريدريك انجلز وقد ظهر استخدامه لأول مرة في كتاب فريدريك إنجلز " (Friederich Engels)[7] الاشتراكية: الطوباوية والعلمية" في عام 1880.

ومن المفيد في هذا السياق أن مقولات المادية التاريخية مستمدة من مختلف كتابات وأعمال ماركس، ولاسيما كتابه المهم "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي" ((Contribution to the Critique of Political Economy)) الذي يعرض فيه كثيراً من مقولات المادية التاريخية أو هذه التي عرضت تحت عنوان المادية التاريخية "، ويبدو لنا أن أنصاره الماركسيين وضعوا أفكاره ونسقوها في كتب كثيرة تحت عنوان "المادية التاريخية" إشارة منهم إلى نظرية ماركس في المجتمع وقانونياته الأساسية. ويشار في هذا السياق إلى كتاب "المادية التاريخية" لماركس وإنجلز ولينين وهو كتاب يتكون من مجموعة كبيرة من المقالات والرسائل ومن المقاطع المختارة من مؤلفات ماركس وإنجلز ولينين قامت دار التقدم في موسكو بجمعها وترتيبها ترتيباً تاريخياً. وهذه المختارات تتناول قضايا المادية التاريخية وتعالج القوانين التي تتحكم بتطور المجتمعات ودور الثورات في هذا التطور، كما تتحدث عن العلاقات الاقتصادية والاجتماعية، وارتباط ...البناء التحتي بالبناء الفوقي وتأثير الواحد في الآخر، كما تعالج دور الفرد ودور الجماهير في عملية التاريخ[8]. وقد عمل أنصاره في هذا الكتاب على تحليل الوقائع بدقة علمية، ورصد الخطوط العامة للتطور وفقا لنظرية ماركس وإنجلز، ورصد معالم المستقبل على نحوٍ علميٍ قائمٍ على معطيات مادية ملموسة. ويتألف الكتاب من قسمين كبيرين: الأول يتضمن مختارات ماركس وإنجلز في المادية التاريخية، والثاني يتضمن مختارات لينين في هذا الموضوع [9]. ويتناول هذا الكتاب قضايا ومقولات حول المادية التاريخية، والمنهج التاريخي، والبنية الفوقية والبنية التحتية، وعلاقات الإنتاج وقوى الإنتاج، والصراع الطبقي وفضل القيمة، والدولة، والثورة، ودكتاتورية البروليتاريا، والأشكال التاريخية لاجتماعية الناس، دور الجماهير الشعبية، ودور الشخصية في التاريخ، الجانب الروحي للعملية التاريخية - أشكال الوعي الاجتماعي، وخصائص تطور الوعي الاجتماعي، والأيديولوجيا السياسية، والوعي الحقوقي، والأخلاق، والفن، والفلسفة. وغير ذلك من المقولات التي حاول فيها كارل ماركس أن يستجلي الحقيقة الاجتماعية وأن يتفحص دلالتها في رؤى شمولية متكاملة. وقد صدر عدد هائل من الكتب والدراسات تحت عنوان " المادية التاريخية " التي تبحث في أفكار ماركس وإنجلز، وفي مختلف القضايا التي تتعلق بالتطور الاجتماعي، وبنظرية ماركس في الماديتين الجدلية والتاريخية. وهذا على سبيل المثال وليس الحصر.

ولا بد من القول في هذا المقام: بأن علم المجتمع الماركسي يشكل سعياً مستمراً ومتواصلاً للكشف عن القوانين والديناميات التي تحكم المجتمع الإنساني في ديناميات تطوره؛ سعياً للتنبؤ بحركة التغير وتحديد المسار الاجتماعي لتطور المجتمع، وما يقتضيه هذا الأمر من تدخل وتخطيط لتحقيق التوازن الاجتماعي الخلاق في مسار تجاوز مختلف التناقضات السلبية، وتحرير الإنسان والمجتمع من كل أشكال الاغتراب والاستلاب والقهر والتمييز الطبقي أو العنصري.

ويمكن الاستدلال على أهمية الحضور السوسيولوجي في فكر ماركس من خلال العناوين الأساسية لأعماله الفكرية الكبرى بدءاً بكتابه العبقري المشهور "رأس المال " الذي نشر في ثلاثة مجلدات، وهو من أكثر الأعمال العبقرية في القرن التاسع عشر، ويعد كتاب رأس المال Le capital (1867)، من أبرز الأعمال التي قدمها للفكر الإنساني، وهو العمل الذي يشتمل على آرائه ونظرياته في الاقتصاد والاقتصاد السياسي ويغطي ديناميات التطور الاقتصادي للمجتمعات الصناعية. وهنا يمكن الإشارة إلى عددٍ كبيرٍ من أعماله من مثل: (نقد فلسفة الحق عند هيغل،1843 )، و(حول المسألة اليهودية، 1843)، و (أطروحات حول فيورباخ، 1845)، و (بؤس الفلسفة، 1847)، و (أجور العمل ورأس المال، 1847)، و (الصراعات الطبقية في فرنسا، 1850)، و(الثامن عشر من برومير لويس نابليون، 1852)، و ( مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي، 1859)، و ( نظريات فائض القيمة،3 مجلدات، 1862)، و (القيمة والسعر والربح، 1865)، و(الحرب الأهلية في فرنسا، 1871)، و( نقد برنامج غوتا، 1875)، و(ملاحظات حول فاغنر 1883)، و "المخطوطات الاقتصادية والفلسفية، 1844)، و(المذابح البلجيكية، 1969) و(أطروحات حول ڤويرباخ، 1845). ومن الأعمال التي قام بها بالمشاركة مع إنجلز[10]: مخطوطات كارل ماركس الرياضية (1968) (الإيديولوجيا الألمانية، 1845)،[11] و (العائلة المقدسة، مع إنجلز، 1845)، و (بيان من الحزب الشيوعي، 1848)، و(الحرب الأهلية الأميركية، 1861). وهذه المؤلفات تلقي الضوء على الجوانب المعرفية والاجتماعية التي تنطوي على معظم أفكار ماركس الفلسفية والاجتماعية.

وباختصار يمكن القول: إن ماركس قد أسهم تاريخياً في صوغ علم المجتمع على نحو علمي، وجعل من البحث السوسيولوجي قوة معرفية تسعى إلى الكشف عن قانونيات التطور الاجتماعي التي يمكن أن تؤسس للتنبؤ بمختلف اتجاهات الحراك الاجتماعية، وأن ترسم حدود وأبعاد الظواهر الاجتماعية القائمة والمحتملة التي تتمثل في عمليات إنتاج وتوزيع الخيرات المادية في مختلف مراحل تطور المجتمع وفي سياق تفاعلاته الإنسانية. لقد حول ماركس هذا العلم المجتمعي إلى قوة معرفية تمكن الناس من الوعي بعوامل وجودهم وتحدد لهم مكانهم في عملية الإنتاج، وتساعدهم في عملية التحرر من كل أشكال الاستغلال والظلم الاجتماعي.

فالمجتمع وفق علم الاجتماع الماركسي يتحرك في عملية تطوره ونمائه وفق قوانين مستقلة عن وعيهم وإرادتهم ووعيهم، وهي قوانين تفرضها طبيعة الحياة الإنتاجية في المجتمع القائمة على التفاعل اللامحدود بين علاقات الإنتاج وقواه المادية التي يشكل البنية الاقتصادية التحتية للمجتمع، والتي على أساسها تتشكل البنى الفوقية المتمثلة في الوعي العام الجمالي والأخلاقي والحقوقي.

