حيدر عاشور
لم يغادر كفاح وتوت في جُلِّ نصوصه على رسالة الحب بلغة الشعر السردي، حيث تتمتع الرموز والدلائل في حد ذاتها بشفافية خاصة وتكتسب عمقا يرسمها من خصوصياته مع وضع مفرداته بوضع التميز الذاتي وهنا لا تعود رمزية نصوصه مجرد شعر وإنما تنتقل لتصبح شيئا من السرد. فيكتسب الشعر سمة المسماة (السردية الشعرية) وتنتج عن ذلك البنية التي تسمى التوازي ما بين -الشعر والومضة والاقصوصة- لو قرأنا عنوان مجموعته (قلقي شاسع صحراؤك ضيقة) وهذا ما ذكره القاص المخضرم طالب عباس الظاهر في كتابه (مرايا السرد) " كثيرا ما نطالع وصفا شعريا يسمى ب(السرد الشعري) أي ان تكون السردية في خدمة الشعر".
نستنتج من بنية التوازي ما بين الشعر والسرد هو تذوق الصور الشعرية بذائقة تحقق على وجه الخصوص باعتماد الشاعر على الاستعارة السردية ليقترب من القصة الذي تعتمد اساسا على الكناية او المجاز. كما في نص (عشقٌ باسل) يقول وتوت" وأنا هنا ما زلتُ أوقدُ شمعةً فبها أدورُ على الردى وأُقابلُ .. وبها أبددُ عتمةً من أنفسٍ عاشت على أوهامها تتقابلُ"
ولعل من يقرأ قصائد (كفاح وتوت) يتحسس بعض روح القص فيها من خلال الامساك بالفكرة المستوحاة من مخيلته فتشد اليها قارءها شداً وثيقاً وتدفعه للبحث عن اسرارها، بسبب ذلك السرد الشعري الذي يتجاوب فيما بينه باستمرار ويزيح الملل من القراءة. وهذه نقطة استغلها الشاعر ليدخل المتلقي في تلك الالفاظ والاخيلة التي تجعل من القصيدة قصة. ويبدو أنه كان ناجحا في سحب المتلقي ان يجمع ما بين الشعر والقصة من خلال تركيب بعض الصور التي تعتمد التشبيهات الوصفية.. فهو يقول: "ما زلتُ أحبو كما الوادي الى جبلِ ولهفتي في الصباح الدرب لم تزل... سيان تمضي بيَ الايام مُغبرةً إن كنتُ فوق حصان أو على جملِ"...
هذا مطلع نص(لُهاث) الذي بدأ به مجموعته الشعرية وكأنه يهيأ الجو للقراءة كي ينساب المتلقي معه في جو الاسى والاحباط والتذمر من الحياة والذهول انتهاء بالتأمل. ويمكن يريد ان ينقل القارئ الى لحظة احساس عبثية، اوحى بها بـ(الحبو) صورة سردية عن التعب والارهاق والضجر والتأزم الانفعالي لديه. وما من شك بقدرات الفنان الشاعر (وتوت) وبسليقته الشعرية توفرت الشروط الفنية في النص الشعري والذي بدونها لا يقرأ الشعر شعرا اضافة الى توفر شرطين مهمين في نصوصه -الصدق والجمال الشعري- كما تتجلى في مجموعته (قلقي شاسع صحراؤك ضيقة) بشكل خاص أنها تتميز بحساسية بالغة، بادراك سريع حاد لما يعتمل في ذاته وما يفكر به ويحس به الاخرون الذين هم على صلة به.
لذا ورد في نص الذي يحمل نفس اسم المجموعة" وأسري إثر قافلة الأماني فيوقفني المخاتل والوضيع.. هي الأنهار تجري في مداها لتشربها الصحارى".. ومن ثمة ينتقل الى صورة سردية أخرى.." أحاول رسم خارطةٍ -وأعدوا- بلون الحبّ يسكنها الجميع". من خلال هذا النص نراه يمرر على المتلقي أفكار واعظيه وتوعوية وتذكرية صارخة ومفردات بالشعر السردي، الملحة والملازمة والمعاصرة للإنسان. قد تكون قضية او مجموعة من القضايا عاشها بشكل شخصي وعكسها شعرا بمخيلته وقربها من قضية اجتماعية يعاني منها الاغلبية من الناس.. وهو أمر مسلم به أنه بذكائه وخبرته في الكتابة استفاد من الواقع والاحاديث العامة والخاصة المبسترة.
ونصل الى ان (كفاح وتوت) يعتمد اساسا في بناء نصوصه على شخصيته المحورية على خصائصها الذاتية وتغذيتها من الانفعالات الخارجية وما يحيط به، وان حدث شيء وخرج عن اطار بيئته فأن شخصيته الشعرية لا تغير له اهمية بل تكون متشابهة ومتساوية في عمق المفردة وتأويلها ودلالاتها الرمزية والصورية وبناء مضمونها.. أي ان جميع نصوصه قد ركز بها قدرته الشعرية السردية وصهرها جميعها في بوتقة تجمع الحب الى جانب رسالة مفتوحة لتيه الانسان في اتباع اصوات متنافرة، وكل متلقي قد يفهمها حسب هواه . يقول في نص (الذي يبقى):" ما الذي فينا تبقى صودرت أقمارنا أحلامنا ومضت أفكارنا غربا وشرقا .. ما الذي فينا تبقى حُرق الاخضر واليابس". صورة سردية شعرية تشير الى رؤية الشاعر لفرض مفهوم واضح الاشارة هو تحول الانسان عن مبادئه وتقاليد بلده التي تزداد خطورة على الاجيال القادمة والمستقبل.
نشير الى هذه الفقرة من النص الشعري الى ضخامة المعنى وجرأة التجربة في روح وانسانية ووطنية(كفاح وتوت) كانسان شاعر بالأخرين ودارك لما يعيشه الوطن من نهب وسلب ومصادرة كل خيراته بلا واعز اخلاقي.. وهي ايضا اشارة الى شيوع كراهية العقل والاطاحة بالعقل والمعقول معا وتهاجم كل الانسانيات العقلانية في البلاد وتسحق مقدراتها العلمية والثقافية وتعم فوضى مستحيلة التعقل والعماء غير المقبول وإفناء التجربة الانسانية الخاسرة العاجزة منذ ان أخذت المسؤولية وركبت سفينة الهداة من البشر.. وهذا ما كان يؤكده بلفظة(حُرق الاخضر واليابس).
بهذا القدر من القول في (قلقه شاسع) أزعم بان الشاعر كفاح وتوت في مجموعته الاخيرة قد نجح تماما في خلق سلاحه الشعري الوحيد في معركة الحياة الانية، وهو يدعم قضية الحب والوطن ما بين القضايا العامة والمشاعر الفردية الخاصة..
نقطة ضوء، مجموعة (قلقي شاسع صحراؤك ضيقة) للشاعر كفاح وتوت من اصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين بحجم متوسط من (75) ورقة تضم تسعة عشر قصيدة وسيرة ذاتية حافلة بالمنجز الابداعي السابق.
لم يغادر كفاح وتوت في جُلِّ نصوصه على رسالة الحب بلغة الشعر السردي، حيث تتمتع الرموز والدلائل في حد ذاتها بشفافية خاصة وتكتسب عمقا يرسمها من خصوصياته مع وضع مفرداته بوضع التميز الذاتي وهنا لا تعود رمزية نصوصه مجرد شعر وإنما تنتقل لتصبح شيئا من السرد. فيكتسب الشعر سمة المسماة (السردية الشعرية) وتنتج عن ذلك البنية التي تسمى التوازي ما بين -الشعر والومضة والاقصوصة- لو قرأنا عنوان مجموعته (قلقي شاسع صحراؤك ضيقة) وهذا ما ذكره القاص المخضرم طالب عباس الظاهر في كتابه (مرايا السرد) " كثيرا ما نطالع وصفا شعريا يسمى ب(السرد الشعري) أي ان تكون السردية في خدمة الشعر".
نستنتج من بنية التوازي ما بين الشعر والسرد هو تذوق الصور الشعرية بذائقة تحقق على وجه الخصوص باعتماد الشاعر على الاستعارة السردية ليقترب من القصة الذي تعتمد اساسا على الكناية او المجاز. كما في نص (عشقٌ باسل) يقول وتوت" وأنا هنا ما زلتُ أوقدُ شمعةً فبها أدورُ على الردى وأُقابلُ .. وبها أبددُ عتمةً من أنفسٍ عاشت على أوهامها تتقابلُ"
ولعل من يقرأ قصائد (كفاح وتوت) يتحسس بعض روح القص فيها من خلال الامساك بالفكرة المستوحاة من مخيلته فتشد اليها قارءها شداً وثيقاً وتدفعه للبحث عن اسرارها، بسبب ذلك السرد الشعري الذي يتجاوب فيما بينه باستمرار ويزيح الملل من القراءة. وهذه نقطة استغلها الشاعر ليدخل المتلقي في تلك الالفاظ والاخيلة التي تجعل من القصيدة قصة. ويبدو أنه كان ناجحا في سحب المتلقي ان يجمع ما بين الشعر والقصة من خلال تركيب بعض الصور التي تعتمد التشبيهات الوصفية.. فهو يقول: "ما زلتُ أحبو كما الوادي الى جبلِ ولهفتي في الصباح الدرب لم تزل... سيان تمضي بيَ الايام مُغبرةً إن كنتُ فوق حصان أو على جملِ"...
هذا مطلع نص(لُهاث) الذي بدأ به مجموعته الشعرية وكأنه يهيأ الجو للقراءة كي ينساب المتلقي معه في جو الاسى والاحباط والتذمر من الحياة والذهول انتهاء بالتأمل. ويمكن يريد ان ينقل القارئ الى لحظة احساس عبثية، اوحى بها بـ(الحبو) صورة سردية عن التعب والارهاق والضجر والتأزم الانفعالي لديه. وما من شك بقدرات الفنان الشاعر (وتوت) وبسليقته الشعرية توفرت الشروط الفنية في النص الشعري والذي بدونها لا يقرأ الشعر شعرا اضافة الى توفر شرطين مهمين في نصوصه -الصدق والجمال الشعري- كما تتجلى في مجموعته (قلقي شاسع صحراؤك ضيقة) بشكل خاص أنها تتميز بحساسية بالغة، بادراك سريع حاد لما يعتمل في ذاته وما يفكر به ويحس به الاخرون الذين هم على صلة به.
لذا ورد في نص الذي يحمل نفس اسم المجموعة" وأسري إثر قافلة الأماني فيوقفني المخاتل والوضيع.. هي الأنهار تجري في مداها لتشربها الصحارى".. ومن ثمة ينتقل الى صورة سردية أخرى.." أحاول رسم خارطةٍ -وأعدوا- بلون الحبّ يسكنها الجميع". من خلال هذا النص نراه يمرر على المتلقي أفكار واعظيه وتوعوية وتذكرية صارخة ومفردات بالشعر السردي، الملحة والملازمة والمعاصرة للإنسان. قد تكون قضية او مجموعة من القضايا عاشها بشكل شخصي وعكسها شعرا بمخيلته وقربها من قضية اجتماعية يعاني منها الاغلبية من الناس.. وهو أمر مسلم به أنه بذكائه وخبرته في الكتابة استفاد من الواقع والاحاديث العامة والخاصة المبسترة.
ونصل الى ان (كفاح وتوت) يعتمد اساسا في بناء نصوصه على شخصيته المحورية على خصائصها الذاتية وتغذيتها من الانفعالات الخارجية وما يحيط به، وان حدث شيء وخرج عن اطار بيئته فأن شخصيته الشعرية لا تغير له اهمية بل تكون متشابهة ومتساوية في عمق المفردة وتأويلها ودلالاتها الرمزية والصورية وبناء مضمونها.. أي ان جميع نصوصه قد ركز بها قدرته الشعرية السردية وصهرها جميعها في بوتقة تجمع الحب الى جانب رسالة مفتوحة لتيه الانسان في اتباع اصوات متنافرة، وكل متلقي قد يفهمها حسب هواه . يقول في نص (الذي يبقى):" ما الذي فينا تبقى صودرت أقمارنا أحلامنا ومضت أفكارنا غربا وشرقا .. ما الذي فينا تبقى حُرق الاخضر واليابس". صورة سردية شعرية تشير الى رؤية الشاعر لفرض مفهوم واضح الاشارة هو تحول الانسان عن مبادئه وتقاليد بلده التي تزداد خطورة على الاجيال القادمة والمستقبل.
نشير الى هذه الفقرة من النص الشعري الى ضخامة المعنى وجرأة التجربة في روح وانسانية ووطنية(كفاح وتوت) كانسان شاعر بالأخرين ودارك لما يعيشه الوطن من نهب وسلب ومصادرة كل خيراته بلا واعز اخلاقي.. وهي ايضا اشارة الى شيوع كراهية العقل والاطاحة بالعقل والمعقول معا وتهاجم كل الانسانيات العقلانية في البلاد وتسحق مقدراتها العلمية والثقافية وتعم فوضى مستحيلة التعقل والعماء غير المقبول وإفناء التجربة الانسانية الخاسرة العاجزة منذ ان أخذت المسؤولية وركبت سفينة الهداة من البشر.. وهذا ما كان يؤكده بلفظة(حُرق الاخضر واليابس).
بهذا القدر من القول في (قلقه شاسع) أزعم بان الشاعر كفاح وتوت في مجموعته الاخيرة قد نجح تماما في خلق سلاحه الشعري الوحيد في معركة الحياة الانية، وهو يدعم قضية الحب والوطن ما بين القضايا العامة والمشاعر الفردية الخاصة..
نقطة ضوء، مجموعة (قلقي شاسع صحراؤك ضيقة) للشاعر كفاح وتوت من اصدارات الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين بحجم متوسط من (75) ورقة تضم تسعة عشر قصيدة وسيرة ذاتية حافلة بالمنجز الابداعي السابق.