أدب السجون حسن عبادي - متنفَّس عبرَ القضبان (72)

متنفَّس عبرَ القضبان (72)

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ تبيّن لي أنّ الكتابة خلف القضبان متنفّس للأسير، ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة بعد كلّ زيارة؛
عقّب عبد الكريم زيادة: "يسعد صباحك الاستاذ المحامي حسن عبادي. إطلالة على روان نحتاجها كما نحتاج معرفة أحوال الاسيرات الأخريات فك الله اسرهن بوركت جهودك المميزة مع امل التحرير لروان وهي بكامل صحتها هي ورفيقات دربها وان يتحقق حلمها بمتجر حين تتحرر"
وعقّب محمد عارضة: "مش مطولة ان شاء الله ومنفتح ابواب القهر والزنازين المقيتة بأيدينا. قربت ان شاء الله".
"قرّبت"
التقيت صباح الثلاثاء 24 كانون ثاني 2023 في سجن الدامون بأعالي الكرمل بالأسيرة رغد نشأت صلاح الفني (مواليد 1998 ومعتقلة منذ 28.10.2022) وتلازمها ابتسامة خجولة وعاتبتني قائلة: "توقّعت زيارتك من زمان".
حدّثتني عن صدمة الاعتقال المفاجئ على حاجز طيّار، في طريقها من البيت إلى رام الله، للتحضير لعام دراسي جديد، ورحلة العذاب والآلام، والبوسطة التي سمعت عنها الكثير، لكن الحكي مش مثل الشوف، ومعبار هشارون ومعتقل عوفر وصولًا إلى الدامون، ومن ثم تحويلها بعد تحقيق لئيم إلى الاعتقال الإداري.
وأخيرًا استوعبت ما هو "العدد" وطقوسه، 5 مرات في اليوم، وفهمت اهتمام الأسرى بالأشياء الصغيرة، وتعرّفت إلى "السوراغيم" والفورة وقاموس الأسر ومصطلحاته.
صدمتني حين أخبرتني بنيّة سلطة السجون إقامة أقفاص في ساحة الفورة للحالات النفسيّة المهملة، تمامًا كأقفاص القرود في حدائق الحيوانات، بلا تشبيه! وعن أسيل وعقابها. الوضع سيئ، تعبانة من وضع الأسيرات.
أخبرتني بحِرقة أنها لم تحظَ بزيارة الأهل واللقاء بهم حتى اليوم (موعودة بزيارة صباح الغد). قلت لها بعفويّة: "قربّت"، فردّت: "الزيارة/الترويحة...تحرير البلاد؟!".
طلبت إيصال سلاماتها لكلّ من يسأل عنها...
"خوف من الحريّة"
بعد لقائي برغد أطلّت الأسيرة المقدسيّة أماني خالد حشيم؛ تلازمها تلك الابتسامة المشرقة، وبدأت تحدّثني عن دورة الرياضة التي تديرها في السجن وقنينة الماء مع الملح لرفع الأثقال.
ناقشنا مستجدّات مشروعها البحثيّ "أضواء على مبادئ الدبلوماسية"؛ والمخطوطة التي وصلتني واقترحت عليها تحويلها لمختصّين لقراءتها وإبداء الرأي والملاحظات قبل النشر من باب المسئولية والمساءلة.
حدّثتني عن الأسيرات الجدد وتأقلمهن، وخاصّة القاصرات منهن، نفوذ وسمسم وراما.
حدّثتني بلهفة عن أعياد ميلاد أبنائها آدم وأحمد، عملت كعكة في السابع من يناير واحتفلت بعيد ميلاد آدم مع الصبايا وبدأت بالتجهيزات لعيد ميلاد أحمدها (27 يناير).
آدم يحلم أن يكون مهندسًا ليبني بيتًا يسكن فيه معها برفقة أحمد، وأحمد يحبّ اللغة اليابانية وحلمه دراسة التكنولوجيا هناك. أبنائها ينتظرون بفارغ الصبر جولة في ديزني لاند باريس.
تفكر كثيرًا في ساعة الإفراج، وتشغلها الرهبة من ساعة التحرّر، ويشغل الصبايا أمر صفقة تبادل مرتقبة، شو نلبس ومين بدها تنظّف الزنزانة؟ طلبت إيصال سلاماتها لكريم وماهر، لازم نعتذر منهم ومش نبارك لهم.
"انفنسِت كثير"
بعد انتهاء لقائي برغد وأماني أطّلت الأسيرة روان نافذ رضوان أبو زيادة، وصّلتني سلامات الصبايا وحدّثتني عن أخبار الكانتينا التي تديرها بمساعدة نفوذ.
روان (مواليد 1994) من قرية بيتلو، قضاء رام الله، اعتقلت يوم 15.07.2015 وما زالت تعاني من أمراض إثر اعتداء الجنود عليها ساعة اعتقالها، ووضعها الصحيّ يتدهور نتيجة الإهمال الطبيّ، فلا علاج جديّ، بل استنزاف متواصل، فحوصات صوريّة ومماطلة وإذلال، "بعدني موجوعة".
تناولنا طقوس مشتريات الكانتينا ومبيعاتها، وخبرتها لتطمح بإدارة متجر حين تحرّرها.
بستنّى بالترويحة وبدون صفقات، تعبنا من الوعود العرقوبيّة، "إنفنسِت كثير".
يهمّها وضع الأسرى والحركة الأسيرة، تناولنا كتاب "القديس والخطيئة" للصديق الأسير خليل أبو عرام.
حتلنتها بإصدارات الأسرى الأخيرة وحفل إطلاق "ترانيم اليمامة" السبت الفائت في جنين.
لكن عزيزاتي رغد وأماني وروان كل التحايا، والحريّة القريبة لكُن ولجميع أسرى الحريّة.

حسن عبادي
حيفا/ كانون ثاني 2023

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
371
آخر تحديث
أعلى