ويلاحظ في هذا المقام أن كثيراً من المفكرين يطابقون بين المادية التاريخية وما يطلق عليه علم الاجتماع الماركسي، ويرون أن هذا العلم (المادية التاريخية) يهدف في نهاية المطاف إلى تقديم المجتمع في صورته العلمية ودراسته وفق المنهجية الديالكتيكية التاريخية التي تنطلق من وصف الظاهرات الاجتماعية إلى التحليل العلمي له، وهو المنهج القائم على منهج التبصر والاستكشاف المنطقي في ضوء القوانين الجدلية الديالكتيكية. ويسعى هذا العلم إلى استنباط القوانين التاريخية المشتركة في مختلف المجتمعات في مراحل محددة من التطور التاريخي، كما يسعى هذا العلم أيضا إلى استكشاف القوانين الاجتماعية العامة التي تحكم التكوينات الاجتماعية ــ الاقتصادية الخاصة وتمييزها عن القوانين النوعية التي تحكم كل تكوين اقتصادي اجتماعي محدد تاريخياً [12]

4- من المادية الجدلية إلى المادية التاريخية:
تقدم الماركسية نفسها بوصفها نظرية شاملة لفهم الطبيعة والمجتمع في ضوء المادية الجدلية والمادية التاريخية. وتقوم الفلسفة الماركسية في المجتمع والتاريخ على نظريتين متكاملتين هما: المادية الجدلية (Dialectical Materialism ) والمادية التاريخية. وتشكل المادية الجدلية (Historical Matecialism) [13]الجانب الفلسفي، بينما تشكل المادية التاريخية النظرية الاجتماعية التي تتمحور حول الواقع الاجتماعي التاريخي للمجتمعات الإنسانية في الفكر الماركسي على وجه العموم، وتعد المادية الجدلية تطويراً ماركسياً لفلسفة لودفيغ فيورباخ المادية التي كانت سائدة آنذاك وتخصيبها بالجدل الهيغلي بعد تجريده من مثاليته المفرطة.

وتمثل المادية الجدلية " المكون الفلسفي للنظرية الماركسية، فهي الرؤية الفلسفية التي تنبثق عنها جميع قضايا النظرية، وتتلخص هذه الرؤية في النظر إلى العالم على أنه "كل مكونٍ من مادة متحركة حركة تصاعدية تؤدي إلى حدوث تغيرات متتالية. وتتسم المادية الجدلية من جهة أنها (مادية) بالاعتقاد بأن العالم مادة متطورة – لا إرادة إلهية فيها وأن العالم المادي موجود، سواء أشعرنا به أم لم نشعر، وأن الوعي والحس، ما هما إلا نتيجتان للمادة، فالوجود المادي سابق على الوعي " [14]. أما كونها "جدلية" فيعني النظر إلى العالم بوصفه كلاً مترابطًا في حركة دائمة وتطور مستمر، وتنبع الحركة والتطور من التناقضات الكامنة في أجزائه جميعها، وتؤدي هذه التناقضات إلى صراع بين القديم والجديد، صراع ينتهي بالانتصار الحتمي للجديد، ويرى ماركس أن التناقض هو جوهر الأشياء، ومن ثم فهو شامل ومطلق، وتوجد التناقضات كأساس للتغير في كل العمليات والأشياء"[15].

ولا تعدو المادية التاريخية في نهاية الأمر أن تكون تطبيقاً للمادية الجدلية على قضايا المجتمع والتاريخ والظواهر الاجتماعية. والمادية الجدلية تمثل جوهر الفلسفة الماركسية ومنهجها ومنظورها الأيديولوجي في الحياة الكونية والوجود الإنساني. ومن المعروف أن ماركس قد تتلمذ على الفلسفة الجدلية عند هيغل [16] (Georg Wilhelm Friedrich Hegel) بداية، ومن ثم طور فلسفته الجدلية بطريقة مغايرة للمثالية الجدلية الهيغيلية التي تتحرك في عالم الأفكار والتصورات والمثل خارج السياق المادي، مؤكدة أهمية الوعي وأسبقيته في الوجود والحركة على المادة، وعلى خلاف ذلك انقلب ماركس على مثالية هيغل الجدلية، وأكد أسبقية المادة جدلياً على الوعي فأهبط الفلسفة الجدلية الهيغلية من أبراجها المثالية العاجية إلى فضاء الواقع الإنساني بمشكلاته وتحدياته الوجودية، وعلى هذا النحو انقلب على المثالية الجدلية عند هيغل وجعلها مادية جدلية، واستطاع أن يوقف هذا الجدل الهيغلي على قدميه بعد أن كان يقف على رأسه.

تبحث المادية الجدلية عند ماركس في القوانين العامة التي تحكم تطور العالم المادي عمومية وجميع الجوانب الحية في الوجود والفكر والعالم، وتعتمد المادية الجدلية قوانين الجدل المتمثلة في ثلاثة قوانين أساسية: وحدة وصراع الأضداد، وقانون التحول الكمي إلى كيفي، وقانون نفي النفي، وتشمل أيضا منظومة القوانين التي تحكم الفكر والوعي في حركته وتطوره بوصفه انعكاساً لقوانين العالم الموضوعية. ولا يوجد اختلاف جوهري بين المادية الجدلية والمادية التاريخية فيما يتعلق بالقوانين الجدلية والمبادئ الأساسية، إلّا أن المادية التاريخية تشكل تطبيقاً حياً لقوانين الجدل في مجال التاريخ والمجتمع أي في مجال الحياة الاجتماعية والاقتصادية، إذ تسعى إلى استكشاف القوانين العامة التي تحكم تطور مختلف الظواهر الاجتماعية والتاريخية، وتبحث في العمليات التاريخية لتطور الحياة السوسيولوجية في المجتمع، وهي باختصار شديد، كما أشرنا، تطبيق القوانين العامة للمادية الجدلية في مختلف الظواهر الاجتماعية [17].

يحاول ماركس في ماديته الجدلية أن يوضح لنا حركة التاريخ والمجتمع ومختلف ظواهره وفقا للقوانين الجدلية، ويبين لنا كيف يجري الصراع في داخل المجتمع بين الطبقات الاجتماعية، وكيف ينتقل المجتمع من مرحلة إلى مرحلة، وكيف تتقاطع العلاقات بين جوانب الحياة الاجتماعية، ولاسيما بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وفق قوانين المادية الجدلية.

ويرى كثير من الباحثين اليوم أن المادية التاريخية تشكل "علم الاجتماع الماركسي" إذ يتم تطبيق قوانين ومقولات المادية الجدلية في دراسة وفهم مختلف قضايا الحياة الاجتماعية. ومن الواضح أن الماركسيين يرون أن المادية التاريخية تشكل نظرية علمية للتطور الاجتماعي ومنهجاً للتغيير في آن واحد [18]. وتنطلق هذه النظرية في تناول المجتمع بوصفه "وحدة اجتماعية – اقتصادية مترابطة في حركة مستمرة، وتغير دائم، يحتل فيه نشاط الإنسان وعلاقته بأخيه الإنسان المقام الأول، وقد طرحت الماركسية مفهوماً يعبر عن هذه الرؤية وهو: "التكوين الاقتصادي - الاجتماعي" Socio - Economic Formation الذي يعني أنموذجاً تاريخياً للمجتمع يقوم على أساس أسلوب إنتاجي معين، ويظهر بوصفه مرحلة في تطور المجتمع الإنساني"[19].

وتعد " المادية التاريخية جزءاً جوهرياً لا ينفصل عن الفلسفة الماركسية كما تُعد في الوقت نفسه دراسة علمية للمجتمع مما تعارفنا على تسميتها بعلم الاجتماع. ولا يوجد تناقض في أن تتضمن المادية التاريخية عناصر من كليهما، الفلسفة والعلم الاجتماعي، ولا يوجد تناقض في أن تتضمن المادية التاريخية عناصر من كليهما، الفلسفة والعلم الاجتماعي. " [20]. وقد " ذهب بعض الدارسين إلى أن المادية التاريخية جزء من علم الاجتماع ووصلوا من ذلك إلى عدم جواز اعتبارها جزءاً يندرج تحت الفلسفة الماركسية. وعلى النقيض من ذلك يؤكد آخرون أن المادية التاريخية ركن من أركان الفلسفة الماركسية. ويرفضون تناولها بوصفها فرعاً من فروع علم الاجتماع باعتبارها في أحسن الأحوال أساساً منهجياً ونظرياً ذا طابع عام لعلم الاجتماع[21]. ويقرر كل من روزنسال ويادن (M. Rosenthal and P. Yudin, ) أن « المادية التاريخية هي علم اجتماع علمي يشكل الأساس النظري والمنهجي للبحوث الاجتماعية العينية والعلوم الاجتماعية كافة[22]. ومهما يكن الأمر فإن المادية التاريخية تشكل إطاراً عاماً لما يكن أن نسميه بعلم الاجتماع الماركسي أو علم المجتمع الماركسي، وذلك لأن المادية التاريخية تشكل بوضوح نظرية ماركس وإنجلز في المجتمع وفي مساراته التاريخية، ويشمل ذلك مختلف التكوينات الاجتماعية الأساسية. وفيه نجد تحليلاً عميقاً لمختلف التفاعلات الحية في المجتمع، ويقدم رؤية علمية للظواهر الاجتماعية الكبرى، ويحدد لنا الملامح الأساسية لعملية التطور التاريخي في المجتمع بناء على حركة التناقضات الاجتماعية القائمة في داخل المجتمعات الإنسانية.

والمادية التاريخية كما يرى إنجلز: "هي قانون تطور التاريخ البشري، الذي عُدّ اكتشافه اكتشافاً يضاهي اكتشاف داروين لقانون تطور الأنواع، وهي علم يركز على تطور المجتمعات البشرية ويخضع ظواهرها للبحث والتفسير والتحليل، وقد جرى التعبير عن هذا الأمر من قبل كارل ماركس نفسه الذي يرى بأن نظريته هي شكل من أشكال التصور المادي للتاريخ " [23]. وأخيراً "يجب ألّا يغيب عن البال أن المادية التاريخية، خلافاً للعلوم الاجتماعية الأخرى، هي علم فلسفي، منهجي، أي علم لا يدرس جوانب أو عمليات معينة من الحياة الاجتماعية، بل يدرس المجتمع، والحياة الاجتماعية بوصفها عملية متكاملة، في تفاعل جميع جوانبها وعلاقات بعضها مع بعض، وهو بالتالي نظرية عامة وطريقة لمعرفة المجتمع " [24].

5- قوانين المادية التاريخية:
يرى ماركس أن قانونية الطبيعة تشمل القوانين الاجتماعية وتضمن لها نوعيتها، فالقوانين تحكم البشر والظواهر الاجتماعية بالضرورة وإن كانت أكثر تعقيداً منها في الطبيعية، وفي هذا الأمر يتساءل "آلان وودز" في مقالة له حول المادية التاريخية بقوله: " لماذا يجب علينا أن نقبل بأن الكون بأكمله، ابتداءً من أصغر الجسيمات وصولاً إلى المجرات البعيدة تحدده القوانين، وأن السيرورات التي تحدد تطور جميع الأنواع محكومة بالقوانين، بينما تاريخنا، ولسبب مجهول، لا تحدده أي قوانين؟" [25] ثم يتابع هذا الأمر بقوله: "إن أولئك الذين ينكرون وجود أي قوانين تحكم التطور الاجتماعي يتعاملون مع التاريخ من وجهة نظر ذاتية وأخلاقية[26]. ويسترسل وودز بقوله: " قبل ماركس وإنجلز، كان معظم الناس ينظرون إلى التاريخ على أنه سلسلة من الأحداث غير المرتبطة أو، إذا أردنا استخدام مصطلح فلسفي، مجرد “صدف”. لم يكن هناك أي تفسير عام، ولم تكن للتاريخ أي شرعية. ومن خلال إثباتهما لحقيقة أن كل التطور الذي تعرفه البشرية يعتمد في الأساس على تطور القوى المنتجة، تمكن ماركس وإنجلز من أن يقيما دراسة التاريخ على أساس علمي لأول مرة" [27]

يرى ماركس أن المجتمع جزء من الطبيعة والإنسانية صورة نوعية من صور الوجود الطبيعي، فالإنسان كائن يولد في الطبيعة ويغتذي منها ويتفاعل معها شأنه شأن أي كائن طبيعي يعيش فيها، ولا يمكن الفصل بين الإنسان والطبيعة على وجه الإطلاق، ومع ذلك فإن القوانين التي تحكم المجتمع تختلف نوعياً عن هذه التي تحكم الطبيعة وإن كانت لا تعاكسها ولا توجد في حالة تضاد معها. ويكمن الاختلاف بين قوانين الطبيعة وقوانين المجتمع أن قوانين الطبيعة تحكمها العلاقات القائمة بين قوى الطبيعة ذاتها دون تدخل قوى خارجية عنها، وعلى خلاف ذلك فإن القوانين الموضوعية في المجتمع تتشكل من خلال التأثير المتبادل بين الناس، وهذا يعني بحسب التصور الماركسي " أن المجتمع هو شكل خاص، وبكلمة أدق، شكل اجتماعي لحركة المادة. ولهذا فالسؤال يتحول هنا إلى صيغة أخرى: أيمكننا شرح هذا الشكل من الحركة بمساعدة القوانين التي اكتشفتها الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا؟ [28]. وفي معرض الإجابة عن هذا السؤال يرى الماركسيون " أن الشكل الاجتماعي، ككل شكل معقد لحركة المادة، لا يمكن أن يُشرح أو يُفسر بقوانين الأشكال البسيطة لحركة المادة. ولهذا فان المحاولات لفهم التاريخ بواسطة القوانين التي اكتشفتها الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا ضعيفة في أساسها وناقصة، فمع ظهور المجتمع الإنساني تظهر قوانين جديدة خاصة. إلّا أن هذا لا يمنع وجود بعض السمات العامة بين الظواهر الطبيعية والاجتماعية. ولذا لا يمكن نفي إمكانية تطبيق بعض الطرائق ـ مثلاً، نظرية الاحتمالات الرياضية - في دراسة الظواهر الاجتماعية في حالات معينة. لكن المهم في الأمر هو فهم عدم إمكانية نقل العمليات الاجتماعية التاريخية نقلاً آلياً الى عمليات الطاقة والبيولوجيا وغيرها، لأن هذا يقضي حتماً على تلك الفوارق النوعية المميزة التي تفصل الأولى عن الثانية " [29].

وتأسيساً على ما تقدم يمكن القول: "إن المجتمع الإنساني جزء متمايز من الطبيعة، ولا يمكن بأي حال فصله عن بقية الطبيعة، وهو دائماً في حالة تفاعل معها، وهذا الجزء من الطبيعة الذي يتفاعل معه المجتمع بصفة دائمة ومباشرة ويتأثر بالمجتمع ويؤثر فيه في آنٍ واحد يسمى البيئة الجغرافية وتشمل الطقس، والتربة، والأنهار، والبحار، والنبات، والحيوان، وتضاريس الأرض، والمعادن. الخ والبيئة الجغرافية شرط ضروري لنشاط الإنسان الإنتاجي ودون التفاعل مع الطبيعة لا يمكن أن يكون هناك عمل ولا نشاط إنتاجي [30]. وفي هذا السياق أيضا يقول ماركس: " إن الناس خلال العملية الإنتاجية لا يغيرون. من الطبيعة فحسب، بل يغيرون من بعضهم بعضاً" فهم يستطيعون الإنتاج فقط نظراً لتعاونهم بشكل معين واعتماد نشاط كل منهم على الآخر". فلكي ينتج الناس لابد أن يدخلوا في علاقات محددة مع بعضهم بعضاً وعن طريق هذه العلاقات يمكن أن يؤدى نشاطهم إلى الإنتاج وتغير الطبيعة. ولكن لابد من توافر ظروف طبيعية لكي يستطيع الإنسان أن ينتج ولكي تنشأ حياة اجتماعية وهذه الظروف شرط ضروري للحياة الاجتماعية ولكنها ليست ظروفاً كافيةً لقيامها "[31].

