وطن: "فرانكشتاين في بغداد" (2012) هي رواية العراقي أحمد سعداوي المرشحة هذا العام لبوكر، وهي تنافس على الجائزة الأولى، فقد وصلت إلى القائمة القصيرة، ومؤلفها المولود في بغداد 1973 شاعر وروائي، له روايتان أخريان هما "البلد الجميل" و"إنه يحلم أو يلعب أو يموت".
وقد صدّر الكاتب روايته بالسطر التالي من رواية "فرانكشتاين" لميري شيلي "إني أطلب منك ألا تصفح عني. استمع إليّ، قم إذا استطعت وإذا شئت دمّر عمل ما صنعت يداك"، وقد أعادت العبارة بعض مراجعي الرواية إلى تذكر "فرانكشتاين" في رواية شيلي، التي بطلها طالب ذكي يخلق كائناً، فيتمرد هذا الكائن على خالقه، ويصبح ضحية من ضحاياه.
فهل كان هادي العتاك صنع الشسمه ـ الذي لا اسم له ـ / فرانكشتاين، وغدا أيضاً ضحية من ضحاياه؟
ولـ "الشسمه" ـ ما اسمه ـ عبارة أيضاً يوردها المؤلف في تصديره هي: "أنتم يا من تسمعون هذه التسجيلات الآن، إن لم تكن لديكم الشجاعة لمساعدتي في مهمتي الجليلة، فحاولوا، على الأقل، أن لا تقفوا في طريقي"، وكان السرد في الرواية، من خلال تسجيل الشسمه ليعرف بقصته، قد انتقل من أسلوب السرد بضمير الهو إلى السرد بضمير الأنا.
وليس هذان التصديران هما الوحيدان، فهناك اقتباس عن: قصة العظيم في الشهداء ماركوركيس المظفر هو "أمر الملك بوضع القديس في المعصرة حتى تهرأ لحمه وأصبح جسده أجزاء متناثرة حتى فارق الحياة، فطرحوه خارج المدينة، لكن الرب يسوع جمعه وأقامه حيا، وعاد ثانية إلى المدينة".
والشسمه/ فرانكشتاين في الرواية يتجمع جسده من أجساد الآخرين الذين أراد أن يثأر لهم، وكلما اخترق الرصاص جزءاً من جسده وأتلفه استبدله بأجزاء من أجساد الآخرين، فهو صورة الاله المتجسدة على الأرض، وكما يرى نفسه "أعرف أن لدي أسلافاً كثيرين، ظهروا ها هنا في هذه الأرض في حقب وأزمان ماضية.. أنجزوا مهامهم في أوقات المحن العصيبة، ثم غادروا، ولا أريد أن أكون مختلفاً عنهم" (ص171) وكما يقول أيضاً، معرفاً بنفسه، "وهالني مساء هذا اليوم عدد الشباب المسلمين الذين سجدوا لي في هذا الشارع، وأنا أمر من خلالهم. كل هؤلاء يؤمنون بأنني وجه الرب الأرضي حسب تعاليم المجنون الأكبر الذي لف عمامة برتقالية على رأسه" (ص174).
إنه رجل أسطوري، كما يبدو، وهو رجل "يتغير وجهه كل حين.. لا شيء يدوم معه سوى هذه الرغبة في الاستمرار. يقتل من أجل أن يستمر.
هذا هو مبرره الأخلاقي الوحيد" (ص334). ولأنه يغدو بالفعل رجلاً أسطورياً، فقد تعددت وجهات النظر فيه، وظلت صورته تتضخم رغم أنها ليست صورة واحدة، "ففي منطقة مثل حي الصدر كانوا يتحدثون عن كونه وهابياً، وأما في حي الأعظمية فإن الروايات تؤكد أنه متطرف شيعي. الحكومة العراقية تصفه بأنه عميل لقوى خارجية، أما الأميركان فقد صرح الناطق باسم الخارجية الأميركية، ذات مرة، بأنه رجل واسع الحيلة يستهدف تقويض المشروع الأميركي في العراق، ولكن ما هو هذا المشروع يا ترى، بالنسبة للعميد سرور ـ وهو ضابط بعثي سابق، أخذ يعمل مع الأميركان لحاجتهم إليه وإلى جهوده، ـ فإن مشروعهم هو خلق هذا الكائن بالتحديد، خلق هذا الفرانكشتاين وإطلاقه في بغداد، الأميركيون هم وراء هذا الوحش" (ص335)، ولا أحد يعرف من ستكون ضحيته القادمة، وحتى المؤلف الضمني، أبو سليم، الذي استغرق طويلاً مع حكاية فرانكشتاين أو الشسمه، فإنه بات يشعر بالخوف، "وأتلفت" كل حين في الشارع خلال الليل بحثاً عن الملامح المجهولة للمجرم الخطير. وبحثاً عن سبب واحد منطقي يبرر موتي على يديه". (ص336)، كأنما حاله حال بطل رواية ميري شيلي الذي خلق كائناً، وغدا ضحية من ضحاياه.
في صفحات أسبق من الصفحات المقتبس منها ما يعني عنوان الرواية ويمهد لما تقوله الصفحات اللاحقة، فالصحافي محمود السوادي ـ الذي يقترب اسمه من اسم مؤلف الرواية الحقيقي أحمد سعداوي ـ يكتب مقالة عنوانها "أساطير من الشارع العراقي" وحين ينشرها رئيس التحرير السعيدي، يرفق بها صورة كبيرة لروبرت دي نيرو في فيلمه الشهير عن فرانكشتاين" صورة الإله المتجسدة على الأرض" (169).
وستسخر قوى عديدة لإلقاء القبض على هذا الرجل الأسطورة الذي لا اسم له (فرانكشتاين/ الشسمه)، ومنها قوى التنجيم، حيث يجتمع المنجمون، كباراً وصغاراً، في مكتب العميد سرور الذي يريد القبض عليه ليعزز مكانته وهيبته، ويريد التأكيد للعالم كله أن الشسمه/ فرانكشتاين "مجرد شخص تافه حقير ووضيع خلق لنفسه أسطورة من جهل وخوف الناس وفوضى الواقع الذي يعيشون فيه لا أكثر ولا أقل" (187) وفي لحظة صراع المنجمين مع بعضهم البعض، وانقلاب المنجم الصغير على المنجم الكبير، ليخلفه في مكانه، نقرأ عن هوية الشسمه : "هذا الوجه الذي يراه الآن، لمرة أولى وأخيرة هو أيضاً من الماضي" ويتساءل المنجم الكبير: "من هو صاحب هذا الوجه يا ترى؟" "فيما بعد، وأثناء احتضاره البطيء على اسفلت الشارع الموحش، سيعرف بيقين كامل، أنه وجه مركب من وجوه ماضيه البعيد، إنه وجه الماضي الشخصي له، والذي اعتقد أنه بلا وجه أو ملامح" (ص322).
هل الشسمه هو الماضي والحاضر والتعصب الديني والغزو الأميركي والجهل والخرافة؟ ولهذا، كما أوردت، "يتغير وجهه كل حين.. لا شيء يدوم فيه سوى هذه الرغبة في الاستمرار. يقتل من أجل أن يستمر. هذا هو مبرره الأخلاقي الوحيد" (ص334).
و"الشسمه" ـ الذي لا اسم له، أو ما الذي اسمه ـ هو شبح دانيال الذي يقيم في بيت أم دانيال المرأة المسيحية التي تفقد ابنها دانيال في الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988) وتظل تنتظر عودته، حتى تخرف وتكاد تجن، ولا يعود، فيثأر الشسمه لها من الحلاق الذي كان بعثياً ويخبر عن الأبناء الذين لا يريدون الذهاب إلى الحرب، وتكون نهايته مأساوية. تظل أم دانيال (ايلتشوا) تنتظر عودة ابنها، وترفض أن تغادر العراق على الرغم من انحدار أحواله وتدهورها ومع أن ابنتيها، بواسطة الشماس تلحان عليها حتى تغادر بغداد وتقيم معهما، إلاّ أنها ترفض الهجرة، ولا تغادر إلاّ حين تلجأ ابنتاها إلى حيلة يديرها لهما الشماس، فيأخذ حفيدها الذي يشبه خاله دانيال إليها، ولما كان صورة طبق الأصل عن خاله، فإن العقدة تحل، وهكذا تبيع المنزل وتغادر. إن ابنها، لا منزلها، هو وطنها.
بين سعيد مهران وسفاح بغداد:
لا أدري إن كانت رواية نجيب محفوظ "اللص والكلاب" وقصة كتابتها حاضرة في ذهن أحمد سعداوي.
يشير نجيب محفوظ في الكتاب الذي أعده جمال الغيطاني ونشره تحت عنوان "نجيب محفوظ.. يتذكر" (1980) إلى فكرة كتابة روايته، ويأتي على حادثة محمود أمين سليمان في الصحف. "لقد حدثت لي هوسة بهذا الرجل، أحسست أن هذا الرجل يمثل فرصة تتجسد عبرها الانفعالات والأفكار التي كنت أفكر فيها دون أن أعرف طرق التعبير عنها، العلاقة بين الإنسان والسلطة ومجتمعه، طبعاً بعد أن كتبت عنه، لم أكتب قصة أمين سليمان، وأصبح الموجود هو سعيد مهران، في فترة بدايته قبل ذلك، كانت كل حادثة تستحق أن تكتب، الآن كم من الحوادث تمر بي ولا تستحق أن تكتب من وجهة نظري" (ص70).
بعد دخول القوات الأميركية بغداد بسنوات قليلة كتبت الصحف مطولاً عن سفاح بغداد، وأشيعت حوله الشائعات والأساطير، وفي الرواية "فرانكشتاين في بغداد" كتب الصحافي محمود السوادي مقالة عنوانها "أساطير من الشارع العراقي" وأتى فيها على الرجل الأسطورة الذي روّع العراقيين، فهل استمد أحمد سعداوي أحداث روايته من قصة سفاح بغداد؟ ومؤخراً ذكرت الصحف أن هذا الرجل السفاح غادر العراق وأخذ يشارك في الحرب الدائرة في سورية وقتل في إحدى المعارك.
في بعض المقابلات التي أجريت مع مؤلف الرواية لم يشر إلى أسطورة سفاح بغداد، ولم يلتفت إلى رواية محفوظ ودافع كتابتها، وما أقدمه هو اجتهاد وقراءة من القراءات.
ما لفت نظري وأنا أقرأ الرواية أنها لم تصور قصة المسيحيين العراقيين كما صورها كاتبان يقيمان في المنفى، سنان انطون في "يا مريم"، وأنعام كجه جي في "طشاري"، علماً أن ثمة تقاطعات بين رواية سعداوي ورواية كجه جي الأولى "الحفيدة الأميركية" فيما يخص هذا الجانب.
هل الموقع والموقف والديانة تركت أثرها في هذا الجانب؟ الأمر يحتاج إلى دراسة. و.. و.. و.. .
وقد صدّر الكاتب روايته بالسطر التالي من رواية "فرانكشتاين" لميري شيلي "إني أطلب منك ألا تصفح عني. استمع إليّ، قم إذا استطعت وإذا شئت دمّر عمل ما صنعت يداك"، وقد أعادت العبارة بعض مراجعي الرواية إلى تذكر "فرانكشتاين" في رواية شيلي، التي بطلها طالب ذكي يخلق كائناً، فيتمرد هذا الكائن على خالقه، ويصبح ضحية من ضحاياه.
فهل كان هادي العتاك صنع الشسمه ـ الذي لا اسم له ـ / فرانكشتاين، وغدا أيضاً ضحية من ضحاياه؟
ولـ "الشسمه" ـ ما اسمه ـ عبارة أيضاً يوردها المؤلف في تصديره هي: "أنتم يا من تسمعون هذه التسجيلات الآن، إن لم تكن لديكم الشجاعة لمساعدتي في مهمتي الجليلة، فحاولوا، على الأقل، أن لا تقفوا في طريقي"، وكان السرد في الرواية، من خلال تسجيل الشسمه ليعرف بقصته، قد انتقل من أسلوب السرد بضمير الهو إلى السرد بضمير الأنا.
وليس هذان التصديران هما الوحيدان، فهناك اقتباس عن: قصة العظيم في الشهداء ماركوركيس المظفر هو "أمر الملك بوضع القديس في المعصرة حتى تهرأ لحمه وأصبح جسده أجزاء متناثرة حتى فارق الحياة، فطرحوه خارج المدينة، لكن الرب يسوع جمعه وأقامه حيا، وعاد ثانية إلى المدينة".
والشسمه/ فرانكشتاين في الرواية يتجمع جسده من أجساد الآخرين الذين أراد أن يثأر لهم، وكلما اخترق الرصاص جزءاً من جسده وأتلفه استبدله بأجزاء من أجساد الآخرين، فهو صورة الاله المتجسدة على الأرض، وكما يرى نفسه "أعرف أن لدي أسلافاً كثيرين، ظهروا ها هنا في هذه الأرض في حقب وأزمان ماضية.. أنجزوا مهامهم في أوقات المحن العصيبة، ثم غادروا، ولا أريد أن أكون مختلفاً عنهم" (ص171) وكما يقول أيضاً، معرفاً بنفسه، "وهالني مساء هذا اليوم عدد الشباب المسلمين الذين سجدوا لي في هذا الشارع، وأنا أمر من خلالهم. كل هؤلاء يؤمنون بأنني وجه الرب الأرضي حسب تعاليم المجنون الأكبر الذي لف عمامة برتقالية على رأسه" (ص174).
إنه رجل أسطوري، كما يبدو، وهو رجل "يتغير وجهه كل حين.. لا شيء يدوم معه سوى هذه الرغبة في الاستمرار. يقتل من أجل أن يستمر.
هذا هو مبرره الأخلاقي الوحيد" (ص334). ولأنه يغدو بالفعل رجلاً أسطورياً، فقد تعددت وجهات النظر فيه، وظلت صورته تتضخم رغم أنها ليست صورة واحدة، "ففي منطقة مثل حي الصدر كانوا يتحدثون عن كونه وهابياً، وأما في حي الأعظمية فإن الروايات تؤكد أنه متطرف شيعي. الحكومة العراقية تصفه بأنه عميل لقوى خارجية، أما الأميركان فقد صرح الناطق باسم الخارجية الأميركية، ذات مرة، بأنه رجل واسع الحيلة يستهدف تقويض المشروع الأميركي في العراق، ولكن ما هو هذا المشروع يا ترى، بالنسبة للعميد سرور ـ وهو ضابط بعثي سابق، أخذ يعمل مع الأميركان لحاجتهم إليه وإلى جهوده، ـ فإن مشروعهم هو خلق هذا الكائن بالتحديد، خلق هذا الفرانكشتاين وإطلاقه في بغداد، الأميركيون هم وراء هذا الوحش" (ص335)، ولا أحد يعرف من ستكون ضحيته القادمة، وحتى المؤلف الضمني، أبو سليم، الذي استغرق طويلاً مع حكاية فرانكشتاين أو الشسمه، فإنه بات يشعر بالخوف، "وأتلفت" كل حين في الشارع خلال الليل بحثاً عن الملامح المجهولة للمجرم الخطير. وبحثاً عن سبب واحد منطقي يبرر موتي على يديه". (ص336)، كأنما حاله حال بطل رواية ميري شيلي الذي خلق كائناً، وغدا ضحية من ضحاياه.
في صفحات أسبق من الصفحات المقتبس منها ما يعني عنوان الرواية ويمهد لما تقوله الصفحات اللاحقة، فالصحافي محمود السوادي ـ الذي يقترب اسمه من اسم مؤلف الرواية الحقيقي أحمد سعداوي ـ يكتب مقالة عنوانها "أساطير من الشارع العراقي" وحين ينشرها رئيس التحرير السعيدي، يرفق بها صورة كبيرة لروبرت دي نيرو في فيلمه الشهير عن فرانكشتاين" صورة الإله المتجسدة على الأرض" (169).
وستسخر قوى عديدة لإلقاء القبض على هذا الرجل الأسطورة الذي لا اسم له (فرانكشتاين/ الشسمه)، ومنها قوى التنجيم، حيث يجتمع المنجمون، كباراً وصغاراً، في مكتب العميد سرور الذي يريد القبض عليه ليعزز مكانته وهيبته، ويريد التأكيد للعالم كله أن الشسمه/ فرانكشتاين "مجرد شخص تافه حقير ووضيع خلق لنفسه أسطورة من جهل وخوف الناس وفوضى الواقع الذي يعيشون فيه لا أكثر ولا أقل" (187) وفي لحظة صراع المنجمين مع بعضهم البعض، وانقلاب المنجم الصغير على المنجم الكبير، ليخلفه في مكانه، نقرأ عن هوية الشسمه : "هذا الوجه الذي يراه الآن، لمرة أولى وأخيرة هو أيضاً من الماضي" ويتساءل المنجم الكبير: "من هو صاحب هذا الوجه يا ترى؟" "فيما بعد، وأثناء احتضاره البطيء على اسفلت الشارع الموحش، سيعرف بيقين كامل، أنه وجه مركب من وجوه ماضيه البعيد، إنه وجه الماضي الشخصي له، والذي اعتقد أنه بلا وجه أو ملامح" (ص322).
هل الشسمه هو الماضي والحاضر والتعصب الديني والغزو الأميركي والجهل والخرافة؟ ولهذا، كما أوردت، "يتغير وجهه كل حين.. لا شيء يدوم فيه سوى هذه الرغبة في الاستمرار. يقتل من أجل أن يستمر. هذا هو مبرره الأخلاقي الوحيد" (ص334).
و"الشسمه" ـ الذي لا اسم له، أو ما الذي اسمه ـ هو شبح دانيال الذي يقيم في بيت أم دانيال المرأة المسيحية التي تفقد ابنها دانيال في الحرب العراقية الإيرانية (1980 ـ 1988) وتظل تنتظر عودته، حتى تخرف وتكاد تجن، ولا يعود، فيثأر الشسمه لها من الحلاق الذي كان بعثياً ويخبر عن الأبناء الذين لا يريدون الذهاب إلى الحرب، وتكون نهايته مأساوية. تظل أم دانيال (ايلتشوا) تنتظر عودة ابنها، وترفض أن تغادر العراق على الرغم من انحدار أحواله وتدهورها ومع أن ابنتيها، بواسطة الشماس تلحان عليها حتى تغادر بغداد وتقيم معهما، إلاّ أنها ترفض الهجرة، ولا تغادر إلاّ حين تلجأ ابنتاها إلى حيلة يديرها لهما الشماس، فيأخذ حفيدها الذي يشبه خاله دانيال إليها، ولما كان صورة طبق الأصل عن خاله، فإن العقدة تحل، وهكذا تبيع المنزل وتغادر. إن ابنها، لا منزلها، هو وطنها.
بين سعيد مهران وسفاح بغداد:
لا أدري إن كانت رواية نجيب محفوظ "اللص والكلاب" وقصة كتابتها حاضرة في ذهن أحمد سعداوي.
يشير نجيب محفوظ في الكتاب الذي أعده جمال الغيطاني ونشره تحت عنوان "نجيب محفوظ.. يتذكر" (1980) إلى فكرة كتابة روايته، ويأتي على حادثة محمود أمين سليمان في الصحف. "لقد حدثت لي هوسة بهذا الرجل، أحسست أن هذا الرجل يمثل فرصة تتجسد عبرها الانفعالات والأفكار التي كنت أفكر فيها دون أن أعرف طرق التعبير عنها، العلاقة بين الإنسان والسلطة ومجتمعه، طبعاً بعد أن كتبت عنه، لم أكتب قصة أمين سليمان، وأصبح الموجود هو سعيد مهران، في فترة بدايته قبل ذلك، كانت كل حادثة تستحق أن تكتب، الآن كم من الحوادث تمر بي ولا تستحق أن تكتب من وجهة نظري" (ص70).
بعد دخول القوات الأميركية بغداد بسنوات قليلة كتبت الصحف مطولاً عن سفاح بغداد، وأشيعت حوله الشائعات والأساطير، وفي الرواية "فرانكشتاين في بغداد" كتب الصحافي محمود السوادي مقالة عنوانها "أساطير من الشارع العراقي" وأتى فيها على الرجل الأسطورة الذي روّع العراقيين، فهل استمد أحمد سعداوي أحداث روايته من قصة سفاح بغداد؟ ومؤخراً ذكرت الصحف أن هذا الرجل السفاح غادر العراق وأخذ يشارك في الحرب الدائرة في سورية وقتل في إحدى المعارك.
في بعض المقابلات التي أجريت مع مؤلف الرواية لم يشر إلى أسطورة سفاح بغداد، ولم يلتفت إلى رواية محفوظ ودافع كتابتها، وما أقدمه هو اجتهاد وقراءة من القراءات.
ما لفت نظري وأنا أقرأ الرواية أنها لم تصور قصة المسيحيين العراقيين كما صورها كاتبان يقيمان في المنفى، سنان انطون في "يا مريم"، وأنعام كجه جي في "طشاري"، علماً أن ثمة تقاطعات بين رواية سعداوي ورواية كجه جي الأولى "الحفيدة الأميركية" فيما يخص هذا الجانب.
هل الموقع والموقف والديانة تركت أثرها في هذا الجانب؟ الأمر يحتاج إلى دراسة. و.. و.. و.. .