أدرك جيداً أن ما أنجزته في الدراسات السابقة من هذا الكتاب لم يوف النواب حقه ، وكما ذكرت في التمهيد ، يظل الشاعر وشعره قابلين لدراسات عديدة لا حصر لها ، وربما سيشغل هذا الشاعر الناس في العصور اللاحقة ، وسيكون علامة مهمة من علامات الشعر العربي ، تماماً كما هو حال المتنبي ، سيكون موضع اتفاق وموضع اختلاف وسيقرأ قراءات عديدة متنوعة وستفسر نصوصه تفسيرات عديدة لثرائها وإرباكها القارئ أيضاً ، وما أحْبَبْتُ أن أفرغ ، الآن ، من الكتابة عنه قبل أن أخوض في جانبين مهمين أحدهما يتعلق باهتماماتي الشخصية في دراسة الشعر ، والثاني يمس الدراسة نفسها ، وهذان الجانبان هما :
وليس كل ما قاله المؤلفان دقيقاً ، ولكنه يشير إلى إشكالية المثقف العربي في العصر الحديث ، المثقف الذي يقول كلاماً كبيراً ، ولكنه يضطر أحياناً إلى أن لا يلتزم به ، وأحياناً إلى أن يتخلى عنه ، وأحياناً إلى أن يمدح ملوكاً وحكاماً حتى يحصل على هباتهم وعطاياهم ، وبخاصة إذا ما امتد به العمر وضاقت عليه أرض الغربة والمنفى بما رَحُبَتْ . وليس إقدام حاوي على الانتحار ، أو جنون نجيب سرور بالأمر الأخطر ، حقاً إنه تعبير عن انتكاسة ما ، عن تدهور ما ، ولكنه خلاص فيه قدر من الشرف لصاحبه يفوق ما يحصل عليه بعض المنقلبين على أحزابهم من امتيازات تقدمها لهم هذه السلطة أو تلك ، هذا إذا كان هناك مجال للمقارنة . وقد سخر النواب من المتخاذلين سخرية مرة أشرت إليها من قبل . وما زال هو شخصياً ثابتاً على موقفه ، ونأمل أن يستمر على ثباته ليكون لبنة أخرى في تاريخ الثقافة العربية التي كتبها رموز لم ينحنوا لسبب ما ، كما انحنى الجواهري مراراً ، وكما انحنى آخرون أيضاً .
اختلف محمود درويش مع رفاقه في الحزب الشيوعي الإسرائيلي فهاجموه وهجا المثقفين منهم ، والشيء نفسه فعله سميح القاسم وإميل حبيبي . وكتب هؤلاء صفحات سوداء في تاريخ الثقافة الفلسطينية ، على حد تعبير محمود درويش نفسه(2) ، ولم يهاجم النواب من اليسار إلا من تعاونوا مع السلطة ، أما الرفاق الذين ظلوا على حالهم فقد ظل وفياً لهم يضيء من أجلهم الشمع ، ولو ظل الحزب يمثل الشعب لبقي النواب حزبياً وما كان ليطلق الحزب . هذا ما تقوله عموماً نصوصه .
والذي أرغب في الإتيان عليه شيء آخر غير ما ورد في الأسطر العشرة الأخيرة . شيء يتعلق بظاهرة الحذف والتغيير في أشعاره بناءً على تغير في الرؤية السياسية والفكرية أو اعتماداً على مصلحة ذاتية.
هاجم النواب في أشعاره الحكام العرب قاطبة ، والوحيد الذي لما يهاجمه ، تقريباً ، مباشرة وذكراً بالاسم ، هو معمر القذافي ، اللهم إلا إذا كانت هنا إشارات وتلميحات لم أستطع شخصياً فك رموزها ، أو إذا كانت هناك قصائد لم ترد في الأعمال الكاملة للشاعر ، وإن كانت بعض القصائد تهاجم الدول العربية كلها من المحيط إلى الخليج ، وهو ما نلحظه في المقطع الأخير من قصيدة "في الحانة القديمة" حيث يقول :
ويرى النواب في الأنظمة العربية أنظمة فرطت في الوطن العربي وقد ظهر هذا بوضوح في "وتريات ليلية" حين صرخ قائلاً :
وقد تساءل في القصيدة نفسها عَمَّنْ هرب هذه القرية من وطنه ، وعمن ركب أقنعة لوجوه الناس وألسنة إيرانية ، وعمّن هرب ذاك النهر المتجوسق بالنخل على الأهواز في حين أن النخلة هناك ، والنخلة أرضٌ عربية .
وكان النواب مختلفاً عن هؤلاء ، لأنه ، كما يرد في أشعاره ، متمسك بتراب الوطن العربي كله ، لأن التراب غير قابل للمساومة ، وكما يصف ذاته في قصيدة "طلقة ... ثم الحدث" :
وما بين تفريط هؤلاء الحكام وتمسكه بالحق كاملاً ، كان الخلاف يكبر ويكبر ، وكانت القصائد التي تُمْعِنُ في بذاءتها تزداد وترسم صورة كاريكاتورية ساخرة لهؤلاء الحكام حتى أصبحوا موضع تندر ، وألصقت بهم أوصاف تشبه تلك التي ألصقها المتنبي بكافور ، وسيصبحون حين يسمح لقصائد النواب ، فيما بعد ، أن تنشر ، كما أصبح عليه كافور ، وستغدو قصائد النواب مطلب كل ناقم على الحكام المتخاذلين . سيمجد النواب ويكرر اسمه فيما سيكون الحكام الذين هجاهم موضع سخرية وضحك . ويدرك الشاعر جيداً أن قصائده سبب من أسباب عدم ذيوع اسمه ، وأن أسلوبها ومضمونها هما العائق دون انتشارها مطبوعة في العالم العربي ، ودون حصوله على حقوقه من النشر :
والمقطع السابق ، عموماً ، له غير دلالة ، وإن كانت الدلالات في النهاية تتلاقى . يمنع الفدائي من التحرك في الوطن العربي ، ويمنع الشاعر أيضاً من نشر أشعاره إذا كانت تمجد هذا الفدائي أو إذا كانت أشعاراً فدائية كما هي أشعار الشاعر . وهذا ما يقوله لنا السطران الأخيران . إنه يريد أن يوزع نيرانه ، والنيران هنا هي نيران القصائد ، وهي بمعناها القاموسي رصاصات الفدائي .
والآن ، وقد ساءت الأوضاع في العالم العربي ، حيث أصبح الاستسلام كاملاً ، الآن ماذا سيفعل النواب إذا ما طلب منه أن يكف عن إنشاد قصائده التي تهاجم التسوية السياسية التي لم تنجز الحقوق كاملة . لقد فرط أهل السياسة بالنهر ، فهل سيفرط النواب بالنقطة ؟ ، وإذا ما شارك في الحل السلمي فهل سيحل أزرار بنطاله ليكون نصف لوطي ؟
إن إلقاء نظرة على أشعار النواب ومسيرته الحياتية تقول لنا إنه لم يفرط أبداً بالنقطة ولنا من شعره وحياته الدليل على ذلك . إنه يصر ، حتى الآن ، على ألا يبيع نفسه إطلاقاً ، ويقسم بالسموات ألاّ يفعل :
هناك من يسوّق النواب ، ولكنه – أي الشاعر – يقسم ألا يبيع نفسه لمن راودته نفسه أن يشتري مظفراً . ولقد أبرّ ، حتى الآن ، بقسمه . لم يبع النواب نفسه لأحد وطبعة أعماله الكاملة دليل على ذلك .
لقد ضم الشاعر إلى أعماله الكاملة التي صدرت في لندن عام 1996 القصائد التي يهجو فيها النظام الذي يستقبله على أرضه – أعني النظام السوري ، ولم يلجأ إلى حذف تلك الكلمات القاسية التي أسبغها على رموز الشام ، وهذا يعني أحد أمرين : إمّا أن الشاعر غير مكترث إطلاقاً للعواقب ، لأنه مؤمن بما يقول ، وبالتالي لا يمانع في أن يكون شهيد الموقف ، وإما أن النظام السوري نظام متسامح وديمقراطي ولا يقمع من يشتم رموزه ما دام من يشتم لا يخون الوطن ولا يفرط بالحق العربي ، أو أنه – أي النظام السوري – صمت عن وجود النواب لأن هذا جزء من المعارضة العراقية التي احتضنت الشام قسماً منها بسبب الخلاف ما بين البعثيين السوريين والبعثيين العراقيين ، ولم يخف النواب من العودة إلى الشام ، وهو فوق هذا لا يخاف من العودة إلى العراق ، إذا ما سمح له النظام بالعودة حتى لو قتل هناك . إنه على استعداد للمواجهة حتى لو كلفه هذا الشهادة :
فما هي المقاطع التي هجا فيها رموز النظام السوري وظلت في أعماله الكاملة دون أن يحذفها ؟ يرد في "وتريات ليلية" السطر التالي :
"ماذا يدعى أن تتقنع بالدين وجوه التجار الأمويين؟"(9)
وفيه إشارة واضحة إلى رموز النظام في دمشق ، ولم يرد هذا السطر منفرداً ليبدو كأن الشاعر يشتم السوريين دون غيرهم ، إنه يرد في سياق شتم الأنظمة العربية كلها ، بعد أن أبدى الشاعر استعداده لأن يقف والحكام العرب أمام الصحراء حتى تحكم فيهم جميعاً ، وبعد شتمه ذاته واعترافه بأنه مبتذل وبذيء وحزين كهزيمتهم : هزيمة الحكام وهزيمة الجمهور ، هزيمة هؤلاء كلهم دون استثناء أحد(10) .
والمقطع الثاني الذي يهجو فيه النواب النظام السوري يبدو في قصيدة "عروس السفائن"، وتحديداً في المقطع الذي يأتي فيه على وصف جنازة طفل من اللاجئين ، جنازة يراد بها ظاهر الشام ، وقد أشير إليهم على أنهم غرباء ، وهنا يقول :
وما من شك في أن في هذا جرأة لا تحد ، وقد يقول قائل إن النواب هنا يطلق القول ، وأنه حين يسأل ، فقد ينفي ويقول إنه لم يقصد رموز النظام . ربما ، ولكن كيف نفسر قوله في قصيدة "عن السلطنة المتوكلية والدراويش ودخول الفرس" :
وقوله أيضاً في القصيدة نفسها :
وهل هناك هجاء وسخرية أكثر من هذا ؟ وهل كان أحد سيلوم النظام السوري لو قال له : فلماذا أتيت إذن ؟ وماذا سيكون جواب النواب ؟ هل سيجيب قائلاً : حتى أتعرف على وطننا عن قرب واكتشف الحقيقة وأصرخ فيكم لعلكم تستيقظون . ولقد فعلها النواب وصرخ فيهم سائلاً عن شهامتهم ، بل إنه في "وتريات ليلية" فضل الدببة على العرب ، وجعل مكانة النمل من مكانة العرب أعلى لأن النملة ، حتى النملة ، تعتز بثقب الأرض ، في حين أن العرب يفرطون بأرضهم .
والمقطع الأخير الذي يبدو فيه النواب أكثر جرأة هو ذلك الذي يرد في قصيدة "تل الزعتر" التي كتبها الشاعر عام 1976 أثر سقوط مخيم تل الزعتر في لبنان ، يصف النواب ما ألم بأهل المخيم العزّل ، ويبين المجازر التي ارتكبت بحقهم ويحمل المسؤولية كاملة للحكام العرب ، وفيها يرد :
ولو كان النواب حذف عبارة "ديوس الشام وهدهده" لأصبح إنساناً انتهازياً نفعياً يغير موقفه بناء على تغيير موقعه ، ولأنه ظل مصراً على ما قاله ولم يخضعه لحسابات الموقف الراهن فإنه – أي النواب – يظل موضع احترام وتقدير ، وفي اللحظة التي يقدم فيها على فعل ذلك سيصبح مثل شعراء آخرين كثيرين أبرزهم محمد مهدي الجواهري ، ونأمل من النواب ألا يفعل ذلك في أي يوم من الأيام حتى لو تصالح مجبراً مع بعض الرموز التي لا يحترمها .
ثانياً : النواب وتأثيره على الحركة الشعرية في فلسطين
أشرت ، من قبل ، إلى التفات بعض أدباء الأرض المحتلة إلى تأثير مظفر النواب على شعراء الأرض المحتلة ، وأخص بالذكر هنا التفات الشاعر علي الخليلي الذي كان محرراً أدبياً لصفحة الثقافة في جريدة "الفجر" المقدسية ، ومشرفاً على إصدار ملحقها الأدبي . وأرى أن الخليلي كان ، بحكم كونه محرراً أدبياً ، أقدر من كتب عن هذه الظاهرة ، وذلك لأنه اطلع على مئات النصوص الشعرية ونشر منها ، على صفحات الفجر ، ما استطاع وما رآه قابلاً للنشر ، على الرغم من هزال الكثير منه ، وكان الخليلي مسكوناً بهاجس تشجيع الأقلام الشابة أساساً .
وقد لاحظ الخليلي ، وهو يقرأ أيضاً ما ينشر على صفحات مجلة "البيادر" أن كثيراً من النصوص الشعرية ليست سوى صدى لأشعار مظفر النواب ، وكتب هذا في مقالة نشرها في مجلة "البيادر" (1977) وأعاد نشرها في كتابه "شروط وظواهر في أدب الأرض المحتلة" (1984) تحت عنوان : "ملامح أولية" ، وقد أورد الخليلي مقاطع من قصائد تكاد تبدو نسخاً حرفياً لأشعار النواب التي شاعت ، في حينه ، من خلال الأشرطة أو من خلال "وتريات ليلية" (1977) . وسوف أورد المقاطع التي ظهرت في كتاب الخليلي ، وأقابلها بمقاطع من قصائد مظفر . يقول محمد حمزة غنايم :
وكان النواب في تقديمه لوتريات ليلية (1977) ، وهذا ما لم يظهر في طبعة الأعمال الكاملة ، قد كتب عن الحزن الغولي ، وأشار في الوتريات إلى "سيف علي" . وما من شك في أنه – أي النواب – قرأ مقولة علي : "إني لأعجب كيف يجوع أحدكم ولا يخرج شاهراً سيفه في وجه الناس" ، ونلاحظ فوق هذا أن مفردات الوجد والصوفية والضيق المفعم بالأشياء هي مفردات نوابية في أكثرها . فقد ورد في الوتريات : في شطحة وجد صوفية" (ص454) .
ويورد الخليلي مقطعاً للشاعر عبد اللطيف عقل ، وكان هذا هاجم النواب وقسا عليه ، وقد توقفنا عند هذا في الفصل الأول ، مقطعاً يبدو فيه تأثر عقل بالنواب واضحاً :
وكل من قرأ "وتريات ليلية" يعرف أن عبارات وكلمات مثل نهد ، وعلمني يا وقت الزيف ، وسمك القرش الوطني ، وردت فيها – أي في الوتريات .
ويرى الخليلي أن حضور النواب أدى إلى سيطرة سيئة "تسهل السيطرة الغنائية الفارغة لبحر الخبب – المتدارك ، وتسيب المفردات البائسة ، دون ضوابط فكرية ، مثل : الليل ، البكاء، الجوع ، الوجد ... الخ" ، ورأى الخليلي أن "وتريات ليلية تستفحل ، وتناطح عقول الشعراء الشبان الجدد فتلغيهم كلياً ، ويتحول الاحتلال إلى مناكفات صوفية تتميع إلى حد المراهقة المكبوتة"(17) ويعطي مثالين آخرين يوضح فيهما رأيه هذا ، ويستشهد بالمقطع التالي من قصيدة سميرة الخطيب "رَجْع الوتريات الليلية" ، وهو مقطع ينسخ النواب نسخاً شبه حرفي :
تتكرر في "وتريات النواب" عبارات حكام القمة وأولاد القحبة وشرب الويسكي مع السافل روجرز والأمم المتحدة والزنا في الثورة ، ولعل من قرأ النواب ، يذكر أسطره :
و
و
و
وعنوان القصيدة يقول إن الشاعرة سميرة الخطيب ما أرادت أن تقول شيئاً جديداً ، وأنها مكتفية ، فقط ، برجع الوتريات الليلية ، وهذا ما فعلته .
ومن المؤكد أن المرء ليتساءل إن كان هذا التأثير الذي تركه النواب على حركة الشعر الفلسطيني كان حالة استثنائية أو أنه ظهر أيضاً في حركة الشعر العربي بعامة . وليست الإجابة بصعبة ، فلم يسمح لأشعار النواب ، في العالم العربي ، بالانتشار ، وهي إذا ما شاعت سراً حوربت وحورب مقلدها إذا ما حاول إشهارها .
وقبل الاستطراد في الكتابة عن هذا الجانب الذي لفت أنظار الخليلي وحاول إيجاد تفسير له ، تجدر الإشارة إلى قصيدة أبي سلمى – عبد الكريم الكرمي – "لهب القصيد" .
لم يلتفت أحد ممن أشاروا إلى تأثير النواب على الحركة الشعرية في الأرض المحتلة إلى قصيدة عبد الكريم الكرمي المذكورة التي تعد حقاً مثالاً جيداً لما سارت عليه أشعار النواب . ولا أدري إن كان النواب قد اطلع عليها وتأثر بها ، أو إن كان التقى ، في الشام ، بعبد الكريم الكرمي وقرأها الأخير على مسامعه . والقصيدة ، في حدود معرفتي ، لم تدرج ، لما فيها من هجوم على الحكام العرب قاطبة ، في كثير من طبعات مجموعاته وأعماله ، ويعود السبب في ذلك إلى الرقابة التي كانت تفرضها معظم الأنظمة العربية على المطبوعات التي تضم نصوصاً تهاجم الأنظمة ، وهكذا فإن الناشرين كانوا يسقطون "لهب القصيد" حين يصدرون أعمال أبي سلمى أو إحدى مجموعاته . ومن يقرأ القصيدة ويقرأ أشعار النواب يرى أن أبا سلمى كان سبقه في هجاء الحكام العرب ، في العصر الحديث . حقاً إن الشعر العربي ، منذ الجاهلية حتى العصر الحديث ، لَمْ يَخْلُ من شعر الهجاء ، إلا أن "لهب القصيدة" ونصوص النواب تشكل حالة متقدمة ، وتوضع إلى جانب دالية المتنبي المشهورة :
وأبو سلمى والنواب هما حفيدا المتنبي بلا أدنى شك ، لم يغفر أبو سلمى للإنجليز ، ولم يخالف القرآن في وصف اليهود ، ولم يختلف النواب عنه في هذا ، فلقد هاجم أمريكا واليهود ونعت هؤلاء بأقسى النعوت ، ولم يغفل أبو سلمى واحداً من الحكام العرب في منتصف الثلاثينيات ، هجاهم وسخر منهم ، وهو ما فعله النواب أيضاً ، وذكرهم بالاسم ، ولمن لم يقرأ القصيدة أورد المقاطع التالية منها :
وإذا ما حاولنا أن نبحث عن الثنائيات المحورية في هذه القصيدة ، وقارناها بثنائيات النواب في أشعاره بعامة ، وجدنا أنها تتقارب إلى حد بعيد ، ولو واصل أبو سلمى كتابة قصائد على هذه الشاكلة لربما حظي ، في العالم العربي ، بما يحظى به النواب من شهرة . حقاً إن أبا سلمى استمر يحمل الحكام العرب مسؤولية ما جرى في فلسطين ، إلا أن نغمة "لهب القصيد" نغمة استثنائية في أشعاره ، من حيث حدتها – أي حدة النغمة . هناك في نص أبي سلمى الإنجليز واليهود والحكام العرب وهناك في المقابل رموز الفداء والتضحية : عز الدين القسام وفرحان السعدي والشعوب العربية . هناك المتخاذلون والمفرطون والباحثون عن السلطة والملذات الشخصية ، وهناك المناضلون والثابتون على مبادئهم والباحثون عن الشهادة والموت في سبيل الصالح العام .
وأرى أن نص أبي سلمى هو بذرة نصوص النواب ، تماماً كما أن قصيدة المتنبي المذكورة هي نقطة الارتكاز التي اتكأت عليها قصائد النواب ، قصائده التي هجا فيها الحكام العرب وسخر منهم . ترى هل أخطأت حين ذهبت إلى أن النواب شاعراً هو الابن الشرعي للشعر العربي منذ امرئ القيس .
وأعود هنا إلى الفكرة المركزية في هذا الجزء ، وهي تأثير النواب على الحركة الشعرية في فلسطين .
منذ صدرت أشعار النواب في مجموعات صغيرة الحجم ، بل ومنذ شيوع أشرطة قصائده بصوته ، تركت أشعاره أثرها على الكثير من الشعراء الناشئين ، وفي هذه الفترة أنجز علي الخليلي دراسته ، وبعدها بأعوام كتب عادل سمارة مقدمة لديوان فوزي البكري "صعلوك من القدس القديمة" (1982) وأشار فيها إلى تأثر البكري بالنواب . ولم تخل أشعار البكري من إشارة إلى مظفر . يقول فوزي في القصيدة التي حمل عنوانها اسم مجموعته :
وخفتت ظاهرة التأثر ، لتعود تظهر ، من جديد ، إثر تصوير أعمال النواب الكاملة ، بعد صدورها في لندن عام (1996) . أشير ابتداءً إلى أن تأثير النواب لم يمكن تأثيراً شاملاً ، فلم يتأثر به الشعراء المعروفون ، الشعراء الذين كانت لهم تجربتهم الشعرية الناضجة أو الذين كان لهم فهم خاص لطبيعة الشعر . لم يتأثر به مثلاً سميح القاسم أو توفيق زياد أو فدوى طوقان أو علي الخليلي . لقد كان تأثير النواب على الشعراء الشباب وبدا ذلك واضحاً وضوحاً تاماً . لقد استعار هؤلاء من النواب قاموسه اللغوي ، وبخاصة مفردات الشتيمة ، كما استعاروا منه أسلوبه ، أسلوب الهجاء . وبدت نصوصهم ، بوعي منهم أو دون وعي ، نصوصاً فيها قدر كبير من التلاص ، وإذا أراد المرء أن يكون أقل هجوماً ، فإنها بدت نصوصاً تتناص ونص النواب الشعري . وما ذكره الخليلي ، وأشرت إليه في القسم الأول من الكتاب ، فيه قدر كبير من الصحة ، فمظفر بريء مما وقعوا فيه وهم يقلدون ويحاكون . وربما يكون لحسن الحظ أن أكثر هؤلاء لم يواصلوا كتابة الشعر ، ومما لا شك فيه أنهم لو كانوا ذوي موهبة حقيقية لبحثوا عن شخصيتهم الخاصة وواصلوا الكتابة . كان الشعر للنواب وسيلة من وسائل النضال ، ولما ترك الحزب كان قد كرّس نفسه شاعراً، وأصبحت الكلمات ناره المقدس والجمهور وطنه الذي يفتقده ، يتواصل معه ومعه يقتل غربته القاتلة، وكلما صفق له الجمهور ، وهو ينشد أشعاره ، كتب المزيد والمزيد .
ولست أرمي هنا إلى تتبع تأثير النواب تتبعاً تعاقبياً مفصلاً ، في آن ، قدر ما أريد أن أشير إلى الظاهرة . ويمكن القول إن أكثر من تأثروا به كانوا يقلدونه تقليداً لا إبداع فيه ، تقليداً فيه قدر كبير من النسخ، وكانت قصائد المقلدين على قدر من الركاكة اللغوية والضعف البنائي . ولسوف أبين هذا من خلال أمثلة مختارة .
أصدر سعيد الغزالي في نهاية السبعينيات ديوان شعر عنوانه "قصائد في زمن الولادة" ، ولم يعد بعد إصداره هذا يكتب الشعر . ويضم الديوان قصيدة عنوانها "التسوية السلمية" ، وتحفل هذه بمفردات النواب ، وأسلوبها أسلوب النواب ، ولنقرأ المقطع التالي منها :
وعبارات الدب الأمريكي وما أشرف هذا وتلك موازين التسوية السلمية وأمام المال أمام الأسياد وردت بالحرف في قصائد النواب . وقد وردت في سياق هذه الدراسة .
وقد صدرت هذا العام مجموعة شعرية لجميل دويكات عنوانها "الرقص على الأوتار النازفة" ، وهي المجموعة الشعرية الأولى للشاعر ، وفيها قصيدة عنوانها "بكائية على ضريح العروبة" ، منها المقطع التالي :
ولا أريد أن أعقب على هذه الأسطر وأبين أين تأثر جميل دويكات بالنواب ، إذ يكفي أن اقتطع المقطع التالي من "وتريات ليلية" ليبرز لنا كيف أن دويكات نسخ النواب وكرره :
والمخاطب في النص هو علي ، وقد ورد ذكره في أسطر سابقة . وقد صدرت هذا العام (1999) مجموعة شعرية مشتركة لشعراء من مدينة جنين وقراها . وضمت قصيدة لشاعر اسمه عمر أبو الرب ، وهو اسم غير معروف جيداً ، وعنوانها – أي القصيدة - "محكمة التاريخ" ، وسرعان ما نتذكر ونحن نقرأها "وتريات ليلية" . يوظف أبو الرب التاريخ ويكثر من ذكر رموزه ، وتبتدئ القصيدة بالفقرة التالية :
ولا أرى ضرورة لإيراد أسطر من قصائد النواب ، فعبارة "إن كنتم عرباً" وموقف النواب من بني أمية واضح جداً في وترياته .
هنا أتوقف أمام قصائد شاعر له من الحضور ما ليس للشعراء المذكورين ، وهو فوزي البكري ابن مدينة القدس الذي يكتب الشعر منذ أوائل السبعينيات . وقد أصدر ، حتى الآن ، مجموعتين هما "صعلوك من القدس القديمة" (1982) و"قناديل على السور الحزين" (1997) . ويتعاطف البكري مع الفقراء ويهجو الحكام والطبقات الغنية ، وهو بذلك يتشابه والنواب ، ويتشابه معه أيضاً في انتمائه لفلسطين والوطن العربي ، ولا يختلف عنه في التغزل بالخمر ، وإن كان عشقه للغة العربية أقل من عشق النواب لها . وكما يعجب النواب بشعراء بعينهم يستحضرهم في شعره ، وقد أوضحنا هذا في القسم الثاني ، يعجب البكري بالشاعر مصطفى وهبي التل وبالشاعر إبراهيم طوقان وأيضاً بمظفر النواب . وهو يعبر صراحة عن عشقه للخمر حين يقول :
ويظهر تأثر البكري بالنواب في مجموعتيه المذكورتين على الرغم من الفارق الزمني بينهما (1982 – 1997) . يبرز هذا في المجموعة الأولى في القصائد التالية : "صعلوك من القدس القديمة" و "في صحة الله" و "باقة ورد ... على قبر فرعون" . ويظهر في المجموعة الثانية في القصائد التالية : "يا قدس لا تنتظري" و "حجر على مستنقع الصمت" . وإذا كان هناك من فرق بين الشاعرين فإنه يكمن في تمكن النواب من لغته واستيعابه التراث العربي وتمثله ، وهو - أي النواب – حين يكتب قصيدته يكتبها وكأنه نسيج وحده، له صوته الخاص المميز ، كأنه أخذ بنصيحة أحد الأدباء العرب القدامى لشاعر ناشيء : اقرأ ما استطعت من الشعر ، وحين تبدأ النظم أنسَ كل ما حفظت .
سوف أسوق هنا مقاطع من بعض قصائد البكري ليلاحظ القارئ تأثر صاحبها بالنواب . يرد في قصيدة "صعلوك من القدس القديمة" ما يلي :
وشتيمة أولاد القحبة هي شتيمة نوابية وردت في "وتريات ليلية" وتحديداً حين قال النواب : "أولاد القحبة لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم" .
ويرد في قصيدة "في صحة الله" المقطع التالي :
ويرد في قصيدة "باقة ورد على قبر فرعون" المقطع التالي :
إنه خطاب النواب للحكام العرب ، وإنها أيضاً تساؤلات النواب . ولنلحظ المقطع التالي من قصيدة "قناديل على سور القدس" :
أو المقطع التالي من قصيدة "حجر .. على مستنقع الصمت" :
أو المقطع التالي من القصيدة نفسها :
حقاً إن النواب ليس أول من وصف حاكماً عربياً بأنه خصي ، فلقد سبقه المتنبي ، إلا أنه أكثر شاعر عربي وصفهم بذلك ، وهنا يسير البكري على خطاه .
هوامش القسم الرابع
المصادر والمراجع
- النواب وظاهرة الحذف والتغيير لأسباب سياسية .
- النواب وتأثيره على الحركة الشعرية في فلسطين .
وليس كل ما قاله المؤلفان دقيقاً ، ولكنه يشير إلى إشكالية المثقف العربي في العصر الحديث ، المثقف الذي يقول كلاماً كبيراً ، ولكنه يضطر أحياناً إلى أن لا يلتزم به ، وأحياناً إلى أن يتخلى عنه ، وأحياناً إلى أن يمدح ملوكاً وحكاماً حتى يحصل على هباتهم وعطاياهم ، وبخاصة إذا ما امتد به العمر وضاقت عليه أرض الغربة والمنفى بما رَحُبَتْ . وليس إقدام حاوي على الانتحار ، أو جنون نجيب سرور بالأمر الأخطر ، حقاً إنه تعبير عن انتكاسة ما ، عن تدهور ما ، ولكنه خلاص فيه قدر من الشرف لصاحبه يفوق ما يحصل عليه بعض المنقلبين على أحزابهم من امتيازات تقدمها لهم هذه السلطة أو تلك ، هذا إذا كان هناك مجال للمقارنة . وقد سخر النواب من المتخاذلين سخرية مرة أشرت إليها من قبل . وما زال هو شخصياً ثابتاً على موقفه ، ونأمل أن يستمر على ثباته ليكون لبنة أخرى في تاريخ الثقافة العربية التي كتبها رموز لم ينحنوا لسبب ما ، كما انحنى الجواهري مراراً ، وكما انحنى آخرون أيضاً .
اختلف محمود درويش مع رفاقه في الحزب الشيوعي الإسرائيلي فهاجموه وهجا المثقفين منهم ، والشيء نفسه فعله سميح القاسم وإميل حبيبي . وكتب هؤلاء صفحات سوداء في تاريخ الثقافة الفلسطينية ، على حد تعبير محمود درويش نفسه(2) ، ولم يهاجم النواب من اليسار إلا من تعاونوا مع السلطة ، أما الرفاق الذين ظلوا على حالهم فقد ظل وفياً لهم يضيء من أجلهم الشمع ، ولو ظل الحزب يمثل الشعب لبقي النواب حزبياً وما كان ليطلق الحزب . هذا ما تقوله عموماً نصوصه .
والذي أرغب في الإتيان عليه شيء آخر غير ما ورد في الأسطر العشرة الأخيرة . شيء يتعلق بظاهرة الحذف والتغيير في أشعاره بناءً على تغير في الرؤية السياسية والفكرية أو اعتماداً على مصلحة ذاتية.
هاجم النواب في أشعاره الحكام العرب قاطبة ، والوحيد الذي لما يهاجمه ، تقريباً ، مباشرة وذكراً بالاسم ، هو معمر القذافي ، اللهم إلا إذا كانت هنا إشارات وتلميحات لم أستطع شخصياً فك رموزها ، أو إذا كانت هناك قصائد لم ترد في الأعمال الكاملة للشاعر ، وإن كانت بعض القصائد تهاجم الدول العربية كلها من المحيط إلى الخليج ، وهو ما نلحظه في المقطع الأخير من قصيدة "في الحانة القديمة" حيث يقول :
"فهذا الوطن الممتد من البحر إلى البحر سجون متلاصقة سجّان يمسك سجان"(3) |
"يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق في العلب الليلية يبكون عليك ويستكمل بعض الثوار رجولتهم ويهزون على الطبلة والبوق أولئك أعداؤك يا وطني من باع فلسطين سوى أعدائك أولئك يا وطني من باع فلسطين وأثرى بالله سوى قائمة الشحاذين على عتبات الحكام ومائدة الدول الكبرى؟"(4) |
وكان النواب مختلفاً عن هؤلاء ، لأنه ، كما يرد في أشعاره ، متمسك بتراب الوطن العربي كله ، لأن التراب غير قابل للمساومة ، وكما يصف ذاته في قصيدة "طلقة ... ثم الحدث" :
ذابت جفوني ... أحرس النقطة ما فرطت بالنقطة يا من فرطوا بالنهر نفسي لم تعد تغلق مما بلغ الأمن بها أبوابها كنت نسيجي وحده والعشق كان الغرزة الأولى"(5) |
"لماذا يدخل القمع إلى القلب وتستولي الرقابات على صمتي وأوراقي وخطوي ومتاهاتي ألا أملك أن أسكت أن أنطق أن امشي بغير الشارع الرسمي أن أبكي ألا املك حقاً من حقوق النشر والتوزيع للنيران مجاناً"(6) |
والمقطع السابق ، عموماً ، له غير دلالة ، وإن كانت الدلالات في النهاية تتلاقى . يمنع الفدائي من التحرك في الوطن العربي ، ويمنع الشاعر أيضاً من نشر أشعاره إذا كانت تمجد هذا الفدائي أو إذا كانت أشعاراً فدائية كما هي أشعار الشاعر . وهذا ما يقوله لنا السطران الأخيران . إنه يريد أن يوزع نيرانه ، والنيران هنا هي نيران القصائد ، وهي بمعناها القاموسي رصاصات الفدائي .
والآن ، وقد ساءت الأوضاع في العالم العربي ، حيث أصبح الاستسلام كاملاً ، الآن ماذا سيفعل النواب إذا ما طلب منه أن يكف عن إنشاد قصائده التي تهاجم التسوية السياسية التي لم تنجز الحقوق كاملة . لقد فرط أهل السياسة بالنهر ، فهل سيفرط النواب بالنقطة ؟ ، وإذا ما شارك في الحل السلمي فهل سيحل أزرار بنطاله ليكون نصف لوطي ؟
إن إلقاء نظرة على أشعار النواب ومسيرته الحياتية تقول لنا إنه لم يفرط أبداً بالنقطة ولنا من شعره وحياته الدليل على ذلك . إنه يصر ، حتى الآن ، على ألا يبيع نفسه إطلاقاً ، ويقسم بالسموات ألاّ يفعل :
"لماذا يضع السيد هذا وطني في جيبه الخلفي مّنْ أرّثه النفط وتسويقي ومنذا راودته نفسه أن يشتريني قسما لا بالسموات .... طلقة ثم الحدث وأنا أعلن ناري أعلن القلب فناراً فوق آرنون الفدائيين يستطلع ليل الكون والبعد الفلسطيني للدهر وما يضمره الغيب ألاّ يستبق العشق الحدث"(7) |
هناك من يسوّق النواب ، ولكنه – أي الشاعر – يقسم ألا يبيع نفسه لمن راودته نفسه أن يشتري مظفراً . ولقد أبرّ ، حتى الآن ، بقسمه . لم يبع النواب نفسه لأحد وطبعة أعماله الكاملة دليل على ذلك .
لقد ضم الشاعر إلى أعماله الكاملة التي صدرت في لندن عام 1996 القصائد التي يهجو فيها النظام الذي يستقبله على أرضه – أعني النظام السوري ، ولم يلجأ إلى حذف تلك الكلمات القاسية التي أسبغها على رموز الشام ، وهذا يعني أحد أمرين : إمّا أن الشاعر غير مكترث إطلاقاً للعواقب ، لأنه مؤمن بما يقول ، وبالتالي لا يمانع في أن يكون شهيد الموقف ، وإما أن النظام السوري نظام متسامح وديمقراطي ولا يقمع من يشتم رموزه ما دام من يشتم لا يخون الوطن ولا يفرط بالحق العربي ، أو أنه – أي النظام السوري – صمت عن وجود النواب لأن هذا جزء من المعارضة العراقية التي احتضنت الشام قسماً منها بسبب الخلاف ما بين البعثيين السوريين والبعثيين العراقيين ، ولم يخف النواب من العودة إلى الشام ، وهو فوق هذا لا يخاف من العودة إلى العراق ، إذا ما سمح له النظام بالعودة حتى لو قتل هناك . إنه على استعداد للمواجهة حتى لو كلفه هذا الشهادة :
"أعلن أن الجرح يمتد ولا يلقى سوى المستنقع القطري حد العظم والحزن البريدي سئمت الحزن برقيا سئمت القتل تكراراً .. كفى مهزلة إني أحن الآن أن أقتل في بغداد أعطوني قراراً واضحاً أو أنني حرب على هذا تصديكم ولا أفهم ما معنى صمود سالب أو وحدة في الدرج"(8) |
فما هي المقاطع التي هجا فيها رموز النظام السوري وظلت في أعماله الكاملة دون أن يحذفها ؟ يرد في "وتريات ليلية" السطر التالي :
"ماذا يدعى أن تتقنع بالدين وجوه التجار الأمويين؟"(9)
وفيه إشارة واضحة إلى رموز النظام في دمشق ، ولم يرد هذا السطر منفرداً ليبدو كأن الشاعر يشتم السوريين دون غيرهم ، إنه يرد في سياق شتم الأنظمة العربية كلها ، بعد أن أبدى الشاعر استعداده لأن يقف والحكام العرب أمام الصحراء حتى تحكم فيهم جميعاً ، وبعد شتمه ذاته واعترافه بأنه مبتذل وبذيء وحزين كهزيمتهم : هزيمة الحكام وهزيمة الجمهور ، هزيمة هؤلاء كلهم دون استثناء أحد(10) .
والمقطع الثاني الذي يهجو فيه النواب النظام السوري يبدو في قصيدة "عروس السفائن"، وتحديداً في المقطع الذي يأتي فيه على وصف جنازة طفل من اللاجئين ، جنازة يراد بها ظاهر الشام ، وقد أشير إليهم على أنهم غرباء ، وهنا يقول :
"وكان يُشارُ لنا غرباء وحين دنونا لمقبرة ليس من مالكين لها جعجع الحرس الأموي بنا .. فرُزْت للخليفة قلتُ : بل يفرز الخلفاء"(11) |
أتيت الشام أحمل قرط بغداد السبية بين أيدي الفرس والغلمان مجروحاً على فرس من النسب قصدت المسجد الأموي لم أعثر على أحد من العرب"(12) |
"فقلت أرى يزيد لعله ندم على قتل الحسين وجدته ثملا وجيش الروم في حلب فرشت كرامتي البيضاء في خمارة لليل صليت الشجي وقرأت فاتحة على الشهداء بالعبرية الفصحى فضج ألحانُ بالأفخاذ والطرب"(13) |
وهل هناك هجاء وسخرية أكثر من هذا ؟ وهل كان أحد سيلوم النظام السوري لو قال له : فلماذا أتيت إذن ؟ وماذا سيكون جواب النواب ؟ هل سيجيب قائلاً : حتى أتعرف على وطننا عن قرب واكتشف الحقيقة وأصرخ فيكم لعلكم تستيقظون . ولقد فعلها النواب وصرخ فيهم سائلاً عن شهامتهم ، بل إنه في "وتريات ليلية" فضل الدببة على العرب ، وجعل مكانة النمل من مكانة العرب أعلى لأن النملة ، حتى النملة ، تعتز بثقب الأرض ، في حين أن العرب يفرطون بأرضهم .
والمقطع الأخير الذي يبدو فيه النواب أكثر جرأة هو ذلك الذي يرد في قصيدة "تل الزعتر" التي كتبها الشاعر عام 1976 أثر سقوط مخيم تل الزعتر في لبنان ، يصف النواب ما ألم بأهل المخيم العزّل ، ويبين المجازر التي ارتكبت بحقهم ويحمل المسؤولية كاملة للحكام العرب ، وفيها يرد :
"هذا ليل عربي .. والمذبحة انطفأت توقيتا قبل القمة اتهم الماموث النجدي وتابعه ديوس الشام وهدهده قاضي بغداد بخصيته ملك السفلس حسون الثاني جرذ الأوساخ المتضخم في السودان والقاعد تحت الجذر التكعيبي على رمل دبي مشتملاً بعباءته وكذاك المعوج بتونس من ساقيه إلى الرقبة استثني ... استثني المسكين برأس الخيمة كان خلال الأزمة يحلم والشفة السفلى هابطة كبعير والأنف كما الهودج فوق الهضبة"(14) |
ولو كان النواب حذف عبارة "ديوس الشام وهدهده" لأصبح إنساناً انتهازياً نفعياً يغير موقفه بناء على تغيير موقعه ، ولأنه ظل مصراً على ما قاله ولم يخضعه لحسابات الموقف الراهن فإنه – أي النواب – يظل موضع احترام وتقدير ، وفي اللحظة التي يقدم فيها على فعل ذلك سيصبح مثل شعراء آخرين كثيرين أبرزهم محمد مهدي الجواهري ، ونأمل من النواب ألا يفعل ذلك في أي يوم من الأيام حتى لو تصالح مجبراً مع بعض الرموز التي لا يحترمها .
ثانياً : النواب وتأثيره على الحركة الشعرية في فلسطين
أشرت ، من قبل ، إلى التفات بعض أدباء الأرض المحتلة إلى تأثير مظفر النواب على شعراء الأرض المحتلة ، وأخص بالذكر هنا التفات الشاعر علي الخليلي الذي كان محرراً أدبياً لصفحة الثقافة في جريدة "الفجر" المقدسية ، ومشرفاً على إصدار ملحقها الأدبي . وأرى أن الخليلي كان ، بحكم كونه محرراً أدبياً ، أقدر من كتب عن هذه الظاهرة ، وذلك لأنه اطلع على مئات النصوص الشعرية ونشر منها ، على صفحات الفجر ، ما استطاع وما رآه قابلاً للنشر ، على الرغم من هزال الكثير منه ، وكان الخليلي مسكوناً بهاجس تشجيع الأقلام الشابة أساساً .
وقد لاحظ الخليلي ، وهو يقرأ أيضاً ما ينشر على صفحات مجلة "البيادر" أن كثيراً من النصوص الشعرية ليست سوى صدى لأشعار مظفر النواب ، وكتب هذا في مقالة نشرها في مجلة "البيادر" (1977) وأعاد نشرها في كتابه "شروط وظواهر في أدب الأرض المحتلة" (1984) تحت عنوان : "ملامح أولية" ، وقد أورد الخليلي مقاطع من قصائد تكاد تبدو نسخاً حرفياً لأشعار النواب التي شاعت ، في حينه ، من خلال الأشرطة أو من خلال "وتريات ليلية" (1977) . وسوف أورد المقاطع التي ظهرت في كتاب الخليلي ، وأقابلها بمقاطع من قصائد مظفر . يقول محمد حمزة غنايم :
"متنقلاً في مطر الليل الغولي يبددني الله وحب الله وهذا الوجد الصوفي أغادر هذا الضيق المفعم بالأشياء أحمل سيف الجوع"(15) |
ويورد الخليلي مقطعاً للشاعر عبد اللطيف عقل ، وكان هذا هاجم النواب وقسا عليه ، وقد توقفنا عند هذا في الفصل الأول ، مقطعاً يبدو فيه تأثر عقل بالنواب واضحاً :
"منذ تدور في نهد الورق حليب الجذر ومنذ تفرخ في رحم السنوات الوقت وصارت في الأمكنة الأبعاد ، جرى في ذرات الأرض العرق الطيب واستمطر رب الخصب من الغيم الماء ... علمني يا وقت الزيف وقل لي كيف أنافق اتبعني وجع الصدق ... خلصني من سمك القرش الوطني"(16) |
ويرى الخليلي أن حضور النواب أدى إلى سيطرة سيئة "تسهل السيطرة الغنائية الفارغة لبحر الخبب – المتدارك ، وتسيب المفردات البائسة ، دون ضوابط فكرية ، مثل : الليل ، البكاء، الجوع ، الوجد ... الخ" ، ورأى الخليلي أن "وتريات ليلية تستفحل ، وتناطح عقول الشعراء الشبان الجدد فتلغيهم كلياً ، ويتحول الاحتلال إلى مناكفات صوفية تتميع إلى حد المراهقة المكبوتة"(17) ويعطي مثالين آخرين يوضح فيهما رأيه هذا ، ويستشهد بالمقطع التالي من قصيدة سميرة الخطيب "رَجْع الوتريات الليلية" ، وهو مقطع ينسخ النواب نسخاً شبه حرفي :
"شكراً يا حكام القمة والخمرة من تحت العمة ... يا أولاد القحبة مازالت أنهار الويسكي تجري في الدار البيضاء والمبعوثون إلى الأمم المتحدة فراغات تحمل أسماء الدول العربية .... مازلنا نزني في الثورة ..."(18) |
"يا ملك الثوار ! أنا أبكي بالقلب لأن الثورة يزنى فيها"(19) |
"أولاد القحبة ! لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم"(20) |
"ماذا يدعى استمناء الوضع العربي أمام مشاريع السلم وشرب الأنخاب مع السافل "كيسنجر"(21) |
"ماذا تدعى الجلسات الصوفية في الأمم المتحدة ؟"(22) |
وعنوان القصيدة يقول إن الشاعرة سميرة الخطيب ما أرادت أن تقول شيئاً جديداً ، وأنها مكتفية ، فقط ، برجع الوتريات الليلية ، وهذا ما فعلته .
ومن المؤكد أن المرء ليتساءل إن كان هذا التأثير الذي تركه النواب على حركة الشعر الفلسطيني كان حالة استثنائية أو أنه ظهر أيضاً في حركة الشعر العربي بعامة . وليست الإجابة بصعبة ، فلم يسمح لأشعار النواب ، في العالم العربي ، بالانتشار ، وهي إذا ما شاعت سراً حوربت وحورب مقلدها إذا ما حاول إشهارها .
وقبل الاستطراد في الكتابة عن هذا الجانب الذي لفت أنظار الخليلي وحاول إيجاد تفسير له ، تجدر الإشارة إلى قصيدة أبي سلمى – عبد الكريم الكرمي – "لهب القصيد" .
لم يلتفت أحد ممن أشاروا إلى تأثير النواب على الحركة الشعرية في الأرض المحتلة إلى قصيدة عبد الكريم الكرمي المذكورة التي تعد حقاً مثالاً جيداً لما سارت عليه أشعار النواب . ولا أدري إن كان النواب قد اطلع عليها وتأثر بها ، أو إن كان التقى ، في الشام ، بعبد الكريم الكرمي وقرأها الأخير على مسامعه . والقصيدة ، في حدود معرفتي ، لم تدرج ، لما فيها من هجوم على الحكام العرب قاطبة ، في كثير من طبعات مجموعاته وأعماله ، ويعود السبب في ذلك إلى الرقابة التي كانت تفرضها معظم الأنظمة العربية على المطبوعات التي تضم نصوصاً تهاجم الأنظمة ، وهكذا فإن الناشرين كانوا يسقطون "لهب القصيد" حين يصدرون أعمال أبي سلمى أو إحدى مجموعاته . ومن يقرأ القصيدة ويقرأ أشعار النواب يرى أن أبا سلمى كان سبقه في هجاء الحكام العرب ، في العصر الحديث . حقاً إن الشعر العربي ، منذ الجاهلية حتى العصر الحديث ، لَمْ يَخْلُ من شعر الهجاء ، إلا أن "لهب القصيدة" ونصوص النواب تشكل حالة متقدمة ، وتوضع إلى جانب دالية المتنبي المشهورة :
عيد بأية حال عدت يا عيد | لأمر مضى أم لعهد فيه تجديد |
أنشر على لهب القصيد وأذلهم وعد اليهود إني لأرسلها مجلجلة أستار "مكة" كيف لن تطهر الدنيا وفيها أمحللا ذبح القريب تلهو بصيدك ، لا ، أبا والأهل أهلك يقتلون وأبو طلال في ربى أقعد فَلَسْت أخا العلى المجد أن يحمي الرصاص واحكم على الشطرنج ليس لهفي على الأردن كيف في ضفتيه مآتم قامت يا دولة الأصنام خير عرّج على اليمن السعيد واذكر إماماً لا يزال وسيوفه أثرية يا تفنى الحياة وقومه واعطف على بغداد واندب خلاّه فيصل والذئاب واهبط إلى مصر الهلوك يا مصر ضيعت المنى خلّ الخلافة ، والعبَنّ دع سبحة التضليل ما أنت إلا دمية والنيل يبكي حيث لا زرق العيون حياله إيه ملوك العرب لا هل تشهدون محاكم قوموا انظروا القسام يا من يعزون الحمى بل حرروه من الملوك | لك منك | شكوى العبيد إلى العبيد ولا أذل من اليهود إلى الملك السعودي تسد لها على الخصم اللدود الإنجليز على صعيد محرما ذبح البعيد ، في السهول وفي النجود وينثرون على الجرود عمان يحلم بالحدود والمجد وانعم بالقعود على المدى حمر البنود على الفيالق والجنود يسير كالرجل الطريد على الماضي المجيد مملكة القرود وليس باليمن السعيد يعيش في دنيا ثمود تعس هاتيك الغمود ما بين قات أو هجود عرش هارون الرشيد مغيرة حول الوليد وقل لها يا مصر ميدي بين الفريدة والفريد على الأرائك والمهود واخلع عنك كاذبة البرود يلهى بها في يوم عيد يقوى على جرّ الحديد من كل شيطان مريد كنتم ملوكاً في الوجود التفتيش في العصر الجديد يشرق نوره فوق الصرود ثوروا على الظلم المبيد وحرروه من العبيد(23) |
وأرى أن نص أبي سلمى هو بذرة نصوص النواب ، تماماً كما أن قصيدة المتنبي المذكورة هي نقطة الارتكاز التي اتكأت عليها قصائد النواب ، قصائده التي هجا فيها الحكام العرب وسخر منهم . ترى هل أخطأت حين ذهبت إلى أن النواب شاعراً هو الابن الشرعي للشعر العربي منذ امرئ القيس .
وأعود هنا إلى الفكرة المركزية في هذا الجزء ، وهي تأثير النواب على الحركة الشعرية في فلسطين .
منذ صدرت أشعار النواب في مجموعات صغيرة الحجم ، بل ومنذ شيوع أشرطة قصائده بصوته ، تركت أشعاره أثرها على الكثير من الشعراء الناشئين ، وفي هذه الفترة أنجز علي الخليلي دراسته ، وبعدها بأعوام كتب عادل سمارة مقدمة لديوان فوزي البكري "صعلوك من القدس القديمة" (1982) وأشار فيها إلى تأثر البكري بالنواب . ولم تخل أشعار البكري من إشارة إلى مظفر . يقول فوزي في القصيدة التي حمل عنوانها اسم مجموعته :
"سبحان الدعم المبعوث صموداً في جيب "المبعوص" نقوداً فلتهتف يا نوّاب يسقط أولاد القحبة يسقط أولاد القحبة"(27) |
ولست أرمي هنا إلى تتبع تأثير النواب تتبعاً تعاقبياً مفصلاً ، في آن ، قدر ما أريد أن أشير إلى الظاهرة . ويمكن القول إن أكثر من تأثروا به كانوا يقلدونه تقليداً لا إبداع فيه ، تقليداً فيه قدر كبير من النسخ، وكانت قصائد المقلدين على قدر من الركاكة اللغوية والضعف البنائي . ولسوف أبين هذا من خلال أمثلة مختارة .
أصدر سعيد الغزالي في نهاية السبعينيات ديوان شعر عنوانه "قصائد في زمن الولادة" ، ولم يعد بعد إصداره هذا يكتب الشعر . ويضم الديوان قصيدة عنوانها "التسوية السلمية" ، وتحفل هذه بمفردات النواب ، وأسلوبها أسلوب النواب ، ولنقرأ المقطع التالي منها :
"قلنا : أنتم تحظون بعطف الدب الأمريكي والدب الأمريكي انطحن على ساحات فيتنام وسرّ القوة نعرفها في الشعب الثائر في إيران فما أشرف هذا التدبير !!! ما أشرف !!! تلك موازين التسوية السلمية وما انقى هذا التبرير ما أنقى تبرير الحل الأمريكي ما أجمل أن ترفع قبعة التمجيد أمام المال أمام الأسياد أمام الحكماء"(28) |
وقد صدرت هذا العام مجموعة شعرية لجميل دويكات عنوانها "الرقص على الأوتار النازفة" ، وهي المجموعة الشعرية الأولى للشاعر ، وفيها قصيدة عنوانها "بكائية على ضريح العروبة" ، منها المقطع التالي :
مازال أبو جهل يتبختر تيها حول الكعبة مازال أبو لهب يترنح سكراً حول الكعبة مازالت كفار قريش تحاول عبثاً خنق الدعوة مازال بنو أمَةٍ ... يتجرون بثوب علي مازالوا يغتصبون العمّة"(29) |
مازلنا نتحجج بالبرد وحر الصيف مازالت دعوة عمرو بن العاص معاصرة وتقبـح وجـه التـاريـخ مازال أبو سفيان بلحيته الصفراء يؤلب باسم اللات العصبيات القبلية مازالت شورى التجار ترى عثمان خليفتها وتـراك زعيـم السوقيـة لو جئت اليوم لحاربك الداعون إليك وسمــّوك شيوعيــة"(30) |
"عرب كنتم وستبقون في محكمة التاريخ يا هذي الأمة .. يا جسداً لا ينقصه غير الأرواح متعفنة طبعا منذ العهد الأموي عهد الطيش العربي يا راقصة في القصر في قصر معاوية بن أبي سفيان"(31) |
ولا أرى ضرورة لإيراد أسطر من قصائد النواب ، فعبارة "إن كنتم عرباً" وموقف النواب من بني أمية واضح جداً في وترياته .
هنا أتوقف أمام قصائد شاعر له من الحضور ما ليس للشعراء المذكورين ، وهو فوزي البكري ابن مدينة القدس الذي يكتب الشعر منذ أوائل السبعينيات . وقد أصدر ، حتى الآن ، مجموعتين هما "صعلوك من القدس القديمة" (1982) و"قناديل على السور الحزين" (1997) . ويتعاطف البكري مع الفقراء ويهجو الحكام والطبقات الغنية ، وهو بذلك يتشابه والنواب ، ويتشابه معه أيضاً في انتمائه لفلسطين والوطن العربي ، ولا يختلف عنه في التغزل بالخمر ، وإن كان عشقه للغة العربية أقل من عشق النواب لها . وكما يعجب النواب بشعراء بعينهم يستحضرهم في شعره ، وقد أوضحنا هذا في القسم الثاني ، يعجب البكري بالشاعر مصطفى وهبي التل وبالشاعر إبراهيم طوقان وأيضاً بمظفر النواب . وهو يعبر صراحة عن عشقه للخمر حين يقول :
"يا ابن المسحوقة إني أسكر ، تأخذني النشوة سقطت كل الكلمات فلا تنطق حرف هجاء"(32) |
سوف أسوق هنا مقاطع من بعض قصائد البكري ليلاحظ القارئ تأثر صاحبها بالنواب . يرد في قصيدة "صعلوك من القدس القديمة" ما يلي :
"أصبحت "رزيلا" يا عيب الشوم صار الهازم كالمهزوم لكن نعيب البوم ليؤكد ان الحارم يخشى المحروم سبحان النكبة سبحان النكبة سبحان الدعم المبعوث صموداً في جيب المبعوص نقوداً فلتهتف يا نوّاب يسقط أولاد القحبة يسقط أولاد القحبة"(33) |
وشتيمة أولاد القحبة هي شتيمة نوابية وردت في "وتريات ليلية" وتحديداً حين قال النواب : "أولاد القحبة لست خجولاً حين أصارحكم بحقيقتكم" .
ويرد في قصيدة "في صحة الله" المقطع التالي :
"استوعبنا الفتنة عثمان تولى وعلي تولى ومعاوية .. يزيد .. حمار الأمويين تولى وأبو ذر ينعم بالوحدة لم تقتله شمس الصحراء .... افتح بوابات التاريخ على مصراعيها وتنسم رائحة القتلى المصلوبين على ساحات الحرب الدينية ثم تفكر في خلق الله"(34) |
"يا سادات العرب رأيتم ما حل بفرعون فهل يتعظ مماليك البيت الأبيض أن مصير سماسرة التسوية السلمية محتوم هل يتعظ ملوك النفط ؟ المحروقين على طيارات الإيواكس بأن الحاكم لا يصنع تاريخاً ؟"(35) |
إنه خطاب النواب للحكام العرب ، وإنها أيضاً تساؤلات النواب . ولنلحظ المقطع التالي من قصيدة "قناديل على سور القدس" :
"لا تطلبوا الغياث من فخامة الرئيس أو من صاحب الضلالة ساستهم ... قادتهم ... ملوكهم حثالة سلالة من الطغاة خلفت سلالة"(36) |
أو المقطع التالي من قصيدة "حجر .. على مستنقع الصمت" :
"وخصاة تعرض في فترينات زعامته نُخِسَتْ في سوق الذل كرامتهم من طنجة حتى عجمان سبحان الموضة .. سبحان"(37) |
أو المقطع التالي من القصيدة نفسها :
"قولي لخصاة العرب بأن اللعنة آتية والمأساة فصول وإذا كان الثائر إرهابياً مجنوناً فلتسقط فلسفة العقل ويسقط عقلاء البترول"(38) |
حقاً إن النواب ليس أول من وصف حاكماً عربياً بأنه خصي ، فلقد سبقه المتنبي ، إلا أنه أكثر شاعر عربي وصفهم بذلك ، وهنا يسير البكري على خطاه .
هوامش القسم الرابع
- عبد القادر الحصيني ، ص30 .
- انظر مقالتي جدلية الموقع والموقف في الأدب الفلسطيني ، مجلة "كنعان الصادرة في فلسطين ، أيلول ، 1998 ، عدد 92 ، ص27 وما بعدها . وانظر جريدة "الشعب" المقدسية ، 6 آب ، 1986 .
- مظفر النواب ، أ . ك ، ص307 .
- السابق ، ص477 .
- السابق ، ص201 .
- السابق ، ص203 .
- السابق ، ص203 .
- السابق ، ص210 .
- السابق ، ص482 .
- أنظر السابق ، ص480 .
- السابق ، ص269 .
- السابق ، ص537 .
- السابق ، ص537 .
- السابق ، ص175 .
- انظر علي الخليلي ، شروط وظواهر في أدب الأرض المحتلة ، القدس ، 1984 ، ص206 .
- الخليلي ، ص207 .
- انظر الخليلي ، ص207 .
- أنظر الخليلي ، ص207 .
- مظفر النواب ، أ . ك ، ص458 .
- السابق ، ص479 .
- السابق ، ص481 .
- السابق ، ص482 .
- أورد القصيدة فخري صالح في كتابه "أبو سلمى التجربة الشعرية" ، بيروت ، 1981 .
- فوزي البكري ، صعلوك من القدس القديمة ، الناصرة ، 1982 ، ص101 .
- سعيد الغزالي ، قصائد في زمن الولادة ، د . م ، د . ت (1978) ص83 وما بعدها .
- جميل دويكات ، الرقص على الأوتار النازفة ، نابلس ، 1999 ، ص12 .
- مظفر النواب ، أ . ك ، ص453 .
- عمر أبو الرب ، نفحات من مرج ابن عامر ، جنين / 1999 ، (مجموعة مشتركة) ، ص54 .
- فوزي البكري ، صعلوك من القدس القديمة ، ص114 .
- السابق ، ص101 .
- السابق ، ص111 .
- السابق ، ص117 .
- فوزي البكري ، قناديل على سور القدس ، ص2 .
- السابق ، ص53 .
- السابق ، ص61 .
المصادر والمراجع
- أبو الفرج الأصبهاني ، الأغاني ، بيروت ، مؤسسة جمال للطباعة والنشر ، ج24 ، د. ت ، (تحقيق أبو الفضل إبراهيم) .
- إحسان عباس ، اتجاهات الشعر العربي المعاصر ، عمان ، 1992 ، ط2 .
- باقر ياسين ، مظفر النواب : حياته وشعره ، دمشق ، 1988 .
- بدر شاكر السياب ، أنشودة المطر ، بيروت ، 1969 .
- جميل دويكات ، الرقص على الأوتار النازفة ، نابلس 1999 .
- حسين جميل البرغوثي ، أزمة الشعر المحلي ، القدس ، 1979 .
- حسين جميل البرغوثي ، الصراع النفسي في الأدب ، سقوط الجدار السابع ، القدس ، 1984 .
- خالد الكركي ، الرموز التراثية في الشعر العربي الحديث ، بيروت ، 1989 .
- سعيد الغزالي ، قصائد في زمن الولادة ، د.م ، د.ت .
- شوقي ضيف ، العصر العباسي الثاني ، القاهرة ، 1975 ، ط2 .
- شوقي ضيف ، العصر الإسلامي ، القاهرة ، 1972 ، ط5 .
- طه حسين ، حديث الأربعاء ، القاهرة ، 1973 .
- عادل الأسطة ، جدلية الموقع والموقف في الأدب الفلسطيني ، كنعان ، أيلول 1998 ، عدد 92 .
- عادل سمارة ، الظاهرة النوابية في شعر الثورة العربية المقبلة ، البيادر ، 1978 . نيسان.
- عبد القادر الحصيني وهاني الخير ، مظفر النواب شاعر المعارضة السياسية ، قراءة في تجربته الشعرية ، دمشق ، 1996 .
- عبد الكريم الكرمي ، لهب القصيدة ، (وردت في كتاب فخري صالح ، أبو سلمى التجربة الشعرية ، بيروت ، 1981) .
- عبد الرحمن منيف ، شرق المتوسط ، بيروت ، 1989 ، ط7 .
- عبد اللطيف عقل ، مظفر النواب : هذا المتسلل البذيء تسلل إلى القدس ، البيادر ، 1976 .
- علي عشري زايد ، استدعاء الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر ، الكويت ، 1997 ، ط2 .
- عمر أبو الرب ، نفحات من مرج بن عامر ، (مجموعة مشتركة) ، جنين ، 1999 .
- علي الخليلي ، شروط وظواهر في أدب الأرض المحتلة ، القدس ، 1984 .
- فاروق شوسة ، أحلى عشرين قصيدة حب في الشعر العربي ، القاهرة وبيروت ، 1977 ، ط2 .
- فوزي البكري ، صعلوك من القدس القديمة ، الناصرة 1982 .
- فوزي البكري ، قناديل على السور الحزين ، القدس ، 1997 .
- القرآن الكريم .
- مظفر النواب ، وتريات ليلية ، القدس ، 1977 .
- مظفر النواب ، أربع قصائد ، القدس ، 1978 .
- مظفر النواب ، سفينة الحزن ، عكا ، 1982 .
- مظفر النواب ، عرس الانتفاضة ، القدس ، د . ت .
- مظفر النواب ، الأعمال الشعرية الكاملة ، نسخة مصورة عن طبعة دار قنبر في لندن ، 1996 .