ﺇﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﺗﻐﻮﺹ ﻓﻲ ﺃﻋﻤﺎﻕ ﺫﺍﺗﻚ ﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﺻﻮﺭ ﺍﻟﻤﺪﻥ ﻓﻲ ﺧﻴﺎﻟﻚ .. ﻣﻜﺔ ﺍﻟﻤﻜﺮﻣﺔ ﻣﺎﻫﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﻤﺮﺋﻲ؟
ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻜﺎﻥ ،، ﺑﻄﺤﺎﺀ ﺿﻴﻘﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﻨﻘﻬﺎ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺠﺮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎﺭﺍﺕ ﻭﻃﺮﻕ ﻭﺃﺳﻮﺍﻕ ﻭﺟﻤﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ..
ﺑﻌﺾ ﻗﻄﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻳﺒﻴﻌﻮﻥ ﻭﻳﺸﺘﺮﻭﻥ ، ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ ﻭﻳﺸﺮﺑﻮﻥ ، ﻭﻳﺮوﺣﻮﻥ ﻭﻳﺠﻴﺌﻮﻥ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻭﺍﺩٍ ﺁﺧﺮ .
ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ !! ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ، ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ، ﻭﺑﻜﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ ، ﻭإﻧﺒﺜﻖ ﺍﻟﻨﺒﻊ ،، ﺛﻢ ﺗﻮﺍﻓﺪﺕ ﺃﻓﺌﺪﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭإﺭﺗﻔﻌﺖ أﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ .
ﺛﻢ ﺗﻔﺠﺮ ﻧﺒﻊ ﺁﺧﺮ ، ﺗﻔﺠﺮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﻭﻥ .. ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻣﻨﺬ ﺍﻷﺯﻝ.. ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﺇﻣﺮﺃﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻃﻔﻞ ﺁﺧﺮ .. ﻛﺎﻥ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ، ﻳﺘﻴﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .. ﺃﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﻛﻔﺖ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻋﻦ ﻣﻄﺎﺭﺩﺓ ﺍﻟﻐﻨﻢ ، ﻭﻟﺒﺪﺕ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺏ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ، ﻭﺳﻜﻨﺖ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﻓﻲ ﺃﻭﻛﺎﺭﻫﺎ . ﺃﺭﻫﻒ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺳﻤﻌﻪ ﻟﻠﺼﻮﺕ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﻻ ﻣﻜﺎﻥ .. ﻭﻟﻢ ﻳﺪﺭِ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ ، ﺇﻻ ﺍﻟﺴﻌﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻭﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ، ﺃﻥ ﻣﻴﻼﺩ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻛﺎﻥ ﺑﺸﻴﺮﺍً ﺑﻤﻮﻟﺪ ﻋﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ ، إﻧﻄﻼﻗﺔ ﻓﺮﺡ ﻛﺒﻴﺮ ، ﻟﻪ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻜﺔ، ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ، ﻓﻲﻣﻜﺎﻥ ﺑﻌﻴﻨﻪ ، ﺗﺠﺊ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ .. ﻭﺃﻧﻰ ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ؟
ﺗﻌﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ . ﺗﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻡ ﺩﺭﻣﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺻﻔﻬﺎﻥ ﺃﻭ ﺗﻄﻮﺍﻥ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺟﺪﺓ .. ﺳﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﺭﺕ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﻴﻦ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ .. ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺣﺎﺝ ﺍﻟﻤﺎﺣﻲ ، ﻭﺃﻏﻄﺲ ﻓﻲ ﻟﺠﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ، ﻭﺃﻧﻬﻞ ﻣﻦ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻔﺠﺮ ، ﻭﺃﻓﺘﺢ ﻧﻮﺍﻓﺬ ﺭﻭﺣﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ ﻹﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ .
ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﺃﻡ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺗﺮﻯ ﻣﺂﺫﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭ ، ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻬﻴﺄ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ، ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻫﻼً ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ . ﻻﺗﺘﻌﺠﻞ ، ﺗﺮﻳﺚ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺸﻮﺩ ﺍﻟﺮﺍﻛﻌﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﺎﺟﺪﻳﻦ .. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ، ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ.
ﺗﺨﻴﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺸﻴﺮ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :-
ﺭﺏ ﻓﻲ ﺍﻹﺷﺮﺍﻗﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻃﻴﻨﺔ ﺁﺩﻡ
ﺃﻣﻢ ﺗﺰﺣﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺃﺭﻭﺍﺡ ﺗﺤﺎﻭﻡ
ﺃﺩﺧﻞ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺇﻧﻚ ﻋﺎﺭٍ ﻛﻤﺎ ﻭﻟﺪﺗﻚ ﺃﻣﻚ ﻟﻮ ﺗﺪﺭﻱ ﺭﻏﻢ ﺍﻹﺯﺍﺭ ﺣﻮﻝ ﻭﺳﻄﻚ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻚ .. ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻄﻮﻓﻮﻥ ﻋﺮﺍﺓ ﻓﻲﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ ، ﺯﻣﺎﻥ ﺑﻜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ! ﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ﺟﺎﺀﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﻮﺍ ﻭﺳﻘﻂ ﻋﻨﻬﻢ ﻟﺒﺎﺱ ﺍﻟﻄﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ ﻭﺑﺪﺕ ﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺑﺪﺕ ﻵﺩﻡ ﻭﺣﻮﺍﺀ ﺳﻮﺍﺀﺗﻬﻢ ..
ﺇﻧﺪﺱ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺷﺊ ، ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺜﺎﺭ ﺍﻟﻬﺒﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﺷﺄنك ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ .. ﻓﻚ ﺍﻷﻏﻼﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺒﻠﺘﻚ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ، ﺗﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﺃﺛﻘﺎﻟﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ .. ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﺟﺎﻩ ﻓﺄﺭﻡ ﻋﻨﻚ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺟﺎﻫﻚ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺎﻝ ، ﻓﺄﻟﻖ ﺑﺨﺰﺍﺋﻨﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺮ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﺇﺳﻢ ﺃﻭ ﺻﻴﺖ ، ﻓﻠﻦ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﻻ ﺻﻴﺘﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺃﻧﺲ ﺇﻥ إﺳﺘﻄﻌﺖ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺑﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻚ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﺃﻗﺮﺏ إليك ﻣﻦ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﻮﺭﻳﺪ .
ﺇﻧﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﺟﻬﺪﻙ ، ﻓﻮﺷﻴﻜﺎً ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ .
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﺣﺠﺮﺍ ً، ﻭﺗﻌﻠﻖ ﺑﺄﺫﻳﺎﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ .
ﻭإﺳﺘﻨﺸﻖ ﺍﻟﻌﻄﺮ ، ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻋﻄﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ . ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺇﺫﺍ ﺟﺮﺕ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚ ، ﻭﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻚ ﻭﺇﻫﺘﺰﺕ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺫﺍﺗﻚ .
ﻫﺮﻭﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎ ﻭﺍﻟﻤﺮﻭﺓ ﻛﻤﺎ ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺃﻡ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻳﺒﻜﻲ ، ﻭﻻ ﻣﺎﺀ ﻭﻻ ﻗﻮﺕ ﻭﻻ ﺃﻫﻞ ، ﻭﺷﺊ ﺟﻠﻴﻞ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻪ ﻃﻌﻢ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ .
ﺛﻢ ﺃﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ، ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻭﺗﻤﻬﻞ ، ﻭﺗﺰﻭﺩ ﻭﺳﻌﻚ .ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﺳﻮﻑ ﺗﻄﻤﺮﻙ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﻬﻤﻮﻣﻬﺎ ، ﺃﻫﻮﺍﺋﻬﺎ ﻭ ﺃﻛﺎﺫﻳﺒﻬﺎ .. ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻫﻚ ﻭﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ، ﺇﻟى ﻣﺎﻟﻚ ﻭﺧﺪﻣﻚ ﻭﺣﺸﻤﻚ ، ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﺻﻴﺘﻚ .. ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺴﺮﺑﻼً ﻭﺃﻧﺖ ﻋﺎﺭٍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ .. ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺘﻠﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻚ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣﻚ ﻭﺷﻬﻮﺍﺗﻚ ، ﺳﻮﻑ ﺗﺮﺗﺪ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﻳﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﺘﻤﻬﻞ ﻭﻻ ﺗﻌﺠل ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ....
بقلم الطيب صالح
ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻜﺎﻥ ،، ﺑﻄﺤﺎﺀ ﺿﻴﻘﺔ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﺨﻨﻘﻬﺎ ﺍﻟﺼﺨﻮﺭ ﺍﻟﺠﺮﺩ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺤﻴﻂ ﺑﻬﺎ ﻋﻤﺎﺭﺍﺕ ﻭﻃﺮﻕ ﻭﺃﺳﻮﺍﻕ ﻭﺟﻤﻮﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ ..
