ملخص
تهدف هذه الدراسة إلى: الكشف عن مراحل التعذيب التي يمرُّ بها السجين، مع التطرُّق إلى الخصائص التي تميِّز كلَّ مرحلة عن غيرها، وتسليط الضوء على الجوانب النفسيَّة التي يمرُّ بها السجين في تلك المراحل، إضافةً إلى المقارنة بين مراحل التعذيب في الرواية بما هو موجود في السجون على أرض الواقع، وقد استخدمت الدراسة المنهج الوصفيَّ التحليليَّ، وتوصَّلت من خلاله إلى نتائج مهمَّة تتمثَّل في: عدم سير التعذيب على وتيرة واحدة خلال فترة وجود السجين في السجن، ومرروه بثلاث مراحل هي: مرحلة الصدمة، ومرحلة التهيئة، ومرحلة التأقلم، وتبدأ مرحلة الصدمة منذ لحظة احتجاز المتَّهم في قسم الشرطة وحتى عرضه على المحكمة، ويتعرَّض فيها السجين إلى تعذيب وإذلال يهين كرامته الإنسانيَّة كالضرب وتقييد اليدين بالكلبشات والرجلين بالقيود، مع عصب العينين والرفع على النافذة، ثمَّ الصعق بالكهرباء حتى الوصول إلى درجة الإغماء.
بينما تبدأ مرحلة التهيئة منذ لحظة وصول السجين من المحكمة إلى ساحة السجن، وتستمرُّ حتى دخول الزنزانة، وفي هذه المرحلة يتعرَّض لسوء المعاملة، كما يتعرَّض للتعذيب بالضرب لإرغامه على الطاعة؛ أمَّا مرحلة التأقلم فتبدأ منذ لحظة دخول السجين الزنزانة حتى خروجه منها، ويتعرَّض فيها لسوء المعاملة إضافةً إلى التعذيب والتنكيل بالصلب على الخشبة وتعرية عورته، ثمَّ ضربه ضربًا مبرحًا أمام السجناء لغرض التأديب. هذا مع وجود تشابه يصل إلى حد التطابق في أنواع التعذيب الخاص بكلِّ مرحلة في الرواية وبين ما يناظرها في السجن على أرض الواقع، كما أظهرت الدراسة وجود مظاهر تشير إلى اعتلال الصحة النفسيَّة لبعض السجناء في تلك المراحل في الرواية.
كلمات مفتاحيَّة: الزنزانة، السجين، الضرب، سوء المعاملة
مقدِّمة
يُعَدُّ التعذيب البدنيُّ أو النفسيُّ من العوامل المشتركة في كل كتابات أدب السجون، على الرغم من أنَّه قد يختلف إلى حد ما بين كل جنس أدبيٍّ وآخر من هذا النوع من الأدب، بل يختلف التعذيب شدَّةً وخفةً داخل العمل الأدبيِّ الواحد.
إشكالية الدراسة
تكمن مشكلة الدراسة في كونها تبحث في مراحل التعذيب في رواية (شرف) للروائيِّ المصريِّ صنع الله إبراهيم.
أسئلة الدراسة
تحاول الدراسة الإجابة عن الأسئلة التالية:
ما مراحل التعذيب التي يمرُّ بها السجين في أدب السجون؟
ما الخصائص المميِّزة لكلِّ مرحلة عن المراحل الأخرى؟
ما الانعكاسات النفسيَّة على السجين خلال تلك المراحل؟
ما علاقة تلك المراحل في الرواية بما هو موجود في السجون على أرض الواقع؟
أهميَّة الدراسة
تكمن أهميَّة الدراسة في كونها تبحث في أنواع التعذيب التي يتعرَّض لها السجين الجنائيُّ، وذلك لغرض تصحيح المفهوم السائد الذي مفاده أنَّ السجين الجنائيَّ يتعرَّض للتعذيب والإذلال بدرجة أقل من السجين السياسيِّ، وتتناول مراحل التعذيب في هذه الدراسة شخصيَّات روائيَّة مُدانة، أو منتظرة للحكم في جرائم جنائيَّة، ثم تقابل الدراسة تلك المراحل بما يتعرَّض له نظراء هذه الشخصيَّات في السجن على أرض الواقع.
أهداف الدراسة
تهدف الدراسة إلى:
التعرُّف إلى مراحل التعذيب في رواية شرف لـ صنع الله إبراهيم.
بيان الفروق التي تميِّز كلَّ مرحلة من تلك المراحل عن غيرها، مع بيان خصائص كلِّ مرحلة منها على حدة.
تسليط الضوء على الجوانب النفسيَّة التي يشعر بها السجين في كلِّ مرحلة من تلك المراحل، ومدى تفاعله مع معطياتها.
المقارنة بين مراحل التعذيب في الرواية بما هو موجود في السجون على أرض الواقع.
منهج الدراسة
استخدمت الدراسة المنهج الوصفيَّ التحليليَّ، وهو منهج ملائم لطبيعتها، وقد قُسِّمَت من خلاله حياة السجين في الرواية إلى مراحل وفق ما تتميَّز به كل مرحلة من مميِّزات، وخاصَّةً ما يتعلَّق منها بتعذيب السجين فيها، والغرض من تعذيبه؛ وبناءً عليه فقد قُسِّمَت تلك الفترة إلى ثلاث مراحل وهي: مرحلة الصدمة، وتشمل فترة الاحتجاز في أقسام الشرطة لغرض التحقيق، ثم مرحلة التهيئة للإقامة لفترة طويلة أو متوسِّطة في السجن، وتشمل الفترة التي يقضيها السجين من النزول من عربة الترحيلات في السجن وحتى دخوله الزنزانة، ثم تأتي المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة التأقلم على الإقامة في السجن. وقد دُرِسَتْ كلُّ مرحلة منها على حدة، للتعرُّف إلى خصائصها، ثم المقارنة بين تلك المراحل وما يناظرها في السجون على أرض الواقع.
الدراسات السابقة
هنالك عدَّة دراسات تناولت موضوع أدب السجون، ومنها دراسة علي منصوري (البطل السجين السياسي في الرواية العربية المعاصرة)، بحث دكتوراه، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، العام (2007- 2008). وقد تناولت الدراسة علاقة المثقَّف بالسلطة وما يتعرَّض له من بطش وتنكيل، وتوصَّلت الدراسة إلى نتائج منها ما يتعلق بموضوع هذه الدراسة مثل: تقديم المثقف نفسه كضحية، ويتضح ذلك من خلال تجربة الاعتقال وبيان أحوال السجن وأهواله، وكذلك محاولة السلطة إخضاع المثقف بشتى الوسائل من اضطهاد وإذلال وسجن وتنكيل.
ودراسة عبد الدايم نوال، أدب السجون عند أيمن العتوم من خلال روايتيه: “يسمعون حسيسها” و”يا صاحبي السجن”، بحث ماجستير، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر، 2020- 2021م. والتي توصَّلت إلى نتائج منها: قِدَم أدب السجون، إلا أنَّه احتلَّ مكانة بارزة في العصر الحديث، ويمثل الشعر والرواية أبرز ميادين ذلك الأدب، وهو أدب يصور ما يتعرض له السجين من تعذيب وإذلال بكلِّ صدق.
تلتقي هذه الدراسة مع البحثين أعلاه في البحث في أدب السجون في الرواية العربيَّة، والتطرُّق إلى وصف حالات التعذيب التي يتعرض لها السجين، ثم يختلف الجانب التطبيقيُّ، حيث يقوم البحث الأوَّل على دراسة تجربة السجن السياسيِّ في الروايات العربية بصورة عامة، بينما يقوم البحث الثاني على دراسة روايَتي أيمن العتوم، أما هذه الدراسة فتبحث في مراحل التعذيب في رواية شرف للروائيِّ صنع الله إبراهيم، كما تقوم الرواية بالمقارنة بين حالات التعذيب في الرواية بما يناظرها في السجون على أرض الواقع.
مفهوم أدب السجون
هنالك عدَّة تعريفات لأدب السجون عند النقَّاد والمهتمِّين، ومن ذلك قول الناقدة رضوى عاشور عن أدب السجون: “كتابات السجن رافد هام من روافد الأدب العربي الحديث […..] وتشمل هذه الكتابات، فضلًا عن اليوميات والسير الذاتية والروايات والقصائد والمسرحيات شهادات لا حصر ومقابلات وشذرات”.()
يعدِّد هذا النصُّ أصناف الكتابات التي يشملها ذلك المصطلح، ومن بينها الأجناس الأدبيَّة التي تتخذ من السجن موضوعًا لها، من شعر ورواية ومسرحية وقصة قصيرة، إضافةً إلى أنواع الكتابات الأخرى، وهذا يعني أنَّ مصطلح أدب السجون مصطلح عامّ يندرج تحته أجناس من الكتابات، وهنالك من يضيِّق حدود المصطلح، وذلك كما في قول منير لخضر في معرض حديثه عن دور أدب السجون في فضح الانتهاكات التي تمارسها السلطة في حقِّ المعتقلين السياسيِّين: “وبهذا يكون أدب السجون أدبًا ملتزمًا تشكل قضية الاعتقال السياسي لبّ اهتماماته.”() على الرغم من أنَّ هذا الكلام ليس تعريفًا لأدب السجون، ولكنَّه يتحدَّث عن خاصِّيَّة من خصائصه، ألا وهي خاصِّيَّة الالتزام، وذلك باتخاذ قضية الاعتقال موضوعًا له، كما يقول الشيخ ياسر السري مدير المرصد الإعلاميِّ الإسلاميِّ في لندن عن أدب السجون في تقديمه لكتاب (الأكفّ الممزَّقة) للكاتب زكرياء بو غرارة: “نوع من أنواع الأدب معنيٌّ بتصوير الحياة خلف القضبان وأسوار السجون والمعتقلات، يناقش الظلم الذي يتعرض له السجناء والمعتقلون، والأسباب التي أودت بهم إلى السجن، حيث يقوم السجناء أنفسهم بتدوين يومياتهم وتوثيق كل ما مروا به من حوادث بشعة داخل السجن.”() وهذا التعريف لا يختلف كثيرًا عن تعريف ذكره بعض النقاد، حيث عُرَّف أدب السجون أنَّه: “ما يكتبه الأسرى في المعتقلات، ويستوفي الحد الأدنى من الشروط، وما يُكتب عن السجون والأسرى خارج السجن من غير الأسرى أو من المحرَّرين لا يُعَدّ أدب سجون، ويمكن تسميته أدب عن السجون.”() ويزيد هذا التعريف عن التعريف السابق في كونه يجعل ممَّا يكتبه غير المعتقلين أدبًا عن السجون، وليس من أدب السجون.
ولكن على الرغم من هذه الاختلافات كلها في تأطير حدود مصطلح أدب السجون، فإنه عند الممارسة النقديَّة تختفي تلك الفروق الصناعيَّة، لتشمل الدراسات النقديَّة كافة الأجناس الأدبيَّة التي تتَّخذ من السجن وأحواله موضوعًا له، سواء أكانت تلك الأجناس الأدبيَّة من كتابة السجين نفسه أو من كتابة غيره.
التعذيب في روايات أدب السجون
نصَّت اتفاقية مناهضة التعذيب في الفقرة الأولى من المادة الأولى على أن التعذيب هو “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، حسيًا أكان أم عقليًا يُلحَق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يُشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث؛ أو تحويله أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث؛ أو عندما يُلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو يُحرّض عليه أو يُوافق عليه أو يَسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أو يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”.()
يستند هذا التعريف إلى ثلاث ركائز أساس للتعذيب، وهي:
إلحاق الألم والأذى الجسديِّ أو العقليِّ بشخص المعذَّب.
أن يكون ذلك على يد مسؤول رسميٍّ سواء أكان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أن يكون هنالك غرض من التعذيب كالحصول على المعلومات.()
يشمل أدب السجون كافة الأجناس الأدبيَّة التي تتَّخذ من السجن وملابساته موضوعًا لها، ومن بين تلك الأجناس تظل الرواية الجنس الأدبيُّ الذي يحظى بسعة التناول فيها، وذلك لما تتميَّز به الرواية من طول وتقنيات لا تتوافر في الأجناس الأدبيَّة الأخرى، ويظلُّ التعذيب السمة المشتركة بين روايات أدب السجون في العالم العربيِّ، وهذه نماذج من الروايات التي احتوت على نوع أو أكثر من أنواع التعذيب:
رواية ستائر العتمة: لمؤلفها الروائيِّ الفلسطينيِّ وليد الهودلي، وتحكي عمَّا يتعرَّض له الأسرى في السجون الإسرائيلية من بطش وتنكيل، حيث يتعرَّض البطل عامر للتعذيب الجسديِّ لغرض الحصول على اعتراف منه عن التنظيم الذي ينتمي إليه، ومن مظاهر التعذيب التي تعرَّض لها في أثناء التحقيق الضرب المبرح على يد خمسة من الحراس، ثم حَمْله على كرسي الشبح، وهو كرسي يُربط فيه السجين وتُقيَّد فيه يداه خلف ظهره، ثم يُرفَع إلى أعلى حتى تدور كتفاه في موضعيهما، بينما يتعرَّض السجين للضرب في المعدة والرأس وهو على ذلك الكرسي، وقد أفضى التعذيب إلى شلل يدي عامر بعد يومين من العذاب على ذلك الكرسي.()
رواية جَو: لمؤلِّفها المعتقل البحرينيِّ جهاد، تحكي عن قصة اعتقاله في سجن جَو البحريني مدة (84) يومًا، ذاق فيها أصنافًا شتى من العذاب، منها إجبار السجناء على الوقوف مرفوعي الأيدي تحت أشعة الشمس منذ الصباح وحتى غروب الشمس، وقد تورمت أقدامهم بسبب الحرارة وطول فترة وقوفهم على تلك الهيئة، ثم طُلِب منهم النوم على وضعية الجلوس، وما أن يغرقوا في النوم من شدة التعب حتى يصيح فيهم الضابط طالبًا منهم الاستيقاظ، ومن يتأخر في ذلك يتلقى ضربًا مبرحًا.()
رواية تلك العتمة الباهرة: لمؤلِّفها الروائيِّ المغربيِّ الطاهر بن جلون: وتحكي عن قصة معتقلين في سجن تزامامارت بتهمة الاشتراك في محاولة انقلاب، وقد ذكرت الرواية أنوعًا من التعذيب الذي كان يُمارَس على المعتقلين، منها ما كان لغرض التأديب، مثل إطلاق العقارب في الزنزانة (الحفرة) على المعتقلين ما يحرمهم النوم مخافة اللدغ، أو التعرض للدغ في حالة النوم.()
رواية يا صاحبي السجن: للروائيِّ الأردنيِّ أيمن العتوم، وتحكي قصة شاب اعتقلته المخابرات بسبب قصائده الشعريَّة، فيروي البطل ما شاهده من أنواع التعذيب في السجن، ومن ذلك تعرُّض أحد السجناء للتعذيب بسبب اعتراضه على الشرطيِّ الذي أساء معاملته، فقُيِّدت يداه بالكلبشات على كرسي مربَّع، ورُبِطَتْ رجلاه على قائمتي الكرسي، وهو يجلس عاريًا إلا ممَّا يستر عورته، ثم انهال عليه الحرَّاس بسياط معدنية يلهبون بها كلَّ موضع في جسمه.()
كانت تلك طائفة من الروايات العربيَّة الحديثة، والتي تنتمي إلى أدب السجون، وقد اشتركت في أن التعذيب عنصر أساس من بنائها الفنيِّ، حيث يمارَس التعذيب في أثناء التحقيق والاحتجاز، وكذلك في السجن لغرض التأديب، وهذا يشير وجود عدَّة أنواع من العذاب تختلف من موضع لآخر ومن غرض لآخر.
مراحل التعذيب في رواية شرف
احتوت الرواية على أصناف من التعذيب، حيث تعرض بعض السجناء فيها للتعذيب في أثناء الاحتجاز في أقسام الشرطة، ثم عُذبوا عند وصولهم إلى السجن لقضاء فترة الحكم والانتظار، ثم في أثناء تلك الإقامة طويلة كانت أم قصيرة، ولأغراض هذه الدراسة قُسِّمَ التعذيب إلى مراحل بحسب موقعه المكانيِّ أو الزمانيِّ في الرواية، وذلك للتعرُّف إلى الخصائص المميِّزة لكلِّ نوع من أنواعه، وما صاحبه من ملابسات في كلِّ مرحلة من تلك المراحل.
أولًا: مرحلة الصدمة
وتبدأ هذه المرحلة من بداية القبض على المتَّهم وحتى لحظة التحقيق معه، وفي هذه المرحلة سيرى كل ما سيسبِّب له الصدمة من مناظر مقززة، ورفقة غير مأمونة، وتحقيق يتخلَّله كلُّ فنٍّ من فنون التعذيب، ويكون ذلك كله كما يلي:
صدمة المكان: لن يُعجَب السجين بالمكان الجديد، وسيرى فيه من المناظر ما يصدمه، وذلك كما يقول شرف: “ألفيتُ نفسي في غرفة كبيرة تلطخت جُدُرها بالحبر وبقع الدماء وكتابات مختلفة، واكتست أرضها بالزفت وخليط من البصاق والبول”.() ويتضح حجم الصدمة بالمقارنة بين مكانه القديم/ حجرته في البيت وبين المكان الجديد ذي الجُدُر الملطَّخة بالكتابات والحبر وبقع الدماء، وذي الرائحة الخليط من البول والبصاق والدم والزفت الذي يغطي أرضيته.
صدمة الرُّفقة: وبمجرد دخوله إلى حجرة السجن يلاقي شرف أصنافًا من البشر الذين لا تسرّ رؤيتهم أحد، وكان أوَّل عهده بهم عندما دفعه السجّان إلى الداخل وأغلق الباب خلفه، ليجد نفسه يشقُّ طريقه بين رجال غريبي الأطوار، يقول شرف عن ذلك: “شققتُ طريقي بين بضعة أشخاص تجمّعوا عند الباب وانهالوا عليه بالدق والصياح”.() ولم يكد يتجاوزهم حتى وجد نفسه على مقربة من رجل ضخم الجثة، يقول عنه: “أشار لي رجل ضخم الجثة يجلس القرفصاء على الأرض كي أنضم إليه، كان يرتدي جلبابًا قذرًا شُقَّ من منتصفه ليكشف عن صدره وعورته”.()
وبالمقارنة بين رفقة شرف في بيته من أبيه وأمِّه وأختيه وبين رفقته في السجن سيشعر القارئ بحجم الصدمة والخوف الذي يعتريه في السجن بين هؤلاء الرجال غريبي الأطوار، وبعضهم ضخم الجثة يكشف عورته وصدره بلا مبالاة، لذا كان من الطبيعيِّ أن يشعر شرف بالخوف منهم، ولو أمكنه الفرار لفرَّ، ولكن أين يمكنه الفرار بين هذه الجُدُر التي تطبق عليه في رفقة هؤلاء الأشرار.
صدمة التحقيق: حيث اقتيد شرف إلى غرفة عُلِّقَت فيها لافتة تشير إلى أنها غرفة المباحث، ويصف شرف الغرف فيقول: “كان ثمة ساتر خشبي في المدخل درنا حوله لتطالعني غرفة كبيرة وصورة رئيس الجمهورية فوق شاب مديد القامة وسيم الملامح، يبدو أنه من أولاد الناس”.() وقد بدأت صدمة التحقيق من هذا الانطباع الخاطئ عن الضابط، حيث اكتشف شرف أنَّه رجل قاسٍ وليس من أبناء الناس كما يبدو، فعندما أجاب عن سؤال الضباط بخصوص مقتل الخواجة، طالبه بالاعتراف بأنَّ القتل كان بدافع السرقة، رفض شرف ذلك وأصرَّ على أنَّ القتل كان بسبب الاعتداء الجنسيِّ عليه، ولم يكن بدافع السرقة، وهنا ظهر الضابط في شكله الحقيقيِّ، وأنَّه ليس ابن ناس كما يبدو، وقد أمر المخبرَيْنِ بأن يقلِعاه، ثم يربطا يديه بالكلبشات، وأن يعصبا عينيه بطرحة نسائيَّة، ويقيِّدا قدميه، ثم يعلِّقاه على النافذة حتى تلامس أصابع قدميه الأرض، وهما يضربانه ويشتمانه بأقذع الألفاظ، ثم يأمرهما الضابط بتجربة الجهاز عليه، فوصَّل أحدهما شيئًا تحت رجليه، وأحس شرف بقضيب من نار يخترق ساقيه، فصار يصرخ من الألم ويتوسَّل إليهم، ولم يوقف الجهاز حتى سقط مغشيًا عليه. وبعد أن أفاق وجدهم على رأسه وقد وضع الضابط قدمه على فمه، وهو يطلب منه أن يختار اسم بنت حتى يُنادَى به عليه، وعندما احتجَّ شرف بأنَّ له اسم، هدَّده الضابط باغتصاب أخته، وبالفعل سمع شرف صرخةً تشبه صرخة أخته، وهنا انهار واعترف بأنَّه قد قتل الخواجة بدافع السرقة، وهنا أيضًا وصل الضابط إلى الحقيقة التي يريدها فأمر بإعادة شرف إلى محبسه.()
ثانيًا: مرحلة التهيئة
لا تستمر هذه المرحلة طويلًا، فهي تبدأ من الترحيل من المحكمة إلى السجن الذي يقضي فيه المحكوم فترة طويلة إذا حُكم عليه بسنوات، أو متوسطة إذا كانت عليه فترة انتظار، وهذه الإقامة الطويلة نسبيًا أو المتوسِّطة تستدعي السجَّان أن يضع قواعد للتعامل مع السجناء، حتى يكونوا طوع أمره، ولا يخلوا بالنظام العام للسجن، وهنا تظهر أهميَّة تلك المرحلة، إذ تمثّل مدخلًا تعريفيًّا للسجين، يقف فيه على أهمّ قاعدة من قواعد الإقامة في السجن، ألا وهي الطاعة المطلقة للسجَّان أو من ينوب عنه من السجناء، وتستمر هذه المرحلة من الدخول إلى بوابة السجن وحتى دخول العنابر لأوَّل مرة، وهي تستغرق بضع ساعات في الغالب، ولهذه المرحلة طقوس خاصَّة بها في السجن، تتمثّل في:
التفتيش: بمجرد وصول النزلاء الجدد إلى مبنى السجن يُطلق عليهم اسم الإيراد الجديد، وهو إيراد محصّل من عدَّة أقسام من أقسام الشرطة، وكان عدد الإيراد الجديد القادم مع شرف ثلاثين نزيلًا، وأُخضعوا كلُّهم لإجراء تفتيش دقيق، يشمل كلَّ تقاطيع أجسامهم من أفخاذ وسيقان وآباط، ويُصادَر بموجبه منهم الأدوات المعدنيَّة والنقود والساعات والخواتم وأربطة الأحذية، كما يشمل التفتيش لفافات الأطعمة، وعلى الرغم من أنَّهم يسمحون لهم بها، إلا أنَّهم يُحرمون من الشاي والسكر. ثم يجلس السجناء القرفصاء مع أغراضهم ملتصقين بحائط السجن في انتظار الخطوة التالية.()
الحلاقة: وتأتي بعد التفتيش، حيث يقوم أحد السجناء القدامى بجز شعر كلِّ سجين جديد بإطلاق ماكينة الحلاقة بكلِّ قوة عليه، فيُجرَّد من شعره في حركتين سريعتين. ثم يصوَّر السجناء، ليعودوا بعدها إلى القرفصة من جديد في انتظار الخطوة التالية.
التقسيم: ويكون بوساطة حضرة الصول، ويسمى بنمرة الصول، وهو الذي يطلب منهم الاصطفاف بحسب نوعيَّة الجريمة، ويستخدم الصول (عترة) عصا مقطوعة من فرع شجرة في تقسيم السجناء بحسب التهمة، ثم يجمعهم من جديد لإعادة تقسيمهم بحسب القدرة الاقتصاديَّة لكلٍّ منهم، وذلك بتخييرهم بين النزول في العنبر الملكيِّ أو النزول في العنبر الميريِّ، فالأوَّل يحصل عليه من يكتب (عرضحال) ويدفع مبلغًا من المال، بينما يقيم الذين لا يملكون المال في العنبر الميريِّ، والفرق بين العنبرين يتمثَّل في أنَّ نزلاء العنبر الميريِّ يقومون بالخدمة عند العنبر الملكيِّ من تنظيف للزنازين وحمل لدلاء البول والبراز الخاصة بنزلائه، بينما لا يقوم نزلاء العنبر الملكيِّ بأيٍّ من الأعمال التي يقوم بها نزلاء العنبر الميريِّ، كما يرتدي أصحاب العنبر الملكيِّ ملابسهم العاديَّة بينما يرتدي نزلاء العنبر الميريِّ ملابس السجن، وقد انقسمت المجموعة القادمة مع شرف إلى مجموعتين: إحداهما صغيرة مقتدرة اختارت العنبر الملكيَّ، والأخرى كبيرة لا تملك خيارًا سوى النزول في العنبر الميريِّ.()
دخول العنابر: بعد التقسيم يقوم نزلاء العنبر الملكيّ بالتوجه إلى عنبرهم وهم يرتدون ملابسهم، بينما يسلِّم نزلاء العنبر الميريِّ ملابسهم إلى إدارة السجن، ويتسلَّمون اللباس الجديد المكوّن من أربعة قطع: قميص بلا أكمام كالفانلة، وآخر كالبلوزة بأكمام طويلة، وبنطلون يُشدُّ بحبل من نفس نوع القماش، إضافةً إلى طاقية أشبه بالكاب، وكلُّها مصنوعة من الدمور الأبيض، لتوجهوا بعدها إلى عنبرهم الميريِّ.()
ملاحظات على هذه المرحلة
يتضح ممَّا ذُكِرَ أنَّه يخفَّف التعذيب في هذه المرحلة، ويغلب فيها سوء المعاملة، ويُقصَد به: “أي أفعال أخرى من المعاملة أو العقوبة القاسية أو الإنسانية أو المهينة التي لا تبلغ حد التعذيب”.() ويدخل في سوء المعاملة ما تعرَّض له شرف ورفاقه السجناء عند وصولهم السجن، من تفتيش مذلّ، وحلاقة بطريقة غير إنسانيَّة، وكذلك الإذلال النفسيّ بجعل السجناء الجدد يستحمون عراة أمام أعين الآخرين.()
ولا يظهر التعذيب بالضرب إلا لمامًا وفي حال الضرورة القصوى، أي لفرض الطاعة المطلقة وعدم المناقشة في تنفيذ أوامر السجَّان، ومن ذلك ضرب شرف على قفاه عندما اعترض على لبس ملابس السجن بحجَّة أنَّها ليست مقاسه، ليتلقَّى ضربة من الجندي، وانتقلت عدوى الرغبة في إلحاق الأذى ببقية زملائه الجنود، فقاموا بضرب السجناء من غير جرم، بل ضربوهم لأنَّ زميلهم الجندي ضرب أحد السجناء، لذا من الطبيعي أن يضربوهم، وقد أعلن الجندي أنَّه أُزفَّ موعد حفل التعذيب.() كما تلقى السجين صبري صفعةً من النوبتجي بطشة، وعلى الرغم من أنَّ بطشة مجرَّد سجين مثل صبري، ولكنه بحمله لقب النوبتجي يَعدُّ نفسه جزءًا من إدارة السجن، لذلك لم يعجبه تردُّد صبري في فهم نظام السجن، عندما خاطبهم بخصوص طبيعة موقعهم في السجن والذي يحدَّد ببلاطتين ونصف البلاطة، ولما أظهر السجين صبري -صاحب النظارة ذات الإطار المذهب- عدم الفهم صفعه بطشة.() كما يتعرَّض السجناء للابتزاز الماليِّ عن طريق إساءة المعاملة، حتى يضطرَّ السجين إلى الدفع نظير تحسين طريقة معاملته إلى حد ما، ومن ذلك تعريضهم للحلاقة القاسية عن طريق جزّ الشعر في حركتين سريعتين بالآلة، ومَنْ يدفع يحظى بحلاقة أقلّ قسوة، وذلك كما فعل شرف حيث تمكَّن من الحصول على حلاقة أفضل نظير دفعه علبة سجائر كليوباترة.()
وخلال طقوس هذه المرحلة كلها يكون السجين قد استنبط عدَّة قواعد للتعامل في السجن، وهي:
يعرِّض الاعتراض أو التردُّد في تنفيذ الأوامر السجين للضرب والتعذيب، فمن الأفضل إطاعة الأوامر من دون تردُّد.
يمكن للسجين الحصول على معاملة أفضل نظير الدفع مقابل الخدمة.
السجن مكان ضيق، فمن الأفضل عدم البحث عن الراحة في مكان لا تتجاوز فيه مساحة الخصوصيَّة الشخصيَّة بلاطتين ونصف البلاطة عرضًا، وعدم التشبث بالخصوصيَّة الشخصيَّة في موضع لا يمكن الحصول فيه على النظافة الشخصيَّة إلا على مرأى من الجميع.
وبذلك يكون السجين مؤهلًا نفسيًّا للدخول في المرحلة الثالثة، والتي يتأقلم فيها مع أحوال السجن الذي قد يقيم فيه إقامة طويلة أو متوسِّطة وفق المدة التي حكمت بها المحكمة عليه.
ثالثًا: مرحلة التأقلم
في هذه المرحلة يحاول السجين أن يبدو متأقلمًا مع أحوال السجن وطريقة إدارته، فيحاول أن يضبط تصرفاته وفقًا لما تقتضيه أحوال السجن، وفي حدود ما تسمح به إدارة السجن من ممارسات، وهذه طائفة من تصرفات السجناء تظهر تأقلمهم مع أحوال السجن:
وضع قواعد لتنظيم السجناء: للسجناء قواعد يديرون أنفسهم بها في السجن، وعلى الرغم من أنَّها تقوم في الغالب على منطق القوة والاستغلال إلا أنَّها قد تنظّم طريقة العيش الجماعيِّ في السجن إلى حد ما، ومنها:
أ. قاعدة الإقامة في السجن: وتقضي بأنَّ الإقامة في السجن تبدأ تصاعديًّا من القاع إلى القمة، ويقصد بالقاع هنا باب السجن حيث مجاورة دلاء البول، إذ يبدأ السجين الجديد منه ويظلُّ يتدرَّج حتى يصل إلى موقع أفضل كلَّما دخل سجناء جدد، ويبدو أن هذه القاعدة سائدة في معظم السجون على أرض الواقع، ومن ذلك ما ذكرته إحدى الدراسات عن وجود عرف سائد بين السجناء بخصوص المكان في السجن، حيث يكون المكان الأفضل وهو البعيد من باب الغرفة من نصيب السجين الأقدم، بينما يكون مكان السجين الأحدث عند باب الغرفة،() وقد بدأ شرف من القاع رفقة المجموعة التي دخلت معه، إلا أنه قفز رفيقاه صلصة وبلحة إلى الداخل لمعرفتهما بتلك القاعدة، بينما وقف هو مكانه لأنَّه كان أصغرهم سنًا وعديم الخبرة بالسجون.()
ب. الحدود المكانية لكل نزيل: وتقدَّر ببلاطتين ونصف البلاطة عرضًا، وسبع بلاطات طولًا، وهذا ما أخبر به السجين والنبوتجي بطشة النزلاء الجدد.()
ج. لفّ النمر بطريقة معينة: حيث يقوم السجناء بطي إحدى البطانيتين ثلاث طبقات، ثمَّ فرشها على البرش، بينما تُستخدم البطانية الأخرى كوسادة، وعند تغيُّر الطقس تُستخدَم كغطاء للسجين، وقد عجز شرف عن فعل ذلك حتى تطوَّع لمساعدته السجين صبري الذي قام بتعريفه بتلك الطريقة.()
د. استخدام نظام الدَّور: في ملء جرادل الماء وتفريغ جرادل البول، وكانت بداية الدور عند شرف في المجموعة التي دخلت معه.()
ويلاحظ في القواعد السابقة أنَّها قواعد منظِّمة لطريقة العيش في السجن، وتقِّلل من انتشار الفوضى والنزاع بين السجناء في تلك المساحة الضيقة التي لا تحتمل ذلك، كما يلاحَظ أيضًا أنَّها من وضع السجناء أنفسهم، وهذا يعني تأقلمهم مع أحوال السجن والامتثال لإدارته ونظامه الانضباطي.
الالتزام بأداء الواجبات: يؤدِّي السجين كلَّ ما يوكل إليه من واجبات في السجن، فلا يتوانى في أدائها، ومن ذلك قيام شرف بتنفيذ الدَّور في نقل جرادل الماء والبول، وكذلك قيامه بتنظيف العنبر الملكيِّ مع صبري وآخرين، حيث قام شرف وصبري بتنظيف الطرق الخارجيَّة للزنازين، إضافةً إلى تنظيف المرحاض في العنبر الملكيِّ، هذا على الرغم من أنَّ شرف لم تكن له معرفة سابقة بكيفية النظافة بصورة عامَّة ونظافة المراحيض بصورة خاصَّة، وهو الذي لم يتناول بيده مكنسةً يومًا في منزله.()
نسج علاقة بينيَّة بين السجين والسجَّان: حيث يقوم بعض السجناء بعقد علاقة منفعيَّة مع السجَّان بصورة مباشرة، وذلك كما كان بطشة يفعل مع الحارس بعجر، حيث كان يأتي الأخير للحصول على حلاوة المفتاح من السجناء الجدد بوساطة السجين النوبتجي بطشة، وعندما دخل شرف ومن معه من النزلاء الجدد حضر الحارس بعجر لاستلام الحلاوة، فناداه بطشة بقوله: مساء الخير يا بو علي.
ثم ناوله السجائر التي جُمِعَتْ من السجناء الجدد،() وكذلك عندما يأتي الحارس ليلًا، حيث تظهر عينه عبر فتحة في باب الزنزانة، فيقوم النوبتجي بتحيته قائلًا: مساء الخير على غفر الليل.
ثمَّ يظهر فم السجان عبر الفتحة، فيدسُّ له فيه بطشة سيجارة، لينصرف الحارس بعدها.() وكان بطشة يحصل نظير ذلك على معاملة خاصة من السجّان، فمثلًا كان يُخرَج بطشة من الزنزانة في الصباح بينما يبقى السجناء فيها يعانون من تلوث هوائها، وكذلك خروجه من الزنزانة وعودته في صحبة الحارس حاملًا زجاجة مياه مثلجة.()
كما كانت هنالك معاملة منفعيَّة بين صاحب النشرة والحرَّاس، وصاحب النشرة سجين محكوم عليه بست سنوات، يقوم بإذاعة أسماء السجناء المفرَج عنهم، ويحصل على المعلومات من حرَّاس السجن مقابل السجائر، ويقوم بإذاعتها بين السجناء مقابل السجائر أيضًا، ويبدأ نشرته قائلًا بصوته الجهوريِّ: عنبر كله يسمع.
ثم يقوم بإذاعة أسماء الذين سيُفرَج عنهم في اليوم التالي، ويتلوها بالدعاء لهم بعدم الرجوع، فيردِّد السجناء: آمين تأمينًا على تلك الدعوة.()
ويتضح من ذلك أنَّه كان لبعض السجناء علاقة تبادل منفعيٍّ بينهم وبين السجَّان، وكان الدفع بالعملة الموحَّدة في السجن، أي علب السجائر، فيحصل بعضهم نظير ذلك على الفسح والخروج من الزنزانة والحصول على المياه المثلَّجة، بينما يحصل بعضهم نظير ذلك على المزيد من السجائر من السجناء بما يحقق له الاكتفاء الذاتي من هذا الصنف، أو العملة الصعبة (سجائر الكليوباترة).
يتضح من كلِّ ما سبق ذكره أنَّ السجناء قد تأقلموا على السجن وتماهوا مع أوضاعه ونظامه الانضباطيِّ، وذلك من خلال تشريع قواعد لكيفيَّة العيش في الزنزانة، وتنفيذ جميع الواجبات الملقاة على عواتقهم، وكذلك بقيام بعضهم بنسج علاقات تبادل منفعيٍّ مع السجَّان نظير الحصول على معاملة ومستوى معيشيٍّ أفضل.
الانتهاكات في مرحلة التأقلم
يقلُّ التعذيب في هذه المرحلة، فلا يُمارَس إلا في نطاق ضيق، ليفسح المجال لممارسات لا تصل درجة التعذيب، ولكنها تمثِّل انتهاكًا لكرامة السجين، وتصنَّف تحت بند إساءة المعاملة، وفقًا لقواعد المعاملة النموذجيَّة الدنيا مع السجين، والتي وضعتها الأمم المتحدة، وحُدِّثَت لاحقًا باسم (قواعد نلسون مانديلا)، وأجيزت من طرف الجمعية العمومية للأمم المتَّحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2015م،() وهذه طائفة من أنواع إساءة المعاملة التي تعرَّض لها السجناء في رواية شرف وتتعارض مع تلك القواعد:
أحوال السجن: توصي قواعد مانديلا في القاعدة رقم (13) أن تتوافر في غرف السجن مراعاة الشروط الصحية والأحوال المناخية،() كما توصي القاعدة رقم (14) أن تكون لغرف السجن نوافذ واسعة بحيث تسمح للسجناء باستخدام الضوء الطبيعيِّ في القراءة والعمل، وأن تكون الإضاءة الاصطناعيَّة كافية كذلك،() وقد كانت زنزانة شرف ومن معه ضيِّقة ولها فتحة ضيِّقة على الباب، وسيِّئة التهوية حتى أنَّ الجو يكون خانقًا فيها، ويزيد ذلك اختناقًا برائحة البول، وبدخان سجائر السجناء، وكذلك بسعالهم وبصاقهم على الأرض.()
وكانت لتلك البيئة الملوثة والقذرة أثرها في إصابة السجناء بأمراض جلديَّة معدية، وقد أصيب السجين (عم حسن) بالجرب، حتى أنَّه كان يهرش جسده الليل كلَّه، وعندما كُشف عليه بانت عورته الحمراء الملتهبة، وفخذاه الملوثتان بالدماء بسبب الهرش.()
الطعام والشراب: وفقًا للقاعدة رقم (22) يحقّ للسجين الحصول على وجبة مغذِّية ومعدَّة جيِّدًا، وكذلك له الحقُّ في الحصول على ماء شرب كافٍ في الوقت الذي يحتاجه،() وكان يُقدَّم لشرف وزملائه طعامًا رديئًا في السجن يتكوَّن من سائل أسود تعلوه طبقة من الزيت، وجبن أبيض متحجِّر أشبه بالحجارة البيضاء، مع ثلاثة أرغفة خبز لكلِّ سجين، ويوزِّع ذلك الطعام سجين قذر الهيئة حافي القدمين، يحمله على دلو أشبه بدلاء البول، ويغرف لكلِّ سجين ثلاث غرفات في آنية من الألمنيوم تسمى القراونات، أما أرغفة الخبز فيقوم بتوزيعها سجين آخر، وهو يجرُّها على بطانية فوق الأرض في أثناء التوزيع.() وكان السجناء يطلقون على ذلك الطعام اسم (اليمك) تهكمًا، ويقصدون به حساء الرجلة الذي يحتوي على قطعة من لحم الدجاجة أو جلدها.() أما الماء فيُوضَع في دلو أشبه بدلو البول، وُيوضَع على الجانب الآخر من باب الزنزانة، ويغطَّى ثم يُوضَع عليه كوب معدنيٌّ ذو أذن، وعندما عطش شرف رفع الغطاء عن الدلو، فوجد الماء مغطى بطبقة زيتيَّه تعجُّ بالكائنات الدقيقة،() ونتيجة للشبه الشديد بين دلوي البول والماء وتقاربهما الشديد مكانيًا -كان بعض السجناء يبول بالخطأ في دلو الماء بدلًا من البول في الدلو المخصَّص للبول، وقد ذكر شرف حدوث ذلك، حتى أنَّ بطشة أمره بغسل دلو الماء من آثار البول بالماء والصابون ذات مرة عندما حدث ذلك الخطأ.()
النظافة الشخصية وقضاء الحاجة: توصي القاعدة (18) من قواعد مانديلا بضرورة أن تُلزِم إدارة السجن السجناء بالنظافة الشخصيَّة على أن توفر لهم الماء وأدوات النظافة، كما توصي القاعدة (16) بتوفير مرافق الاستحمام، ويتاح للسجين الاستحمام مرة واحدة على الأقلِّ في الأسبوع، كما توصي القاعدة (15) بضرورة توفير مراحيض كافية لقضاء حاجة السجين بصورة صحيَّة ولائقة،() وقد كان شرف ورفقاؤه في الزنزانة يستخدمون المرحاض للاستحمام، ومن ذلك ما يحكيه شرف عن استحمامه فيه، بعد أن دخل وأرخى الستارة خلفه، خلع ملابسه وعلَّقها على مسمار في الحائط، ثم قرفص جسده على مقربة من الحنفيَّة الواطية القريبة من الأرض وفي يده الصابون الذي بدأ يدعكه بجسمه، وإذا بالمياه تنقطع عن الحنفيَّة، فظلَّ في انتظار الماء، حتى دخل عليه الحارس رافعًا الستارة طالبًا منه أن يخرج؛ تردَّد شرف في الخروج والصابون يغطي جسده، فتقدِّم الحارس وجذبه من يده، لذا اضطر شرف إلى أن يلبس ملابسه ويخرج من دون أن يستحمَّ والصابون يغطي جسده،() أما التبول، فقد كان السجناء يتبولون في الدلاء داخل الزنزانة، والتي توضع بجانب باب الزنزانة، إذ يأتي السجين ويبول في الدلو على مرأىً من الجميع، وقد كان مكان شرف بالقرب من دلو البول، فكان السجناء يبدون وكأنهم يقفون على رأس شرف والبول في الدلو أمامه، ليتبوّلوا ثم يعودوا إلى أماكنهم.()
النوم: من حقِّ كلِّ سجين الحصول على سرير فرديٍّ، وأن تكون لوازمه كافية ونظيفة وفقًا للقاعدة رقم (21) من قواعد مانديلا،() عندما دخل شرف السجن صُرِفَتْ له معدَّات النوم والتي تعرف باسم (النمرة)، وتتكون النمرة من برش من الليف الخشن إضافةً إلى بطانيتين رثتين،() وتستخدم النمرة بطريقة محدَّدة للنوم، فيفرش البرش أولًا، ثم توضع عليه إحدى البطانيتين وقد طبِّقت عدَّة طبقات، بينما تستخدم البطانية الأخرى وسادة في الأغلب، أو غطاءً عندما يسوء الطقس.()
عدم الفصل بين السجناء: توصي القاعدة رقم (11) من قواعد مانديلا بضرورة الفصل بين السجناء كالفصل بين المدانين وغير المحكومين،() وقد كان شرف محبوسًا على ذمَّة التحقيقات، ومع ذلك كان في زنزانة واحدة مع مجرمين مُدانين بجرائم مختلفة، الأمر الذي جعله يتعرَّض للاستغلال والتنمُّر من طرف السجناء وخاصَّة بطشة، والذي حاول أن يغتصبه ليلًا، لولا أن تدخّل السجين سوزوكي وأنقذه منه قبل أن يفعل.()
الابتزاز: يتعرَّض السجناء للابتزاز مقابل الحصول على حقوقهم التي من المفترض أن يكفلها لهم القانون في السجن، ومن ذلك ما تعرَّض له شرف من ابتزاز في السجن وهو في طريقه إلى المحكمة، حيث اضطر إلى دفع علبة سجائر لحلاقة الذقن، ونصف علبة لتلميع الكوتشي، وعلبة أخرى لاستخدام المرحاض للاستحمام، وثلاث علب من السجائر لِكَيِّ ملابسه الشخصيَّة في مبنى الإدارة أمام غرفة الأمانات،() وهذه الأشياء كلّها من الاحتياجات الضروريَّة والحقوق المكفولة للسجين، إلا أنَّه لم يحصل عليها إلا ببضع علب من السجائر.
وعلى الرغم من ندرة التعذيب في هذه المرحلة، إلا أنَّه يكون قاسيًا ورادعًا في المرات القليلة التي يحدث فيها، ويكون التعذيب في هذه المرحلة لأغراض منها:
أ. التأديب: وذلك عندما تبدر من السجين بوادر الإخلال بالنظام وعدم الانضباط، وقد استحقَّ السجين (السوهاجي بتاع اللحمة) التعذيب بسبب تقليل الأدب مع صول السجن، وقد ألقى السوهاجي قطعة الجلد التي توضع في (اليمك) على وجه الصول، وذلك احتجاجًا على سوء الأكل، ومطالبته بحقِّه في التغذية، والذي تكفله له لوائح السجن، بقطعتي لحم يوميًّا وليس قطعة من الجلد؛ وجرى تأديبه بوضعه على صليب خشبيٍّ يسمى العروسة، وعُرِّيَتْ مؤخَّرته تمامًا، ثمَّ تناوب على ضربه حارسان بشومة ينتهي طرفها بعدَّة قطع من الجِلْد.()
ب. الحصول على اعتراف: ومن ذلك تعُّرض السجين النوبتجي بطشة للتعذيب حتى يُحمَلَ على الاعتراف بضرب السجين سوزوكي، وقد ادَّعى بطشة أنَّ سوزوكي اعتدى عليه بمشرط حلاقة وماسورة، ولكنه اعترف تحت التعذيب بأنَّه هو الذي بدأ بالعدوان، وقد اعتدى على سوزوكي بماسورة خبَّأها تحت بلاطة مكسورة في الصالة.()
بنية المراحل الثلاث في العمل الروائيِّ
احتوت المراحل الثلاث على عدد من الشخصيَّات الروائيَّة المتباينة، منها الشخصيات الفاعلة التي تؤثِّر في مجرى الحوادث في الرواية، وكذلك الشخصيَّات المنفعلة والتي تتلقَّى فعل الشخصيَّة الفاعلة وتخضع لنفوذها،() ومن الشخصيات الفاعلة في الرواية شخصية السجين بطشة، والذي له تأثير في الشخصيات الأخرى كشخصية شرف، والذي كان يوزَّع له الدور في واجبات السجن، وكذلك تطويعه لشخصيَّة صبري عندما تردد في فهم قواعد السجن فصفعه صفعة كان لها تأثيرها في السجناء الجدد، والذين سارعوا بإخراج السجائر عندما طالبهم بطشة بذلك.()
وقد قدَّمت تلك الشخصيَّات بعدَّة طرائق سرديَّة، ومنها الأسلوب التقريريّ والذي تقدَّم فيه الشخصيَّة من خلال الحكاية على لسان الراوي،() وذلك كما في هذا الوصف لشخصية السجين السارق سائق السوزوكي. يقول الراوي في وصفه: “رجل وقور لحيته كثة تتدلى على صدره”.() ومنها الأسلوب التصويريُّ، والذي يقدِّم الشخصيَّة من خلال حركتها أو صراعها مع غيرها،() ومن ذلك تقديم الراوي لشخصيَّة شرف عندما أُثير لرؤية سيدة أمامه، يقول الراوي في وصفه: “كان في السن التي تفور فيها الدماء وتغلي لأقل لمسة (ولد سنة 1974) لكنه كان أيضًا مثقلًا بمجموعة من المحرمات التي تقيد الفعل”.()
ويقوم بروي حوادث الرواية نوعان من الرواة أحدهما راوٍ عليم بكلَّ شيء عن شخصيات الرواية وحوادثها،() كوصفه تردُّد شرف في ارتداء ملابس السجن: “لم يكن شرف عبد العزيز الخبير بالملابس وأنواعها وتقلبات مواسمها جاهزًا لرداء لا يلائم مقاسه فحسب، وإنما يتألف من قطع غير متناسقة، ولا تردد في الجهر في رأيه”.() وهذا النصُّ في وصف الحارس الذي صفع شرف على قفاه لتردُّده في ارتداء ملابس السجن: “على كثرة الغرائب التي مرت بالحارس في حياته السجنية، لم يسبق له أن استمع إلى وجهة نظر من هذا النوع.”.()
وعلى الرغم من أنَّ الوظيفة الرئيسة للراوي هي سرد الحوادث، إلا أنَّه يقوم بأدوار ثانويَّة أخرى غير ذلك، فيقوم أحيانًا بالتعليق على الحدث لشرح ملابساته،() ومن ذلك هذا الوصف لمصادرة مقتنيات السجناء عند دخولهم السجن، ومن بينها “الساعة (كي لا يخسرها في لعبة الكوتشينة)، الخاتم (كي لا يسرقه منه أحد)، رباط الحذاء (كي لا يشنق نفسه في النهاية)”.() لم يكتفِ الراوي في هذا النصِّ من وصف عملية مصادرة المقتنيات، بل تعدَّاه إلى شرح العمليَّة بالتعليق عليها وتوضيح أسبابها.
كما يقوم الراوي أحيانًا بإطلاق الأحكام التقويميَّة للحدث الذي يقوم بوصفه، ومن ذلك هذا النصّ في وصف بوابة السجن: “تعلوها لافتة تعكس عن رسالة المؤسسة بكلمتين مقتضبتين هما (التأديب والإصلاح). لم يكن ثمة محاولة للتضليل، فالكلمتان عبرتا بدقة عن الغرض المستهدف وهو المحافظة على تدفق المنح الأميركية”.() هذا النصُّ في وصف البوابة وما كتب عليها من شعار، وكان بإمكان الراوي الاكتفاء بذلك الوصف، ولكنه أطلق حكمًا تقويميًا يبيِّن سبب كتابة ذلك الشعار، ألا وهو تدفق الأموال الأميركيَّة المخصصَّة لإصلاح السجون.
ويقوم الراوي بوصف الحوادث والشخصيات والأمكنة، ويؤدي الوصف أحيانًا وظيفة تجميليَّة في الرواية، عندما لا تساهم الأشياء الموصوفة في تطوير الحوادث،() ومن ذلك هذا النصّ: “ظهر ضابط شاب، رياضي الهيئة وسيم الطلعة، على وجهه تعبير من الضجر الدائم، احتل الكرسي وجلس في استرخاء متجنِّبا النظر إلى الضيوف”.() فلم يساهم وصف هذا الضابط في تطوير الحوادث في الرواية، لأنَّه لم يكن له أي دور واضح في حوادث الرواية، لذلك كان وصفها لغرض تجميليٍّ وهو إعطاء صورة متكاملة عن الوضع الذي استُقْبِل فيه السجناء الجدد في السجن.
وأحيانًا يؤدي الوصف وظيفة تفسيريَّة في الرواية، حيث يكون للأشياء الموصوفة دور في تطور الحدث،() وذلك كما في هذا النصِّ لوصف عملية حلاقة النزلاء الجدد: “تابع شرف باهتمام عملية الحلاقة ولاحظ منزعجًا أن الحلاق يطلق آلته بقوة في الرأس ويجرده من الشعر تجريدًا تامًا في حركتين سريعتين.”()
وهذا الوصف لعملية الحلاقة كان سببًا في تطوُّر الحوادث في الرواية، حيث دفع شرف علبة سجائر وحصل على حلاقة بالمقصِّ وقد استخدمه الحلاق برفق على رأسه.()
ويلاحظ القارئ أنَّ تلك المراحل الثلاث تحتوي على أشياء متكرِّرة، سواء أكان ذلك على مستوى الوصف أو الشخصيَّات، والتكرار أمر ملحوظ في الأعمال الروائيَّة، حيث تميل الرواية إليه في الحوادث والوصف،() ومن التكرار في المراحل الثلاث: تكرار وصف مكتب الضابط الذي يجلس وخلفه صورة كبيرة لرئيس الجمهوريَّة، فقد ظهر هذا الوصف في المرحلة الأولى، عندما دخل شرف مكتب ضابط المباحث للتحقيق معه،() ثم تكرّر في المرحلة الثالثة، عندما دخل شرف مكتب ضابط السجن للتحقيق معه في شجار بطشة وسوزوكي،() كما ظهر دور الشخصيَّة التي توفِّر الحماية لشرف في المرحلة الأولى وهي شخصيَّة كعب الداير، والذي أظهر عطفه وحمايته لشرف في الحبس،() وتكرَّر دور الشخصيَّة الحامية في المرحلة الثالثة، وقامت بأداء الدور فيها شخصيَّة سوزوكي، والذي حمى شرف من التعرض للاغتصاب في السجن.()
ويؤدي الفضاء المكانيُّ للسجن دورًا كبيرًا في حوادث المراحل الثلاث، وذلك لأنَّه يمثِّل المسرح الذي تدور فيه حوادث تلك المراحل، ويتشابه فضاء السجن في تلك المراحل، حيث يمرُّ بمبنى طويل تنبعث منه رائحة عطنة مزيج من البول والفنيك، وينتهي الممر بزنزانة لها باب حديد.() أما في المرحلة الثانية فيكون الدخول إليه عبر البوابة الرئيسة للسجن، ثمَّ يكون العبور إلى المرحلة الثالثة عبر اجتياز فناء له بوابة حديد، ثم آخر مربع ينتهي بمبنى قديم من الحجارة له باب حديد أيضًا، تبعث منه رائحة عطنة تشبه رائحة الملابس المتسخة، والتي أصابتها الرطوبة من دون أن تغسل، ثم الولوج للداخل إلى زنازين لها أبواب حديد.()
ويظهر التشابه الواضح بين أمكنة المراحل الثلاث من حيث الضيق وطبيعة التحصين وعدم النظافة التي يُعبَّر عنها بالروائح الكريهة، ثم تتباين الأمكنة في الضيق ودرجة التحصين لمنع السجناء من الفرار.
وقد أدَّى المكان في بعض المراحل وظيفة سرديَّة، ألا وهي الوظيفة الاجتماعيَّة، حيث يظهر من خلاله التفاوت في المكانة الاجتماعيَّة بين شخصيَّات الرواية،() ومن ذلك هذا الوصف لموضع السجين بطشة نوبتجي الزنزانة: “قد ارتقى عرشه في الركن الاستراتيجي (الذي لا يصل إليه بصر المار في الطريق إذا كان الباب مفتوحًا ولا المتلصص من الباب إذا كان مغلقًا) والذي أتاح له أن يستولي على جدارين في آن واحد.”() فهذا الوصف يوضح المكانة المرموقة التي يحظى بها السجين بطشة في الزنزانة، وهي مكانة عالية مقارنة بمنزلة شرف الذي استقرَّ عند الباب “لأنه أصغر الجميع في السن، استقر شرف في نهاية المطاف إلى جوار الدلو (مشرفًا على تشكيلة فريدة من النعال يصعب نسب أي منها إلى ماركة معروفة).”()
يتضح ممَّا سبق أنَّ مراحل التعذيب الثلاث قد وردت في رواية شرف، وهي رواية استوفت الشروط الفنيَّة للرواية من شخصيَّات وحوادث وفضاء مكانيٍّ، وهذا ما يوحي بأنَّها عمل متخيَّل من وحي خيال المؤلِّف.
المراحل الثلاث بين الحقيقة والخيال
على الرغم من أنَّ هذه المراحل الثلاث للتعذيب قد استُخْرِجَتْ من رواية شرف، والرواية عمل خياليٌّ محض، فكلُّ الشخصيَّات والحوادث والأمكنة من وحي خيال الكاتب، إلا أنَّ ذلك لا يمنع من وجود مؤشِّرات واضحة على استنادها إلى معلومات حقيقيَّة في بعض جوانبها، ويمكن الاستدلال على ذلك بما ذكره المؤلف في آخر الرواية، من تقدُّمه بالشكر لبعض ضباط السجون والسجناء السابقين حيث يقول في معرض شكره لكلِّ من وقف معه في كتابة رواية (شرف): “وللآخرين من ضباط سجون وسجناء سابقين تحدثوا بصراحة عن تجاربهم، وأمدوني بحاجتي من الوثائق وأخرجوا من ذكر أسمائهم.”() هذا إضافةً إلى خبرته الشخصيَّة بالسجون المصريَّة، وتعرُّضه للسجن فيها من قبل، عندما كان في العشرين من عمره،()
واستنادًا إلى تلك التجربة وبما توفَّر لديه من معلومات وفيرة عن السجن وحياته، استطاع أن ينسج صنع الله إبراهيم هذه الرواية، لذلك جاءت في بعض حيثيَّاتها متطابقة مع الواقع إلى حد بعيد، ويمكن للقارئ أن يطّلع على شيء من تفاصيل مراحل التعذيب في الرواية على أرض الواقع من شهادات السجناء في السجون المصريَّة، وكذلك من تقارير المنظمات الحقوقيَّة العاملة في مجال حقوق الإنسان في الأراضي المصريَّة، ويمكن أن نلمح خيوط التشابه بين تلك المراحل المذكورة في الرواية مع تلك التي وردت في شهادات السجناء على أرض الواقع، كما في الأمثلة التالية:
التشابه بين مواضع الاحتجاز: يشبه موضع احتجاز شرف قبل التحقيق مواقع الاحتجاز على أرض الواقع، يقول شرف: “نزلنا سلّمًا إلى الطابق الأرضي، فأبرز الحارس حلقة من المفاتيح الضخمة، فتح بأحدها بوابة من القضبان الحديد”.()
وهذا وصف لمناطق الاحتجاز في أقسام الشرطة المصريَّة: “دائمًا ما تتموقع أماكن الحجز في أقسام الشرطة والمراكز أسفل المبنى في قبو صغير يضم عددًا من الزنازين”.()
التشابه بين السجون: يتشابه بناء السجن وضيقه في المرحلة الثانية والثالثة في الرواية مع بنائه على أرض الواقع، وهذا وصف لأحد السجون المصرية في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش: “مساحة الزنازين حوالي 3,8 متر مربع وفي أحيان كثيرة يكون فيها عدد من النزلاء […..] هذه الزنازين تؤمنها أبواب معدنية فيها فتحة يحصل النزلاء من خلالها أحيانًا على الطعام، ويملكون الحراس وينادون على بعضهم البعض.”() وسيلاحظ القارئ هذا الضيق في الرواية على الرغم من أنها لم تحدّد مساحة الزنزانة، ولكن يمكن التعرف إلى ضيقها من تحديد مساحة السجين في الزنزانة ببلاطتين ونصف بلاطة عرضًا، وسبع بلاطات طولًا.() كما ذكر تقرير المنظمة أنَّ السجناء لا ينامون على أسرّة، وإنما ينامون على مصاطب من دون أفرشة “وبدلًا من الأفرشة يستخدم أغلب النزلاء بطانيتين توفرها إدارة السجن.”() وفي الرواية ينام النزلاء على برش تُفرَش عليه بطانيَّة مطبَّقة على ست طبقات، وتستخدم أخرى كوسادة أو غطاء عندما يسوء الطقس في السجن.()
التعذيب لغرض الاعتراف: ومنه ما ذكره شرف من طقوس التعذيب لغرض انتزاع اعتراف منه، حيث قام المخبرَين بتقليعه، ثم ربطا يديه بالكلبشات، وعصبا عينيه بطرحة نسائية، وقيدا قدميه، ثم عُلِّق على النافذة حتى تلامس أصابع قدميه الأرض، وهما يضربانه ويشتمانه بأقذع الألفاظ، ثمَّ يأمرهما الضابط بتجربة الجهاز عليه، فوصلا شيئًا تحت رجليه، ثمَّ أحسَّ شرف بقضيب من نار يخترق ساقيه، فصار يصرخ من الألم ويتوسَّل إليهم، ولم يوقفا الجهاز حتى سقط مغشيًا عليه.()
وهذا التعذيب الذي تعرَّض له شرف في الرواية لا يعني أنَّه خيال محض، بل له نظير على أرض الواقع، فقد رصدت منظمة (كوميتي فور جستس) تسع عشرة طريقة للتعذيب تمارَس في غرف الاحتجاز في السجون المصريَّة، ومن بين هذه الطرائق كانت الطريقة الرابعة للتعذيب كمقاربة لما تعرض له شرف في الرواية، ففي تلك الطريقة يُصلَب السجين على تصميم خشبيٍّ يسمى بالعروسة، وقد تُربَط ذراعاه في الباب الحديد، وتُقيَّد رجلاه من الخلف على الباب نفسه، ثمَّ يُصعَق بالصدمات الكهربائيَّة، ويُضرَب بالعصي وأسلاك الكهرباء.() وتشبه هذه الطريقة التي رصدتها المنظَّمة على أرض الواقع ما تعرَّض له شرف من تعذيب في الرواية في ربط اليدين والرجلين والصعق الكهربائيِّ، ثم تختلفان في كيفية ربط يدي السجين ورجليه، كما تلتقي الطريقتان في الغرض منهما ألا وهو الحصول على اعتراف من المتَّهم عن طريق التعذيب، وذلك على أساس أنَّ المتَّهم يُدلِي بمعلومات قيِّمة تحت وطأة التعذيب.
استقبال الإيراد: الإيراد اسم يُطلَق على السجناء الجدد عند نزولهم من عربة الترحيلات، واستُقبِلَ الإيراد (شرف ومن معه) بإجلاسهم مقرفصين عند الحائط، ثم تعرَّضوا للضرب عندما احتجَّ شرف على لباس السجن الذي لم يلائمه مقاسه،() ويمكن مقارنة هذا مع ما جاء في شهادة سجين مصريٍّ: “نزلنا من العربة الزرقاء بوابل من الضرب والسباب لنقف مقرفصين، منتظرين سماع أسمائنا أو أي تعليمات.”() وهنا يتمثَّل التشابه في جلوس السجناء القرفصاء، والتعدي عليهم بالضرب والشتم.
التعذيب لغرض التأديب: تعرَّض السجين الجنائيُّ (السوهاجي بتاع اللحمة) للتعذيب في المرحلة الثالثة لغرض التأديب، بعد أن رمى قطعة جلد الدجاج على وجه الصول،() كما يُمارس تعذيب السجين الجنائي لغرض التأديب على أرض الواقع، وقد ذكرت بعض المنظَّمات الحقوقيَّة تعرُّض سجين جنائيٍّ مصريٍّ للتعذيب لغرض التأديب، نتيجة مشادّة كلاميَّة، تمَّ على إثرها ضربه وإهانته وفقئ عينيه وشنقه، ما أدى إلى وفاته في النهاية.”()
يتَّضح مما سبق ذكره أنَّ مراحل التعذيب الثلاث المذكورة في الرواية تُوجَد بصورة أو بأخرى على أرض الواقع في السجون المصريَّة، وعلى الرغم من أنَّها مجَّرد عمل فنيٍّ خياليٍّ، إلا أنَّها لا تقلُّ شأنًا وعملًا على فضح الانتهاكات التي يتعرَّض لها السجين المصريُّ، ولا تقلُّ خطورة وأهميَّة عن تقارير المنظَّمات الحقوقيَّة العاملة في البلاد المصريَّة، ولكن تدثُّرها في القالب الروائيِّ جعلها متاحةً للقرَّاء، ولم تتعرَّض للتضييق أو المصادرة التي تتعرَّض لها المنظَّمات الحقوقيَّة، وذلك بعدِّها مجرَّد عمل روائيٍّ خياليٍّ لا يمتُّ إلى أرض الواقع بأيِّ صلة.
الصحَّة النفسيَّة للسجناء في المراحل الثلاث
لا تهتمُّ الرواية بإبراز الجوانب النفسيَّة بالولوج إلى لاوعي الشخصيَّات، حيث كُتِبَت الرواية بجُمَل تيليغرافيَّة وجيزة، تذكِّر القارئ بطريقة هيمنغواي في الكتابة.()
لذلك يصعب تحديد الاضطرابات النفسيَّة التي تتعرَّض لها شخصيَّات الرواية، وقد ثبت أنَّ تجربة السجن وأحواله السيِّئة وما يتعرَّض له السجين من إذلال وتعذيب يؤدِّي إلى اعتلال الصحَّة النفسيَّة عند بعض السجناء، فتظهر عليهم بعض أعراضه من هدوء وسلوك مدمّر وانفعال وعدم اكتراث وتهيّج وتعاطٍ للمخدّرات وغيرها من مظاهر الاعتلال النفسيِّ،() وبمتابعة شخصيَّات الرواية في سيرها مع الحوادث يمكن ملاحظة بعض مظاهر الاعتلال النفسي فيها:
القلق الدائم: ومن ذلك ما شعر به السجين بطشة في فترة الحبس التام، بسبب المرض الجلديِّ الذي انتشر في الزنزانة، وعلى الرغم من طول فترة سجنه التي منحته منصب نوبتجي الزنزانة، إلا أنَّه لم يتعوَّد على الحبس التام، فقد كان يخرج من الزنزانة كثيرًا بسبب علاقته بالحراس، لذلك كانت وطأة الحبس التام ثقيلة عليه، فأحس بالضغط النفسيِّ، حتى أنَّه صار يذهب إلى باب الزنزانة كثيرًا ويقفز في الهواء، وأحيانا يتعلَّق بباب السجن، وأحيانًا أخرى يخرج رأسه من الفتحة وينادي على أصحاب الزنازين الأخرى.()
البكاء من دون سبب: ومنه بكاء السجين الكهل حسن بكبورت، حين انخرط في بكاء حار من دون سبب، حتى كاد يفسد على السجناء شهرتهم التي يقضونها في تبادل قصص حياتهم وسبب دخولهم السجن.()
العزلة وعدم الاندماج: ومن ذلك انطواء السجين سامي عازر على نفسه، وعدم مخالطة السجناء في أحاديثهم، حيث يشغل نفسه بدفن رأسه في كتاب يخرجه من كيسه نهارًا، بينما ينطوي على نفسه آخذًا وضعية جنين واضعًا رأسه بين ذراعيه ليلًا.()
افتعال المشكلات: ومن ذلك ما جاء في المرحلة الأولى من شجار دار بين سجينين، وتبادلهما الاتهام بالغشِّ في لعبة الكوتشينة، وقد رفع أحدهما مطواة صغيرة في وجه الآخر، حتى توتَّر شرف من شجارهما، فطمأنه كعب الداير، وأخبره بأنه لن يحدث شيء؛ وبالفعل عادا إلى اللعب من جديد.() وفي المرحلة الثالثة شجار كل من سامبو وصنقر، وعم فوزي وجابر، وسوزوكي وبطشة.()
إدمان المخدرات: ومن ذلك التفاف السجناء حول بطشة، وقد وضع أمامه طبقًا بلاسيكيًّا فيه أقراص تشبه أقراص الأسبرين، وقد سحق تلك الأقراص، ثمَّ لفَّ ورقةً وصار يستنشق المسحوق، وأعطى الفرصة لزميله صنقر من بعده.()
كانت تلك أبرز المظاهر التي توحِي باعتلال صحَّة السجناء النفسيَّة، وهي مظاهر قد تتطوَّر وتفضي بالسجين إلى الجنون أو إيذاء جسده أحيانًا، وهذا أمر لم يحدث في رواية (شرف)، ولكنه قد يحدث على أرض الواقع عند التعرُّض لأحوال مشابهة لما ورد في الرواية.
خاتمة
بعد هذا التجوال في المراحل الثلاث، توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:
عدم استمرار التعذيب على وتيرة واحدة في السجن بصفة عامَّة، بل يختلف التعذيب نوعًا وقسوةً من فترة إلى أخرى في حياة السجين، ويمكن تقسيم التعذيب إلى ثلاث مراحل مختلفة هي: مرحلة الصدمة، ومرحلة التهيئة، ومرحلة التأقلم.
تبدأ مرحلة الصدمة منذ لحظة احتجاز المتَّهم في قسم الشرطة وحتى عرضه على المحكمة، ويتعرَّض فيها السجين لكلِّ ما يسبِّب صدمةً له من مناظر مقزِّزة، ورفقة غير مأمونة، إضافةً إلى التعرُّض لتعذيب وإذلال يهين كرامته الإنسانيَّة كالضرب وتقييد اليدين بالكلبشات، والرجلين بالقيود مع عصب العينين والرفع على النافذة، ثمَّ الصعق بالكهرباء حتى الوصول إلى درجة الإغماء، مع التهديد باغتصاب أقرب الناس إليه كأخته مثلًا، وإجباره على اختيار اسم بنت لنفسه حتى يُنادَى به، وكلُّ هذا التعذيب لغرض الحصول على الاعتراف الذي يرغب فيه المحقِّق. ويتعرَّض السجين لكلِّ هذا سواء أكان السجين معترِفًا بالجرم قَبل التعذيب أم منكرًا له، فلو اعترف قبل التعذيب يكون التعذيب لغرض التأكُّد من صدقه، وإن أنكر يكون التعذيب لغرض إجباره على الاعتراف.
تبدأ مرحلة التهيئة منذ لحظة وصول السجين من المحكمة إلى ساحة السجن الذي سيقضي فيه فترة العقوبة أو الانتظار، وتستمرُّ حتى دخول الزنزانة في السجن، وهي أقصر مراحل التعذيب زمنًا، وفي هذه المرحلة يتعرَّض إلى سوء المعاملة الذي لا يصل إلى درجة التعذيب من إجباره على القرفصة والانتظار، ثم الحلاقة بطريقة مهينة، وإجباره على الاستحمام عاريًا أمام مرافقيه، وقد يُستخدَم التعذيب بالضرب بغرض تهيئة السجين وإرغامه على الطاعة طوال فترة بقائه في السجن.
تبدأ مرحلة التأقلم منذ لحظة دخول السجين إلى الزنزانة، حتى خروجه منها، ويحاول السجين في تلك المرحلة التأقلم على قواعد السجن وأوضاعه القاسية، حتى لا يتعرَّض للتعذيب والإذلال قدر الإمكان، ومع ذلك يتعرَّض لسوء المعاملة في مكان ضيّق وقذر تنعدم فيه أبسط الشروط الصحيَّة، والنوم على الأرض بجوار دلو البول، إضافةً إلى الطعام السيء، وشرب الماء الملوّث، والخضوع للابتزاز الماليِّ مقابل أبسط الحقوق المكفولة وفق لائحة السجن؛ وإذا أخلّ السجين بنظام السجن بالشجار مثلًا، فإنَّه يتعرَّض للتعذيب والتنكيل، كما يتعرَّض السجين للتعذيب الشديد بالصلب على الخشبة وتعرية عورته، ثمَّ ضربه ضربًا مبرحًا أمام السجناء لغرض التأديب، وذلك عندما يقوم السجين بإبداء اعتراضه على إساءة المعاملة كعدم الحصول على الطعام الكافي مثلًا.
تتطابق هذه المراحل مع ما يناظرها في السجن على أرض الواقع، حيث يتعرَّض السجناء لأنواع من التعذيب وأصناف من إساءة المعاملة، تتشابه مع تلك التي ذُكرت في الرواية، وقد تتطابق معها أحيانًا. 6. تظهر دراسة شخصيَّات الرواية تعرُّضها للاعتلال النفسيِّ، وهو أمر لم تذكره الرواية صراحةً، ولكن يمكن استنباطه من بعض التصرُّفات التي تقوم بها الشخصيَّات، ما يوحي بأعراض الاعتلال النفسيِّ من: عزلة، وافتعال للشجار، وإدمان على المخدرات، وبكاء من دون سبب، وتصرُّفات تنمّ عن قلق اضطراب.
قائمة المراجع
إبراهيم، صنع الله. شرف، (القاهرة: دار الهلال للنشر، 1997م).
الأمم المتحدة، حقوق الإنسان والسجن، سلسلة التدريب المهني العدد11، (نيويورك- جنيف: 2004م).
الأمم المتحدة، قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء: قواعد مانديلا، قرار رقم 20/ 215.بارت، رولان وآخرون. طرائق تحليل السرد الأدبي، حسن بحرواي وآخرون (مترجمون)، ط1 (الرباط: منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1992م).
بن جلون، الطاهر. تلك العتمة الباهرة، بسام حجار (مترجم)، ط1 (بيروت: دار الساقي للنشر، 2002م).
بو غرارة، زكرياء. الأكف الممزقة: مجموعة قصصية، الشيخ ياسر السري (مقدِّم)، الطبعة الإلكترونية الأولى (مؤسسة وا إسلامه للإعلام، د. ت).
جهاد، جَو، ط1 (بيروت: صحيفة مرآة البحرين، 2017م).
سامي، عماد. بين القهر والعبودية: شهادات حية من داخل السجون المصرية (اسطنبول: المعهد المصري للدراسات، 2020م).
عبد الدايم. أدب السجون عند “أيمن العتوم” من خلال روايتيه: “يسمعون حسيسها” و”يا صاحبي السجن”، بحث ماجستير (الجزائر: كلية الآداب واللغات، جامعة محمد بوضياف، 2020- 2021م).
العتوم، أيمن. يا صاحبي السجن، ط1 (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2013م).
عزام، محمد. شعرية الخطاب السردي (دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2005م).
لحمداني، حميد. بنية النص السردي، ط1 (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1991م).
منتدى آسيا والمحيط الهادئ للمؤسسات الوطنية وجمعية الوقاية من التعذيب ومفوضية حقوق الإنسان، منع التعذيب (2010م).
منصوري، علي. البطل السجين السياسي في الرواية العربية المعاصرة، بحث دكتوراه (الجزائر: جامعة الحاج لخضر (2007- 2008).
المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، الصحة النفسية في السجن (عمان: المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، 2018م). منظمة هيومن رايتس ووتش، حياة القبور: الانتهاكات في سجن العقرب، (الولايات المتحدة الأميركية: منظمة هيومن رايتس ووتش، 2016م).
نوال، هرزاني، نوري ياسين؛ وآرام إبراهيم. “طبيعة العلاقات الاجتماعية بين المحكومين داخل مجتمع السجن”، كلية التربية الأساسية، المجلد: 2/ العدد1 (2004م).
الهودلي، وليد. ستائر العتمة، ط1 (رام الله: المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، 2003م).
يوسف، شعبان. أدب السجون، شعبان يوسف (محرر)، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2014م).
تهدف هذه الدراسة إلى: الكشف عن مراحل التعذيب التي يمرُّ بها السجين، مع التطرُّق إلى الخصائص التي تميِّز كلَّ مرحلة عن غيرها، وتسليط الضوء على الجوانب النفسيَّة التي يمرُّ بها السجين في تلك المراحل، إضافةً إلى المقارنة بين مراحل التعذيب في الرواية بما هو موجود في السجون على أرض الواقع، وقد استخدمت الدراسة المنهج الوصفيَّ التحليليَّ، وتوصَّلت من خلاله إلى نتائج مهمَّة تتمثَّل في: عدم سير التعذيب على وتيرة واحدة خلال فترة وجود السجين في السجن، ومرروه بثلاث مراحل هي: مرحلة الصدمة، ومرحلة التهيئة، ومرحلة التأقلم، وتبدأ مرحلة الصدمة منذ لحظة احتجاز المتَّهم في قسم الشرطة وحتى عرضه على المحكمة، ويتعرَّض فيها السجين إلى تعذيب وإذلال يهين كرامته الإنسانيَّة كالضرب وتقييد اليدين بالكلبشات والرجلين بالقيود، مع عصب العينين والرفع على النافذة، ثمَّ الصعق بالكهرباء حتى الوصول إلى درجة الإغماء.
بينما تبدأ مرحلة التهيئة منذ لحظة وصول السجين من المحكمة إلى ساحة السجن، وتستمرُّ حتى دخول الزنزانة، وفي هذه المرحلة يتعرَّض لسوء المعاملة، كما يتعرَّض للتعذيب بالضرب لإرغامه على الطاعة؛ أمَّا مرحلة التأقلم فتبدأ منذ لحظة دخول السجين الزنزانة حتى خروجه منها، ويتعرَّض فيها لسوء المعاملة إضافةً إلى التعذيب والتنكيل بالصلب على الخشبة وتعرية عورته، ثمَّ ضربه ضربًا مبرحًا أمام السجناء لغرض التأديب. هذا مع وجود تشابه يصل إلى حد التطابق في أنواع التعذيب الخاص بكلِّ مرحلة في الرواية وبين ما يناظرها في السجن على أرض الواقع، كما أظهرت الدراسة وجود مظاهر تشير إلى اعتلال الصحة النفسيَّة لبعض السجناء في تلك المراحل في الرواية.
كلمات مفتاحيَّة: الزنزانة، السجين، الضرب، سوء المعاملة
مقدِّمة
يُعَدُّ التعذيب البدنيُّ أو النفسيُّ من العوامل المشتركة في كل كتابات أدب السجون، على الرغم من أنَّه قد يختلف إلى حد ما بين كل جنس أدبيٍّ وآخر من هذا النوع من الأدب، بل يختلف التعذيب شدَّةً وخفةً داخل العمل الأدبيِّ الواحد.
إشكالية الدراسة
تكمن مشكلة الدراسة في كونها تبحث في مراحل التعذيب في رواية (شرف) للروائيِّ المصريِّ صنع الله إبراهيم.
أسئلة الدراسة
تحاول الدراسة الإجابة عن الأسئلة التالية:
ما مراحل التعذيب التي يمرُّ بها السجين في أدب السجون؟
ما الخصائص المميِّزة لكلِّ مرحلة عن المراحل الأخرى؟
ما الانعكاسات النفسيَّة على السجين خلال تلك المراحل؟
ما علاقة تلك المراحل في الرواية بما هو موجود في السجون على أرض الواقع؟
أهميَّة الدراسة
تكمن أهميَّة الدراسة في كونها تبحث في أنواع التعذيب التي يتعرَّض لها السجين الجنائيُّ، وذلك لغرض تصحيح المفهوم السائد الذي مفاده أنَّ السجين الجنائيَّ يتعرَّض للتعذيب والإذلال بدرجة أقل من السجين السياسيِّ، وتتناول مراحل التعذيب في هذه الدراسة شخصيَّات روائيَّة مُدانة، أو منتظرة للحكم في جرائم جنائيَّة، ثم تقابل الدراسة تلك المراحل بما يتعرَّض له نظراء هذه الشخصيَّات في السجن على أرض الواقع.
أهداف الدراسة
تهدف الدراسة إلى:
التعرُّف إلى مراحل التعذيب في رواية شرف لـ صنع الله إبراهيم.
بيان الفروق التي تميِّز كلَّ مرحلة من تلك المراحل عن غيرها، مع بيان خصائص كلِّ مرحلة منها على حدة.
تسليط الضوء على الجوانب النفسيَّة التي يشعر بها السجين في كلِّ مرحلة من تلك المراحل، ومدى تفاعله مع معطياتها.
المقارنة بين مراحل التعذيب في الرواية بما هو موجود في السجون على أرض الواقع.
منهج الدراسة
استخدمت الدراسة المنهج الوصفيَّ التحليليَّ، وهو منهج ملائم لطبيعتها، وقد قُسِّمَت من خلاله حياة السجين في الرواية إلى مراحل وفق ما تتميَّز به كل مرحلة من مميِّزات، وخاصَّةً ما يتعلَّق منها بتعذيب السجين فيها، والغرض من تعذيبه؛ وبناءً عليه فقد قُسِّمَت تلك الفترة إلى ثلاث مراحل وهي: مرحلة الصدمة، وتشمل فترة الاحتجاز في أقسام الشرطة لغرض التحقيق، ثم مرحلة التهيئة للإقامة لفترة طويلة أو متوسِّطة في السجن، وتشمل الفترة التي يقضيها السجين من النزول من عربة الترحيلات في السجن وحتى دخوله الزنزانة، ثم تأتي المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة التأقلم على الإقامة في السجن. وقد دُرِسَتْ كلُّ مرحلة منها على حدة، للتعرُّف إلى خصائصها، ثم المقارنة بين تلك المراحل وما يناظرها في السجون على أرض الواقع.
الدراسات السابقة
هنالك عدَّة دراسات تناولت موضوع أدب السجون، ومنها دراسة علي منصوري (البطل السجين السياسي في الرواية العربية المعاصرة)، بحث دكتوراه، جامعة الحاج لخضر، باتنة، الجزائر، العام (2007- 2008). وقد تناولت الدراسة علاقة المثقَّف بالسلطة وما يتعرَّض له من بطش وتنكيل، وتوصَّلت الدراسة إلى نتائج منها ما يتعلق بموضوع هذه الدراسة مثل: تقديم المثقف نفسه كضحية، ويتضح ذلك من خلال تجربة الاعتقال وبيان أحوال السجن وأهواله، وكذلك محاولة السلطة إخضاع المثقف بشتى الوسائل من اضطهاد وإذلال وسجن وتنكيل.
ودراسة عبد الدايم نوال، أدب السجون عند أيمن العتوم من خلال روايتيه: “يسمعون حسيسها” و”يا صاحبي السجن”، بحث ماجستير، كلية الآداب واللغات، جامعة محمد بوضياف، المسيلة، الجزائر، 2020- 2021م. والتي توصَّلت إلى نتائج منها: قِدَم أدب السجون، إلا أنَّه احتلَّ مكانة بارزة في العصر الحديث، ويمثل الشعر والرواية أبرز ميادين ذلك الأدب، وهو أدب يصور ما يتعرض له السجين من تعذيب وإذلال بكلِّ صدق.
تلتقي هذه الدراسة مع البحثين أعلاه في البحث في أدب السجون في الرواية العربيَّة، والتطرُّق إلى وصف حالات التعذيب التي يتعرض لها السجين، ثم يختلف الجانب التطبيقيُّ، حيث يقوم البحث الأوَّل على دراسة تجربة السجن السياسيِّ في الروايات العربية بصورة عامة، بينما يقوم البحث الثاني على دراسة روايَتي أيمن العتوم، أما هذه الدراسة فتبحث في مراحل التعذيب في رواية شرف للروائيِّ صنع الله إبراهيم، كما تقوم الرواية بالمقارنة بين حالات التعذيب في الرواية بما يناظرها في السجون على أرض الواقع.
مفهوم أدب السجون
هنالك عدَّة تعريفات لأدب السجون عند النقَّاد والمهتمِّين، ومن ذلك قول الناقدة رضوى عاشور عن أدب السجون: “كتابات السجن رافد هام من روافد الأدب العربي الحديث […..] وتشمل هذه الكتابات، فضلًا عن اليوميات والسير الذاتية والروايات والقصائد والمسرحيات شهادات لا حصر ومقابلات وشذرات”.()
يعدِّد هذا النصُّ أصناف الكتابات التي يشملها ذلك المصطلح، ومن بينها الأجناس الأدبيَّة التي تتخذ من السجن موضوعًا لها، من شعر ورواية ومسرحية وقصة قصيرة، إضافةً إلى أنواع الكتابات الأخرى، وهذا يعني أنَّ مصطلح أدب السجون مصطلح عامّ يندرج تحته أجناس من الكتابات، وهنالك من يضيِّق حدود المصطلح، وذلك كما في قول منير لخضر في معرض حديثه عن دور أدب السجون في فضح الانتهاكات التي تمارسها السلطة في حقِّ المعتقلين السياسيِّين: “وبهذا يكون أدب السجون أدبًا ملتزمًا تشكل قضية الاعتقال السياسي لبّ اهتماماته.”() على الرغم من أنَّ هذا الكلام ليس تعريفًا لأدب السجون، ولكنَّه يتحدَّث عن خاصِّيَّة من خصائصه، ألا وهي خاصِّيَّة الالتزام، وذلك باتخاذ قضية الاعتقال موضوعًا له، كما يقول الشيخ ياسر السري مدير المرصد الإعلاميِّ الإسلاميِّ في لندن عن أدب السجون في تقديمه لكتاب (الأكفّ الممزَّقة) للكاتب زكرياء بو غرارة: “نوع من أنواع الأدب معنيٌّ بتصوير الحياة خلف القضبان وأسوار السجون والمعتقلات، يناقش الظلم الذي يتعرض له السجناء والمعتقلون، والأسباب التي أودت بهم إلى السجن، حيث يقوم السجناء أنفسهم بتدوين يومياتهم وتوثيق كل ما مروا به من حوادث بشعة داخل السجن.”() وهذا التعريف لا يختلف كثيرًا عن تعريف ذكره بعض النقاد، حيث عُرَّف أدب السجون أنَّه: “ما يكتبه الأسرى في المعتقلات، ويستوفي الحد الأدنى من الشروط، وما يُكتب عن السجون والأسرى خارج السجن من غير الأسرى أو من المحرَّرين لا يُعَدّ أدب سجون، ويمكن تسميته أدب عن السجون.”() ويزيد هذا التعريف عن التعريف السابق في كونه يجعل ممَّا يكتبه غير المعتقلين أدبًا عن السجون، وليس من أدب السجون.
ولكن على الرغم من هذه الاختلافات كلها في تأطير حدود مصطلح أدب السجون، فإنه عند الممارسة النقديَّة تختفي تلك الفروق الصناعيَّة، لتشمل الدراسات النقديَّة كافة الأجناس الأدبيَّة التي تتَّخذ من السجن وأحواله موضوعًا له، سواء أكانت تلك الأجناس الأدبيَّة من كتابة السجين نفسه أو من كتابة غيره.
التعذيب في روايات أدب السجون
نصَّت اتفاقية مناهضة التعذيب في الفقرة الأولى من المادة الأولى على أن التعذيب هو “أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، حسيًا أكان أم عقليًا يُلحَق عمدًا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يُشتبه في أنه ارتكبه، هو أو شخص ثالث؛ أو تحويله أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث؛ أو عندما يُلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أيًا كان نوعه، أو يُحرّض عليه أو يُوافق عليه أو يَسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص أو يتصرف بصفته الرسمية، ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها”.()
يستند هذا التعريف إلى ثلاث ركائز أساس للتعذيب، وهي:
إلحاق الألم والأذى الجسديِّ أو العقليِّ بشخص المعذَّب.
أن يكون ذلك على يد مسؤول رسميٍّ سواء أكان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أن يكون هنالك غرض من التعذيب كالحصول على المعلومات.()
يشمل أدب السجون كافة الأجناس الأدبيَّة التي تتَّخذ من السجن وملابساته موضوعًا لها، ومن بين تلك الأجناس تظل الرواية الجنس الأدبيُّ الذي يحظى بسعة التناول فيها، وذلك لما تتميَّز به الرواية من طول وتقنيات لا تتوافر في الأجناس الأدبيَّة الأخرى، ويظلُّ التعذيب السمة المشتركة بين روايات أدب السجون في العالم العربيِّ، وهذه نماذج من الروايات التي احتوت على نوع أو أكثر من أنواع التعذيب:
رواية ستائر العتمة: لمؤلفها الروائيِّ الفلسطينيِّ وليد الهودلي، وتحكي عمَّا يتعرَّض له الأسرى في السجون الإسرائيلية من بطش وتنكيل، حيث يتعرَّض البطل عامر للتعذيب الجسديِّ لغرض الحصول على اعتراف منه عن التنظيم الذي ينتمي إليه، ومن مظاهر التعذيب التي تعرَّض لها في أثناء التحقيق الضرب المبرح على يد خمسة من الحراس، ثم حَمْله على كرسي الشبح، وهو كرسي يُربط فيه السجين وتُقيَّد فيه يداه خلف ظهره، ثم يُرفَع إلى أعلى حتى تدور كتفاه في موضعيهما، بينما يتعرَّض السجين للضرب في المعدة والرأس وهو على ذلك الكرسي، وقد أفضى التعذيب إلى شلل يدي عامر بعد يومين من العذاب على ذلك الكرسي.()
رواية جَو: لمؤلِّفها المعتقل البحرينيِّ جهاد، تحكي عن قصة اعتقاله في سجن جَو البحريني مدة (84) يومًا، ذاق فيها أصنافًا شتى من العذاب، منها إجبار السجناء على الوقوف مرفوعي الأيدي تحت أشعة الشمس منذ الصباح وحتى غروب الشمس، وقد تورمت أقدامهم بسبب الحرارة وطول فترة وقوفهم على تلك الهيئة، ثم طُلِب منهم النوم على وضعية الجلوس، وما أن يغرقوا في النوم من شدة التعب حتى يصيح فيهم الضابط طالبًا منهم الاستيقاظ، ومن يتأخر في ذلك يتلقى ضربًا مبرحًا.()
رواية تلك العتمة الباهرة: لمؤلِّفها الروائيِّ المغربيِّ الطاهر بن جلون: وتحكي عن قصة معتقلين في سجن تزامامارت بتهمة الاشتراك في محاولة انقلاب، وقد ذكرت الرواية أنوعًا من التعذيب الذي كان يُمارَس على المعتقلين، منها ما كان لغرض التأديب، مثل إطلاق العقارب في الزنزانة (الحفرة) على المعتقلين ما يحرمهم النوم مخافة اللدغ، أو التعرض للدغ في حالة النوم.()
رواية يا صاحبي السجن: للروائيِّ الأردنيِّ أيمن العتوم، وتحكي قصة شاب اعتقلته المخابرات بسبب قصائده الشعريَّة، فيروي البطل ما شاهده من أنواع التعذيب في السجن، ومن ذلك تعرُّض أحد السجناء للتعذيب بسبب اعتراضه على الشرطيِّ الذي أساء معاملته، فقُيِّدت يداه بالكلبشات على كرسي مربَّع، ورُبِطَتْ رجلاه على قائمتي الكرسي، وهو يجلس عاريًا إلا ممَّا يستر عورته، ثم انهال عليه الحرَّاس بسياط معدنية يلهبون بها كلَّ موضع في جسمه.()
كانت تلك طائفة من الروايات العربيَّة الحديثة، والتي تنتمي إلى أدب السجون، وقد اشتركت في أن التعذيب عنصر أساس من بنائها الفنيِّ، حيث يمارَس التعذيب في أثناء التحقيق والاحتجاز، وكذلك في السجن لغرض التأديب، وهذا يشير وجود عدَّة أنواع من العذاب تختلف من موضع لآخر ومن غرض لآخر.
مراحل التعذيب في رواية شرف
احتوت الرواية على أصناف من التعذيب، حيث تعرض بعض السجناء فيها للتعذيب في أثناء الاحتجاز في أقسام الشرطة، ثم عُذبوا عند وصولهم إلى السجن لقضاء فترة الحكم والانتظار، ثم في أثناء تلك الإقامة طويلة كانت أم قصيرة، ولأغراض هذه الدراسة قُسِّمَ التعذيب إلى مراحل بحسب موقعه المكانيِّ أو الزمانيِّ في الرواية، وذلك للتعرُّف إلى الخصائص المميِّزة لكلِّ نوع من أنواعه، وما صاحبه من ملابسات في كلِّ مرحلة من تلك المراحل.
أولًا: مرحلة الصدمة
وتبدأ هذه المرحلة من بداية القبض على المتَّهم وحتى لحظة التحقيق معه، وفي هذه المرحلة سيرى كل ما سيسبِّب له الصدمة من مناظر مقززة، ورفقة غير مأمونة، وتحقيق يتخلَّله كلُّ فنٍّ من فنون التعذيب، ويكون ذلك كله كما يلي:
صدمة المكان: لن يُعجَب السجين بالمكان الجديد، وسيرى فيه من المناظر ما يصدمه، وذلك كما يقول شرف: “ألفيتُ نفسي في غرفة كبيرة تلطخت جُدُرها بالحبر وبقع الدماء وكتابات مختلفة، واكتست أرضها بالزفت وخليط من البصاق والبول”.() ويتضح حجم الصدمة بالمقارنة بين مكانه القديم/ حجرته في البيت وبين المكان الجديد ذي الجُدُر الملطَّخة بالكتابات والحبر وبقع الدماء، وذي الرائحة الخليط من البول والبصاق والدم والزفت الذي يغطي أرضيته.
صدمة الرُّفقة: وبمجرد دخوله إلى حجرة السجن يلاقي شرف أصنافًا من البشر الذين لا تسرّ رؤيتهم أحد، وكان أوَّل عهده بهم عندما دفعه السجّان إلى الداخل وأغلق الباب خلفه، ليجد نفسه يشقُّ طريقه بين رجال غريبي الأطوار، يقول شرف عن ذلك: “شققتُ طريقي بين بضعة أشخاص تجمّعوا عند الباب وانهالوا عليه بالدق والصياح”.() ولم يكد يتجاوزهم حتى وجد نفسه على مقربة من رجل ضخم الجثة، يقول عنه: “أشار لي رجل ضخم الجثة يجلس القرفصاء على الأرض كي أنضم إليه، كان يرتدي جلبابًا قذرًا شُقَّ من منتصفه ليكشف عن صدره وعورته”.()
وبالمقارنة بين رفقة شرف في بيته من أبيه وأمِّه وأختيه وبين رفقته في السجن سيشعر القارئ بحجم الصدمة والخوف الذي يعتريه في السجن بين هؤلاء الرجال غريبي الأطوار، وبعضهم ضخم الجثة يكشف عورته وصدره بلا مبالاة، لذا كان من الطبيعيِّ أن يشعر شرف بالخوف منهم، ولو أمكنه الفرار لفرَّ، ولكن أين يمكنه الفرار بين هذه الجُدُر التي تطبق عليه في رفقة هؤلاء الأشرار.
صدمة التحقيق: حيث اقتيد شرف إلى غرفة عُلِّقَت فيها لافتة تشير إلى أنها غرفة المباحث، ويصف شرف الغرف فيقول: “كان ثمة ساتر خشبي في المدخل درنا حوله لتطالعني غرفة كبيرة وصورة رئيس الجمهورية فوق شاب مديد القامة وسيم الملامح، يبدو أنه من أولاد الناس”.() وقد بدأت صدمة التحقيق من هذا الانطباع الخاطئ عن الضابط، حيث اكتشف شرف أنَّه رجل قاسٍ وليس من أبناء الناس كما يبدو، فعندما أجاب عن سؤال الضباط بخصوص مقتل الخواجة، طالبه بالاعتراف بأنَّ القتل كان بدافع السرقة، رفض شرف ذلك وأصرَّ على أنَّ القتل كان بسبب الاعتداء الجنسيِّ عليه، ولم يكن بدافع السرقة، وهنا ظهر الضابط في شكله الحقيقيِّ، وأنَّه ليس ابن ناس كما يبدو، وقد أمر المخبرَيْنِ بأن يقلِعاه، ثم يربطا يديه بالكلبشات، وأن يعصبا عينيه بطرحة نسائيَّة، ويقيِّدا قدميه، ثم يعلِّقاه على النافذة حتى تلامس أصابع قدميه الأرض، وهما يضربانه ويشتمانه بأقذع الألفاظ، ثم يأمرهما الضابط بتجربة الجهاز عليه، فوصَّل أحدهما شيئًا تحت رجليه، وأحس شرف بقضيب من نار يخترق ساقيه، فصار يصرخ من الألم ويتوسَّل إليهم، ولم يوقف الجهاز حتى سقط مغشيًا عليه. وبعد أن أفاق وجدهم على رأسه وقد وضع الضابط قدمه على فمه، وهو يطلب منه أن يختار اسم بنت حتى يُنادَى به عليه، وعندما احتجَّ شرف بأنَّ له اسم، هدَّده الضابط باغتصاب أخته، وبالفعل سمع شرف صرخةً تشبه صرخة أخته، وهنا انهار واعترف بأنَّه قد قتل الخواجة بدافع السرقة، وهنا أيضًا وصل الضابط إلى الحقيقة التي يريدها فأمر بإعادة شرف إلى محبسه.()
ثانيًا: مرحلة التهيئة
لا تستمر هذه المرحلة طويلًا، فهي تبدأ من الترحيل من المحكمة إلى السجن الذي يقضي فيه المحكوم فترة طويلة إذا حُكم عليه بسنوات، أو متوسطة إذا كانت عليه فترة انتظار، وهذه الإقامة الطويلة نسبيًا أو المتوسِّطة تستدعي السجَّان أن يضع قواعد للتعامل مع السجناء، حتى يكونوا طوع أمره، ولا يخلوا بالنظام العام للسجن، وهنا تظهر أهميَّة تلك المرحلة، إذ تمثّل مدخلًا تعريفيًّا للسجين، يقف فيه على أهمّ قاعدة من قواعد الإقامة في السجن، ألا وهي الطاعة المطلقة للسجَّان أو من ينوب عنه من السجناء، وتستمر هذه المرحلة من الدخول إلى بوابة السجن وحتى دخول العنابر لأوَّل مرة، وهي تستغرق بضع ساعات في الغالب، ولهذه المرحلة طقوس خاصَّة بها في السجن، تتمثّل في:
التفتيش: بمجرد وصول النزلاء الجدد إلى مبنى السجن يُطلق عليهم اسم الإيراد الجديد، وهو إيراد محصّل من عدَّة أقسام من أقسام الشرطة، وكان عدد الإيراد الجديد القادم مع شرف ثلاثين نزيلًا، وأُخضعوا كلُّهم لإجراء تفتيش دقيق، يشمل كلَّ تقاطيع أجسامهم من أفخاذ وسيقان وآباط، ويُصادَر بموجبه منهم الأدوات المعدنيَّة والنقود والساعات والخواتم وأربطة الأحذية، كما يشمل التفتيش لفافات الأطعمة، وعلى الرغم من أنَّهم يسمحون لهم بها، إلا أنَّهم يُحرمون من الشاي والسكر. ثم يجلس السجناء القرفصاء مع أغراضهم ملتصقين بحائط السجن في انتظار الخطوة التالية.()
الحلاقة: وتأتي بعد التفتيش، حيث يقوم أحد السجناء القدامى بجز شعر كلِّ سجين جديد بإطلاق ماكينة الحلاقة بكلِّ قوة عليه، فيُجرَّد من شعره في حركتين سريعتين. ثم يصوَّر السجناء، ليعودوا بعدها إلى القرفصة من جديد في انتظار الخطوة التالية.
التقسيم: ويكون بوساطة حضرة الصول، ويسمى بنمرة الصول، وهو الذي يطلب منهم الاصطفاف بحسب نوعيَّة الجريمة، ويستخدم الصول (عترة) عصا مقطوعة من فرع شجرة في تقسيم السجناء بحسب التهمة، ثم يجمعهم من جديد لإعادة تقسيمهم بحسب القدرة الاقتصاديَّة لكلٍّ منهم، وذلك بتخييرهم بين النزول في العنبر الملكيِّ أو النزول في العنبر الميريِّ، فالأوَّل يحصل عليه من يكتب (عرضحال) ويدفع مبلغًا من المال، بينما يقيم الذين لا يملكون المال في العنبر الميريِّ، والفرق بين العنبرين يتمثَّل في أنَّ نزلاء العنبر الميريِّ يقومون بالخدمة عند العنبر الملكيِّ من تنظيف للزنازين وحمل لدلاء البول والبراز الخاصة بنزلائه، بينما لا يقوم نزلاء العنبر الملكيِّ بأيٍّ من الأعمال التي يقوم بها نزلاء العنبر الميريِّ، كما يرتدي أصحاب العنبر الملكيِّ ملابسهم العاديَّة بينما يرتدي نزلاء العنبر الميريِّ ملابس السجن، وقد انقسمت المجموعة القادمة مع شرف إلى مجموعتين: إحداهما صغيرة مقتدرة اختارت العنبر الملكيَّ، والأخرى كبيرة لا تملك خيارًا سوى النزول في العنبر الميريِّ.()
دخول العنابر: بعد التقسيم يقوم نزلاء العنبر الملكيّ بالتوجه إلى عنبرهم وهم يرتدون ملابسهم، بينما يسلِّم نزلاء العنبر الميريِّ ملابسهم إلى إدارة السجن، ويتسلَّمون اللباس الجديد المكوّن من أربعة قطع: قميص بلا أكمام كالفانلة، وآخر كالبلوزة بأكمام طويلة، وبنطلون يُشدُّ بحبل من نفس نوع القماش، إضافةً إلى طاقية أشبه بالكاب، وكلُّها مصنوعة من الدمور الأبيض، لتوجهوا بعدها إلى عنبرهم الميريِّ.()
ملاحظات على هذه المرحلة
يتضح ممَّا ذُكِرَ أنَّه يخفَّف التعذيب في هذه المرحلة، ويغلب فيها سوء المعاملة، ويُقصَد به: “أي أفعال أخرى من المعاملة أو العقوبة القاسية أو الإنسانية أو المهينة التي لا تبلغ حد التعذيب”.() ويدخل في سوء المعاملة ما تعرَّض له شرف ورفاقه السجناء عند وصولهم السجن، من تفتيش مذلّ، وحلاقة بطريقة غير إنسانيَّة، وكذلك الإذلال النفسيّ بجعل السجناء الجدد يستحمون عراة أمام أعين الآخرين.()
ولا يظهر التعذيب بالضرب إلا لمامًا وفي حال الضرورة القصوى، أي لفرض الطاعة المطلقة وعدم المناقشة في تنفيذ أوامر السجَّان، ومن ذلك ضرب شرف على قفاه عندما اعترض على لبس ملابس السجن بحجَّة أنَّها ليست مقاسه، ليتلقَّى ضربة من الجندي، وانتقلت عدوى الرغبة في إلحاق الأذى ببقية زملائه الجنود، فقاموا بضرب السجناء من غير جرم، بل ضربوهم لأنَّ زميلهم الجندي ضرب أحد السجناء، لذا من الطبيعي أن يضربوهم، وقد أعلن الجندي أنَّه أُزفَّ موعد حفل التعذيب.() كما تلقى السجين صبري صفعةً من النوبتجي بطشة، وعلى الرغم من أنَّ بطشة مجرَّد سجين مثل صبري، ولكنه بحمله لقب النوبتجي يَعدُّ نفسه جزءًا من إدارة السجن، لذلك لم يعجبه تردُّد صبري في فهم نظام السجن، عندما خاطبهم بخصوص طبيعة موقعهم في السجن والذي يحدَّد ببلاطتين ونصف البلاطة، ولما أظهر السجين صبري -صاحب النظارة ذات الإطار المذهب- عدم الفهم صفعه بطشة.() كما يتعرَّض السجناء للابتزاز الماليِّ عن طريق إساءة المعاملة، حتى يضطرَّ السجين إلى الدفع نظير تحسين طريقة معاملته إلى حد ما، ومن ذلك تعريضهم للحلاقة القاسية عن طريق جزّ الشعر في حركتين سريعتين بالآلة، ومَنْ يدفع يحظى بحلاقة أقلّ قسوة، وذلك كما فعل شرف حيث تمكَّن من الحصول على حلاقة أفضل نظير دفعه علبة سجائر كليوباترة.()
وخلال طقوس هذه المرحلة كلها يكون السجين قد استنبط عدَّة قواعد للتعامل في السجن، وهي:
يعرِّض الاعتراض أو التردُّد في تنفيذ الأوامر السجين للضرب والتعذيب، فمن الأفضل إطاعة الأوامر من دون تردُّد.
يمكن للسجين الحصول على معاملة أفضل نظير الدفع مقابل الخدمة.
السجن مكان ضيق، فمن الأفضل عدم البحث عن الراحة في مكان لا تتجاوز فيه مساحة الخصوصيَّة الشخصيَّة بلاطتين ونصف البلاطة عرضًا، وعدم التشبث بالخصوصيَّة الشخصيَّة في موضع لا يمكن الحصول فيه على النظافة الشخصيَّة إلا على مرأى من الجميع.
وبذلك يكون السجين مؤهلًا نفسيًّا للدخول في المرحلة الثالثة، والتي يتأقلم فيها مع أحوال السجن الذي قد يقيم فيه إقامة طويلة أو متوسِّطة وفق المدة التي حكمت بها المحكمة عليه.
ثالثًا: مرحلة التأقلم
في هذه المرحلة يحاول السجين أن يبدو متأقلمًا مع أحوال السجن وطريقة إدارته، فيحاول أن يضبط تصرفاته وفقًا لما تقتضيه أحوال السجن، وفي حدود ما تسمح به إدارة السجن من ممارسات، وهذه طائفة من تصرفات السجناء تظهر تأقلمهم مع أحوال السجن:
وضع قواعد لتنظيم السجناء: للسجناء قواعد يديرون أنفسهم بها في السجن، وعلى الرغم من أنَّها تقوم في الغالب على منطق القوة والاستغلال إلا أنَّها قد تنظّم طريقة العيش الجماعيِّ في السجن إلى حد ما، ومنها:
أ. قاعدة الإقامة في السجن: وتقضي بأنَّ الإقامة في السجن تبدأ تصاعديًّا من القاع إلى القمة، ويقصد بالقاع هنا باب السجن حيث مجاورة دلاء البول، إذ يبدأ السجين الجديد منه ويظلُّ يتدرَّج حتى يصل إلى موقع أفضل كلَّما دخل سجناء جدد، ويبدو أن هذه القاعدة سائدة في معظم السجون على أرض الواقع، ومن ذلك ما ذكرته إحدى الدراسات عن وجود عرف سائد بين السجناء بخصوص المكان في السجن، حيث يكون المكان الأفضل وهو البعيد من باب الغرفة من نصيب السجين الأقدم، بينما يكون مكان السجين الأحدث عند باب الغرفة،() وقد بدأ شرف من القاع رفقة المجموعة التي دخلت معه، إلا أنه قفز رفيقاه صلصة وبلحة إلى الداخل لمعرفتهما بتلك القاعدة، بينما وقف هو مكانه لأنَّه كان أصغرهم سنًا وعديم الخبرة بالسجون.()
ب. الحدود المكانية لكل نزيل: وتقدَّر ببلاطتين ونصف البلاطة عرضًا، وسبع بلاطات طولًا، وهذا ما أخبر به السجين والنبوتجي بطشة النزلاء الجدد.()
ج. لفّ النمر بطريقة معينة: حيث يقوم السجناء بطي إحدى البطانيتين ثلاث طبقات، ثمَّ فرشها على البرش، بينما تُستخدم البطانية الأخرى كوسادة، وعند تغيُّر الطقس تُستخدَم كغطاء للسجين، وقد عجز شرف عن فعل ذلك حتى تطوَّع لمساعدته السجين صبري الذي قام بتعريفه بتلك الطريقة.()
د. استخدام نظام الدَّور: في ملء جرادل الماء وتفريغ جرادل البول، وكانت بداية الدور عند شرف في المجموعة التي دخلت معه.()
ويلاحظ في القواعد السابقة أنَّها قواعد منظِّمة لطريقة العيش في السجن، وتقِّلل من انتشار الفوضى والنزاع بين السجناء في تلك المساحة الضيقة التي لا تحتمل ذلك، كما يلاحَظ أيضًا أنَّها من وضع السجناء أنفسهم، وهذا يعني تأقلمهم مع أحوال السجن والامتثال لإدارته ونظامه الانضباطي.
الالتزام بأداء الواجبات: يؤدِّي السجين كلَّ ما يوكل إليه من واجبات في السجن، فلا يتوانى في أدائها، ومن ذلك قيام شرف بتنفيذ الدَّور في نقل جرادل الماء والبول، وكذلك قيامه بتنظيف العنبر الملكيِّ مع صبري وآخرين، حيث قام شرف وصبري بتنظيف الطرق الخارجيَّة للزنازين، إضافةً إلى تنظيف المرحاض في العنبر الملكيِّ، هذا على الرغم من أنَّ شرف لم تكن له معرفة سابقة بكيفية النظافة بصورة عامَّة ونظافة المراحيض بصورة خاصَّة، وهو الذي لم يتناول بيده مكنسةً يومًا في منزله.()
نسج علاقة بينيَّة بين السجين والسجَّان: حيث يقوم بعض السجناء بعقد علاقة منفعيَّة مع السجَّان بصورة مباشرة، وذلك كما كان بطشة يفعل مع الحارس بعجر، حيث كان يأتي الأخير للحصول على حلاوة المفتاح من السجناء الجدد بوساطة السجين النوبتجي بطشة، وعندما دخل شرف ومن معه من النزلاء الجدد حضر الحارس بعجر لاستلام الحلاوة، فناداه بطشة بقوله: مساء الخير يا بو علي.
ثم ناوله السجائر التي جُمِعَتْ من السجناء الجدد،() وكذلك عندما يأتي الحارس ليلًا، حيث تظهر عينه عبر فتحة في باب الزنزانة، فيقوم النوبتجي بتحيته قائلًا: مساء الخير على غفر الليل.
ثمَّ يظهر فم السجان عبر الفتحة، فيدسُّ له فيه بطشة سيجارة، لينصرف الحارس بعدها.() وكان بطشة يحصل نظير ذلك على معاملة خاصة من السجّان، فمثلًا كان يُخرَج بطشة من الزنزانة في الصباح بينما يبقى السجناء فيها يعانون من تلوث هوائها، وكذلك خروجه من الزنزانة وعودته في صحبة الحارس حاملًا زجاجة مياه مثلجة.()
كما كانت هنالك معاملة منفعيَّة بين صاحب النشرة والحرَّاس، وصاحب النشرة سجين محكوم عليه بست سنوات، يقوم بإذاعة أسماء السجناء المفرَج عنهم، ويحصل على المعلومات من حرَّاس السجن مقابل السجائر، ويقوم بإذاعتها بين السجناء مقابل السجائر أيضًا، ويبدأ نشرته قائلًا بصوته الجهوريِّ: عنبر كله يسمع.
ثم يقوم بإذاعة أسماء الذين سيُفرَج عنهم في اليوم التالي، ويتلوها بالدعاء لهم بعدم الرجوع، فيردِّد السجناء: آمين تأمينًا على تلك الدعوة.()
ويتضح من ذلك أنَّه كان لبعض السجناء علاقة تبادل منفعيٍّ بينهم وبين السجَّان، وكان الدفع بالعملة الموحَّدة في السجن، أي علب السجائر، فيحصل بعضهم نظير ذلك على الفسح والخروج من الزنزانة والحصول على المياه المثلَّجة، بينما يحصل بعضهم نظير ذلك على المزيد من السجائر من السجناء بما يحقق له الاكتفاء الذاتي من هذا الصنف، أو العملة الصعبة (سجائر الكليوباترة).
يتضح من كلِّ ما سبق ذكره أنَّ السجناء قد تأقلموا على السجن وتماهوا مع أوضاعه ونظامه الانضباطيِّ، وذلك من خلال تشريع قواعد لكيفيَّة العيش في الزنزانة، وتنفيذ جميع الواجبات الملقاة على عواتقهم، وكذلك بقيام بعضهم بنسج علاقات تبادل منفعيٍّ مع السجَّان نظير الحصول على معاملة ومستوى معيشيٍّ أفضل.
الانتهاكات في مرحلة التأقلم
يقلُّ التعذيب في هذه المرحلة، فلا يُمارَس إلا في نطاق ضيق، ليفسح المجال لممارسات لا تصل درجة التعذيب، ولكنها تمثِّل انتهاكًا لكرامة السجين، وتصنَّف تحت بند إساءة المعاملة، وفقًا لقواعد المعاملة النموذجيَّة الدنيا مع السجين، والتي وضعتها الأمم المتحدة، وحُدِّثَت لاحقًا باسم (قواعد نلسون مانديلا)، وأجيزت من طرف الجمعية العمومية للأمم المتَّحدة في كانون الأول/ ديسمبر 2015م،() وهذه طائفة من أنواع إساءة المعاملة التي تعرَّض لها السجناء في رواية شرف وتتعارض مع تلك القواعد:
أحوال السجن: توصي قواعد مانديلا في القاعدة رقم (13) أن تتوافر في غرف السجن مراعاة الشروط الصحية والأحوال المناخية،() كما توصي القاعدة رقم (14) أن تكون لغرف السجن نوافذ واسعة بحيث تسمح للسجناء باستخدام الضوء الطبيعيِّ في القراءة والعمل، وأن تكون الإضاءة الاصطناعيَّة كافية كذلك،() وقد كانت زنزانة شرف ومن معه ضيِّقة ولها فتحة ضيِّقة على الباب، وسيِّئة التهوية حتى أنَّ الجو يكون خانقًا فيها، ويزيد ذلك اختناقًا برائحة البول، وبدخان سجائر السجناء، وكذلك بسعالهم وبصاقهم على الأرض.()
وكانت لتلك البيئة الملوثة والقذرة أثرها في إصابة السجناء بأمراض جلديَّة معدية، وقد أصيب السجين (عم حسن) بالجرب، حتى أنَّه كان يهرش جسده الليل كلَّه، وعندما كُشف عليه بانت عورته الحمراء الملتهبة، وفخذاه الملوثتان بالدماء بسبب الهرش.()
الطعام والشراب: وفقًا للقاعدة رقم (22) يحقّ للسجين الحصول على وجبة مغذِّية ومعدَّة جيِّدًا، وكذلك له الحقُّ في الحصول على ماء شرب كافٍ في الوقت الذي يحتاجه،() وكان يُقدَّم لشرف وزملائه طعامًا رديئًا في السجن يتكوَّن من سائل أسود تعلوه طبقة من الزيت، وجبن أبيض متحجِّر أشبه بالحجارة البيضاء، مع ثلاثة أرغفة خبز لكلِّ سجين، ويوزِّع ذلك الطعام سجين قذر الهيئة حافي القدمين، يحمله على دلو أشبه بدلاء البول، ويغرف لكلِّ سجين ثلاث غرفات في آنية من الألمنيوم تسمى القراونات، أما أرغفة الخبز فيقوم بتوزيعها سجين آخر، وهو يجرُّها على بطانية فوق الأرض في أثناء التوزيع.() وكان السجناء يطلقون على ذلك الطعام اسم (اليمك) تهكمًا، ويقصدون به حساء الرجلة الذي يحتوي على قطعة من لحم الدجاجة أو جلدها.() أما الماء فيُوضَع في دلو أشبه بدلو البول، وُيوضَع على الجانب الآخر من باب الزنزانة، ويغطَّى ثم يُوضَع عليه كوب معدنيٌّ ذو أذن، وعندما عطش شرف رفع الغطاء عن الدلو، فوجد الماء مغطى بطبقة زيتيَّه تعجُّ بالكائنات الدقيقة،() ونتيجة للشبه الشديد بين دلوي البول والماء وتقاربهما الشديد مكانيًا -كان بعض السجناء يبول بالخطأ في دلو الماء بدلًا من البول في الدلو المخصَّص للبول، وقد ذكر شرف حدوث ذلك، حتى أنَّ بطشة أمره بغسل دلو الماء من آثار البول بالماء والصابون ذات مرة عندما حدث ذلك الخطأ.()
النظافة الشخصية وقضاء الحاجة: توصي القاعدة (18) من قواعد مانديلا بضرورة أن تُلزِم إدارة السجن السجناء بالنظافة الشخصيَّة على أن توفر لهم الماء وأدوات النظافة، كما توصي القاعدة (16) بتوفير مرافق الاستحمام، ويتاح للسجين الاستحمام مرة واحدة على الأقلِّ في الأسبوع، كما توصي القاعدة (15) بضرورة توفير مراحيض كافية لقضاء حاجة السجين بصورة صحيَّة ولائقة،() وقد كان شرف ورفقاؤه في الزنزانة يستخدمون المرحاض للاستحمام، ومن ذلك ما يحكيه شرف عن استحمامه فيه، بعد أن دخل وأرخى الستارة خلفه، خلع ملابسه وعلَّقها على مسمار في الحائط، ثم قرفص جسده على مقربة من الحنفيَّة الواطية القريبة من الأرض وفي يده الصابون الذي بدأ يدعكه بجسمه، وإذا بالمياه تنقطع عن الحنفيَّة، فظلَّ في انتظار الماء، حتى دخل عليه الحارس رافعًا الستارة طالبًا منه أن يخرج؛ تردَّد شرف في الخروج والصابون يغطي جسده، فتقدِّم الحارس وجذبه من يده، لذا اضطر شرف إلى أن يلبس ملابسه ويخرج من دون أن يستحمَّ والصابون يغطي جسده،() أما التبول، فقد كان السجناء يتبولون في الدلاء داخل الزنزانة، والتي توضع بجانب باب الزنزانة، إذ يأتي السجين ويبول في الدلو على مرأىً من الجميع، وقد كان مكان شرف بالقرب من دلو البول، فكان السجناء يبدون وكأنهم يقفون على رأس شرف والبول في الدلو أمامه، ليتبوّلوا ثم يعودوا إلى أماكنهم.()
النوم: من حقِّ كلِّ سجين الحصول على سرير فرديٍّ، وأن تكون لوازمه كافية ونظيفة وفقًا للقاعدة رقم (21) من قواعد مانديلا،() عندما دخل شرف السجن صُرِفَتْ له معدَّات النوم والتي تعرف باسم (النمرة)، وتتكون النمرة من برش من الليف الخشن إضافةً إلى بطانيتين رثتين،() وتستخدم النمرة بطريقة محدَّدة للنوم، فيفرش البرش أولًا، ثم توضع عليه إحدى البطانيتين وقد طبِّقت عدَّة طبقات، بينما تستخدم البطانية الأخرى وسادة في الأغلب، أو غطاءً عندما يسوء الطقس.()
عدم الفصل بين السجناء: توصي القاعدة رقم (11) من قواعد مانديلا بضرورة الفصل بين السجناء كالفصل بين المدانين وغير المحكومين،() وقد كان شرف محبوسًا على ذمَّة التحقيقات، ومع ذلك كان في زنزانة واحدة مع مجرمين مُدانين بجرائم مختلفة، الأمر الذي جعله يتعرَّض للاستغلال والتنمُّر من طرف السجناء وخاصَّة بطشة، والذي حاول أن يغتصبه ليلًا، لولا أن تدخّل السجين سوزوكي وأنقذه منه قبل أن يفعل.()
الابتزاز: يتعرَّض السجناء للابتزاز مقابل الحصول على حقوقهم التي من المفترض أن يكفلها لهم القانون في السجن، ومن ذلك ما تعرَّض له شرف من ابتزاز في السجن وهو في طريقه إلى المحكمة، حيث اضطر إلى دفع علبة سجائر لحلاقة الذقن، ونصف علبة لتلميع الكوتشي، وعلبة أخرى لاستخدام المرحاض للاستحمام، وثلاث علب من السجائر لِكَيِّ ملابسه الشخصيَّة في مبنى الإدارة أمام غرفة الأمانات،() وهذه الأشياء كلّها من الاحتياجات الضروريَّة والحقوق المكفولة للسجين، إلا أنَّه لم يحصل عليها إلا ببضع علب من السجائر.
وعلى الرغم من ندرة التعذيب في هذه المرحلة، إلا أنَّه يكون قاسيًا ورادعًا في المرات القليلة التي يحدث فيها، ويكون التعذيب في هذه المرحلة لأغراض منها:
أ. التأديب: وذلك عندما تبدر من السجين بوادر الإخلال بالنظام وعدم الانضباط، وقد استحقَّ السجين (السوهاجي بتاع اللحمة) التعذيب بسبب تقليل الأدب مع صول السجن، وقد ألقى السوهاجي قطعة الجلد التي توضع في (اليمك) على وجه الصول، وذلك احتجاجًا على سوء الأكل، ومطالبته بحقِّه في التغذية، والذي تكفله له لوائح السجن، بقطعتي لحم يوميًّا وليس قطعة من الجلد؛ وجرى تأديبه بوضعه على صليب خشبيٍّ يسمى العروسة، وعُرِّيَتْ مؤخَّرته تمامًا، ثمَّ تناوب على ضربه حارسان بشومة ينتهي طرفها بعدَّة قطع من الجِلْد.()
ب. الحصول على اعتراف: ومن ذلك تعُّرض السجين النوبتجي بطشة للتعذيب حتى يُحمَلَ على الاعتراف بضرب السجين سوزوكي، وقد ادَّعى بطشة أنَّ سوزوكي اعتدى عليه بمشرط حلاقة وماسورة، ولكنه اعترف تحت التعذيب بأنَّه هو الذي بدأ بالعدوان، وقد اعتدى على سوزوكي بماسورة خبَّأها تحت بلاطة مكسورة في الصالة.()
بنية المراحل الثلاث في العمل الروائيِّ
احتوت المراحل الثلاث على عدد من الشخصيَّات الروائيَّة المتباينة، منها الشخصيات الفاعلة التي تؤثِّر في مجرى الحوادث في الرواية، وكذلك الشخصيَّات المنفعلة والتي تتلقَّى فعل الشخصيَّة الفاعلة وتخضع لنفوذها،() ومن الشخصيات الفاعلة في الرواية شخصية السجين بطشة، والذي له تأثير في الشخصيات الأخرى كشخصية شرف، والذي كان يوزَّع له الدور في واجبات السجن، وكذلك تطويعه لشخصيَّة صبري عندما تردد في فهم قواعد السجن فصفعه صفعة كان لها تأثيرها في السجناء الجدد، والذين سارعوا بإخراج السجائر عندما طالبهم بطشة بذلك.()
وقد قدَّمت تلك الشخصيَّات بعدَّة طرائق سرديَّة، ومنها الأسلوب التقريريّ والذي تقدَّم فيه الشخصيَّة من خلال الحكاية على لسان الراوي،() وذلك كما في هذا الوصف لشخصية السجين السارق سائق السوزوكي. يقول الراوي في وصفه: “رجل وقور لحيته كثة تتدلى على صدره”.() ومنها الأسلوب التصويريُّ، والذي يقدِّم الشخصيَّة من خلال حركتها أو صراعها مع غيرها،() ومن ذلك تقديم الراوي لشخصيَّة شرف عندما أُثير لرؤية سيدة أمامه، يقول الراوي في وصفه: “كان في السن التي تفور فيها الدماء وتغلي لأقل لمسة (ولد سنة 1974) لكنه كان أيضًا مثقلًا بمجموعة من المحرمات التي تقيد الفعل”.()
ويقوم بروي حوادث الرواية نوعان من الرواة أحدهما راوٍ عليم بكلَّ شيء عن شخصيات الرواية وحوادثها،() كوصفه تردُّد شرف في ارتداء ملابس السجن: “لم يكن شرف عبد العزيز الخبير بالملابس وأنواعها وتقلبات مواسمها جاهزًا لرداء لا يلائم مقاسه فحسب، وإنما يتألف من قطع غير متناسقة، ولا تردد في الجهر في رأيه”.() وهذا النصُّ في وصف الحارس الذي صفع شرف على قفاه لتردُّده في ارتداء ملابس السجن: “على كثرة الغرائب التي مرت بالحارس في حياته السجنية، لم يسبق له أن استمع إلى وجهة نظر من هذا النوع.”.()
وعلى الرغم من أنَّ الوظيفة الرئيسة للراوي هي سرد الحوادث، إلا أنَّه يقوم بأدوار ثانويَّة أخرى غير ذلك، فيقوم أحيانًا بالتعليق على الحدث لشرح ملابساته،() ومن ذلك هذا الوصف لمصادرة مقتنيات السجناء عند دخولهم السجن، ومن بينها “الساعة (كي لا يخسرها في لعبة الكوتشينة)، الخاتم (كي لا يسرقه منه أحد)، رباط الحذاء (كي لا يشنق نفسه في النهاية)”.() لم يكتفِ الراوي في هذا النصِّ من وصف عملية مصادرة المقتنيات، بل تعدَّاه إلى شرح العمليَّة بالتعليق عليها وتوضيح أسبابها.
كما يقوم الراوي أحيانًا بإطلاق الأحكام التقويميَّة للحدث الذي يقوم بوصفه، ومن ذلك هذا النصّ في وصف بوابة السجن: “تعلوها لافتة تعكس عن رسالة المؤسسة بكلمتين مقتضبتين هما (التأديب والإصلاح). لم يكن ثمة محاولة للتضليل، فالكلمتان عبرتا بدقة عن الغرض المستهدف وهو المحافظة على تدفق المنح الأميركية”.() هذا النصُّ في وصف البوابة وما كتب عليها من شعار، وكان بإمكان الراوي الاكتفاء بذلك الوصف، ولكنه أطلق حكمًا تقويميًا يبيِّن سبب كتابة ذلك الشعار، ألا وهو تدفق الأموال الأميركيَّة المخصصَّة لإصلاح السجون.
ويقوم الراوي بوصف الحوادث والشخصيات والأمكنة، ويؤدي الوصف أحيانًا وظيفة تجميليَّة في الرواية، عندما لا تساهم الأشياء الموصوفة في تطوير الحوادث،() ومن ذلك هذا النصّ: “ظهر ضابط شاب، رياضي الهيئة وسيم الطلعة، على وجهه تعبير من الضجر الدائم، احتل الكرسي وجلس في استرخاء متجنِّبا النظر إلى الضيوف”.() فلم يساهم وصف هذا الضابط في تطوير الحوادث في الرواية، لأنَّه لم يكن له أي دور واضح في حوادث الرواية، لذلك كان وصفها لغرض تجميليٍّ وهو إعطاء صورة متكاملة عن الوضع الذي استُقْبِل فيه السجناء الجدد في السجن.
وأحيانًا يؤدي الوصف وظيفة تفسيريَّة في الرواية، حيث يكون للأشياء الموصوفة دور في تطور الحدث،() وذلك كما في هذا النصِّ لوصف عملية حلاقة النزلاء الجدد: “تابع شرف باهتمام عملية الحلاقة ولاحظ منزعجًا أن الحلاق يطلق آلته بقوة في الرأس ويجرده من الشعر تجريدًا تامًا في حركتين سريعتين.”()
وهذا الوصف لعملية الحلاقة كان سببًا في تطوُّر الحوادث في الرواية، حيث دفع شرف علبة سجائر وحصل على حلاقة بالمقصِّ وقد استخدمه الحلاق برفق على رأسه.()
ويلاحظ القارئ أنَّ تلك المراحل الثلاث تحتوي على أشياء متكرِّرة، سواء أكان ذلك على مستوى الوصف أو الشخصيَّات، والتكرار أمر ملحوظ في الأعمال الروائيَّة، حيث تميل الرواية إليه في الحوادث والوصف،() ومن التكرار في المراحل الثلاث: تكرار وصف مكتب الضابط الذي يجلس وخلفه صورة كبيرة لرئيس الجمهوريَّة، فقد ظهر هذا الوصف في المرحلة الأولى، عندما دخل شرف مكتب ضابط المباحث للتحقيق معه،() ثم تكرّر في المرحلة الثالثة، عندما دخل شرف مكتب ضابط السجن للتحقيق معه في شجار بطشة وسوزوكي،() كما ظهر دور الشخصيَّة التي توفِّر الحماية لشرف في المرحلة الأولى وهي شخصيَّة كعب الداير، والذي أظهر عطفه وحمايته لشرف في الحبس،() وتكرَّر دور الشخصيَّة الحامية في المرحلة الثالثة، وقامت بأداء الدور فيها شخصيَّة سوزوكي، والذي حمى شرف من التعرض للاغتصاب في السجن.()
ويؤدي الفضاء المكانيُّ للسجن دورًا كبيرًا في حوادث المراحل الثلاث، وذلك لأنَّه يمثِّل المسرح الذي تدور فيه حوادث تلك المراحل، ويتشابه فضاء السجن في تلك المراحل، حيث يمرُّ بمبنى طويل تنبعث منه رائحة عطنة مزيج من البول والفنيك، وينتهي الممر بزنزانة لها باب حديد.() أما في المرحلة الثانية فيكون الدخول إليه عبر البوابة الرئيسة للسجن، ثمَّ يكون العبور إلى المرحلة الثالثة عبر اجتياز فناء له بوابة حديد، ثم آخر مربع ينتهي بمبنى قديم من الحجارة له باب حديد أيضًا، تبعث منه رائحة عطنة تشبه رائحة الملابس المتسخة، والتي أصابتها الرطوبة من دون أن تغسل، ثم الولوج للداخل إلى زنازين لها أبواب حديد.()
ويظهر التشابه الواضح بين أمكنة المراحل الثلاث من حيث الضيق وطبيعة التحصين وعدم النظافة التي يُعبَّر عنها بالروائح الكريهة، ثم تتباين الأمكنة في الضيق ودرجة التحصين لمنع السجناء من الفرار.
وقد أدَّى المكان في بعض المراحل وظيفة سرديَّة، ألا وهي الوظيفة الاجتماعيَّة، حيث يظهر من خلاله التفاوت في المكانة الاجتماعيَّة بين شخصيَّات الرواية،() ومن ذلك هذا الوصف لموضع السجين بطشة نوبتجي الزنزانة: “قد ارتقى عرشه في الركن الاستراتيجي (الذي لا يصل إليه بصر المار في الطريق إذا كان الباب مفتوحًا ولا المتلصص من الباب إذا كان مغلقًا) والذي أتاح له أن يستولي على جدارين في آن واحد.”() فهذا الوصف يوضح المكانة المرموقة التي يحظى بها السجين بطشة في الزنزانة، وهي مكانة عالية مقارنة بمنزلة شرف الذي استقرَّ عند الباب “لأنه أصغر الجميع في السن، استقر شرف في نهاية المطاف إلى جوار الدلو (مشرفًا على تشكيلة فريدة من النعال يصعب نسب أي منها إلى ماركة معروفة).”()
يتضح ممَّا سبق أنَّ مراحل التعذيب الثلاث قد وردت في رواية شرف، وهي رواية استوفت الشروط الفنيَّة للرواية من شخصيَّات وحوادث وفضاء مكانيٍّ، وهذا ما يوحي بأنَّها عمل متخيَّل من وحي خيال المؤلِّف.
المراحل الثلاث بين الحقيقة والخيال
على الرغم من أنَّ هذه المراحل الثلاث للتعذيب قد استُخْرِجَتْ من رواية شرف، والرواية عمل خياليٌّ محض، فكلُّ الشخصيَّات والحوادث والأمكنة من وحي خيال الكاتب، إلا أنَّ ذلك لا يمنع من وجود مؤشِّرات واضحة على استنادها إلى معلومات حقيقيَّة في بعض جوانبها، ويمكن الاستدلال على ذلك بما ذكره المؤلف في آخر الرواية، من تقدُّمه بالشكر لبعض ضباط السجون والسجناء السابقين حيث يقول في معرض شكره لكلِّ من وقف معه في كتابة رواية (شرف): “وللآخرين من ضباط سجون وسجناء سابقين تحدثوا بصراحة عن تجاربهم، وأمدوني بحاجتي من الوثائق وأخرجوا من ذكر أسمائهم.”() هذا إضافةً إلى خبرته الشخصيَّة بالسجون المصريَّة، وتعرُّضه للسجن فيها من قبل، عندما كان في العشرين من عمره،()
واستنادًا إلى تلك التجربة وبما توفَّر لديه من معلومات وفيرة عن السجن وحياته، استطاع أن ينسج صنع الله إبراهيم هذه الرواية، لذلك جاءت في بعض حيثيَّاتها متطابقة مع الواقع إلى حد بعيد، ويمكن للقارئ أن يطّلع على شيء من تفاصيل مراحل التعذيب في الرواية على أرض الواقع من شهادات السجناء في السجون المصريَّة، وكذلك من تقارير المنظمات الحقوقيَّة العاملة في مجال حقوق الإنسان في الأراضي المصريَّة، ويمكن أن نلمح خيوط التشابه بين تلك المراحل المذكورة في الرواية مع تلك التي وردت في شهادات السجناء على أرض الواقع، كما في الأمثلة التالية:
التشابه بين مواضع الاحتجاز: يشبه موضع احتجاز شرف قبل التحقيق مواقع الاحتجاز على أرض الواقع، يقول شرف: “نزلنا سلّمًا إلى الطابق الأرضي، فأبرز الحارس حلقة من المفاتيح الضخمة، فتح بأحدها بوابة من القضبان الحديد”.()
وهذا وصف لمناطق الاحتجاز في أقسام الشرطة المصريَّة: “دائمًا ما تتموقع أماكن الحجز في أقسام الشرطة والمراكز أسفل المبنى في قبو صغير يضم عددًا من الزنازين”.()
التشابه بين السجون: يتشابه بناء السجن وضيقه في المرحلة الثانية والثالثة في الرواية مع بنائه على أرض الواقع، وهذا وصف لأحد السجون المصرية في تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش: “مساحة الزنازين حوالي 3,8 متر مربع وفي أحيان كثيرة يكون فيها عدد من النزلاء […..] هذه الزنازين تؤمنها أبواب معدنية فيها فتحة يحصل النزلاء من خلالها أحيانًا على الطعام، ويملكون الحراس وينادون على بعضهم البعض.”() وسيلاحظ القارئ هذا الضيق في الرواية على الرغم من أنها لم تحدّد مساحة الزنزانة، ولكن يمكن التعرف إلى ضيقها من تحديد مساحة السجين في الزنزانة ببلاطتين ونصف بلاطة عرضًا، وسبع بلاطات طولًا.() كما ذكر تقرير المنظمة أنَّ السجناء لا ينامون على أسرّة، وإنما ينامون على مصاطب من دون أفرشة “وبدلًا من الأفرشة يستخدم أغلب النزلاء بطانيتين توفرها إدارة السجن.”() وفي الرواية ينام النزلاء على برش تُفرَش عليه بطانيَّة مطبَّقة على ست طبقات، وتستخدم أخرى كوسادة أو غطاء عندما يسوء الطقس في السجن.()
التعذيب لغرض الاعتراف: ومنه ما ذكره شرف من طقوس التعذيب لغرض انتزاع اعتراف منه، حيث قام المخبرَين بتقليعه، ثم ربطا يديه بالكلبشات، وعصبا عينيه بطرحة نسائية، وقيدا قدميه، ثم عُلِّق على النافذة حتى تلامس أصابع قدميه الأرض، وهما يضربانه ويشتمانه بأقذع الألفاظ، ثمَّ يأمرهما الضابط بتجربة الجهاز عليه، فوصلا شيئًا تحت رجليه، ثمَّ أحسَّ شرف بقضيب من نار يخترق ساقيه، فصار يصرخ من الألم ويتوسَّل إليهم، ولم يوقفا الجهاز حتى سقط مغشيًا عليه.()
وهذا التعذيب الذي تعرَّض له شرف في الرواية لا يعني أنَّه خيال محض، بل له نظير على أرض الواقع، فقد رصدت منظمة (كوميتي فور جستس) تسع عشرة طريقة للتعذيب تمارَس في غرف الاحتجاز في السجون المصريَّة، ومن بين هذه الطرائق كانت الطريقة الرابعة للتعذيب كمقاربة لما تعرض له شرف في الرواية، ففي تلك الطريقة يُصلَب السجين على تصميم خشبيٍّ يسمى بالعروسة، وقد تُربَط ذراعاه في الباب الحديد، وتُقيَّد رجلاه من الخلف على الباب نفسه، ثمَّ يُصعَق بالصدمات الكهربائيَّة، ويُضرَب بالعصي وأسلاك الكهرباء.() وتشبه هذه الطريقة التي رصدتها المنظَّمة على أرض الواقع ما تعرَّض له شرف من تعذيب في الرواية في ربط اليدين والرجلين والصعق الكهربائيِّ، ثم تختلفان في كيفية ربط يدي السجين ورجليه، كما تلتقي الطريقتان في الغرض منهما ألا وهو الحصول على اعتراف من المتَّهم عن طريق التعذيب، وذلك على أساس أنَّ المتَّهم يُدلِي بمعلومات قيِّمة تحت وطأة التعذيب.
استقبال الإيراد: الإيراد اسم يُطلَق على السجناء الجدد عند نزولهم من عربة الترحيلات، واستُقبِلَ الإيراد (شرف ومن معه) بإجلاسهم مقرفصين عند الحائط، ثم تعرَّضوا للضرب عندما احتجَّ شرف على لباس السجن الذي لم يلائمه مقاسه،() ويمكن مقارنة هذا مع ما جاء في شهادة سجين مصريٍّ: “نزلنا من العربة الزرقاء بوابل من الضرب والسباب لنقف مقرفصين، منتظرين سماع أسمائنا أو أي تعليمات.”() وهنا يتمثَّل التشابه في جلوس السجناء القرفصاء، والتعدي عليهم بالضرب والشتم.
التعذيب لغرض التأديب: تعرَّض السجين الجنائيُّ (السوهاجي بتاع اللحمة) للتعذيب في المرحلة الثالثة لغرض التأديب، بعد أن رمى قطعة جلد الدجاج على وجه الصول،() كما يُمارس تعذيب السجين الجنائي لغرض التأديب على أرض الواقع، وقد ذكرت بعض المنظَّمات الحقوقيَّة تعرُّض سجين جنائيٍّ مصريٍّ للتعذيب لغرض التأديب، نتيجة مشادّة كلاميَّة، تمَّ على إثرها ضربه وإهانته وفقئ عينيه وشنقه، ما أدى إلى وفاته في النهاية.”()
يتَّضح مما سبق ذكره أنَّ مراحل التعذيب الثلاث المذكورة في الرواية تُوجَد بصورة أو بأخرى على أرض الواقع في السجون المصريَّة، وعلى الرغم من أنَّها مجَّرد عمل فنيٍّ خياليٍّ، إلا أنَّها لا تقلُّ شأنًا وعملًا على فضح الانتهاكات التي يتعرَّض لها السجين المصريُّ، ولا تقلُّ خطورة وأهميَّة عن تقارير المنظَّمات الحقوقيَّة العاملة في البلاد المصريَّة، ولكن تدثُّرها في القالب الروائيِّ جعلها متاحةً للقرَّاء، ولم تتعرَّض للتضييق أو المصادرة التي تتعرَّض لها المنظَّمات الحقوقيَّة، وذلك بعدِّها مجرَّد عمل روائيٍّ خياليٍّ لا يمتُّ إلى أرض الواقع بأيِّ صلة.
الصحَّة النفسيَّة للسجناء في المراحل الثلاث
لا تهتمُّ الرواية بإبراز الجوانب النفسيَّة بالولوج إلى لاوعي الشخصيَّات، حيث كُتِبَت الرواية بجُمَل تيليغرافيَّة وجيزة، تذكِّر القارئ بطريقة هيمنغواي في الكتابة.()
لذلك يصعب تحديد الاضطرابات النفسيَّة التي تتعرَّض لها شخصيَّات الرواية، وقد ثبت أنَّ تجربة السجن وأحواله السيِّئة وما يتعرَّض له السجين من إذلال وتعذيب يؤدِّي إلى اعتلال الصحَّة النفسيَّة عند بعض السجناء، فتظهر عليهم بعض أعراضه من هدوء وسلوك مدمّر وانفعال وعدم اكتراث وتهيّج وتعاطٍ للمخدّرات وغيرها من مظاهر الاعتلال النفسيِّ،() وبمتابعة شخصيَّات الرواية في سيرها مع الحوادث يمكن ملاحظة بعض مظاهر الاعتلال النفسي فيها:
القلق الدائم: ومن ذلك ما شعر به السجين بطشة في فترة الحبس التام، بسبب المرض الجلديِّ الذي انتشر في الزنزانة، وعلى الرغم من طول فترة سجنه التي منحته منصب نوبتجي الزنزانة، إلا أنَّه لم يتعوَّد على الحبس التام، فقد كان يخرج من الزنزانة كثيرًا بسبب علاقته بالحراس، لذلك كانت وطأة الحبس التام ثقيلة عليه، فأحس بالضغط النفسيِّ، حتى أنَّه صار يذهب إلى باب الزنزانة كثيرًا ويقفز في الهواء، وأحيانا يتعلَّق بباب السجن، وأحيانًا أخرى يخرج رأسه من الفتحة وينادي على أصحاب الزنازين الأخرى.()
البكاء من دون سبب: ومنه بكاء السجين الكهل حسن بكبورت، حين انخرط في بكاء حار من دون سبب، حتى كاد يفسد على السجناء شهرتهم التي يقضونها في تبادل قصص حياتهم وسبب دخولهم السجن.()
العزلة وعدم الاندماج: ومن ذلك انطواء السجين سامي عازر على نفسه، وعدم مخالطة السجناء في أحاديثهم، حيث يشغل نفسه بدفن رأسه في كتاب يخرجه من كيسه نهارًا، بينما ينطوي على نفسه آخذًا وضعية جنين واضعًا رأسه بين ذراعيه ليلًا.()
افتعال المشكلات: ومن ذلك ما جاء في المرحلة الأولى من شجار دار بين سجينين، وتبادلهما الاتهام بالغشِّ في لعبة الكوتشينة، وقد رفع أحدهما مطواة صغيرة في وجه الآخر، حتى توتَّر شرف من شجارهما، فطمأنه كعب الداير، وأخبره بأنه لن يحدث شيء؛ وبالفعل عادا إلى اللعب من جديد.() وفي المرحلة الثالثة شجار كل من سامبو وصنقر، وعم فوزي وجابر، وسوزوكي وبطشة.()
إدمان المخدرات: ومن ذلك التفاف السجناء حول بطشة، وقد وضع أمامه طبقًا بلاسيكيًّا فيه أقراص تشبه أقراص الأسبرين، وقد سحق تلك الأقراص، ثمَّ لفَّ ورقةً وصار يستنشق المسحوق، وأعطى الفرصة لزميله صنقر من بعده.()
كانت تلك أبرز المظاهر التي توحِي باعتلال صحَّة السجناء النفسيَّة، وهي مظاهر قد تتطوَّر وتفضي بالسجين إلى الجنون أو إيذاء جسده أحيانًا، وهذا أمر لم يحدث في رواية (شرف)، ولكنه قد يحدث على أرض الواقع عند التعرُّض لأحوال مشابهة لما ورد في الرواية.
خاتمة
بعد هذا التجوال في المراحل الثلاث، توصلت الدراسة إلى النتائج التالية:
عدم استمرار التعذيب على وتيرة واحدة في السجن بصفة عامَّة، بل يختلف التعذيب نوعًا وقسوةً من فترة إلى أخرى في حياة السجين، ويمكن تقسيم التعذيب إلى ثلاث مراحل مختلفة هي: مرحلة الصدمة، ومرحلة التهيئة، ومرحلة التأقلم.
تبدأ مرحلة الصدمة منذ لحظة احتجاز المتَّهم في قسم الشرطة وحتى عرضه على المحكمة، ويتعرَّض فيها السجين لكلِّ ما يسبِّب صدمةً له من مناظر مقزِّزة، ورفقة غير مأمونة، إضافةً إلى التعرُّض لتعذيب وإذلال يهين كرامته الإنسانيَّة كالضرب وتقييد اليدين بالكلبشات، والرجلين بالقيود مع عصب العينين والرفع على النافذة، ثمَّ الصعق بالكهرباء حتى الوصول إلى درجة الإغماء، مع التهديد باغتصاب أقرب الناس إليه كأخته مثلًا، وإجباره على اختيار اسم بنت لنفسه حتى يُنادَى به، وكلُّ هذا التعذيب لغرض الحصول على الاعتراف الذي يرغب فيه المحقِّق. ويتعرَّض السجين لكلِّ هذا سواء أكان السجين معترِفًا بالجرم قَبل التعذيب أم منكرًا له، فلو اعترف قبل التعذيب يكون التعذيب لغرض التأكُّد من صدقه، وإن أنكر يكون التعذيب لغرض إجباره على الاعتراف.
تبدأ مرحلة التهيئة منذ لحظة وصول السجين من المحكمة إلى ساحة السجن الذي سيقضي فيه فترة العقوبة أو الانتظار، وتستمرُّ حتى دخول الزنزانة في السجن، وهي أقصر مراحل التعذيب زمنًا، وفي هذه المرحلة يتعرَّض إلى سوء المعاملة الذي لا يصل إلى درجة التعذيب من إجباره على القرفصة والانتظار، ثم الحلاقة بطريقة مهينة، وإجباره على الاستحمام عاريًا أمام مرافقيه، وقد يُستخدَم التعذيب بالضرب بغرض تهيئة السجين وإرغامه على الطاعة طوال فترة بقائه في السجن.
تبدأ مرحلة التأقلم منذ لحظة دخول السجين إلى الزنزانة، حتى خروجه منها، ويحاول السجين في تلك المرحلة التأقلم على قواعد السجن وأوضاعه القاسية، حتى لا يتعرَّض للتعذيب والإذلال قدر الإمكان، ومع ذلك يتعرَّض لسوء المعاملة في مكان ضيّق وقذر تنعدم فيه أبسط الشروط الصحيَّة، والنوم على الأرض بجوار دلو البول، إضافةً إلى الطعام السيء، وشرب الماء الملوّث، والخضوع للابتزاز الماليِّ مقابل أبسط الحقوق المكفولة وفق لائحة السجن؛ وإذا أخلّ السجين بنظام السجن بالشجار مثلًا، فإنَّه يتعرَّض للتعذيب والتنكيل، كما يتعرَّض السجين للتعذيب الشديد بالصلب على الخشبة وتعرية عورته، ثمَّ ضربه ضربًا مبرحًا أمام السجناء لغرض التأديب، وذلك عندما يقوم السجين بإبداء اعتراضه على إساءة المعاملة كعدم الحصول على الطعام الكافي مثلًا.
تتطابق هذه المراحل مع ما يناظرها في السجن على أرض الواقع، حيث يتعرَّض السجناء لأنواع من التعذيب وأصناف من إساءة المعاملة، تتشابه مع تلك التي ذُكرت في الرواية، وقد تتطابق معها أحيانًا. 6. تظهر دراسة شخصيَّات الرواية تعرُّضها للاعتلال النفسيِّ، وهو أمر لم تذكره الرواية صراحةً، ولكن يمكن استنباطه من بعض التصرُّفات التي تقوم بها الشخصيَّات، ما يوحي بأعراض الاعتلال النفسيِّ من: عزلة، وافتعال للشجار، وإدمان على المخدرات، وبكاء من دون سبب، وتصرُّفات تنمّ عن قلق اضطراب.
قائمة المراجع
إبراهيم، صنع الله. شرف، (القاهرة: دار الهلال للنشر، 1997م).
الأمم المتحدة، حقوق الإنسان والسجن، سلسلة التدريب المهني العدد11، (نيويورك- جنيف: 2004م).
الأمم المتحدة، قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء: قواعد مانديلا، قرار رقم 20/ 215.بارت، رولان وآخرون. طرائق تحليل السرد الأدبي، حسن بحرواي وآخرون (مترجمون)، ط1 (الرباط: منشورات اتحاد كتاب المغرب، 1992م).
بن جلون، الطاهر. تلك العتمة الباهرة، بسام حجار (مترجم)، ط1 (بيروت: دار الساقي للنشر، 2002م).
بو غرارة، زكرياء. الأكف الممزقة: مجموعة قصصية، الشيخ ياسر السري (مقدِّم)، الطبعة الإلكترونية الأولى (مؤسسة وا إسلامه للإعلام، د. ت).
جهاد، جَو، ط1 (بيروت: صحيفة مرآة البحرين، 2017م).
سامي، عماد. بين القهر والعبودية: شهادات حية من داخل السجون المصرية (اسطنبول: المعهد المصري للدراسات، 2020م).
عبد الدايم. أدب السجون عند “أيمن العتوم” من خلال روايتيه: “يسمعون حسيسها” و”يا صاحبي السجن”، بحث ماجستير (الجزائر: كلية الآداب واللغات، جامعة محمد بوضياف، 2020- 2021م).
العتوم، أيمن. يا صاحبي السجن، ط1 (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2013م).
عزام، محمد. شعرية الخطاب السردي (دمشق: منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2005م).
لحمداني، حميد. بنية النص السردي، ط1 (بيروت: المركز الثقافي العربي، 1991م).
منتدى آسيا والمحيط الهادئ للمؤسسات الوطنية وجمعية الوقاية من التعذيب ومفوضية حقوق الإنسان، منع التعذيب (2010م).
منصوري، علي. البطل السجين السياسي في الرواية العربية المعاصرة، بحث دكتوراه (الجزائر: جامعة الحاج لخضر (2007- 2008).
المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، الصحة النفسية في السجن (عمان: المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، 2018م). منظمة هيومن رايتس ووتش، حياة القبور: الانتهاكات في سجن العقرب، (الولايات المتحدة الأميركية: منظمة هيومن رايتس ووتش، 2016م).
نوال، هرزاني، نوري ياسين؛ وآرام إبراهيم. “طبيعة العلاقات الاجتماعية بين المحكومين داخل مجتمع السجن”، كلية التربية الأساسية، المجلد: 2/ العدد1 (2004م).
الهودلي، وليد. ستائر العتمة، ط1 (رام الله: المؤسسة الفلسطينية للإرشاد القومي، 2003م).
يوسف، شعبان. أدب السجون، شعبان يوسف (محرر)، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2014م).
مراحل التعذيب في أدب السجونرواية (شرف) لـ "صنع الله إبراهيم" أنموذجًا - رواق ميسلون
تهدف هذه الدراسة إلى: الكشف عن مراحل التعذيب التي يمرُّ بها السجين، مع التطرُّق إلى الخصائص التي تميِّز كلَّ مرحلة عن غيرها، وتسليط الضوء على الجوانب النفسيَّة التي يمرُّ بها السجين في تلك المراحل، إضافةً إلى المقارنة بين مراحل التعذيب في الرواية
rowaq.maysaloon.fr