د. محمد عباس محمد عرابي - تجليات الماضي الجميل وروعة البيان في قصيدة (سُوقِ الأَربعاءِ) للشاعر سامي أبو بدر

لقد أبدع الشاعر القدير سامي أبو بدرفي ربط الماضي والحاضر عبر عاطفة الشوق والتذكر للماضي الجميل فمن منا ليس له ذكريات جميلة مضت سراعا يتذكر فيها سوق القرية !!

وما أدراك ما سوق القرية ،وهو في بعض القرى يُعقد يوم الأربعاء ،وهكذا كان في قريتي حيث كان السوق يعقد لكل القرى التي تحيط بقريتي التي كانت وما زالت واسطة العقد، لقد كان السوق لوحة فنية تراثية فوق الوصف ،صارت الآن ذكرى ،والآن وخاصة المغتربين الذي يودون شم ثرى الوطن شوقًا له حول مشاعر الشوق للوطن وأحزان المغتربين لبعدهم عن الوطن الحبيب خاصة لو كان الوطن أم الدنيا وأساس الحضارات حول هذه المعاني تجلى إبداع أبو بدر في قصيدة سوق القرية حيث برع أبو بدر فنيا وموضوعيا في هذه القصيدة التي نشرها في صحيفة الأهرام المصرية العريقة يوم السبت 5 مارس 2022م تقول القصيدة :

قَلبي يُسافرُ دُونَ إِذنٍ

نَحوَ سُوقِ الأَربعاءِ

بكُلِّ يَومٍ أَلفَ مَرَّةْ

ويَعُودُ تَتَّقِدُ الخَواطِرُ في خَلايَاهُ

ويُمسِي البُعدُ يُمعِنُ في إِثارَتِهِ

فيُشعِلُ تَحتَهُ نَارًا لِشَوقٍ

لَمْ يَجدْ وَصلًا يُواسِيهِ

إِذا مَا لَاذَ يُؤْويهِ، ويُرسِلُ دِفئَهُ فِيهِ

ولَولا بَعضُ إِيمانٍ

وشَيءٌ مِن بَقايَا الصَّبرِ

يُنذِرُ بانقِضاءِ الفُرصَةِ الأُخرَى،

ولَولا أَنَّني مَا زلتُ مَوعُودًا

بِشَمسٍ سَوفَ تُشرِقُ...

مِن جِبالِ الأَطلَسِيِّ

لَمَاتَ هَذا العَزفُ فِي نَايِي

ولَانْهَزَمَتْ تَغارِيدِي

لِيَعْبَثَ بالفُؤادِ ...

علَى شَواطِئِ حِيرَتي سِرٌّ

أَرَانِي لَمْ أَعُدْ أَقْوَى علَى كِتمانِهِ

دُونَ احتِساءِ الْمُرِّ مِن فِنجانِ لَوْعَتِهِ

دَعِيني كَيْ أَبُوحَ بهِ

لِأَوَّلِ غَيْمةٍ تُبدِي انحِيازًا لِي

فتَسْبَحُ في سَماواتِي

لِتُمطِرَ جَدْبَ أَحلامِي العَذارَى

القلبُ مِن قَهْرِ الحَنينِ إِليكِ ذَابْ

والآهُ تَعصِفُ بي..

علَى وَتَرِ التَّجافِي والغِيابْ

والْهَمُّ قَد رَهَنَ الرَّحيلَ

عَنِ الحَنايَا بالإِيَابْ

أَوَ كَانَ ذَنبِي أَنَّنِي غامَرْتُ

في عَيْنَيْكِ...

أَقرَأُ آيَةً لِلنَّظرةِ الأُولَى؟

ولَم أُدرِكْ لَها لِليَوْمِ تَأْوِيلاً،

أَكَانَتْ حِينَها وَعدًا

يُبَشِّرُ باللِّقاءِ علَى ضِفافِ الحُبِّ؟

أَمْ كانت وَعِيدًا بالفِراقِ؟

أَمَا دَرَيْتِ بأَنَّني قد عِشتُ مَهمُومًا

بحُلمٍ لا يَزالُ يُرَاوِدُ

الرُّوحَ الْمَهِيضَةَ في بَراحِ العِشقِ

يُؤْنِسُ وَحشَةً عَصَفَتْ بِها؟

لَكِنّها ظَلَّتْ تُقاومُ عَلَّهَا تَرتَدُّ حُرَّةْ

مَا بَينَ لَيْلٍ وانتِظارِ اللَّيلِ

تُرهِقُنِي النَّهَاراتُ الكَئِيبَةُ لا تُبالِي

بالفَتَى المسْكُونِ عِشقًا لِلحَياةِ

غَدَتْ تُحاصِرُهُ بذِكرَى

لا تَخُونُ خُطَاهُ أَو مِيقاتَها

فأَهِيمُ كالْمَمْسُوسِ في الآفاقِ

تَطرُدُنِي الجِهَاتُ إلى الجِهَاتِ

بغَيرِ ذَنبٍ

غيرَ أَنِّي يَومَ أَحْبَبْتُ الحَياةَ

جَهِلْتُ أَنَّ كُؤُوسَها إِنْ تَحْلُ حِينًا

سَوفَ تَبقَى أَكثرَ الأَحيانِ مُرَّةْ

ومن أهم تجليات روعة البيان في هذه القصيدة المهارة في الكناية والتشبيه والخيال والاستعارة لإظهار المعاني في صورة ملموسة مجسدة للعيان :

فها هي الخواطر تتقد في الخلايا ،والبعد يمعن ونار الشوق تشتعل ،والعزف يمت في الناي بلاغة بيانية رائعة جسدت معاني الشوق للماضي الجميل

حيث نلمح في القصيدة انهزام التغاريد ،وشواطئ الحيرة ،والمر يتم احتساؤه ،وللوعة فنجان ،والغيمة يتم البوح لها ،ويتم إمطار الأحلام ،والحنين يقهر ،تجليات بلاغية بيانية في غاية الجمال أبرزت الشوق الكامن للوطن ، صور ...وصور أظهرت المعنى في صورة بلاغية جميلة.

وستظل أشعار أبي بدر خير معبر عن مشاعر وأحاسيس المصريين تجاه وطنهم الغالي مصر أم الدنيا يعبر في جل قصائده عن شوق لمصر ولحبها النابع من القلب .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى