بدأت مشواري التواصليّ مع أسرى أحرار يكتبون رغم عتمة السجون في شهر حزيران 2019؛ زرت أحمد وأحمد، باسم، حسام، سامر وسامر، سائد، شادي، طيون، عاصم، كريم، كميل، مروان، ناصر، هيثم، وائل ووائل، وليد، معتز، منذر، وموسى وغيرهم ودوّنت على صفحتي في الفيسبوك انطباعاتي الأوليّة؛ تعاصفنا وتثاقفنا، نعم، وجدت لقائي بهم، بأفكارهم وبكتاباتهم متنفّسًا عبر القضبان.
صمتُنا عارُنا
غادرت حيفا صباح يوم الإثنين 20 تموز، رافقني الصديق مصطفى نفاع، واتجهت جنوبًا للقاء الأسير إسلام صالح محمد جرار في سجن إيشيل ببئر السبع، مشوار كلّه تفكير بأسرانا وحرمانهم من الحريّة وحين إلتقيت حماسه وبدأنا حديثًا مثيرًا طارت مشقّة السفر والمضايقات الكورونيّة بفضل الحديث عبر حاجز ولكن دون مساعدة السمّاعات الحديديّة المقيتة.
بدايةً، حدّثني عن لقائه الأخير بوالدته، المرحومة رجاء، شهران قبل رحيلها عن هذا العالم فزارته على كرسي متحرّك، مع مسكّنات وإبر، لتخبره بأنّها اشترت له "نمرة أرض" في جنين وكأنّي بها تريد وداعه الوداع الأخير...ما أصعب الفقدان وأنت خلف القضبان!
تحدّثنا عن القراءة والكتابة في السجن، فهو صاحب كتاب "نصر الطيار" الذي صدر مؤخّرا، وعن معاناة الأسرى؛ كلّ وحكايته، وأوجاعهم، ومحاولة العدوّ اليوميّة لشيطنتهم.
قضيّة الأسرى جامعة، توحّد كلّ أطياف الشعب الفلسطيني، آن الأوان لتدويلها والوصول إلى حركة عالمية للدفاع عن حقوق الأسرى الفلسطينيين، في ظل الهجوم الشرس الذي يتعرضّون له من قبل سلطات الاحتلال، التي تضيّق الخناق على حياتهم اليومية وتنتهك أبسط الحقوق الإنسانيّة.
حدّثني بحرقة عن الأسرى المرضى، منهم من يعاني من ظروف صحية صعبة للغاية، تُواجَه بوحشيّة وساديّة من السجّان، يموت بشكل بطيء،(منهم من هو مقيّد بالبرش)، والإهمال الطبّي حيث يُمنع الفحوصات والعلاج، قضايا إنسانيّة يجب تسليط الضوء عليها بصورة مختلفة، ومؤثّرة في العالم حتى يتحرّك، ناهيك عن انتهاك حقوق الأسرى الأطفال، الأسيرات والاعتقال الاداري، حيث مضى على بعض الأسرى عشر سنوات وأكثر داخل السجون دونما محاكمة أو تهمة توجّه إليهم، وإنما اعتقال بقرار عسكري لدوافع احترازية.
تحدّث بحماس عن التعذيب والقمعات المتتالية والعقاب الجماعي لأتفه الأسباب.
كلّ هذا ونحن صامتون صمت أهل القبور. صمتُنا عار!
مرّت الساعات مُهرولة، وإسلام(وأنا، على غير عادتي) يتحدّث بحماس... أملًا بحُريّة قريبة يحلّق في فضاء اللقاء.
لك عزيزي إسلام أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.
كفانا شخيرًا!
رتّبت للقاء ثلاثة أسرى في مستشفى/مسلخ/سجن الرملة سيّئ الصيت؛ إثر إشاعة بإصابة أسير بالكورونا واهتمام صفحة "صوت الأسير" التي يديرها الأسير المحرّر خالد عز الدين بالأمر وتمهيدًا لإطلاق الحملة الدوليّة نتاج حراك للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، يشمل كلّ ألوان الطيف السياسيّ الفلسطينيّ، لإنشاء لجنة عالميّة للدفاع عن حقوق الأسرى.
في طريقي صباح الأربعاء 29 تموز، إستعدتُ ما كتبه الأسير الراحل زهير لبادة في مجموعته القصصيّة "آهات من سجن الرملة"(عانى من فشل كلويّ وأمضى فترة اعتقال طويلة في مستشفى سجن الرملة، أُفرج عنه بعد تدهور حالته الصحية بحالة غيبوبة، تم نقله إلى غرفة العناية المكثّفة في مستشفى نابلسيّ ليموت بعد أسبوع من إطلاق سراحه) التي دوّن فيها رحلة عذاب الأسرى المرضى نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمّد.
التقيت الأسير إياد فوزي عبد الكريم رضوان؛ لم أعرفه من قبل، وكعادتي قبيل لقاء كلّ أسير لا أغوغِل حوله كي لا أبني صورة نمطية مُسبقة، وحين عرّفني على حاله قال: المعروف ب"طبنجة"، لكسر الحاجز الأوّلي. سألت عن سرّ تسميته فابتسم وقال لي إنّي أعدته لطفولته، فمنذ دخوله السجن لم يُسأل هاذا السؤال، ولُقِّب بهذا اللقب لأنّه كان طفلًا سمينًا.
حدّثني بحماس عن ناهض/منصور/خالد/معتصم/صالح/موفّق وغيرهم، فهم رفاقه في المسلخ(يوجد 17 مريضًا)؛ منهم من بُتِرت رجلاه، "بطنه برّا"، شللًا كاملًا، مرض الأمعاء، سرطان المعدة، الفشل الكلوي، أمراض القلب، البواسير، ألم الأسنان، ألم الرأس المُزمن، وجع الظهر، الأزمة، عمليات في العيون...ومحمد ابن التاسعة عشرة مع مرض السرطان بين الحياة والموت، كلّ منهم مشروع موت مؤكّد!
حدّثني بحِرقة عن التقصير تجاههم، فهم منسيّون ومهمّشون، لا أحد يهتّم بهم، قال لي: "جبال لو حطّناها هون بتنهار!"، لا نريد جنازات رئاسيّة رسميّة ونياشين، بدنا نعيش. الكلّ نيام وشخيرهم وصل لبعيد. كفى!!
بدأ في الآونة الأخيرة حراك للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، يشمل كلّ ألوان الطيف السياسيّ الفلسطينيّ، لإنشاء لجنة عالميّة للدفاع عن حقوق الأسرى، وخاصّة الاهمال الطبّيّ والواقع المأساويّ فيما يُسمّى بمشفى سجن الرملة، ممّا يتوجّب تعزيز الأدوات القانونيّة والإعلاميّة لمواجهة حملة التشويه المستمرّة من قبل سلطات الاحتلال ضدّ الأسرى الفلسطينيّين، وتحديدًا على الصعيد الدوليّ، بمشاركة فعّالة للجاليات والمؤسّسات الفلسطينيّة الفاعلة في الخارج.
تدويل قضيّة الإهمال الطبّيّ للأسرى، لمنع القتل القادم، لعلّ وعسى أن ينفع الضغط العالميّ في تحريك هذا الملفّ الشائك؛ مقاضاة سلطة السجون، محليًّا وعالميًّا، لتشكّل ضغطًا على السلطات من أجل صحّة أسرانا المرضى وعلاجهم.
ملاحظة لا بدّ منها؛ مشاهدة أسير يسمع نتيجة الفحص بأنّه غير مصاب بالكورونا، وزفّ البشرى لوالدية سعادة لا توصف!
لك عزيزي إياد أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.
الهوامش
[1] الأسير إسلام جرار أُعتقل عام 2002، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد المكرّر تسع مرات إضافة إلى 50 عامًا..
[2] الأسير إياد رضوان أُعتقل عام 2003 حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيلية بحقّه حكماً يقضي بالسجن 25 عامًا.
صمتُنا عارُنا
غادرت حيفا صباح يوم الإثنين 20 تموز، رافقني الصديق مصطفى نفاع، واتجهت جنوبًا للقاء الأسير إسلام صالح محمد جرار في سجن إيشيل ببئر السبع، مشوار كلّه تفكير بأسرانا وحرمانهم من الحريّة وحين إلتقيت حماسه وبدأنا حديثًا مثيرًا طارت مشقّة السفر والمضايقات الكورونيّة بفضل الحديث عبر حاجز ولكن دون مساعدة السمّاعات الحديديّة المقيتة.
بدايةً، حدّثني عن لقائه الأخير بوالدته، المرحومة رجاء، شهران قبل رحيلها عن هذا العالم فزارته على كرسي متحرّك، مع مسكّنات وإبر، لتخبره بأنّها اشترت له "نمرة أرض" في جنين وكأنّي بها تريد وداعه الوداع الأخير...ما أصعب الفقدان وأنت خلف القضبان!
تحدّثنا عن القراءة والكتابة في السجن، فهو صاحب كتاب "نصر الطيار" الذي صدر مؤخّرا، وعن معاناة الأسرى؛ كلّ وحكايته، وأوجاعهم، ومحاولة العدوّ اليوميّة لشيطنتهم.
قضيّة الأسرى جامعة، توحّد كلّ أطياف الشعب الفلسطيني، آن الأوان لتدويلها والوصول إلى حركة عالمية للدفاع عن حقوق الأسرى الفلسطينيين، في ظل الهجوم الشرس الذي يتعرضّون له من قبل سلطات الاحتلال، التي تضيّق الخناق على حياتهم اليومية وتنتهك أبسط الحقوق الإنسانيّة.
حدّثني بحرقة عن الأسرى المرضى، منهم من يعاني من ظروف صحية صعبة للغاية، تُواجَه بوحشيّة وساديّة من السجّان، يموت بشكل بطيء،(منهم من هو مقيّد بالبرش)، والإهمال الطبّي حيث يُمنع الفحوصات والعلاج، قضايا إنسانيّة يجب تسليط الضوء عليها بصورة مختلفة، ومؤثّرة في العالم حتى يتحرّك، ناهيك عن انتهاك حقوق الأسرى الأطفال، الأسيرات والاعتقال الاداري، حيث مضى على بعض الأسرى عشر سنوات وأكثر داخل السجون دونما محاكمة أو تهمة توجّه إليهم، وإنما اعتقال بقرار عسكري لدوافع احترازية.
تحدّث بحماس عن التعذيب والقمعات المتتالية والعقاب الجماعي لأتفه الأسباب.
كلّ هذا ونحن صامتون صمت أهل القبور. صمتُنا عار!
مرّت الساعات مُهرولة، وإسلام(وأنا، على غير عادتي) يتحدّث بحماس... أملًا بحُريّة قريبة يحلّق في فضاء اللقاء.
لك عزيزي إسلام أحلى التحيّات، الحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.
كفانا شخيرًا!
رتّبت للقاء ثلاثة أسرى في مستشفى/مسلخ/سجن الرملة سيّئ الصيت؛ إثر إشاعة بإصابة أسير بالكورونا واهتمام صفحة "صوت الأسير" التي يديرها الأسير المحرّر خالد عز الدين بالأمر وتمهيدًا لإطلاق الحملة الدوليّة نتاج حراك للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، يشمل كلّ ألوان الطيف السياسيّ الفلسطينيّ، لإنشاء لجنة عالميّة للدفاع عن حقوق الأسرى.
في طريقي صباح الأربعاء 29 تموز، إستعدتُ ما كتبه الأسير الراحل زهير لبادة في مجموعته القصصيّة "آهات من سجن الرملة"(عانى من فشل كلويّ وأمضى فترة اعتقال طويلة في مستشفى سجن الرملة، أُفرج عنه بعد تدهور حالته الصحية بحالة غيبوبة، تم نقله إلى غرفة العناية المكثّفة في مستشفى نابلسيّ ليموت بعد أسبوع من إطلاق سراحه) التي دوّن فيها رحلة عذاب الأسرى المرضى نتيجة سياسة الإهمال الطبي المتعمّد.
التقيت الأسير إياد فوزي عبد الكريم رضوان؛ لم أعرفه من قبل، وكعادتي قبيل لقاء كلّ أسير لا أغوغِل حوله كي لا أبني صورة نمطية مُسبقة، وحين عرّفني على حاله قال: المعروف ب"طبنجة"، لكسر الحاجز الأوّلي. سألت عن سرّ تسميته فابتسم وقال لي إنّي أعدته لطفولته، فمنذ دخوله السجن لم يُسأل هاذا السؤال، ولُقِّب بهذا اللقب لأنّه كان طفلًا سمينًا.
حدّثني بحماس عن ناهض/منصور/خالد/معتصم/صالح/موفّق وغيرهم، فهم رفاقه في المسلخ(يوجد 17 مريضًا)؛ منهم من بُتِرت رجلاه، "بطنه برّا"، شللًا كاملًا، مرض الأمعاء، سرطان المعدة، الفشل الكلوي، أمراض القلب، البواسير، ألم الأسنان، ألم الرأس المُزمن، وجع الظهر، الأزمة، عمليات في العيون...ومحمد ابن التاسعة عشرة مع مرض السرطان بين الحياة والموت، كلّ منهم مشروع موت مؤكّد!
حدّثني بحِرقة عن التقصير تجاههم، فهم منسيّون ومهمّشون، لا أحد يهتّم بهم، قال لي: "جبال لو حطّناها هون بتنهار!"، لا نريد جنازات رئاسيّة رسميّة ونياشين، بدنا نعيش. الكلّ نيام وشخيرهم وصل لبعيد. كفى!!
بدأ في الآونة الأخيرة حراك للحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، يشمل كلّ ألوان الطيف السياسيّ الفلسطينيّ، لإنشاء لجنة عالميّة للدفاع عن حقوق الأسرى، وخاصّة الاهمال الطبّيّ والواقع المأساويّ فيما يُسمّى بمشفى سجن الرملة، ممّا يتوجّب تعزيز الأدوات القانونيّة والإعلاميّة لمواجهة حملة التشويه المستمرّة من قبل سلطات الاحتلال ضدّ الأسرى الفلسطينيّين، وتحديدًا على الصعيد الدوليّ، بمشاركة فعّالة للجاليات والمؤسّسات الفلسطينيّة الفاعلة في الخارج.
تدويل قضيّة الإهمال الطبّيّ للأسرى، لمنع القتل القادم، لعلّ وعسى أن ينفع الضغط العالميّ في تحريك هذا الملفّ الشائك؛ مقاضاة سلطة السجون، محليًّا وعالميًّا، لتشكّل ضغطًا على السلطات من أجل صحّة أسرانا المرضى وعلاجهم.
ملاحظة لا بدّ منها؛ مشاهدة أسير يسمع نتيجة الفحص بأنّه غير مصاب بالكورونا، وزفّ البشرى لوالدية سعادة لا توصف!
لك عزيزي إياد أحلى التحيّات، والحريّة لك ولجميع أسرى الحريّة.
الهوامش
[1] الأسير إسلام جرار أُعتقل عام 2002، حكمت عليه المحكمة العسكريّة الإسرائيليّة بالسجن المؤبد المكرّر تسع مرات إضافة إلى 50 عامًا..
[2] الأسير إياد رضوان أُعتقل عام 2003 حكمت المحكمة العسكريّة الإسرائيلية بحقّه حكماً يقضي بالسجن 25 عامًا.