وفي هذا المسار يمكن القول: إن المادية التاريخية تدرس القوانين العامة الشاملة للمجتمع التي تختلف جوهريا عن هذه القائمة في المجالات العلمية كما هو الحال في الفيزياء والكيمياء والفلك وغيرهما، ويؤسس على ذلك أن المادية التاريخية تدرس المجتمع بوصفه كلاً حياً متفاعلاً متكاملاً يخضع لسطوة قوانين موضعية وهي في هذا السياق – أي المادية التاريخية – تعالج قضايا المجتمع في إطار وحدتها وتكاملها وخضوعها لثمة قوانين موضوعية ينتجها الناس في إطار تفاعلهم الاجتماعي والاقتصادي.[32]

ومن أجل تشكيل هذا الوعي القانوني بالظواهر الاجتماعية يجب على الباحثين أن ينطلقوا من معطيات الماديتين الجلدية والديالكتيكية لفهم القوانين الديالكتيكية التي تحكم حركة التطور في الطبيعة والمجتمع، وإدراك منظومة المفاهيم والمقولات الأساسية في الديالكتيك الماركسي.

وهنا يجب النظر في معطيات القانون الأساسي الذي ينطلق منه هيغل في جوهر فلسفته الديالكتيكية ما يمكن أن نسميه قانون الديالكتيك الثلاثي الحاكم للعلاقة بين الأطروحة وطباقها أو بين الفكرة ونقيضها. فمن المعلوم أن لكل شيء في عالم المادة والأفكار ما يناقضه، وبالتالي فإن العلاقة بين الفكرة و نقيضها أو الشيء ونقيضه يلزم عته حركة جدلية متكررة في أربع خطوات مستمرة الحدوث، وهذا القانون جعله هيغل في الفكر وماركس في المادة قانوناً كلياً شاملاً يفسر كل حركات التطور في الطبيعية والإنسان والفكر وتتمثل الحركة الرباعية لقانون الجدل في الصيرورة الآتية: [33]

1- الأطروحة (Thèse): وتعني الفكرة أو القضية أو الشيء كما يكون في الأصل والجوهر ويرمز لها بالحرف:أ.

2- النقيض (Antithèse) تنشطر الفكرة أو الشيء إلى قسمين متناقضين ويرمز لهذه الوضعية: لا أ.

3- المركب Synthèse)): يحدث الاندماج بين الطرفين بين الفكرة ونقيضها أو الشيء ونقيضه في كيان واحد أو مركب واحد يجمع بينهما؛ أي: بين النقيضين بما هو أفضل منهما بطريقة ينطوي فيها الكل على حقيقة متطورة أكثر لا تُوجَد في أي منهما بصورة منفردة، وهذا المركب الجديد يُوفِّق بينهما ولا يتعارض مع أي منهما.

4- ينفلق هذا المُركَّب الجديد وينشطر إلى شطرين متناقضين كما هو الأمر في الحالة الأولى وتتوالى العملية نفسها على نحو جدلي دائري متصاعد. وهذا يعني كل فكرة جدية تنشطر إلى طرفين ثم يندمج طرفاها في فكرة جديدة، وعلى هذا المنوال يتطور الفكر والعالم من مرحلة دنيا إلى مرحلة عليا في مختلف أحقاب الصيرورة الزمنية والمكانية. ويمكن أن نضرب مثالاً على ذلك في انقسام الخلية الحية على نحو ما يجري في التشكل الجيني للإنسان، إذ يكون خلية واحدة تنشطر إلى قسمين متكاملين، وهكذا تحدث عملية الانقسام والتكامل بصورة مستمرة إلى المرحلة التي يتكون فيها جسد الطفل، فيكون الجنيني في الشهر التاسع من العمر قد نضج واكتملت أعضاؤه واتخذ صورة إنسانية. وهذا يعني أن كل مرحلة جديدة من مراحل التطور في الانقسام الخلوي للجنين تعد أفضل من سابقتها وأكثر نضجاً. وهذا هو الأمر الذي يحدث في عالم الفكر والمادة بحسب النظرية الديالكتيكية.
ويعود الخلاف بين جدليتي ماركس وإنجلز في أن "هيغل يقدم منهجه الجدلي بصورة مِثالية مُتطرِّفة إذ يرى أن الواقع مُجرَّد انعكاس للفكرة أو للروح، إذ جعل من الجدل خطوات صيرورة الروح؛ الذي ينتقل من الروح الذاتي أو الروح في ذاته، الذي يتمثَّل في الطبيعة؛ إلى نقيضه أي الروح الموضوعي أو الروح لذاته، الذي يتمثَّل في الإنسان بالقانون والأخلاق والسياسة؛ ثم يصِل إلى الروح المُطلَق الذي يتمثَّل في الدين والفن والفلسفة؛ الجدل بهذا هو الفكرة إذ تُنمِّي ذاتها، أما الطبيعة فهي انحطاط الفكرة" [34].
وعلى عكس هذه الرؤية المغرقة في المثالية يقدم ماركس وإنجلز صورة أخرى عن هذه الجدلية مجلجلة بالطابع المادي الخاص الذي يؤكد أن الفكرة مُجرَّد انعكاس واقعي في الوعي وهذا يعني أنهما قد حررا الجدل من مثاليته الهيغلية وألبساه ثوباً مادياً خالصاً، وذلك هو مفاد الفكرة التي تتواتر دائماً وهي أن ماركس أوقف الجدل الهيغيلي على قدميه. وعلى هذه الصورة يتجلى لجدل الماركسي المادي في صورة قوانين لتفسير الظواهر في الطبيعية والمجتمع والفكر البشري. ومن المفيد في هذا المقام المرور على القوانين الثلاثية للجدل الماركسي المستوحاة من الجدلية الهيغيلية، وهي:

أولا - قانون التحول الكمي إلى نوعي: وهو القانون الأول وهذا القانون هو أساس التطور وآليته. النوع هو مجموع خواص الشيء، والتغير النوعي يكون تغيراً في حال الشيء وخواصه الجوهرية وتتجلى ملامح هذا القانون العلمي في مختلف الظواهر والأشياء المادية، إذ يأخذ التغيُّر صورة حركة انتقالية من التغيُّرات الكمية إلى التغيُّرات الكيفية، ويتواتر الأمر أيضا في عملية الانتقال من حالات كيفية إلى حالات كيفية أخرى كنتيجة للتغيُّرات الكمية المُتدرِّجة التي من شأنها أن تحدث طفرة في مَجال التطوُّر، ومثال ذلك تدرج ارتفاع درجات حرارة الماء التي عندما تصل إلى الدرجة المئوية تتبخر وتتحول من سائل إلى بخار، والبخار هو حالة نوعية أخرى من الماء نختلف عن الماء السائل كلياً، ومثال أيضاً عندما تنخفض درجة حرارة الماء إلى الصفر وما دونه يتجمد الماء أي ينتقل من حالة نوعية إلى أخرى والعكس صحيح. وفي هذا السياق يقول ماركس:” إنه في مرحلة ما من مراحل التطور، يؤدي التغير البسيط في الكم الذي بلغ درجة معينة، إلى اختلافات في الكيفية[35].
ثانيا - يشكل قانون وحدة وصراع الأضداد القانون الثاني في الجدل الماركسي، ويشكل القوة المحركة للتغيير والحركة والتجدد، وتبعاً لهذا المبدأ لا يمكن فصل الشيء عن نقيضه الذي قد يكون ساكناً في تكوينه، فالشيء قد يكون واحداً ويتضمن في ذاته نقيضين مفارقين ومع ذلك فهما يشكلان وحدة مترابطة. فالظواهر والأشياء تقع في حالة التناقضات الداخلية التي تكون في أصل التغيُّر وسبباً في الحركة المُستمِرة التي تعتري الأشياء في عالمي الفكر والمادة على حدّ سواء، وقد سماه هيغل بـ "مَبدأ السلْب". وعلى الرغم من تنافر الضدين وتناقضهما فهما متلازمان جدلياً، وهذا التناقض أو الصراع هو أساس التطور والنمو [36]. وعلى هذا الأساس يمكن القول: بأن النمو والتطور يكمن في " صراع الأضداد ". ويأخذ صراع الأضداد اتجاهين، فإما أن يكون التناقض والتضاد داخلياً في قلب الشيء وتقع ضمن ما يمكن أن نسميه بالتناقضات الداخلية أو الصميمية، وقد يكون تناقضاً خارجياً أي أن الشيء قد يقع في تناقضات مع أطراف خارجة عنه، وقد تجتمع في اللحظة الواحدة تناقضات الداخل والخارج فيكون الشيء متناقضاً في ذاته وفي صراع تناقضي مع الأشياء التي توجد في الوسط الخارجي، وهذه صورة كيميائية للتناقضات التي يدل عليها هذا القانون، وفي كليهما فإن التناقض الذاتي والتناقضات الخارجية تؤدي إلى نسق من التناقضات والتغيرات في آن واحد في الشيء نفسه بتأثير تناقضاته الداخلية وتناقضاته الخارجية، وهذه التناقضات تؤدي إلى التغيير في بنية الشيء وفي بنية الأشياء التي يتناقض معها. ومن ثم، فهناك نوعان من التناقضات: تناقضات داخلية تقع داخل الشيء الواحد، وتناقضات خارجية بمثابة صراع الشيء مع محيطه الخارجي. لذلك فالتناقضات الداخلية أهم من الخارجية. وفي هذا يقول ماوتسي تونغ: ”يعتبر الديالكتيك المادي أن الأسباب الخارجية هي شرط التبدل، والأسباب الداخلية هي أساس التبدل. والأسباب الخارجية إنما تفعل فعلها عن طريق الأسباب الداخلية. فالبيضة تتبدل في درجة حرارة ملائمة فتصير كتكوتا، ولكن الحرارة لا تستطيع أن تحول الحجر إلى كتكوت، لأن أساس التبدل في الأول يختلف عنه في الثاني" [37].

ثالثا - قانون نفي النفي وهو الفانون الثالث في المادية الجدلية: ويعبر هذا القانون عن الحالة التي يتم فيها التطور على إيقاع التنافي في عملية التطور والحركة، ويأخذ التنافي صورة تطور صدامي عنيف بين جديد التطور وقديمه، فكل مرحلة جديدة تشكل نفيا لحالتها السابقة على نحو متواتر، والنفي هنا لا يعني الفناء، فكل مرحلة تنفي المرحلة السابقة وتحفظها في آن واحد؛ النفي الجدلي هو نفي واحتفاظ معاً، ويضرب الجدليون المَثل على هذا بقانون الجبر: -1x-1= 1. [38]. ونعتقد بأن قانون نفي النفي يجسد سابقيه ( وحدة وصراع الأضداد وقانون التحولات الكمية إلى كيفية ) وكلاهما يشكلان ديناميتين أي عمليتين تؤديان إلى الثالث " نفي النفي" فعلى سبيل المثال عندما تتراكم التغيرات الكمية لتحدث تغيرات نوعية فإن هذا التراكم يؤدي إلى حالة نفي للحالة النوعية السابقة مع المحافظة على بعض خواصها الجيدة، ومن ثم تعود التغيرات الكمية إلى عادتها في التراكم حتى تحدث ”القفزة“ النوعية فتنفي النفي السابق مع الاحتفاظ ببعض من الحالة السابقة، وعلى هذا النحو يتعاقب النفي بنقي جديد يولد حالة أفضل من جميع الحالات السابقة وهكذا دواليك. ومن المعروف أن حركة التطور الجدلي الماركسي تأخذ اتجاهاً متصاعداً نحو الأعلى أو الأفضل أو الأكثر تعقيداً، وهذا يعني أن هذا القانون يولد حركة تطورية لولبية متصاعدة في عملية التطور ويكمن تشبيه هذا القانون بوضعية التحول القائمة في دورة التطور من البيضة إلى الدودة ومن ثم إلى الشرنوقة والفراشة. فالفراشة التي تنبثق من الدودة تعد نفياً للدودة واليرقة وفي كل الأحوال فإن البيضة الدودية تشهد تطورات كمية وكيفية وتتصارع فيها الأضداد قبل وصولها إلى مرحلة الفراشة التي تختلف جوهريا عن الدودة، مع أنها تحمل في ذاتها أيضا بذور فنائها. وهذا يعني أن كل حالة فكرية أو مادية تحمل في ذاتها بذور فنائها وارتقائها من مرحلة إلى أخرى وعلى هذا النحو كما " لا يستطيع المرء أن يسبح في ماء النهر الواحد مرتين لأن مياهاً جديدة تجري من حوله أبداً" كما يقول الفيلسوف الإغريقي هيراقليطس صاحب نظرية التغير الدائم.

ويعبر جميل حمداوي عن هذا القانون بقوله: "يقصد بنفي النفي نقيض الأطروحة ونفيها. بمعنى أن الشيء له أطروحة (Thèse)، ونقيض(Antithèse)، وتركيبSynthèse)). فظهور الشيء الجديد من القديم يُعدّ نفياً للقديم. ولكن هذا الجديد بدوره يصبح قديماً، فيأتي جديد آخر ليصبح نفياً للنفي. ولابد من الاحتفاظ، في أثناء عملية نفي النفي، بالجوانب الإيجابية في المنفي، وتفادي سلبياته؛ لأن عملية نفي النفي تساعد على النمو والتقدم والازدهار، وإلّا أدى ذلك إلى التكرار والوقوف عند حدود دائرة مغلقة. ومن هنا، فالتاريخ، في المنظور الجدلي، يسير في خط مستقيم بشكل تصاعدي من الأدنى إلى الأعلى، في إطار تطور جدلي ديالكتيكي، يتصارع فيه القديم والجديد، ويتم هذا التقدم التاريخي في شكل حركة لولبية، ولكن تظهر من حين لآخر بعض الحوادث التي تتخذ طابعاً تكرارياً، فنقول: إن التاريخ يعيد نفسه: لكن هذا لا يؤثر في مسار التاريخ وتقدمه وتطوره إلى الأمام" [39].

وعلى هذا الأساس الجدلي لقانون نفي النفي يذهب ماركس وإنجلز كلاهما إلى تفسير الانتقال من تشكيلة اجتماعية اقتصادية إلى أخرى، ومن أسلوب الإنتاج المشاعي إلى أسلوب الانفتاح العبودي إلى أسلوب الإنتاج الإقطاعي ومن ثم إلى أسلوب الإنتاج الرأسمالي، ويبدو أن كل مرحلة جديدة من هذه المراحل تعد نفياً لسابقتها، فالعبودية تعد نفياً للمشاعية الأولى، والإقطاعية نفياً للمرحلة العبودية، وكذلك الرسمالية نفياً للمرحلة الإقطاعية. وفي كل مرحلة من هذه المراحل يعتمل قانون الصراع والتحولات الكمية إلى كيفية وقانون وحدة وصراع الأضداد. فالتناقضات القائمة بين وسائل الإنتاج وعلاقاته تؤدي إلى تراكم كيفي يؤدي إلى تغير أسلوب الإنتاج، وأسلوب الإنتاج الجديد يحمل في ذاته وحدة وصراع الضدين، طبقات تملك وطبقات لا تملك وسائل الإنتاج، وكل أسلوب جديد أو مرحلة اجتماعية اقتصادية جديدة تشكل ولادة جديدة على مبدأ نفي النفي.
وتشتمل المادية الجدلية على نسق منظم متكامل من المفاهيم الاستدلالية المنهجية التي تأخذ صيغة المقولات: من مثل: "الكم والكيف والِمقدار، العلة والمعلول والتفاعُل، المضمون والصورة، الماهية والمَظهر، الضرورة والحرية، الإمكان والواقع، الفردي والجزئي والكلي، الهُوية والاختلاف، الطرد والجذب، اللامُتناهي الزائف واللامُتناهي الحقيقي، القوة ومَظهر تحقُّقها، الكم المُنفصِل والكم المُتصِل، المُجرَّد والعيني … إلخ. والمَجال مفتوح دائماً أمام مَقولات أخرى يُمليها علينا التطوُّر الجدلي" [40].
وفي هذا لأمر نجد قولاً طريفاً معبراً للدكتورة يمنى الخولي عن القوة المنهجية للجدل الماركسي أو الهيغلي، إذ تقول :"وعلى هذه الصورة سنجدُ الدنيا كلها تسير وفقًا لإيقاع الجدل الذي لا يُفلِت من قبضته القوية شيء لا في العالم المادي ولا في العالم الروحي، حتى أن الخلافات التي تقع بين الرفاق داخل الحزب الشيوعي نفسه لا يُفسِّرها إلا ذلك الجدل الهيغلي العظيم! " [41]. لقد آمن ماركس وإنجلز إيمانًا راسخًا بأن ثمة قوانين موضوعية صريحة تحكم تطور المجتمع والتاريخ وترسم مساراته. وأنه لمن الضرورة بمكان استكشاف هذه القانونيات الحاكمة التي تمكننا من التنبؤ بالتغيرات المحتملة، والسيطرة على مسارها وتوجيهها توجيهاً إنسانياً نحو خدمة المجتمعات الإنسانية وتحريرها من كل أشكال الظلم والاستغلال.

[HEADING=2]6-قانونية المجتمع والظواهر الاجتماعية:[/HEADING]
تجنب ماركس أن يعلن عن نفسه أبداً أنه عالم اجتماع، ولم يدر في خلده أبداً أنه يريد أن يؤسس لعلم اجتماع ماركسي، كما هو الحال عند ابن خلدون في عمرانياته، أو عند أوغست كونت في تسمياته السوسيولوجية، أو عند دوركهايم في إسقاطاته البنيوية. حتى أنه لم يؤلف أي كتب تحت تسميتي المادية التاريخية أو المادية الجدلية، ولم يوظف أيا من هذين المفهومين أبداً. وكلاهما أي مفهوما المادية التاريخية والمادية الجدلية من صناعة ماركسية لاحقة لهما. ولكن أغلب المفكرين الماركسيين اجتهدوا في عملية صوغ النظرية المادية التاريخية والمادية الجدلية وعملوا على تنسيق أفكار ماركس وإنجلز ضمن في سياق علم تاريخي اجتماعي يتناول المجتمع وقضاياه وقدموا لنا منظومة من التصورات الجدلية التي تحدد لنا مختلف أوجه الحركة والتغير والتفاعل في قلب المجتمعات الإنسانية. وفي المادية التاريخية يقدم المفكرون وصفاً دقيقاً محكماً لطبيعة المجتمع نشأةً وحركةً وتفاعلاً وازدهاراً. فالمجتمع يقدم بداية في حالته الساكنة ضمن الظروف التي أدت إلى نشأته، والعوامل البنائية التي يرتسم فيها والظواهر التي تتدفق في أوصاله.

والبداية في تشكل المجتمع لم تكن لتختلف عن تلك التي عرفناها عند ابن خلدون الذي تحدث مطولا عن طبيعة العمران ونشأته لأن قدرة الواحد من البشر تنأى على تلبية احتياجاته إذ هو يحتاج للكثرة حتى من أجل الحصول على وجبة واحدة من قوت يومه. فالاجتماع الإنساني ضروري بالطبع وقديماً قال الحكماء: الإنسان كائن اجتماعي بطبعه. وعلى هذا النحو تبدأ الفكرة الماركسية بأن الإنتاج من أجل الحياة وتحصيل المعاش هو الذي يشكل اللبنة الأولى في تشكل المجتمع، وبالتالي فإن الدخول في عملية الإنتاج يقتضي تفاعلاً مع الطبيعة من جهة ومع المجتمع من جهة ثانية، وهذا يفرض على الفرد الدخول في علاقات اجتماعية اقتصادية مع الآخر، وهذا الأمر يقتضي وجود تشكيل اجتماعي يفرض على الأفراد نوعاً من العلاقات التي تتحدد بطبيعية الملكية والتملك لوسائل الإنتاج وقواه.

وهذا يعني أن الرهان الأساسي لقيام أي صيغة أو شكل من أشكال الحياة الاجتماعية يكون في عملية إنتاج الحياة والمعاش، وهذا الإنتاج يؤدي إلى تشكل الجماعة والمجتمع بالمعنى الدقيق للكلمة؛ لأن عملية الإنتاج ذاتها هي المعنية بتحديد هوية الفرد والجماعة. لأنه في عملية الإنتاج تتشكل شبكة العلاقات بين أفراد المجتمع فيما بينهم أولاً وفيما بينهم وبين الطبيعة ثانياً. وعملية الإنتاج نفسها تؤدي إلى تطوير أدوات الإنتاج والإنتاج نفسه وذلك وفقاً للمبدأ الماركسي الذي يقول: عندما نغير في الطبيعية نغير أنفسنا في الوقت الواحد وهذا التغيير يؤدي إلى تطوير الإنسان والمجتمع في آن واحد.

وتأسيسا على ما تقدم يمكن القول: إن قيام أي نوع من أنواع الحياة الاجتماعية لا يمكن أن يكون إلا عندما يتشارك الناس معاً في إنتاج احتياجاتهم المادية وضرورات وجودهم. وهذا هو الركن الأساسي الذي يؤسس لاحقاً لما يسمى بقوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، الشرطان الأساسيان لتشكيل المجتمع أو ما يسميه ماركس بالتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية (Socio-Economic Formation). وذلك لأنه يترتب على الأفراد عندما ينتجون ضرورات وجودهم أن يصنعوا الأدوات والوسائل، وأن يكتسبوا المهارة والمعرفة لاستخدامها، وتلك قوى إنتاجهم، وهم في استخدامهم لقوي الإنتاج، لابد أن يدخلوا في علاقات إنتاج اجتماعية للإنتاج.

وفي هذا يقول كارل ماركس: "عندما ينتج الناس يدخلون في علاقات إنتاج معينة ضرورية ومستقلة عن إرادتهم، وهي علاقات إنتاج تتوافق مع مرحلة محدَّدة من مراحل تطوُّر قوى الإنتاج المادية الخاصة بهم. ويُكوِّن المجموعُ الإجمالي لعلاقات الإنتاج هذه الهيكلَ الاقتصادي للمجتمع؛ أي الأساس الحقيقي، الذي يقوم عليه هيكلٌ علويٌّ قانوني واجتماعي، والذي تتوافق معه أشكالٌ محدَّدة من الوعي الاجتماعي " [42].

وقد جاءت ترجمة هذا النص عن في كتابه المعرفة "إسهام في نقد الاقتصاد السياسي " على النحو الآتي: "يدخل الناس أثناء قيامهم بعملية الإنتاج الاجتماعي في علاقات محددة مستقلة عن إرادتهم. وتتوافق هذه العلاقات مع مرحلة محددة من مراحل تطور القوى المنتجة، ويشكل التفاعل بين قوى الإنتاج وعلاقاته الكيان الاقتصادي للمجتمع (البنية التحتية) أي البنيان الذي يشكل الأساس الذي تقوم عليه البنية الفوقية السياسية والقانونية التي تتوافق مع طبيعة أسلوب الإنتاج القائم في المجتمع، إذ ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم وإنما على العكس من ذلك فإن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم " [43] .

فالإنتاج الاجتماعي هو المنطقة الحيوية في التكوين الاجتماعي للحياة وفي هذه المنطقة تتقاطع مختلف أشكال التفاعل الإنساني مادياً وفكرياً وأخلاقياً، وقد شكلت هذه المنطقة الحيوية (الإنتاج الاجتماعي) منطلق التفكير الماركسي وذلك في بحثه عن طبيعة العلاقة الأولية التي طبيعة الحياة الإنسانية في المجتمعات البشرية، ونقصد العلاقة التي تتلاقى فيها وتتقاطع وتتفاعل مختلف الظواهر الاجتماعية في المجتمعات الإنسانية. فالمجتمع في نهاية الأمر هو نتاج اجتماع عدد كبير من الأفراد في جماعات منتجة، والإنتاج الاجتماعي يمثل نقطة التقاطع والتفاعل بين الأفراد والجماعات، ومن هذا المنطلق وحول هذه النقطة يتحرك الفكر الماركسي ويجول بحثاً عن فهم أعمق لطبيعة هذا الإنتاج وتأثيره بوصفه العلاقة الأولية الجوهرية بين الإنسان والطبيعية أو بين الطبيعة والمجتمع الإنساني .

إن بناء كل تشكيلة اقتصادية اجتماعية ( أي تشكيل المجتمع ) يتحدد بأسلوب عملية الإنتاج وشروطها، لأن الشرط الأول، كما أشرنا، يكون في إنتاج ما يحتاجه الناس من مأكل وملبس ومشرب ومسكن، ولأن الإنسان لا يجد هذه الخيرات المادية الضرورية جميعها جاهزة في الطبيعة، ما يضطره إلى إنتاجها ومن أجل إنتاجها يحتاج إلى أدوات الإنتاج ووسائله من مثل: المحراث المطاحن المداجن المصانع المعامل الآلات، وعندما تبدأ عملية الإنتاج تقوم علاقات الإنتاج، ويتوزع الناس في مجال تقسيم العمل، بعضهم في الزراعة، وبعضهم الصناعة بعضهم في الحرف وبعضهم يملك الأرض، والآخر يملك المصنع، وبعضهم يملك قوة عمله فحسب، وهذا كله يسمى علاقات الإنتاج. وغالباً ما تركز الماركسية على حضور طبقين أساسيتين إحداهما تملك وسائل الإنتاج (المصانع والآلات الأرض والعبيد ) والأخرى لا تملك إلا قوة العمل أي أن المجتمع ينقسم في عملية الإنتاج إلى طبقتين أساسيتين إحداهما تملك والأخرى تعمل، مثل: الفلاحين والإقطاعيين أو العمال والبرجوازيين أو العبيد والأسياد. ولذا، فان الإنتاج هو، دائماً وفي كل الظروف، أساس وجود الناس والضرورة الطبيعية الخالدة.. إلّا أن أهمية الإنتاج في حياة المجتمع لا تنحصر في تأمينه وسائل المعيشة للناس، هنا تبرز " مأثرة ماركس وأنجلس الرائعة، بهذا الصدد، هو أنهما برهنا على أن الناس، إذ يقومون بإنتاج الخيرات المادية، فإنهم بذلك ينتجون كل قطاع حياتهم ويجددونه، أي أن الإنسان ذاته يتكون بوصفه كائناً اجتماعياً في الإنتاج. وأن أسلوب الإنتاج هو شكل معين لنشاط الأفراد المعيشي ونمط حياتهم المعين[44]. وباختصار شديد يمكن القول: بأن "المادية التاريخية علم يدرس المجتمع على نحو كلي، ويعالج قضاياه ن زاوية وحدة الظواهر الاجتماعية، كما تعالجه من ناحية تطوره المشروط بفعل القوانين الموضوعية التي تتحقق من خلال نشاط الناس" [45].


مراجع الفصل وهوامشه:

[1] - Alan Woods , What is historical materialism? Marxism ,14 January 2016. What is historical materialism? | Historical Materialism | History & Theory | all-pages
[2] - ولد كارل ماركس في مدينة هي ترير، في عام 1818 واضطر والده إلى اعتناق المذهب البروتستانتي كي تتاح له ممارسة مهنته في المحاماة. التحق ماركس بالمدرسة الثانوية في الثانية عشر من العمر وحصل على شهادة إتمام الدراسة الثانوية بتقدير امتياز في سن السابعة عشرة. عاش كارل ماركس حياة هروب وتنقل من مدينة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى بسبب آرائه الثورية الراديكالية، وبعد حصوله على شهادة الدكتوراة في الفلسفة من جامعة يينا سنة 1841 لم يستطع أن يجد وظيفة مناسبة فعمل في مجال الكتابة الصحفية، هاجر ماركس إلى باريس ومن ثم إلى بلجيكا وبعدها إلى بريطانيا ليقيم ويموت فيها في عام 1883. وخلال فترة إقامته في باريس توطدت علاقته برفيق العمر والإيديولوجيا فريدريك انجلز الذي كان نعم الصديق الوفي والداعم لماركس كي يستمر في مسيرة العطاء العلمي والمعرفي ..
[3]- عبد الصبور لكرمات، کارل ماركس: جدلية التناقض والصراع، جامعة ابن طفيل، كلية العلوم الإنسانية، 2020/2021. http://bitly.ws/z6fs
[4] - سبارتكوس التراقي: مجالد روماني، قاد انتفاضة العبيد في روما وهي إحدى كبرى الانتفاضات في تاريخ الأنظمة العبودية.
[5] - حسام الدين فياض، فلسفة علم المجتمع عند كارل ماركس: الإنسان صانعاً لتاريخه، أنفاس – من أجل الثقافة والإنسان، 3ديسمبر 2022. فلسفة علم المجتمع عند كارل ماركس: الإنسان صانعاً لتاريخه - د. حسام الدين فياض أنفاس نت
[6]- عبد الصبور لكرمات، کارل ماركس: جدلية التناقض والصراع، جامعة ابن طفيل، كلية العلوم الإنسانية، 2020/2021. http://bitly.ws/z6fs
[7] - فريدريك انجلز (Friedrich Engels (1820- 1895) فيلسوف وعالم اقتصاد ألماني شارك في تأسيس النظرية الماركسية مع صاحبه ورفيق كفاحه كارل ماركس، شارك مع ماركس في عدد من المؤلفات في "البيان الشيوعي " و "الأيديولوجيا الألمانية " و " العائلة المقدسة ". ويعود الفضل إلى إنجلز في مساعدة ماركس مادياً ومعنوياً من أجل التقدم في أعماله العلمية. كان إنجلز شريكاً في أحد الإسهامات الفكرية الأكثر شهرةً على مر التاريخ، وعلى الرغم من اعترافه بأنه كان الشريك الأقل نصيباً َ في هذا الإسهام، فلقد كان في واقع الأمر أكثر أنه وفقً تأثيراً من الناحية السياسية مقارنةً بشريكه صاحب النصيب الأكبر في هذا الإسهام، ويأتي َّ هذا التأثري من خلال شروحه لأفكار كارل ماركس التي أد ْت إلى انتشارها على نحو كبير.
[8] - ماركس، أنجلز، لينين، المادية التاريخية، دار الفارابي، دمشق، 1975.
[9] - ماركس، أنجلز، لينين، المادية التاريخية، المرجع السابق
[10] - قلما يشار إلى إنجلز عندما يجري الحديث عن المادية التاريخية أو عن الماركسية بصورة عامة، علما بأن الفضل في وجود ماركس يعود إلى الدعم الهائل الذي قدمه إنجلز مادياً ومعنوياً وسياسياً، على الرغم من كون إنجلز شريكاً في أحد الإسهامات الفكرية الأكثر شهرة على مر التاريخ، وعلى الرغم من أنه وفقاً لاعترافه كان الشريكَ الأقل نصيبًا في هذا الإسهام، فلقد كان في واقع الأمر أكثر تأثيراً من الناحية السياسية مقارنة بشريكه صاحب النصيب الأكبر في هذا الإسهام، ويأتي هذا التأثير من خلال شروحه لأفكار كارل ماركس التي أدت إلى انتشارها على نحو كبير.
[11] - كارل ماركس، الأيديولوجية الألمانيّة، ترجمة فؤاد أيوب، دمشق دار دمشق، دار دمشق، 1976.
[13] - من المثير للدهشة أن ماركس لم يستخدم مطلقًا عبارة «المادية الديالكتيكية» في كتاباته. وقد تمت صياغة هذا المصطلح في عام 1887 من قبل جوزيف ديتزجين وهو أحد أنصار النزعة الماركسية. وقد تم العثور على ذكر عرضي لمصطلح «المادية الديالكتيكية» في سيرة فريدريك إنجلز التي كتبها الفيلسوف كارل كاوتسكي،.أمّا ماركس نفسه فتحدث عن «المفهوم المادي للتاريخ» والذي أشار إليه إنجلز لاحقًا باسم المادية التاريخية. شرح إنجلز كذلك «الديالكتيك المادي» في كتابه «ديالكتيك الطبيعة» عام 1883؛ واستخدم جورجي بليخانوف أبو الماركسية الروسية، مصطلح «المادية الديالكتيكية» لأول مرة عام 1891 في كتاباته عن جورج فيلهلم فريدريك هيجل وماركس. كما حدد ستالين المادية الديالكتيكية والتاريخية بوصفها النظرة العالمية للماركسية اللينينية ووسيلة لدراسة المجتمع وتاريخه.
[14] - حسني إبراهيم عبد العظيم، النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والاتصال، الحوار المتمدن-العدد: 3402 تاريخ 2011 / 6 / 20. حسني إبراهيم عبد العظيم - النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والاتصال
[15] - حسني إبراهيم عبد العظيم، النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والاتصال، المرجع السابق.
[16] - جورج فيلهلم فريدريش هيغل (Georg Wilhelm Friedrich Hegel) (ولد 27 أغسطس 1770 — 14 نوفمبر 1831) أحد أهم الفلاسفة الألمان، مؤسس المثالية الألمانية في الفلسفة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي. طور المنهج الجدلي الذي أثبت من خلاله أن سير التاريخ والأفكار يتم بوجود الأطروحة ثم نقيضها ثم التوليف بينهما. كان هيغل آخر بناة «المشاريع الفلسفية الكبرى» في العصر الحديث. كان لفلسفته أثر عميق في معظم الفلسفات المعاصرة.
[17] - سمير نعيم أحمد، النظرية في علم الاجتماع: دراسة نقدية، القاهرة: دار الهاني للطباعة والنشر، 2006. ص154
[18] - حسني إبراهيم عبد العظيم، النظرية السوسيولوجية، مرجع سابق .
[19] - حسني إبراهيم عبد العظيم، النظرية السوسيولوجية، مرجع سابق .
[22] - M. Rosenthal and P. Yudin, A Dictionary of Philosophy, Progress Publishers, Moscow, 1976, p. 272.
[23] - أمين نصر، نظرة المدرسة الماركسية وتفسيرها للظاهرة التاريخية، النهار، 10/7/2022. نظرة المدرسة الماركسية وتفسيرها للظاهرة التاريخية
[24] - كيله كوفالسون، المادية التاريخية، دراسة في نظرية المجتمع الماركسي، ترجمة الياس شاهين، دار التقدم، موسكو، 2019. ص 34.
[25] - آلان وودز، ما هي المادية التاريخية؟ الفصل الأول: ما هو التاريخ؟ الموقع العربي للتيار الماركسي، 17 فبراير، 2020.
[26] - آلان وودز، ما هي المادية التاريخية؟ المرجع السابق .
[27] - آلان وودز، ما هي المادية التاريخية؟ المرجع السابق .
[28] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية، ترجمة أحمد داود، دار الجماهير، دمشق، 1967 ص11.
[29] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية، المرجع السابق، ص 11.
[30] - سمير نعيم أحمد، النظرية في علم الاجتماع، مرجع سابق. ص155.
[31] - سمير نعيم أحمد، النظرية في علم الاجتماع، مرجع سابق، 2006. ص157
[32] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية، ترجمة أحمد داود، دار الجماهير، دمشق، 1967. ص 7.
[33] - يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، مؤسسة هنداوي، لندن، 2017، ص 36
[34] - يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، المرجع السابق، ص 37
[35] - محمد عابد الجابري: من دروس الفلسفة والفكر الإسلامي، دار النشر المغربية، الدار البيضاء، 2010، ص: 96.
[36] - يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، المرجع السابق، ص 37
[37] - محمد عابد الجابري: من دروس الفلسفة والفكر الإسلامي، مرجع سابق، ص 95.
[38] - يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، مرجع سابق، ص 38
[39] - جميل حمداوي، نظريات علم الاجتماع، الطبعة الأولى، الألوكة، 2015، ص 75. http://bitly.ws/z5kt
[40] - يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، مرجع سابق، ص 38
[41] - يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، مرجع سابق، ص 38
[42] - تيريز كارفر، إنجلز: مقدمة قصيرة جدا، ترجمة: صفية مختار، مراجعة: مصطفى محمد فؤاد، لندن: مؤسسة هنداوي، 2017. ص 82.
[43] - K. Marx, A Contribution to the Critique of Political Economy, pp. 20-21.
[44] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية، ترجمة أحمد داود، دار الجماهير، دمشق، 1967. ص 48.
[45] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية،المرجع السابق، ص 7.
[46] - ا.ب. شبتولين – النظرية العلمية في الطبيعة والمجتمع والمعرفة – دار الفارابي – بيروت – 1981 – ص174.
[47] - حسني إبراهيم عبد العظيم، النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والاتصال، مرجع سابق.
[48] - حسني إبراهيم عبد العظيم، النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والاتصال، مرجع سابق.
[49] - غازي الصوراني، المادية التاريخية وأهم مقولاتها: التشكيل الاجتماعي – الاقتصادي والبناء الفوقي وقوى الإنتاج، الهدف، السبت 05 نوفمبر 2022 .المادية التاريخية وأهم مقولاتها: التشكيل الاجتماعي – الاقتصادي والبناء الفوقي وقوى الإنتاج
[50] - حسام الدين فياض، فلسفة علم المجتمع عند كارل ماركس: الإنسان صانعاً لتاريخه، أنفاس – من أجل الثقافة والإنسان، 3ديسمبر 2022. فلسفة علم المجتمع عند كارل ماركس: الإنسان صانعاً لتاريخه - د. حسام الدين فياض أنفاس نت
[51] - حسام الدين فياض، نظرية علم المجتمع الكلاسيكية عند كارل ماركس، المرجع السابق.​
[52] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية، ترجمة أحمد داود، دار الجماهير، دمشق، 1967. المقدمة: ص أ.
[53] - هرمان دونكر: البيان الشيوعي – النص الكامل مع دراسة وتحليل، مرجع سبق ذكره، ص (53).
[54] - رمان دونكر: البيان الشيوعي – النص الكامل مع دراسة وتحليل، ترجمة: عصام أمين، الفارابي، بيروت، ط1، 2008، ص (53).
[55] - يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، المرجع السابق، ص 39.
[56] - جورج بوليتزر وآخرون: أصول الفلسفة الماركسية، ترجمة: شعبان بركات، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، الجزء:2، بدون تاريخ، ص (189).
[57] - سمير نعيم أحمد، النظرية في علم الاجتماع، مرجع سابق، ص154
[58] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية، مرجع سابق، ص 64.
[59] - Marx and Engels, The Holy Family, Chapter VI
[60] - آلان وودز، ما هي المادية التاريخية؟ الفصل الأول: ما هو التاريخ؟ الموقع العربي للتيار الماركسي، 17 فبراير، 2020.
[61] - آلان وودز، ما هي المادية التاريخية؟ المرجع السابق،
[63] - أمين نصر، نظرة المدرسة الماركسية وتفسيرها للظاهرة التاريخية، النهار، 10/7/2022. نظرة المدرسة الماركسية وتفسيرها للظاهرة التاريخية
[64] - حسام الدين فياض، نظرية علم المجتمع الكلاسيكية عند كارل ماركس، المرجع السابق.
[65] - آلان وودز، ما هي المادية التاريخية؟ مرجع سابق.
[66] - BBC , World Marx the millennium's 'greatest thinker, Friday, October 1, 1999 Published at 10:29 GMT 11:29 UK.
[67] - محمد مسعاد، كارل ماركس فيلسوف القرن العشرين، ديدببليو، 23/1/2022 .كارل ماركس فيلسوف القرن العشرين | DW | 19.11.2005
[68] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية، مرجع سابق ص أ.
[69] - آلان وودز، ما هي المادية التاريخية؟ مرجع سابق.
[70] - Engels to Bloch, 21 September 1890, Selected Correspondence, p. 475
[71] - ف. كيللي و م. كوفالزون، المادية التاريخية مرجع سابق، ص أ.
[72] - غازي الصوراني، المادية التاريخية وأهم مقولاتها، مرجع سابق.
[73] - انظر يمنى طريف الخولي، ركائز في فلسفة السياسة، مرجع سابق.
[74] - Marx and Engels, The Holy Family, Chapter VI

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى