أدب السجون حسن عبادي - متنفَّس عبرَ القضبان (8)

بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون، زرت أحمد وكميل وعاصم، باسم، حسام وسائد، كريم ووليد، ناصر ومروان، وائل وشادي وغيرهم ودوّنت على صفحتي انطباعاتي الأوليّة، تواصل معي الكثيرون وشدّني ما كتبه الدكتور يوسف عراقي:"المشاعر والكلمات لها أجنحة لا يمكن للقضبان أن تمنعها من التحليق في فضاء الحريّة وتصل إلى حيث يجب. أنّها الحبل السريّ بين الأسير والوطن الأم"، أما الكاتب بسّام الكعبي فعقّب:"نصّ مؤثِّر يثبت أنّ لغة الكفاح المتماسكة والجميلة لا تليق إلّا بقامات عالية تشرق منها الشمس. كلّ الأمنيات أن يتحرّر عاصم وجميع رفاق الأسر من قبضة السجّان ويصنعون وطنًا يليق بتضحياتهم العظيمة وكفاحهم المرير، وطن يمتد من البحر إلى النهر يعيش فيه شعب فلسطين بعدالة ومساواة".

تبادلنا الأفكار وتثاقفنا، تحدّتنا كلّ وحكايته، ووجدت اللقاء وما يكتبونه متنفّسًا عبر القضبان.

بِدّي الدشداشة

تعرّفت على الأسير عاصم الكعبي عبر نصوص سرديّة مفتوحة لأخيه بسام من خلال سلسلة مقالات:"في يوم الأرض: الطريق الطويلة إلى النقب المحتلّ"،"جمر المحطّات في الطريق إلى نفحة الصحراويّ"، هداريم: جدران عازلة وقامات عالية"،"صلاة خاطفة لقلب يتمزّق"وغيرها، وكتابه"جمر المحطّات". يقبع عاصم خلف القضبان منذ 24 آذار 2003، زرته هذا الصباح في سجن النقب الصحراويّ –كتسيعوت- (أنصار 3).

أطلّ مكبّلًا بالسلاسل في رجليه، مبتسمًا، ابتسامة أنستني مشقّة السفر من حيفا في الخامسة والنصف صباحًا لمدّة ثلاث ساعات، وكان ملتحيًا، سألته عن سرّ اطلاق ذقنه فأجابني أنّ الأمر تحضيرًا لتحرّره من الأسر بعد 14 شهرًا!!

أخرج من جيبه قلمًا وقال لي منفعلًا أنّ هذا القلم من والدة الأسير سامر المحروم رحمها الله، أحتفظ به منذ عام 2006. وفي طريقه للقائي نجح أن يُريه لسامر للمرّة الأولى حين ركبا ذات البوسطة، ويريد أخذه معه للحريّة!

تحدّثنا الكثير عن الأسر وساعة عناقه لشمس الحريّة القريب، أمنيته أن ينجح بإخراج دشداشة أهدتها له والدته كلثوم ذوقان الكعبي (رحمها الله) ونجحت عام 2007 بإدخالها للسجن بعد محاولات استمرّت أربع سنوات، عاصم يفكّر بوالدته التي بدأت رحلتها المنتظمة إلى السجون لتزور أبناءها الخمسة لترحل فجر عيد الفطر الجريح 28 تموز 2014 وهي بانتظاره! لم تحظ بدمعة فرح في مقلتيها ساعة عناقه محرّرًا... فاض نهر أحزانها ولم يعد قلبها يحتمل مرارة أكثر، شقّت الأحزان جدول يوميّاتها ورسمت خارطة حياتها، لم تتذوّق حلو الحياة منذ اعتقال ابنها أحمد في أيار 1980 وتلاه اعتقال باسم، بسام، عصام وعاصم وحُرِم من عناقها.

أراني دبلة الخطوبة التي أهدتها له عروسه (اخترقت القضبان بعد عناد استمر ثمانية أشهر) وكُتِب عليها:"عاصم وصموده حطّم سلاسل قيده"، وحدّثني عن الدبلة التي أهداها لعروسه وكُتِب عليها:"لصمود الحب كُسِر قيد عاصم"!ّ

"الحبّ هو الوجه الآخر للحرب"

تعرّفت على الأسير هيثم جمال علي جابر عبر كتاباته، قرّرت لقائه ضمن مشروعي التواصليّ مع أسرى يكتبون، بناءً على توصية من صديقي الناشر خالد خندقجي(أبو يسار)، صاحب المكتبة الشعبيّة النابلسيّة، زرته هذا الصباح في سجن النقب الصحراويّ –كتسيعوت- (أنصار3).

أطلّ مكبّلًا بالسلاسل في رجليه، مبتسمًا، باغتني قائلًا: مبروك، وحين سألته عن سبب المباركة فأجابني: ميلاد ميلاد!!!

تحدّثنا عن الاحتفال بمناسبة إشهار مجموعته الشعريّة الأخيرة، ناقشنا إصداراته: مجموعته الشعريّة"زفرات في الحَرب والحُب"، كتابه"الأسير"ليعرّف الناس على حياة الأسير منذ اعتقاله وما يمرّ به والحركة الأسيرة، مجموعته القصصيّة"العرس الأبيض"التي تحاكي الوضع الفلسطينيّ من النكبة إلى الشتات واللجوء، روايته"الشهيدة"التي تناولت الوضع الأمني وجوانب سياسيّة وبُعدها العربي والإسلامي.

تحدّثنا عن التعدديّة الثقافيّة والآخر، مرثيّته لناجي العلي وقبره في المقبرة الإسلاميّة في لندن(بروك وود، قبر رقم 230191)، مرثيّته لجورج حبش، أشعاره الغزليّة فهو لا يريد تقليد أحمد مطر وثوريّته أو نزار قبّاني ومدرسته الغزليّة، ويقول للمتلقّي: أحكم على نصّي وليس شخصي أو كوني خلف القضبان، يؤمن أنّ الحبّ هو الوجه الآخر للحرب!

تناولنا مشروعه الثقافي المستقبليّ وتعامل دور النشر مع كتابات الحركة الأسيرة ونشرها وحدّثته عن دور دار الرعاة، المكتبة الشعبيّة وطباق.

داهمنا الوقت مسرعًا وسامر ينتظر...

"بصمة إنسانيّة"

تعرّفت على الأسير سامر عصام المحروم عبر روايته"ليس حلمًا"التي أوصاني بقراءتها صديقي بسّام، زرته هذا الصباح في سجن النقب الصحراويّ –كتسيعوت- (أنصار 3) بعد لقائي بعاصم وهيثم.

أطلّ مكبّلًا بالسلاسل في رجليه، مبتسمًا، وكنت قد أفقت من الصدمة بلقاء أسير مكبّل الرجلين، فتحدّثنا عن الأمر، فقال إنّها محاولة إذلال وكسر معنويّات الأسير ولا علاقة لها بالأمن ومتطلّباته، فالإدارة تتحكّم بكلّ صغيرة وكبيرة.

تحدّثنا عن كتابه الأول"دائرة الألم"وعن روايته"ليس حلمًا"ودور المرأة، السجن علّمه احترام المرأة أكثر وأكثر نتاج الظلم التاريخي لها وأهميّة تحريرها لنتحرّر، علينا كسر تابوهات عديدة.
يحاول الاحتلال تدمير القِيَم وشيطنة الفلسطيني عامّة والأسير خاصّة، ولهذا يطمح بأن يعيش في وطن يشعر الإنسان فيه أنّه محترم.

تحدّثنا عن التعدديّة وأهميّة احترام المختلف وتقبّل الآخر، فيطمح في كتاباته أن يترك بصمة إنسانيّة في الحياة.

ميلاد ميلاد حلّق في فضاء اللقاء، حدّثني عن تفجير باب بيته ساعة اعتقاله ممّا أدّى لفقدان توءمين، أجنّة عمرها خمسة شهور، وها هو يحقّق حلمه وينتصر على سجّانه ليصير أبًا لياسمين وآدم رغم القضبان والزنازين، نتاج نطفتين مهربّتين.

رحلة صحراويّة رحلة صعبة، لقاء مع عاصم وهيثم وسامر...ثلاثة عوالم مختلفة تركت بصمات مميّزة.

لكم أعزائي عاصم، هيثم وسامر أحلى التحيّات، الحريّة لكم ولجميع رفاق دربكم من أسرى الحريّة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
أدب السجون والمعتقلات
المشاهدات
339
آخر تحديث
أعلى