في الأول من شباط ١٩٧٧توفي في نيويورك الشاعر الفلسطيني راشد حسين ابن قرية مصمص، ونقل جثمانه إليها ليدفن فيها في الثامن من الشهر نفسه.
أنجزت عن حياة الشاعر وأشعاره كتب ودراسات ومقالات كثيرة ورد ذكرها في كتاب نبيل طنوس «راشد حسين ويسكنه المكان: دراسات وقصائد مختارة» (٢٠٢١)، ومنها دراسات محمود حسني وجمال سلسع وغيرهما، وكان غسان كنفاني الرائد الأول في دراسته شعر راشد في العالم العربي حين درس أشعاره في كتابيه عن أدب المقاومة.
في كتابي «الفلسطيني في الرواية العربية»(٢٠٢٢) توقفت أمام الأدباء والمفكرين الفلسطينيين الذين غدوا شخصيات روائية وأبرزهم إدوارد سعيد وكنفاني ودرويش وحبيبي وجبرا ومعين بسيسو.
إلياس خوري في ثلاثيته «أولاد الغيتو» كتب عن راشد حسين كما كتب عن المذكورة أسماؤهم وجعل من راشد شخصية روائية مؤثرة في حياة آدم دنون الشخصية المحورية في الثلاثية، لدرجة أن راشد عد من شخصيات ثلاث تركت أثراً كبيراً في حياة آدم، كما لو أن حياة آدم أكملت ما نقص من حياة راشد.
بوعي تام يكتب إلياس خوري عن الشخصية الروائية والشخصية الحقيقية وينطق مأمون الأعمى بما يراه في راشد.
حين يقص مأمون على آدم عن لقائه الوحيد مع طه حسين اكتشف أن الفرق بين الشخصيات الحقيقية والشخصيات الروائية المتخيلة لا وجود له، وحين يحكي عن راشد يحكي عن السجن وعن بيروت ومحاولة راشد الدراسة في جامعة نيويورك، يحكي عنه كأنه صديقه، وهنا يعقب آدم: «بدا مأمون كأنه يتحدث عن شخصية روائية، وليس عن إنسان حقيقي» ولذلك يخاطب مأمون قائلا: «تروي عنه كأنه بطل رواية».
ومع أن مأمون أعمى فإنه حين التقى براشد وأصغى إليه رأى كيف صارت الكلمات جسد الشاعر وقال: «رأيته كما أراك الآن» وروى الكثير عن راشد.
يرى إلياس خوري أن حياة راشد أكبر من شعره وأهم، وحين يقدمه شخصية روائية يجعلنا نتعاطف معه تعاطفاً كبيراً. حقاً إننا أحببنا شعره، ولكنا حين نقرأ عنه شخصية روائية نحبه أكثر. يطلب منه الضابط أن يكتب شعراً في استقلال الدولة فيرفض، ولكن الضابط يضغط على أهله لإجباره، فيتوسلون إليه حتى لا يعاقبهم وينقذ شرف العائلة (؟) فيكتب شعراً لا يشبهه.
يروي آدم عن ثلاثة مشاهد في حياة الشاعر تجعل من تعاطفنا معه تعاطفاً غير محدود:
الأول حواره مع المحقق الإسرائيلي عراقي الأصل الذي يتنكر لأصله ويعلن أنه إسرائيلي. كان المحقق قرأ قصيدة راشد «قبلك» فخاطبه:
«مش عيب هالحكي. مين هي البنت. أكيد قصدك بنت يهودية. إنتم العرب ما بتهتموا إلا بإشي واحد. استحوا»
«إنتو العراقيين أسوأ منا، فبلاش تتفصحن علي»
«أنا مش عراقي. أنا إسرائيلي»
«وأنا مش إسرائيلي، أنا فلسطيني»
«لأ، إنت مش فلسطيني. إنت عربي في أرض إسرائيل».
حير راشد المحقق فيم كان يعنيه بالقصيدة. هل كان يعني المرأة أم الأرض؟
وحاول أن يشرح له بأن كل شيء في فلسطين صار مستعاراً. كيف صارت فلسطين إسرائيل ومرج بن عامر عيمق يزراعيل؟
الثاني يتعلق بذهابه إلى بيروت فدمشق وطرده منها. لم ينجح راشد في أن يكون موظفاً في مركز الأبحاث الفلسطيني، إذ لم يضمه أنيس صايغ إلى المركز بسبب شربه الخمر وعدم انضباطه، ولم يقوَ في دمشق أن يخفض صوته تحسباً للمخابرات السورية. في العالم العربي فقد صوته فعاد إلى نيويورك ثانية.
الثالث علاقته مع زوجته اليهودية آن التي آثرت البقاء في نيويورك والتدريس في إحدى الجامعات ولم تحتمل إغراقه في شرب الخمر، وحين فكر بالعودة إلى فلسطين قالت له:
«لكنك لم تعد تستطيع العودة إلى فلسطين بعدما لبست كوفية الفدائيين» وانفصلا.
كيف نظر آدم إلى راشد الذي لم يلتقِ به إلا في المنام؟
قال آدم: «الشاعر الذي لا أعرفه جاء إلى ليلي وأخذني إلى منامه» و»وقال إنه دخل إلى منامي كي يقول لي إن حكايتي الناقصة تحتاج إلى حكايته كي يكتمل فيها المعنى» و»كان لا بد من راشد حسين كي تكتمل قصة وضاح، وكان لا بد مني، أنا آدم دنون كي تكتمل قصة راشد، أما قصتي فلن تجد من يكملها. هكذا الأدب، إنه بحث عن النقصان لا عن الاكتمال».
يثير إلياس خوري سؤالاً مهماً حول راشد هو:
- لماذا لم يكتب حكايته مع آن؟
- لماذا لم يكتب قصائد حب فيها؟
«إن الشعر عاجز عن كتابة الحب، فالشعر يكتب غزلاً، وأنا لست في باب الغزل» يقول آدم/ إلياس على لسان راشد.
عادل الأسطة
2023-02-05
أنجزت عن حياة الشاعر وأشعاره كتب ودراسات ومقالات كثيرة ورد ذكرها في كتاب نبيل طنوس «راشد حسين ويسكنه المكان: دراسات وقصائد مختارة» (٢٠٢١)، ومنها دراسات محمود حسني وجمال سلسع وغيرهما، وكان غسان كنفاني الرائد الأول في دراسته شعر راشد في العالم العربي حين درس أشعاره في كتابيه عن أدب المقاومة.
في كتابي «الفلسطيني في الرواية العربية»(٢٠٢٢) توقفت أمام الأدباء والمفكرين الفلسطينيين الذين غدوا شخصيات روائية وأبرزهم إدوارد سعيد وكنفاني ودرويش وحبيبي وجبرا ومعين بسيسو.
إلياس خوري في ثلاثيته «أولاد الغيتو» كتب عن راشد حسين كما كتب عن المذكورة أسماؤهم وجعل من راشد شخصية روائية مؤثرة في حياة آدم دنون الشخصية المحورية في الثلاثية، لدرجة أن راشد عد من شخصيات ثلاث تركت أثراً كبيراً في حياة آدم، كما لو أن حياة آدم أكملت ما نقص من حياة راشد.
بوعي تام يكتب إلياس خوري عن الشخصية الروائية والشخصية الحقيقية وينطق مأمون الأعمى بما يراه في راشد.
حين يقص مأمون على آدم عن لقائه الوحيد مع طه حسين اكتشف أن الفرق بين الشخصيات الحقيقية والشخصيات الروائية المتخيلة لا وجود له، وحين يحكي عن راشد يحكي عن السجن وعن بيروت ومحاولة راشد الدراسة في جامعة نيويورك، يحكي عنه كأنه صديقه، وهنا يعقب آدم: «بدا مأمون كأنه يتحدث عن شخصية روائية، وليس عن إنسان حقيقي» ولذلك يخاطب مأمون قائلا: «تروي عنه كأنه بطل رواية».
ومع أن مأمون أعمى فإنه حين التقى براشد وأصغى إليه رأى كيف صارت الكلمات جسد الشاعر وقال: «رأيته كما أراك الآن» وروى الكثير عن راشد.
يرى إلياس خوري أن حياة راشد أكبر من شعره وأهم، وحين يقدمه شخصية روائية يجعلنا نتعاطف معه تعاطفاً كبيراً. حقاً إننا أحببنا شعره، ولكنا حين نقرأ عنه شخصية روائية نحبه أكثر. يطلب منه الضابط أن يكتب شعراً في استقلال الدولة فيرفض، ولكن الضابط يضغط على أهله لإجباره، فيتوسلون إليه حتى لا يعاقبهم وينقذ شرف العائلة (؟) فيكتب شعراً لا يشبهه.
يروي آدم عن ثلاثة مشاهد في حياة الشاعر تجعل من تعاطفنا معه تعاطفاً غير محدود:
الأول حواره مع المحقق الإسرائيلي عراقي الأصل الذي يتنكر لأصله ويعلن أنه إسرائيلي. كان المحقق قرأ قصيدة راشد «قبلك» فخاطبه:
«مش عيب هالحكي. مين هي البنت. أكيد قصدك بنت يهودية. إنتم العرب ما بتهتموا إلا بإشي واحد. استحوا»
«إنتو العراقيين أسوأ منا، فبلاش تتفصحن علي»
«أنا مش عراقي. أنا إسرائيلي»
«وأنا مش إسرائيلي، أنا فلسطيني»
«لأ، إنت مش فلسطيني. إنت عربي في أرض إسرائيل».
حير راشد المحقق فيم كان يعنيه بالقصيدة. هل كان يعني المرأة أم الأرض؟
وحاول أن يشرح له بأن كل شيء في فلسطين صار مستعاراً. كيف صارت فلسطين إسرائيل ومرج بن عامر عيمق يزراعيل؟
الثاني يتعلق بذهابه إلى بيروت فدمشق وطرده منها. لم ينجح راشد في أن يكون موظفاً في مركز الأبحاث الفلسطيني، إذ لم يضمه أنيس صايغ إلى المركز بسبب شربه الخمر وعدم انضباطه، ولم يقوَ في دمشق أن يخفض صوته تحسباً للمخابرات السورية. في العالم العربي فقد صوته فعاد إلى نيويورك ثانية.
الثالث علاقته مع زوجته اليهودية آن التي آثرت البقاء في نيويورك والتدريس في إحدى الجامعات ولم تحتمل إغراقه في شرب الخمر، وحين فكر بالعودة إلى فلسطين قالت له:
«لكنك لم تعد تستطيع العودة إلى فلسطين بعدما لبست كوفية الفدائيين» وانفصلا.
كيف نظر آدم إلى راشد الذي لم يلتقِ به إلا في المنام؟
قال آدم: «الشاعر الذي لا أعرفه جاء إلى ليلي وأخذني إلى منامه» و»وقال إنه دخل إلى منامي كي يقول لي إن حكايتي الناقصة تحتاج إلى حكايته كي يكتمل فيها المعنى» و»كان لا بد من راشد حسين كي تكتمل قصة وضاح، وكان لا بد مني، أنا آدم دنون كي تكتمل قصة راشد، أما قصتي فلن تجد من يكملها. هكذا الأدب، إنه بحث عن النقصان لا عن الاكتمال».
يثير إلياس خوري سؤالاً مهماً حول راشد هو:
- لماذا لم يكتب حكايته مع آن؟
- لماذا لم يكتب قصائد حب فيها؟
«إن الشعر عاجز عن كتابة الحب، فالشعر يكتب غزلاً، وأنا لست في باب الغزل» يقول آدم/ إلياس على لسان راشد.
عادل الأسطة
2023-02-05