رايفين فرجاني - المجتمع منتجا للأفكار

هذه مجموعة من القضايا الإجتماعية,والقضية هو كل خبر يلزم أن يُقضى في أمره. أي أنه كل شأن محل نزاع بين طرفين أو أكثر. هذا النزاع المتولد عادة,وبالضرورة,عن النزعة المذهبية / الأيديولوجية الكامنة داخل كل عقل بشري. والموجهة لأفكاره في مسالك ومذاهب معينة,تقع تحت حتمية السياقات المحيطة بهذا العقل على الصعيد الإجتماعي والثقافي والإقتصادي,إلخ ... تعبر هذه القضايا عن الواقع .. واقعنا.

أي أننا ننظر إلى المجتمع بوصفه منتجا للأفكار -ولهذا يتم عد المجتمع سردية كبرى- نظرا للتفاعلات المختلفة بين الأفكار الفردية وإنتجاها أنساق وأنماط معينة من الأفكار المنساقة عادة وفق التيارات والشرائح المجتمعية المكونة من عدد أفراد هذا المجتمع. وإنسياقها هذا, يتم وفق ما يُعرف بالمنظومة المذهبية (الأيديولوجيا) المتحكمة بشكل أساسي بمختلف المنظومات الإجتماعية الأخرى؛ مثل المنظومة السياسية, والثقافية, والإعلامية.

بل إن الأيديولوجيا تعد بدورها سردية كبرى متغلغلة بقوة في مختلف القوى الناظمة للسلوكيات والنشاطات الإجتماعية لأفرادها,مثل

1-الهوية الفردية

2-العائلة وصلات القرابة

3-المجتمع

4-الدين

5-السياسة

6-الثقافة

7-الإعلام

وهي بذلك تتشابه,وتتقارب إلى حد كبير مع المنظومة العُرفية؛تُعرف الأعراف بأنها مجموعة المعايير الإجتماعية التي تعارف عليها القوم,وأتفقوا عليها (ولو بشكل غير منصوص) محددا للصواب والخطأ. والصواب والخطأ في العرف يتضخم ليحمل هالة كبرى تحظى بإحترام وقداسة قد تتفوق في الكثير من الأحيان على المنظومة القانونية. ولا يصبح ما يصنف بوصفه (ممنوعا) له نفس خطورة ما يسمى (عيبا).

بل أنه يمكننا,بشكل أو بآخر,اعتبار أن الأعراف حاوية لكل الأنساق المذهبية,نظرا لكون بنية الأعراف نفسها هو التوافق المجتمعي بين مجموعة من الأفراد على سلوك معين بوصفه صحيحا أو خاطئا. هذا المبدأ الذي يمكن تطويره بنفس الطريقة إلى منظومة معرفية حاكمة أو ناظمة لمجموعة من السلوكيات فيما يُعرف بالمذهبية (الأيديولوجيا).

ويمكن إدراج هذه الموافقة أو المواضعة الإجتماعية إلى مرجعية حاكمة,ذات تأثير ملموس من قوة خارجية (وليس مجرد تأثير نفسي إجتماعي) حيث توفر حاكم فعلي (الحكام أو القضاة) كما في السياسة والقانون والدين.

ويحدث الخلط بين القوة النفسية,والقوة العقابية في منظومات أخرى لا تقل تعقيدا عن المذكورة,مثل الإعلام على الصعيد المجتمعي,والتربية على الصعيد الفردي.

ويمكننا تمييز نوع جديد من النظم المنتجة للأفكار,المتحكمة بها,مثل الآداب (الشرعية أو العرفية) على الصعيد المجتمعي,والتي تتداخل مع مفهوم المبادئ على الصعيد الفردي.