ﺑﻌﺾ ﻗﻄﺎﻥ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﻳﺒﻴﻌﻮﻥ ﻭﻳﺸﺘﺮﻭﻥ ، ﻳﺄﻛﻠﻮﻥ ﻭﻳﺸﺮﺑﻮﻥ ، ﻭﻳﺮوﺣﻮﻥ ﻭﻳﺠﻴﺌﻮﻥ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﺮﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻭﻛﺄﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻭﺍﺩٍ ﺁﺧﺮ .
ﺳﺒﺤﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ !! ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ، ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ، ﻭﺑﻜﻰ ﺍﻟﻄﻔﻞ ، ﻭإﻧﺒﺜﻖ ﺍﻟﻨﺒﻊ ،، ﺛﻢ ﺗﻮﺍﻓﺪﺕ ﺃﻓﺌﺪﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭإﺭﺗﻔﻌﺖ أﺭﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ .
ﺛﻢ ﺗﻔﺠﺮ ﻧﺒﻊ ﺁﺧﺮ ، ﺗﻔﺠﺮ ﺑﻌﺪ ﻗﺮﻭﻥ .. ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻧﻔﺴﻬﺎ
ﻭﺗﻔﺠﺮ ﻣﻨﺬ ﺍﻷﺯﻝ.. ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﺇﻣﺮﺃﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻭﻃﻔﻞ ﺁﺧﺮ .. ﻛﺎﻥ ﺇﺳﻤﺎﻋﻴﻞ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻭﻫﺬﺍ ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ صلى الله عليه وسلم ، ﻳﺘﻴﻢ ﺑﺎﻟﻔﻌﻞ .. ﺃﺷﺮﻗﺖ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﺍﻷﺭﺽ .. ﻛﻔﺖ ﺍﻟﺬﺋﺎﺏ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺩﻳﺎﻥ ﻋﻦ ﻣﻄﺎﺭﺩﺓ ﺍﻟﻐﻨﻢ ، ﻭﻟﺒﺪﺕ ﺍﻟﺴﺒﺎﻉ ﻓﻲ ﺷﻌﺎﺏ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ، ﻭﺳﻜﻨﺖ ﺍﻟﻄﻴﻮﺭ ﻓﻲ ﺃﻭﻛﺎﺭﻫﺎ . ﺃﺭﻫﻒ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺳﻤﻌﻪ ﻟﻠﺼﻮﺕ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐ ، ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺄﺗﻲ ﻣﻦ ﻛﻞ ﻣﻜﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﻻ ﻣﻜﺎﻥ .. ﻭﻟﻢ ﻳﺪﺭِ ﺃﻫﻞ ﻣﻜﺔ ، ﺇﻻ ﺍﻟﺴﻌﺪﺍﺀ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﻠﻤﻮﻥ ﻭﻳﻨﺘﻈﺮﻭﻥ ، ﺃﻥ ﻣﻴﻼﺩ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺍﻟﻴﺘﻴﻢ ، ﻛﺎﻥ ﺑﺸﻴﺮﺍً ﺑﻤﻮﻟﺪ ﻋﺎﻟﻢ ﺟﺪﻳﺪ ، إﻧﻄﻼﻗﺔ ﻓﺮﺡ ﻛﺒﻴﺮ ، ﻟﻪ ﻭﻗﻊ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ.
ﻟﺬﻟﻚ ﻓﺄﻧﺖ ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﻜﺔ، ﻓﺈﻧﻚ ﻻ ﺗﺪﺧﻞ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ، ﻓﻲﻣﻜﺎﻥ ﺑﻌﻴﻨﻪ ، ﺗﺠﺊ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻧﻘﻄﺔ ﻣﻨﻄﻠﻖ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻭﻛﺄﻧﻚ ﺗﺪﺧﻞ ﻓﻲ ﻣﺮﻛﺰ ﺍﻟﺪﺍﺋﺮﺓ .. ﻭﺃﻧﻰ ﻟﻚ ﻳﺎ ﻣﺴﻜﻴﻦ ﺃﻥ ﺗﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺫﻟﻚ؟
ﺗﻌﺎﻝ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﻀﺤﻰ ﺃﻭ ﻗﺒﻴﻞ ﺍﻟﻐﺮﻭﺏ . ﺗﻌﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻴﻒ ﺃﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺘﺎﺀ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺃﻡ ﺩﺭﻣﺎﻥ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺃﺻﻔﻬﺎﻥ ﺃﻭ ﺗﻄﻮﺍﻥ ، ﺗﻌﺎﻝ ﻣﻦ ﺟﺪﺓ .. ﺳﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﺭﺕ ﻓﻴﻪ ﻗﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﻤﺤﺒﻴﻦ ﺍﻷﻭﺍﺋﻞ ﺭﺣﻤﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ .. ﺃﻣﺜﺎﻝ ﺣﺎﺝ ﺍﻟﻤﺎﺣﻲ ، ﻭﺃﻏﻄﺲ ﻓﻲ ﻟﺠﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ، ﻭﺃﻧﻬﻞ ﻣﻦ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻔﺠﺮ ، ﻭﺃﻓﺘﺢ ﻧﻮﺍﻓﺬ ﺭﻭﺣﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ ﻹﻧﻌﻜﺎﺳﺎﺕ ﺃﻟﻮﺍﻥ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺍﻷﺭﺽ ﻭﺍﻟﺠﺒﺎﻝ .
ﺣﻴﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﺃﻡ ﺍﻟﻘﺮﻯ ﻭﺗﺮﻯ ﻣﺂﺫﻥ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﺍﻟﻌﺘﻴﻖ ﺍﻟﻤﻌﻤﻮﺭ ، ﻓﺈﻧﻚ ﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻬﻴﺄ ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ ، ﻭﻟﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﺃﻫﻼً ﻟﻠﺪﺧﻮﻝ . ﻻﺗﺘﻌﺠﻞ ، ﺗﺮﻳﺚ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﺸﻮﺩ ﺍﻟﺮﺍﻛﻌﻴﻦ ﻭﺍﻟﺴﺎﺟﺪﻳﻦ .. ﺍﻧﻈﺮ ﺇﻟﻰﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﻦ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ ، ﻛﻤﺎ ﻳﺠﺮﻱ ﺍﻟﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻋﺮﻭﻕ ﺍﻟﺸﺠﺮﺓ.
ﺗﺨﻴﻞ ﻧﻘﻄﺔ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻛﻤﺎ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﺘﺠﺎﻧﻲ ﻳﻮﺳﻒ ﺑﺸﻴﺮ ﺭﺣﻤﻪ ﺍﻟﻠﻪ :-
ﺭﺏ ﻓﻲ ﺍﻹﺷﺮﺍﻗﺔ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻃﻴﻨﺔ ﺁﺩﻡ
ﺃﻣﻢ ﺗﺰﺣﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻭﺃﺭﻭﺍﺡ ﺗﺤﺎﻭﻡ
ﺃﺩﺧﻞ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺇﻧﻚ ﻋﺎﺭٍ ﻛﻤﺎ ﻭﻟﺪﺗﻚ ﺃﻣﻚ ﻟﻮ ﺗﺪﺭﻱ ﺭﻏﻢ ﺍﻹﺯﺍﺭ ﺣﻮﻝ ﻭﺳﻄﻚ ﻭﻋﻠﻰ ﻛﺘﻔﻴﻚ .. ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻄﻮﻓﻮﻥ ﻋﺮﺍﺓ ﻓﻲﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ ، ﺯﻣﺎﻥ ﺑﻜﻮﺭﺓ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺃﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ! ﺍﻟﺒﺬﺍﺀﺓ ﺟﺎﺀﺕ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻄﻮﺍ ﻭﺳﻘﻂ ﻋﻨﻬﻢ ﻟﺒﺎﺱ ﺍﻟﻄﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺩﻭﺱ ﻭﺑﺪﺕ ﻟﻬﻢ ﻛﻤﺎ ﺑﺪﺕ ﻵﺩﻡ ﻭﺣﻮﺍﺀ ﺳﻮﺍﺀﺗﻬﻢ ..
ﺇﻧﺪﺱ ﻓﻲ ﻏﻴﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﺷﺊ ، ﻻ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻧﺜﺎﺭ ﺍﻟﻬﺒﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻮﺕ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻣﻬﻤﺎ ﺑﻠﻎ ﺷﺄنك ﻓﻲ ﻣﻮﺍﺯﻳﻦ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ .. ﻓﻚ ﺍﻷﻏﻼﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺒﻠﺘﻚ ﺑﻬﺎ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ، ﺗﺨﻔﻒ ﻣﻦ ﺃﺛﻘﺎﻟﻚ ﻗﺪﺭ ﺍﻟﻤﺴﺘﻄﺎﻉ .. ﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﺟﺎﻩ ﻓﺄﺭﻡ ﻋﻨﻚ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺟﺎﻫﻚ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﻣﺎﻝ ، ﻓﺄﻟﻖ ﺑﺨﺰﺍﺋﻨﻚ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺒﺤﺮ ، ﻭﺇﻥ ﻛﻨﺖ ﺻﺎﺣﺐ ﺇﺳﻢ ﺃﻭ ﺻﻴﺖ ، ﻓﻠﻦ ﻳﻐﻨﻲ ﻋﻨﻚ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﻻ ﺻﻴﺘﻚ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺰﺣﺎﻡ .. ﺃﻧﺲ ﺇﻥ إﺳﺘﻄﻌﺖ ﻭﻟﻜﻨﻚ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ، ﻓﺄﻧﺖ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺑﻬﺎ ﻭﻫﻲ ﻣﺤﻴﻄﺔ ﺑﻚ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﻤﻮﺕ ، ﺃﻗﺮﺏ إليك ﻣﻦ ﺣﺒﻞ ﺍﻟﻮﺭﻳﺪ .
ﺇﻧﻤﺎ ﺣﺎﻭﻝ ﺟﻬﺪﻙ ، ﻓﻮﺷﻴﻜﺎً ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ .
ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺠﺮ ﺍﻷﺳﻮﺩ ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﺣﺠﺮﺍ ً، ﻭﺗﻌﻠﻖ ﺑﺄﺫﻳﺎﻝ ﺍﻟﻜﻌﺒﺔ .
ﻭإﺳﺘﻨﺸﻖ ﺍﻟﻌﻄﺮ ، ﻓﻬﻮ ﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﻋﻄﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ . ﻭﺗﻜﻮﻥ ﺳﻌﻴﺪﺍً ﺇﺫﺍ ﺟﺮﺕ ﺍﻟﺪﻣﻮﻉ ﻣﻦ ﻋﻴﻨﻴﻚ ، ﻭﺧﻔﻖ ﻗﻠﺒﻚ ﻭﺇﻫﺘﺰﺕ ﺃﺭﻛﺎﻥ ﺫﺍﺗﻚ .
ﻫﺮﻭﻝ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺼﻔﺎ ﻭﺍﻟﻤﺮﻭﺓ ﻛﻤﺎ ﻫﺮﻭﻟﺖ ﺃﻡ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ﺃﻭﻝ ﺍﻷﻣﺮ ، ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﻳﺒﻜﻲ ، ﻭﻻ ﻣﺎﺀ ﻭﻻ ﻗﻮﺕ ﻭﻻ ﺃﻫﻞ ، ﻭﺷﺊ ﺟﻠﻴﻞ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺤﺪﺙ ﻟﻪ ﻃﻌﻢ ﺍﻟﻤﺄﺳﺎﺓ .
ﺛﻢ ﺃﺟﻠﺲ ﻓﻲ ﺻﺤﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ، ﻭﺗﺄﻣﻞ ﻭﺗﻤﻬﻞ ، ﻭﺗﺰﻭﺩ ﻭﺳﻌﻚ .ﻋﻤﺎ ﻗﻠﻴﻞ ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﺎ ﻛﻨﺖ ﻓﻴﻪ ، ﺳﻮﻑ ﺗﻄﻤﺮﻙ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﻬﻤﻮﻣﻬﺎ ، ﺃﻫﻮﺍﺋﻬﺎ ﻭ ﺃﻛﺎﺫﻳﺒﻬﺎ .. ﺳﻮﻑ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻫﻚ ﻭﺳﻠﻄﺎﻧﻚ ، ﺇﻟى ﻣﺎﻟﻚ ﻭﺧﺪﻣﻚ ﻭﺣﺸﻤﻚ ، ﺇﻟﻰ ﺇﺳﻤﻚ ﻭﺻﻴﺘﻚ .. ﻛﻨﺖ ﻣﺘﺴﺮﺑﻼً ﻭﺃﻧﺖ ﻋﺎﺭٍ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ .. ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺘﻠﺒﺲ ﺛﻴﺎﺑﻚ ﻭﺃﻭﻫﺎﻣﻚ ﻭﺷﻬﻮﺍﺗﻚ ، ﺳﻮﻑ ﺗﺮﺗﺪ ﺇﻟﻰ ﻋﺮﻳﻚ ﺍﻟﻘﺪﻳﻢ ﻓﺘﻤﻬﻞ ﻭﻻ ﺗﻌﺠل ، ﻭﻗﺪ ﺗﻔﻴﻖ ﻭﻗﺪ ﻻ ﺗﻔﻴﻖ....
بقلم الطيب صالح