بل ومع تفنيد الأوراق التي جمعتها لكتابة هذا المقال,وجدت أن المجتمع يمكن أن ينتج الأفكار من خلال ثلاثة عشر حالة رئيسية,ثلاثة عشر حالة شبه آمنة,لأنها خاملة لا تنشط عادة إلا إذا اقتضت الحاجة إليها,وتعد بمثابة مرجعيات شبه أكيدة دائما يرجع الإنسان إلى أحدها لإتخاذ قراره في المواقف البسيطة أو الحرجة,وهي

1-الآداب

2-الإعتقاد

3-التربية

4-الثقافة

5-الدين

6-السلطة

7-السياسة

8-العُرف

9-القانون

10-القرابة

11-المجتمع

12-النظم

13-الهوية

مرتبة ترتيبا أبجديا,ولاحظ تداخل بعضها تحت التصنيفات الكبرى المدرجة بينها

[1] الآداب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وهي تندرج تحت منظومتي العُرف,والأعراف والآداب الناظمة للعائلة,أو الإطار الحاكم والباسط والمكون لقوة العائلة,أو باختصار (منظومة القرابة). والمجتمع في وقت لاحق. ويبدوا أن (الرك على التربية) فعلا كما يُقال,دون إغفال التأثيرات الخارجية للثقافة والمجتمع والبيئة بالطبع.

الآداب,هي مجموعة من المعايير الأخلاقية المتبناة من قبل شريحة مجتمعية معينة,كنوع جديد من الأعراف متفرعا عن الأعراف,وموازية لها. يتواجد في الشقين الرئيسين / الشريانين الحيويين للمجتمع؛العائلة,والمجتمع نفسه في صوره الإجتماعية الأخرى.

[2] الإعتقاد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاعتقاد هو الرجوع إلى أحكام تنبثق من مجموعة من منظمة من الأفكار

قد تكون هذه المجموعة,ديانة,أو فلسفة,أو رؤية ذاتية للأمور,أو توجه علمي للبحث,أو أي شكل من أشكال التفكير,يفرض مرجعيات أو مذهبيات على الفكر,يسلكها المرء في تفكيره.

دون مخالفة للمعنى الاصطلاحي من وراء (الاعتقاد) الذي يراد به معنيين؛أحدهما عام, والآخر خاص. فأما العام,فهو القول بأن الإعتقاد هو حكم ذهني جازم يقبل التشكيك,وهو الرأي الغربي. وأما الخاص,فهو القول بأن الإعتقاد هو حكم ذهني جازم لا يقبل التشكيك. وهو الرأي الشرقي العربي الإسلامي. الإعتقاد عند المسلمين هو أعلى درجات اليقين,وهو ما يتفق عليه اللغويون.

وللاعتقاد دور بارز في العالم الإسلامي,فهو لا يشارك فحسب بإنتاج الأفكار الإجتماعية والثقافية,بل ويساهم في صنع الهوية؛تلك المساحة المشتركة والواقعة بين الشخصية الفردية وعلاقاتها الإجتماعية.

وغياب الاعتقاد بالموروثات والتراثيات الإسلامية (المنبثقة عن الأصول الإسلامية,والداعمة لها) أدى إلى خلق أزمة في الهوية كما يرصد الباحث مختاري عبد النور الأستاذ بجامعة حسيبة بن بوعلي . الشلف-الجزائر. "فقديما كان عصبة التأكيد علي الهوية الواحدة للجماعة، التي تظهر بشكل خاص في حضور طموح دائم لصيانة وحدة العقيدة،فحينما يسأل الناس ويسألون باستمرار عن معاني سلوكياتهم وعن مرجعيات أفعالهم واختياراتهم وأهدافهم،كانوا يجدون الملجأ في (سواء شعروا أو لم يشعروا) عقيدتهم الإسلامية".[31]

ويتتبع الباحث معالم وأسباب

[3] التربية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التربية هي منظومة مذهبية تتبع العائلة,ثم المدرسة,فالمجتمع على التوالي بحسب الدور الطبيعي لكل مرحلة إذا التزمت بموقعها في هذا التسلسل.

[4] الثقافة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الثقافة مصطلح يصف الوعاء والوسيط لنقل معرفة شائعة بين أفراد المجتمع.

"إن الثقافة لا تفهم إلا باعتبارها مظهرا للوعي الذي يستوعب من خلاله الفرد أو

الجماعة ذاتهما والعالم من حولهما،ويجعلنه قابل للتمثل في الذهن،فتتم الممارسات والتوجهات وتحدد المواقف الفردية تبعا للأهداف الثقافية العامة للمجتمع،وتضبط الوسائل الخاصة مع مرجعيات الجماعة أو الجماعات الاجتماعية السائدة،لنكون أمام ما يسميه علماء الاجتماع بالأنماط الثقافية،وهي تترجم تأليف مبدع عن ما يرغب فيه الفرد ويريده وما تقرره الجماعة تقهر عليه. وعليه فالثقافة تفهم دائماً كعلاقة مستمرة من التوتر المبدع بين الواقع الاجتماعي للجماعة وطبيعة الوعي الموضوعي لديها،لذا تقاس كلّ الثقافة كوعي جماعي موضوعي ومنظم،بقدرتها في إبداع الحلول الجماعية والفردية لمشاكل اليومية التي تصادف كلّ مجتمع وبقدر هذا النجاح تصنف الثقافات علي اعتبارها، مبدعة أو كتلة جامدة وعقلية

متحجرة. لأن توليد بنية كل ثقافة بهذا القدر ليس وليد رغبة فردية أو حاجة تقررها الجماعة، بقدر ما يعكس شروط وظروف وعوامل متغيرة ومتبدلة تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وعسكريا أيضا. فما يتم ترجمته عبر الفرد يوميا في سلوكيات وممارسات واتجاهات وحاجات ثقافية معينة،وما تحدده الجماعات من استجابات،لا يخرج عن كونه مسألة تاريخية وعوامل متعددة ومتبدلة تاريخا واجتماعيا،فالثقافة هي المجتمع ذاته ضمن دينامكية اجتماعية مستمرة ومتراكمة تشكل بكل تفاصليها مرجعية الوعي والسلوك الجماعي والفردي تاريخيا لكل مجتمع،ولأن المجتمعات متدحرجة في حظوظها التاريخية،بين الثبات والتحول والدينامكية والإستاتيك الاجتماعية،وما تمثله اللحظة التاريخية والاجتماعية لكليهما، عند كلّ مجتمع سواء في الثابت أو التغير،من إمكانيات حقيقة وموضوعية لتوفر "من عدمه" ومن تراكم "من عدمه" لشروط ميلاد ثقافات وإبداع لنمط ثقافي جديد يتوفر لمجتمع ولا يتوفر لمجتمع آخر".

والثقافة مشتملة على جميع ما يرد إلينا عبر التاريخ؛تاريخنا. كما أنها مشتملة على الفن وجميع وسائل التعبير الأخرى.

[5] الدين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدين هو أن يشعر المرء بأنه مدين بحياته لقوة علوية إذا فسد الولاء لها فسدت الحياة.

وكلامنا في الدين لا يختلف عما ذكر عن العقيدة الإسلامية أعلاه,علما أن الإعتقاد أعم من الدين,فهو مشتمل على الفلسفة,والرؤية الذاتية.

[6] السلطة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن أن تدخل السلطة تحت واحد من الكتل المجتمعية / الفكرية الأربعة الكبار المنتجة للأفكار والمسيطرة عليه (هو ما يسمى بالسرديات الكبرى) لتأخذ إحدى الأشكال الآتية

1-السلطة الاعتقادية

أو ما يسمى بالسلطة الأيديولوجية,مذهبية أو مرجعية.

وفيها يتمثل شكل آخر من أشكال السلطة,هو السلطة الذاتية التي تصقل تحت ضغط المجتمع,والظروف الخارجية والداخلية للفرد. وكل فرد يختار مذهب يسلكه في تفسيره للأمور دون رفض لمبدأ الشك. أو يختار مرجع يرجع إليه في تفسير الأمور مع اقتناع تام بهذا التفسير. مثل المقابلة الشهيرة بين العلوم والدين. ولنا في بيان ذلك وقفة.

2-السلطة الثقافية

حيث "الاستعارة من مرجعيات فرضت حضورها وهيمنتها في المعطى الثقافي الحديث مباشرة,وتجاوزت ذلك إلى حد أصبحت فيه على صلة وثيقة بالتصورات التي تنتج ذلك المعطى,سواء أتم الأمر استنادا إلى مبدأ القبول أم تم استنادا إلى مبدأ الرفض ورد الفعل."[32]

3-السلطة السياسية

وهو ما نفسره في الفقرة التالية

[7] السياسة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن وصف السياسة بأنها القوى الإجتماعية العليا التي تنظم الأوضاع الإجتماعية في المجتمع وفق نظم قانونية واقتصادية وثقافية تفرضها على هذا المجتمع.

[8] العُرف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العرف هو ما عُرف عنه أنه يُتبع.

[9] القانون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من المعروف أن علم الإجتماع مؤسس على أربع علوم تحكم العلاقات الإجتماعية بين الأفراد,هي

1-السياسة

2-القانون

3-الاجتماع

4-الثقافة

[10] القرابة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صلة القرابة هي علاقة وراثية بين فرد وآخر,تدفع إلى نوع من الاهتمام أو الحب أو الحاجة إلى وجود هذا الشخص. وللحفاظ على هذا الوجود,أو حتى على وجودك أنت,قد يتم تقديم العديد من التنازلات إلى القريب الآخر (المحدد قيمته بيولوجيا بكبر سنه) مثل الأب أو الأخ الأكبر,أو الجد أو العم أو الخال,أو غيرهم من كبار سن في محيط العائلة,مما يؤدي إلى تفكيك الهوية الشخصية للفرد,وطمس الذات تحت سلسلة من الأوامر والتعليمات.

[11] المجتمع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المجتمع هو الهيكل الذي تبنى فيه البنية الفوقية لأي كائن اجتماعي مكون من أكثر من فرد والعلاقات المتبادلة بينهما. وهي علاقات مفروضة علينا بالضرورة مثل السياسة أو القانون أو الاقتصاد. أو علاقات نفرضها على أنفسنا بالضرورة,مثل الثقافة والمجتمع والتراث والحداث والإنسانيات الأخرى.

[12] النظم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هي أي منظومة غير منتمية أو متفرعة عن أحد القوى الاجتماعية المسيطرة أعلاه. على سبيل المثال,واحد من أهم المنظومات المنتجة للأفكار,أو المجسدة للأفكار,والتي أغفلنا ذكرها هو المال. والمال قيمة حقيقية يعبر بما لا يدع مجال للشك عن حالة إنسانية ما.

[13] الهوية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يُفترض أنها طرف الطيف الكبير المشكل لهوياتنا,أو ذواتنا,أو أفكارنا,مقابل المنظومات الاجتماعية العديدة التي تكاد تضغطنا حتى تزيلنا.

وفي الأخير نذكر أن هذا مجرد تقسيم عشوائي,سبقه من القبل التقسيم مثلا إلى الأعراف والتعبير والجريمة والعمل والكلام واللهو والأمان. هذا التقسيم ينطلق فقط من وجهة نظر سلوكية قبل اجتماعية أو ثقافية.

[HR][/HR]
[31]البنية الثقافية وتداعيات الاختلال الثقافي في المجتمع الجزائري / مختاري عبد النور.
[32]المطابقة والاختلاف / عبد الله إبراهيم / مؤمنون بلا حدود,ج 1,ص 23. ونحن هنا قد نستعين بالتوصيف الدقيق للباحث دون أن نقصد نفس النتائج التي استخرجها عن المناهج التي رصد بها ملاحظاته تلك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى